ماذا نريد من التعليم؟
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
حاتم الطائي
◄ التعليم القضية المُجتمعية الأولى والركيزة الأساسية لتحقيق "عُمان 2040"
◄ تمكين المُعلّم ضرورة حتميّة لتحفيزه على أداء "المهمة الرساليّة"
◄ أهمية بلورة فلسفة جديدة للتعليم تقوم على اكتساب المهارات وحُب المعرفة
بدأ العدُّ التنازلي الأخير لانطلاق العام الدراسي الجديد في مدارسنا، وقد شمّرت وزارة التربية والتعليم عن ساعديها، ببدء دوام الهيئة التدريسية صباح الأحد، استعدادًا لاستقبال الطلبة اعتبارًا من يوم الثلاثاء، وتوازى مع هذه الاستعدادات، إعلان حالة طوارئ في مُختلف البيوت العُمانية؛ إذ يتأهب أولياء الأمور لسنة جديدة في مسيرة تعليم أبنائهم، فيُسارعون الخطى لشراء مُستلزمات الدراسة، وإعادة ضبط الساعة البيولوجية للطلبة، بعدما اختلت عقاربها خلال الإجازة الصيفية، فضلًا عن التهيئة النفسية والإدراكية لهم، لبث الروح الإيجابية، وغرس حُب العلم في نفوسهم.
وعلى مدى سنوات نهوضنا الوطني، ظلّ التعليم أحد الأولويات الرئيسية التي استحوذت على جهود مُختلف فئات المجتمع، من حكومة، ومُواطنين، ومؤسسات بحثية وفكرية، وقطاع خاص، ومستثمرين، وغيرهم، وذلك من منطلق أنَّ التعليم هو الركيزة الأساسية لتطور المجتمع، والقوة الدافعة من أجل اللحاق بركب التقدم الحضاري، وألا نهضة حقيقية دون منظومة تعليمية تُعلي من شأن العلم والمعرفة وتسمو بالطالب إلى آفاق لا حدود لها من اكتساب المهارات الحياتية والخبرات العملية، وبما يؤهله إلى وضع بصمة جليّة في مسيرة النمو والازدهار الوطني.
ونظرًا لأنَّ التعليم يُمثل القضية المُجتمعية الأولى، ومحور اهتمام الجميع، فإنَّ الإسهامات الفكرية والمعرفية الرامية إلى الارتقاء بالتعليم وتنميته وتعزيز فوائده، ليس على الطالب وحسب؛ بل على كل أفراد ومؤسسات المجتمع، تتزايد وتيرتها مع بداية كل عامٍ دراسي. لكنّنا في هذا المقال لن نتطرق إلى الانتقادات واللّوم والتوبيخ الذي ينساق إليه البعض، دون طرح حلولٍ عمليّة قابلة للتنفيذ، وفي المُقابل، سنعمل على تشريح الواقع وتحليله، والمساهمة في بلورة رؤية تطويرية شاملة ومتكاملة، تكون المُرتكز لإحراز نقلة نوعية في قطاع التعليم، مع التأكيد على أنَّ كل جهد يصب في صالح التطوير، يجب أن يكون محل تقدير وقبول لدى الفاعلين في هذا القطاع الحيوي والبالغ الأهمية.
لم يعد التعليم مجرد جهود حكومية لبناء المدارس وتوفير المُعلمين ووضع المناهج وحسب؛ بل إنه صار قضية أمن قومي، دون مبالغة؛ فالتعليم النافع والمُتقدِّم والمُتطوِّر يُخرِّج أجيالًا من المُتعلمين القادرين على تولي زمام القيادة في مُختلف قطاعات العمل، ويُساعد أفراد المجتمع على بناء مسارات تنموية لم تكن قائمة من قبل، فما كان عليه مجتمعنا- مثلًا- قبل 50 عامًا، مُغايرٌ تمامًا لما وصلنا إليه الآن. وبالمثل؛ ينبغي أن نكون بعد 10 سنوات من الآن في مكانة مختلفة بالكلية عمّا نحن عليه حاليًا، فبقاء الحال من المُحال، لكن أيُ حالٍ نُريدها في المستقبل؟ وأيُ تعليمٍ نرجوه في خضم الثورات المعرفية التي تتسارع وتيرتها، ساعة تلو الأخرى، ولن أقول عامًا وراء عام! وعلينا أن نضع في عين الاعتبار مُستهدفات الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، ومتطلبات إطلاق ثورة تعليمية حقيقية، لا محاولات تجريبية قد تنجح وقد لا تنجح.
