رصد تدفقات متناهية الصغر من البلازما تغذي الرياح الشمسية
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
رغم أن الرياح الشمسية سمة أساسية للشمس، فإن فهم كيفية ومكان توليدها من الشمس ثبت أنه أمر بعيد المنال، ومن ثم كان ذلك محورا رئيسيا لدراسة العلماء لعقود من الزمن.
ومؤخرا كشفت دراسة حديثة -نشرت في دورية "ساينس" أن مركبة فضاء "المتتبع الشمسي" (Solar Orbiter) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ووكالة ناسا- عن عدد كبير من النفثات المتناهية الصغر من المواد الهاربة من الغلاف الجوي الخارجي للشمس.
وتستمر كل دفقة ما بين 20 إلى 100 ثانية، وتطلق البلازما بسرعة حوالي 100 كيلومتر في الثانية، ويمكن أن تكون تلك النفثات هي المصدر الذي يغذي الرياح الشمسية، والذي طال انتظار العلماء لمعرفته.
جاءت البيانات من أداة التصوير الفائقة بالأشعة فوق البنفسجية على متن مركبة المتتبع الشمسي (شترستوك) تصوير الأشعة فوق البنفسجيةتتكون الرياح الشمسية عادة من جسيمات مشحونة تعرف بالبلازما، تفلت بشكل مستمر من الشمس، وتنتشر إلى الخارج عبر الفضاء بين الكواكب، وتصطدم بأي شيء في طريقها، وعندما تصطدم الرياح الشمسية بالمجال المغناطيسي للأرض تنتج الشفق القطبي.
وبفضل أجهزتها المتفوقة، خطت مركبة المتتبع الشمسي بنا خطوة مهمة نحو الأمام لفهم مصدر الرياح الشمسية، إذ جاءت البيانات من أداة التصوير الفائقة بالأشعة فوق البنفسجية (EUI) على متن مركبة المتتبع الشمسي.
ووفقا لما جاء في البيان الصحفي المنشور على موقع الوكالة الأوروبية للفضاء يوم 24 أغسطس/آب الجاري، كشفت صور القطب الجنوبي للشمس التي التقطتها الأداة يوم 30 مارس/آذار 2022 عن مجموعة من السمات الباهتة القصيرة العمر المرتبطة بنفثات صغيرة من البلازما يتم طردها من الغلاف الجوي للشمس.
وفي هذا السياق، يقول لاكشمي براديب تشيتا، من معهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي بألمانيا، وهو المؤلف الرئيسي للورقة التي تصف هذا العمل، "لم نتمكن من اكتشاف هذه النفاثات الصغيرة إلا بسبب الصور غير المسبوقة عالية الدقة وعالية الإيقاع التي تنتجها أداة التصوير الفائقة بالأشعة فوق البنفسجية".
رصدت الأداة البلازما الشمسية بمليون درجة عند أطوال موجية تبلغ 17.4 نانومترا، ويظهر تحليل الصور أن السمات الباهتة التي أظهرها التصوير ناتجة عن طرد البلازما من الغلاف الجوي الشمسي.
تدفق متقطع وليس ثابتا دائماعرف الباحثون منذ عقود أن جزءا كبيرا من الرياح الشمسية يرتبط بهياكل مغناطيسية تسمى الثقوب الإكليلية، وهي مناطق لا يعود فيها المجال المغناطيسي إلى الشمس، ولكن، بدلا من ذلك، يمتد إلى عمق النظام الشمسي، حيث يمكن أن تتدفق البلازما على طول خطوط المجال المغناطيسي "المفتوحة"، متجهة إلى النظام الشمسي، مما يخلق الرياح الشمسية. لكن السؤال كان: "كيف يتم إطلاق البلازما؟".
كان الافتراض التقليدي هو أنه نظرا لأن الإكليل ساخن، فإنه يتوسع بشكل طبيعي ويهرب جزء منه على طول خطوط المجال المغناطيسي، لكن النتائج الجديدة تتحدى الافتراض القائل بأن الرياح الشمسية تنتج فقط نتيجة للتدفق المستمر والثابت للإكليل.