تتبارى الدول في الوقت الراهن في مسارات التعليم، وآليات تطوير هذا القطاع المؤثر في مستقبل الأمم والشعوب، ولم يعد التنافس قائمًا على جودة المناهج؛ بل على طبيعة المهارات التي يكتسبها الطالب عند تخرُّجه. وأصبحت التنمية المعرفية لا تعتمد بالدرجة الأولى على ما يتلقاه الطالب داخل القاعة الدراسية، ولا في إطار المؤسسة التربوية، ولكن اشتملت هذه التنمية المعرفية حُزمة من المعارف والمهارات والمعلومات والإمكانيات التي تتطوَّر بفضل المسؤولية التشاركية بين مكوّنات المجتمع؛ من مدرسة، وأسرة، ومكتبات، وأندية ثقافية، وجمعيات النفع العام، ووسائل إعلام، ونُخبة فكرية، وبرلمان، ومؤسسات بحثية، وشركات القطاع الخاص. تتكاتف أدوار كل هذه المؤسسات والكيانات من أجل أن يصل الطالب في سن التخرّج إلى مرحلة من الوعي العميق والفهم الواسع والدراية الكاملة بمُتطلبات الحياة، ودوره المؤثر في مجتمعه، كعنصر فاعل يُضيف إلى الواقع، لا ينتقص منه.
ومن أجل ذلك، نرى 3 ركائز رئيسية إذا ما بُنيت عليها النهضة التعليمية المنشودة، فإنَّ الازدهار حليفنا، والتنمية مسارنا، والتميُّز نهجنا. الركيزة الأولى والمحورية في منظومة التطوير التعليمي، تتمثل في المُعلّم، الذي امتدحه أمير الشعراء بالبيت الذي يحفظه الجميع عن ظهر قلب، وجاء في صيغة فعل الأمر "قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا // كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولًا"، ما يعني أننا مطالبون بتنفيذ الأمر، وتبجيل المُعلّم، أيُّما تبجيل، من خلال تمكينه وتدريبه وتأهيله على النحو الذي يضمن أن يكون هذا المُعلّم بالفعل "رسولًا". ولم لا، فهو بالفعل رسول العلم، ورسول المعرفة، ورسول الفضائل التي يجب أن يتعلمها الطالب، ويكون فيها قدوة حسنة لجموع الطلبة، ورسول الكفاءة.
وتمكين المُعلّم في عصرنا الحالي، يستند على ضروريات لا غنى عنها، في المُقدمة منها: مهارات القرن الحادي والعشرين؛ إذ كيف نُطالب بها الطلبة، بينما هناك مُعلّمون ليسوا على علمٍ بها؟! ومثل هذه المهارات ما إذا اكتسبها المُعلّم ومارسها، تحققت المهمة الرساليّة له، فهو رسولٌ في محراب العلم، يؤُم الطلابَ في الحرم المدرسي، ويضيء لهم مشاعل المعرفة، وينمي لديهم حُب الاطلاع واكتساب المهارات. ولا شك أن تمكين المعلمين يرفع من كفاءتهم، ويطوِّر من مهاراتهم، وهنا أُشير إلى الدور الرائد والمحوري الذي يُؤديه المعهد التخصصي للتدريب المهني للمعلمين، والذي نعوّل عليه الكثير في توفير التدريب النوعي وتنظيم دورات قصيرة مُتخصصة في مهارات القرن الحادي والعشرين، والأهم من ذلك أن تتسع أدوار هذا المعهد، لتشمل برامجه التدريبية فئات أخرى غير المعلمين الجدد، كأن تشمل المعلمين الأوائل، والذين يتقلدون الوظائف القيادية والإشرافية. وبالتوازي مع هذا التمكين، ضرورة اتباع أساليب تحفيزية للمُعلّم، ومنها أن يكون يوم المُعلّم العُماني إجازة رسمية، يشعر من خلالها المُعلّم بالتقدير الواجب والمُستحق من الدولة والمجتمع، على أن يكون يومًا احتفاليًا لتكريم المُعلّمين المُجيدين وأصحاب الإنجازات؛ ما يخلق تنافسًا شريفًا بين جميع المُعلّمين.
الركيزة الثانية في منظومة تطوير التعليم، تتمثل في: تطوير المناهج الدراسية وبلورة فلسفة جديدة للتعليم، وأول خطوة يتعين تنفيذها في هذا السياق، النظر إلى طبيعة المنهج الدراسي من حيث الكيف لا الكم، فلا داعي لوضع منهج دراسي يشُق على الطالب استيعابه، بينما من باب أولى تهيئة منهج دراسي يمنح الطالب المعرفة والمهارات التي يحتاجها في كل مرحلة دراسية، مع التركيز على الأنشطة المُحفزة للإبداع والتفكير النقدي والتحليل، والبُعد عن أي طريقة تتسبب في تجذُّر أساليب الحفظ والتلقين لما لها من نتائج سلبية بالغة. والمنهج الدراسي يجب أن يقوم على ترسيخ المعارف دون حشو زائد بمعلومات لن تعود بالنفع، أو إلزامه بحفظ جمل وفقرات كاملة لا هدف منها سوى دفع الطالب لأن يكره التعليم، بدلًا من حبه. علينا أن نغرس الشغف في نفس الطلبة، وأن يُدركوا أنَّ المدرسة بيئة خصبة لإطلاق العنان لإبداعاتهم وتخيّلاتهم لعالم أفضل، وأن عملية التعلّم لا تتوقف مع انتهاء اليوم الدراسي، لأنها عملية تحصيلية تراكمية، وليست مهمة وظيفية يؤديها الطالب داخل القاعة الدراسية وحسب.
وهذا يقودنا إلى الركيزة الثالثة، وهي: تقديم تعليم نوعي للطالب، فالتعليم ليس فقط منهاجا دراسيا؛ بل منظومة متكاملة، تشمل المُختبرات، والملاعب، والفنون؛ إذ لن تنجح أي منظومة تعليمية لا تشتمل على هذه الجوانب، فتعلّم العلوم النظرية دون تجربتها في المختبرات، يقتل الخيال لدى الطالب، وربما يدفعه لعدم تصديق هذه العلوم. كما إن عدم اهتمام الطالب أو أسرته بالأنشطة الرياضية، بدعوى أنها "غير ضرورية"، أمر بالغ الخطورة، وذو نتائج سلبية شديدة، على صحة الطالب ونفسيته. ولذلك يجب أن تكون المشاركة في الأنشطة الرياضية ضمن مجموع الدرجات التي يحصل عليها الطالب. والأمر ذاته مع الفنون، من رسمٍ وموسيقى ومسرح (التمثيل) وفنون شعبية؛ إذ يجب أن تكون مواد أساسية تمنح الطالب درجات إضافية، حال تحقيق إنجاز، وألّا يعتبر البعض ذلك أمرًا مُستهجنًا، لأن هذه الفنون هي التي ترتقي بذائقة الطالب وتُساعده على تنمية الإبداع. وهذا التعليم النوعي المنشود، قد تحقق جزء منه، باعتماد مسارات التعليم المهني والتقني في التعليم ما بعد الأساسي، لكن الأهم من ذلك النتائج المرتقبة على المدى المتوسط.
ويبقى القول.. إنَّ تطوير التعليم ليس مُهمة موسمية، أو إجراء مؤقتًا؛ بل عملية متواصلة لا تتوقف، ومسؤولية تشاركية يتعين على الجميع من مؤسسات وأفراد، الإسهام فيها، دون تقاعس أو سلبية، وأن تكون رؤية "عُمان 2040" المُنطلق الذي نمضي من خلاله نحو الأهداف المرجوة؛ كي نرى أبناءنا مُتسلحين بالمهارات التي تؤهلهم لقيادة هذا الوطن في شتى قطاعاته.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: أن یکون الذی ی یجب أن فی الم
إقرأ أيضاً:
ما الذي يخفيه وقف النار بين طهران وتل أبيب؟
بعد اثني عشر يومًا من شنّها، وضعت الحرب الإيرانية الإسرائيلية أوزارها، وكل طرف يحاول أن يقدم لجمهوره سردية انتصار حقق بها أهدافه السياسية والعسكرية للحفاظ على شرعيته السياسية واستمراره في السلطة.