ففي داخل الإكليل، هناك فرق بين التوهجات الشمسية ذات الطاقة الكبيرة، التي تزيد بمليار مرة عما تسمى التوهجات النانوية. أما النفثات الصغيرة التي اكتشفتها مركبة المتتبع الشمسي، فهي أقل نشاطا من ذلك.
وتظهر تلك النفثات الصغيرة طاقة أقل بنحو ألف مرة من التوهج النانوي، وتتوجه معظم تلك الطاقة إلى طرد البلازما. ويشير انتشار تلك النفثات الصغيرة الباهتة في كل مكان إلى أنها تقوم بطرد جزء كبير من المادة التي نراها متمثلة في الرياح الشمسية.
وتعليقا على ما كشفت عنه الصور الجديدة، يقول ديفيد بيرغمانز من المرصد الملكي البلجيكي، والباحث الرئيسي لأداة التصوير الفائقة، إنها "خطوة مهمة للعثور على شيء على القرص يسهم بالتأكيد في الرياح الشمسية".
مع استمرار المهمة، ستقوم مركبة المتتبع الشمسي بتعديل مدارها تدريجيا حول المناطق القطبية (وكالة الفضاء الأوروبية) مزيد من الدراساتفي الوقت الحاضر، لا تزال مركبة المتتبع الشمسي تدور حول الشمس بالقرب من خط الاستواء، حيث تقوم أداة التصوير الفائقة بالتصوير عبر القطب الجنوبي.
ومع استمرار المهمة، ستقوم المركبة الفضائية بتعديل مدارها تدريجيا حول المناطق القطبية. وفي الوقت نفسه، سيتقدم النشاط على الشمس خلال الدورة الشمسية الحالية وتبدأ الثقوب الإكليلية في الظهور عند خطوط عرض مختلفة، مما يوفر منظورا جديدا فريدا.
ومن ثم سيحرص الباحثون على رؤية الجديد الذي يمكنهم جمعه حول النشاط الشمسي، وهو عمل بحثي يتعدى أثره النظام الشمسي.
فالشمس هي النجم الوحيد الذي يمكننا أن نرصد غلافه الجوي عن قرب بمثل هذه التفاصيل، وسوف ينعكس ذلك على فهم ما يحدث في النجوم الأخرى أيضا. وهذا يحوّل هذه الملاحظات إلى اكتشاف عملية فيزيائية فلكية أساسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الریاح الشمسیة فوق البنفسجیة النظام الشمسی
إقرأ أيضاً:
مفاجأة علمية.. الخفافيش تركب الرياح لتغذية هجراتها الملحمية
عندما يتعلق الأمر بالسفر لمسافات طويلة، غالبا ما تسرق الطيور الأضواء، لكنها ليست الوحيدة القادرة على القيام برحلات ملحمية، حيث تعرف حفنة من أنواع الخفافيش بهجراتها التي تمتد لآلاف الكيلومترات عبر القارات، على الرغم من أن سلوكها ظل لغزا حتى وقت قريب.
وفي دراسة رائدة نشرت في مجلة "ساينس" في الثاني من يناير/كانون الثاني، كشف باحثون من معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان كيف تستخدم الخفافيش الرياح العاصفة لتغذية هجراتها، وهذا يلقي الضوء على واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية غموضا.
وركزت الدراسة على خفاش "نوكتيول" الشائع، وهو واحد من 4 أنواع فقط من الخفافيش في أوروبا المعروفة بهجراتها الطويلة. ومن خلال توصيل أجهزة استشعار ذكية خفيفة الوزن بـ71 خفاشا، تتبع الفريق هجرتهم الربيعية عبر القارة، وهذا كشف عن إستراتيجية مفاجئة: الخفافيش "تركب" الكتل الهوائية العاصفة الدافئة لتحلق لمسافات أبعد باستخدام طاقة أقل.