ففيما أعلن الكيان الصهيوني أنه أنهى بنك أهدافه العسكرية في إيران، أعلنت إيران أنها انتصرت في التصدي للهجوم الإسرائيلي – الأميركي، وأنها حققت نصرًا في ردع اعتداء أميركا وإسرائيل، وضرب الكيان بشكل موجع لم يعرفه منذ تأسيسه.
1- مكاسب وخسائر طرفي الحرببعد أن وجّه الكيان الصهيوني في المرحلة الماضية ضربات موجعة إلى أذرع إيران وشركائها التابعين لها في المنطقة، وحقق الكثير من المكتسبات العسكرية والسياسية، وجدت إسرائيل أن الفرصة أصبحت سانحة أكثر من أي وقت مضى لتوجيه ضربات لإيران وتحقيق أهداف سياسية وعسكرية تعيد ترتيب المنطقة لصالح الكيان الصهيوني لعقود قادمة.
حققت إسرائيل هدفًا كبيرًا في إنهاء البرنامج النووي الإيراني أو تأخيره لسنوات طويلة، من خلال ضرب المنشآت النووية الإيرانية الخاصة بتخصيب اليورانيوم وتصنيع أجهزة الطرد المركزي، بعد التدخل الأميركي الحاسم الذي مهّد لإنهاء الحرب.
كما قامت إسرائيل بحملة اغتيالات لكبار القادة العسكريين شملت رؤوس كل الأجهزة العسكرية والأمنية، واستهدفت علماء التصنيع النووي الإيراني، إذ وصل عدد من تم اغتيالهم إلى أكثر من عشرة علماء، كما أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني.
كان من بين الأهداف الإسرائيلية الأهم مهاجمة الدفاعات الجوية الإيرانية روسية الصنع المعروفة بـ "إس-300″، إذ كانت تملك إيران أربعة أنظمة منها، إلا أن إسرائيل استطاعت تدمير واحدة منها في أبريل/ نيسان الماضي، وفي هذه الحرب استطاعت تدمير كل تلك الأنظمة وإخراجها من الخدمة، وفقًا لما أعلنه الكيان الصهيوني.
هذا، رغم عدم معرفة العدد الذي تملكه إيران من الصواريخ الباليستية التي أحدثت فرقًا في تلك الحرب، إذ تشير تقديرات القوات الجوية الأميركية إلى أن إيران تمتلك 3000 صاروخ باليستي، وتزعم إسرائيل أنها استطاعت تدمير 40٪ من منصات إطلاق الصواريخ في حربها الأخيرة.
إعلانكما استطاعت الولايات المتحدة، باستخدام القنبلة الأميركية GBU-57 المحمولة على الطائرة الأميركية B-2H، أن تحسم الحرب من ناحية عسكرية فيما يخص البرنامج النووي، وحققت ما عجزت عنه إسرائيل في استهداف وتدمير المنشآت النووية الإيرانية في مواقع: فوردو شديد التحصين، ونطنز وأصفهان.
وحققت إسرائيل مجموعة من الأهداف السياسية التكتيكية، تمثلت في منح المفاوض الأميركي مساحة من الوقت لإدارة مفاوضات أميركية – إيرانية تحقق بها أميركا أعلى درجات المكاسب السياسية والعسكرية بما يخدم مشروعها ومشروع إسرائيل، ويعيد ترتيب المنطقة بأكملها، مع إظهار التفوق النوعي العسكري والتكنولوجي، والتفوق الاستخباراتي، وقدرة إسرائيل على الوصول إلى أي هدف عسكري وسياسي داخل إيران بأعلى درجات الدقة، وتعميق حالة قوة الردع الإسرائيلي لدى أعدائها.
لكن إسرائيل عجزت عن إنهاء البنية التحتية لصناعات الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تشكل التهديد الحقيقي والمباشر لأمنها، كما عجزت عن إقناع أميركا بإسقاط النظام الإيراني.
وهذا ما عقّب عليه بعض قادة إسرائيل الذين حذّروا من إعلان "نصر مغرور غير حقيقي"، وأن إيران ونظامها السياسي بقيا "كأسد جريح" سوف يعود لينتقم بشكل أكبر بعد أن يرمم خسائره ويستعيد بناء قوته وبرنامجه النووي.
أما إيران، فقد استطاعت أن تطلق أكثر من 500 صاروخ متعدد القدرات على تل أبيب، وهي حالة تتشكل لأول مرة منذ تأسيس دولة إسرائيل. إذ استطاعت تلك الصواريخ أن تخترق جميع الدفاعات الجوية الإسرائيلية التي تبلغ أكثر من ستة أنظمة، أشهرها مقلاع داود، القبة الحديدية، باتريوت، بالإضافة إلى نظام "ثاد" الذي نشرته الولايات المتحدة الأميركية في إسرائيل.
وتمكنت المنظومة الصاروخية الإيرانية من اختراق تلك الدفاعات الجوية بأكثر من 25 صاروخًا مدمرًا، ضربت تل أبيب ومناطق إسرائيلية مختلفة، وأصابت منشآت عسكرية واستخباراتية وأمنية ومستشفيات ومبانيَ سكنية ومنشآت حيوية مثل محطات توليد الكهرباء.
وإن كانت الهجرة العكسية من إسرائيل قد بدأت تنشط منذ أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، فإن المراقبين يتوقعون مزيدًا من تلك الهجرات بعد الحرب الأخيرة، مع إظهار قدرة إيران على اختراق الأمن الإسرائيلي وضرب مناطق كانت تتفاخر إسرائيل بتحصينها. فالهجرة إلى إسرائيل مرتبطة بالأمن، وكلما شعر السكان الإسرائيليون بانخفاض الأمن زادت الهجرة من إسرائيل.
2- وقف إطلاق النار وشرعية استمرار السلطة السياسيةفيما يبدو أن حكومة اليمين الإسرائيلي تنتقل من ساحة حرب إلى أخرى لتستمر في السلطة وتحسن فرص عودتها في الانتخابات القادمة.
وإن بنك الأهداف العسكرية المتاحة أمام حكومة اليمين الإسرائيلية يبدو مليئًا، ويمكنها أن تصعد في الساحة العراقية أو في الضفة الغربية، أو حتى باتجاه تركيا التي تتحسس الخطر والأطماع الصهيونية، وعدم الثقة بالحليف الأميركي غير المنضبط، والذي يمكن جره من قبل حكومة اليمين الصهيونية بسهولة إلى ساحات حرب غير متوقعة وكارثية على استقرار المنطقة.
كل ذلك قد يمنح حكومة اليمين الإسرائيلي مزيدًا من الوقت للاستمرار في السلطة حتى الانتخابات المقبلة في خريف العام القادم.
إعلانأما استقرار السلطة في إيران، فلن يكون بتلك السهولة. فالفجوة بين الرئاسة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني آخذة في الاتساع، وشرعية البقاء في السلطة القائمة على الشرعية الدينية تتآكل منذ سنوات، وشهدنا تلك الاحتجاجات الشعبية الكبيرة في وجه السلطة الدينية.
فيما شرعية العداء والمقاومة لإسرائيل وأميركا والتصدي لها قد كشفت الحرب الأخيرة ضعف السلطة في هذا الملف، والخسائر الكبيرة التي لحقت بإيران، رغم محاولات إظهار الأمر وكأنه نصر حققته إيران بعد أن نجحت في ضرب تل أبيب ومهاجمة القوات الأميركية في قطر والعراق، لإظهار قدرتها على الرد وحفظ ماء الوجه.
صحيح أن أميركا أعلنت أنها لا تسعى لإسقاط النظام، لكن الخسائر الظاهرة التي تعرضت لها إيران في حربها الأخيرة، مع وجود معارضة خارجية متحفزة، ومعارضة داخلية واسعة، حتى من داخل النظام، قد يكون لها ما بعدها.
وقد نشهد تطورات سياسية كبيرة في داخل النظام الإيراني خلال المرحلة القادمة، ليس بالضرورة تغيير النظام الديني بالكامل، بل قد يكون في تغيير البنية وشكل النظام السياسي القائم بما يقلص من السلطة الدينية لصالح الحكم المدني. فإيران قد تكون مقبلة على استحقاقات داخلية كبيرة، وقد تصل إلى مرحلة الاضطرابات السياسية والأمنية.