ويعتقد المؤلفون أن هذه النتائج لا تعمق فهمنا لهجرة الخفافيش فحسب، بل لها أيضا آثار مهمة على جهود الحفاظ على البيئة، خاصة في تقليل وفيات الخفافيش الناجمة عن توربينات الرياح.
الخفافيش صغيرة الحجم، وليلية، وتسافر لمسافات شاسعة، وهذا يجعل مراقبتها صعبة (كرمان صافي) قفزة تكنولوجية في تتبع الخفافيشلطالما كانت دراسة هجرة الخفافيش تحديا كبيرا؛ فالخفافيش صغيرة الحجم، وليلية، وتسافر لمسافات شاسعة، وهذا يجعل مراقبتها صعبة.
إعلانوللتغلب على هذه العقبات، طور الفريق البحثي جهاز تتبع صغيرا يزن 5% فقط من كتلة جسم الخفاش. ويحتوي الجهاز المزود بعدة أجهزة استشعار على تسجيل مستويات نشاط الخفافيش ودرجة حرارة الهواء المحيط.
والأكثر من ذلك، أنه قام بضغط 1440 قياسا يوميا من أجهزة الاستشعار في رسالة بحجم 12 بايتا، تم إرسالها عبر شبكة طويلة المدى تشبه نظام الهاتف المحمول.
ويقول المؤلف الرئيس للدراسة "إدوارد هورمي" -وهو باحث ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان في تصريحات لـ"الجزيرة نت"- إن بيانات أجهزة الاستشعار عن بعد كانت "مذهلة"، إذ إن النتائج لم تظهر المسار الذي سلكته الخفافيش فحسب، بل أيضا ما واجهته في البيئة أثناء هجرتها.
ويوضح هورمي: "هذا السياق هو ما يمنحنا نظرة ثاقبة حول القرارات الحاسمة التي اتخذتها الخفافيش خلال رحلاتها المكلفة والخطيرة".
طور الفريق البحثي جهاز تتبع صغيرا يزن 5% فقط من كتلة جسم الخفاش (إدوارد هورمي) مسارات غير متوقعةويقول "هورمي" إن الدراسة تتبعت إناث خفافيش "نوكتيول" الشائعة، التي تهاجر أكثر من الذكور، على مدار 3 فصول ربيعية. إذ تم توصيل الأجهزة بالخفافيش في سويسرا وتم مراقبتها أثناء هجرتها نحو الشمال الشرقي إلى موائلها الصيفية.
وكشفت البيانات أن مسارات هجرتها كانت أكثر تنوعا مما كان يعتقد سابقا، "لا يوجد ممر هجرة. كنا نعتقد أن الخفافيش تتبع مسارا موحدا، لكننا نرى الآن أنها تتحرك في جميع أنحاء المناظر الطبيعية باتجاه الشمال الشرقي العام" وفق ما وضح الباحث.
كما اكتشف الباحثون أن خفافيش "نوكتيول" يمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 400 كيلومتر في ليلة واحدة، وهو رقم قياسي جديد للأنواع. وعلى عكس الطيور المهاجرة، التي تتراكم لديها احتياطيات الدهون قبل رحلاتها، تحتاج الخفافيش إلى التزود بالوقود بشكل متكرر. ويوضح هورمي أن "الخفافيش لا تكتسب وزنا استعدادا للهجرة. إنها بحاجة إلى التزود بالوقود كل ليلة، لذا فإن هجرتها تأخذ نمطا متقطعا بدلا من أن تكون رحلة مباشرة".
إعلانوكان أحد أبرز اكتشافات الدراسة هو قدرة الخفافيش على استخدام أنماط الطقس لصالحها. إذ لاحظ الباحثون أن الخفافيش غالبا ما تغادر بأعداد كبيرة في الليالي التي ينخفض فيها ضغط الهواء وترتفع درجات الحرارة، وهي ظروف تسبق العواصف القادمة.
ومن خلال ركوب الرياح الدافئة المصاحبة لهذه الجبهات العاصفة، تمكنت الخفافيش من توفير الطاقة والطيران لمسافات أبعد.