3- ما بعد الحرب.. كيف يبدو وجه المنطقة؟لا شك أن السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كان منعطفًا سياسيًا كبيرًا، لكن الحرب الإيرانية- الإسرائيلية وما تمخضت عنه من نتائج قد تكون أهم حدث سياسي في المنطقة منذ مطلع القرن، إذ سيترتب عليها نتائج سياسية كبيرة تتشكل ملامحها كالتالي:
انكفاء إيراني داخلي: إذ ستعود إيران إلى الحالة التي كانت عليها قبل عام 2003. فالتمدد الإيراني في المنطقة الذي انطلق منذ سقوط النظام العراقي السابق، والسماح الأميركي في عهد باراك أوباما لإيران بالتمدد، قد انتهى مع نهاية هذه الحرب.وبدأ العد العكسي، إذ سنشهد تراجعًا إيرانيًا كبيرًا في لبنان، مع ما يترتب عليه من نتائج كبيرة على حزب الله، الذراع العسكري لإيران في لبنان، مما سيدفع الساحة اللبنانية إلى صراعات سياسية كبيرة، عنوانها نزع سلاح حزب الله وتحوله إلى حزب سياسي.
في الساحة العراقية: ستصبح استمرارية المليشيات العراقية على المحك، وسوف نشهد تراجعًا ملحوظًا لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي، وقد يُستثنى من ذلك التيار الصدري، الأقل قربًا من الخط الإيراني.وسنشهد تحولات في التحالفات السياسية المدنية العراقية، وبداية تحولات في العملية السياسية قد تغيّر شكل النظام السياسي في الزمن المتوسط أو البعيد، ليصبح العراق دولة مدنية متحررة من الهيمنة الإيرانية وأذرعها داخل الدولة العراقية.
في اليمن: يبدو أن البلاد مقبلة على مرحلة سياسية جديدة ومضطربة قد تعيد الحالة إلى ما قبل الربيع العربي. فحالة الاستعصاء الحوثي في اليمن قد تبدأ في التحلل، مما قد يساهم في تحولات عسكرية وأمنية وسياسية كبيرة في المرحلة القادمة، خاصة بعد حالة التقارب التي أبداها الرئيس الإيراني مباشرة بعد انتهاء الحرب، مع دول خليجية لها خلافات تاريخية مع إيران، مما قد يفتح الباب لإعادة ترسيم العلاقة بين إيران وجاراتها العربية ونفوذها في المنطقة. الساحة السورية: ستصبح أكثر استقرارًا، خاصة في ملف محاولات انفصال مدن الساحل التي دعمتها إيران. فتراجع الدور الإيراني وانحساره في المنطقة يعني قطع الطريق بالكامل على محاولات الانفصال في الساحل السوري. في الأراضي الفلسطينية: المشكلة الكبرى ستكون في صعود حكومة اليمين الإسرائيلي، مما يعني أننا سنشهد تصعيدًا كبيرًا في الضفة الغربية. وسيتم السعي الإسرائيلي الحثيث لضم المنطقة (ج)، التي تشمل غور الأردن وتشكل 61٪ من مساحة الضفة الغربية، إلى دولة إسرائيل. إعلانوسيعود الحديث عن التهجير من غزة إلى الواجهة، وسيكون الأردن في عين العاصفة، وسيشهد الصراع مع حكومة اليمين الإسرائيلي تصعيدًا كبيرًا.
وستشهد القضية الفلسطينية تطورات كبيرة ضد مصالح الشعب والدولة الفلسطينية، في وقت تسعى فيه إسرائيل لبدء مرحلة تطبيع جديدة مع الدول العربية، رغم ظهور ملامح موقف عربي موحد من ضرورة الاعتراف بدولة فلسطينية.
ويعتمد هذا على قدرة الدبلوماسية والعلاقات الخارجية العربية في إحداث خرق سياسي ودبلوماسي مع أميركا، لوقف الأطماع المجنونة لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة. في ذات الوقت، سنشهد احتكاكات سياسية متوسطة الحدة بين تركيا وحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline