محاربات وأبناؤهن على خط مواجهة السرطان.. الألم يشعر به الجميع
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
قصص أطفال مرضى السرطان، لا يقوى على سماعها أصحاب القلوب الضعيفة، فالمعاناة ليست مع آلام الكيماوى فقط، ولكنها تتعدى للأحلام التى يرسمها الصغار لمستقبلهم وحياتهم التى يرونها تفلت من بين أيديهم. «مابقتش عارف أحفظ القرآن من أول ما بدأت الكيماوى، ونفسى أخف وأرجع المدرسة»، بهذه الكلمات بدأ أحمد عماد، من ملوى بمحافظة المنيا، مريض بسرطان الدم، والذى يتلقى علاجه بأحد المستشفيات الكبرى المتخصّصة فى علاج السرطان، حديثه لـ«الوطن»، متابعاً: «بيسحبوا منى عينات وبابقى تعبان أوى، باحاول أقاوم الألم وأتمسك بالأمل».
بدأ صاحب الـ8 سنوات مشواره مع السرطان وهو فى عمر الـ4 أشهر، ظهرت عليه أعراض تمثلت فى السخونة والنزيف، ولأنه طفل صغير لا يتحمّل جلسات الكيماوى، أخبر الأطباء والديه أنه يحتاج إلى زرع نخاع وفقاً لوالدته «نورا محمد»: «ده كان أول طفل ليّا، وكنت أول مرة أسمع عن المرض ده، وكانت فاجعة بالنسبة لى». ولأن المصائب لا تأتى فرادى، لم تتطابق عينة الطفل مع والديه حتى تتم عملية زرع النخاع، ليجدا نفسيهما مضطرين لإنجاب آخر ربما تتطابق عينته مع المريض: «فضلنا ننقل له دم 3 مرات فى الأسبوع، لحد ما خلفت بنت وعينتها تطابقت معاه وقدرنا نزرع له نخاع».
وخلال رحلة العلاج، حرصت الأم على ألا يحول المرض بين طفلها وتعليمه، فالتحق بالحضانة وهو فى الثالثة من عمره، وبدأ فى حفظ القرآن الكريم، وتفوق على زملائه، وعندما انتقل إلى المدرسة بدأ الطلاب يسخرون منه ويتساءلون عن سر حلقه لشعره وطوله الذى لم يتجاوز 93 سنتيمتراً: «قال لى يا ماما أنا مش عايز أروح المدرسة تانى، أصحابى بيتريقوا عليا، مابقيتش أوديه، خصوصاً أن الكيماوى اللى بدأ ياخده بعد الزرع أثر على ذاكرته ومابقاش عارف يحفظ».
ورغم معاناة «أحمد» وقسوة المرض عليه، تتمسك «نورا» بالأمل فى شفاء نجلها والعودة للدراسة وحفظ القرآن: «أحمد دايماً بيقول نفسى يا ماما أرجع المدرسة تانى وأحفظ القرآن». وببراءة الأطفال عبّر صاحب الـ8 سنوات عن طموحه، قائلاً: «نفسى لما أكبر أبقى ظابط، علشان أقبض على الست اللى بتخطف العيال وتموتهم».
«راوية» تدعم مقاومي المرض: «كنت باسافر كل أسبوع لعلاج ابني»على جهاز كمبيوتر بإحدى الجمعيات المتخصصة فى دعم محاربى السرطان، جلس أحمد مصطفى، 12 عاماً، من محافظة سوهاج، يسبح فى ملكوت آخر لا يدرى ما يحدث حوله؛ ليسطر رحلته القاسية مع المرض اللعين الذى أوشك الطفل على هزيمته، بجانبه والدته «راوية محمد» الداعم الأكبر لنجلها فى معركته مع المرض الخبيث.
«أنا أقوى من السرطان»، بهذه الكلمات لخص «أحمد» مشواره مع المرض، خاصة بعدما أخبره الطبيب بأنه تجاوز مرحلة الشفاء، فهو محارب من طراز خاص، بدأ معركته مع السرطان فى عمر عام وستة وأشهر، ورغم أن آلام المرض كانت تفوق قدرات ذلك الطفل، إلا أن الحياة زادت من قسوتها عليه ليجد نفسه يحارب فى جبهة أخرى، حيث تخلى عنه أكثر شخص كان من المفترض أن يكون داعماً له فى محنته، وهو الأب، تقول «راوية»: «أبوه قال لى سيبيه مش هنعالجه.. يعيش يعيش.. يموت يموت».
لم تتحمل «راوية» رؤية فلذة كبدها وأول فرحتها، يتألم؛ فقرّرت الانفصال عن زوجها، وخاضت رحلة علاج طفلها بمفردها: «كنت باسافر به كل أسبوع من طهطا للقاهرة علشان يتعالج فى مستشفى 57357، ولما بدأ فى العلاج الإشعاعى قعدت 4 شهور فى القاهرة». وصفت «راوية» معاناة طفلها مع المرض بالمعركة الشرسة، قائلة: «كان بيبقى متبنج فى الجلسات، ولما بيفوق بيبقى عصبى وعنده تشنجات وبيرجَّع، والعلاج الإشعاعى أثر على عينه، وأسنانه وقعت، وزرعنا له أسنان، وودنه اليمين مابيسمعش بها».
هنا قطع الطالب فى الصف الثانى الإعدادى حديث والدته: «أنا رُحت الامتحان ومسكوا إيدى وماعرفتش أنا باكتب إيه». وبسؤالها عن بداية مرض نجلها، قالت: «أنا لاقيته بيقول لى يا ماما دماغى بيوجعنى، راح قال لباباه، قال له روح قول لأمك». يضيف الطفل ممسكاً رقبة والدته: «وأنا باحب ماما، لأنها بتجيب لى كل حاجة». وعن أكثر شىء يحبه، أوضحت «راوية»: «أحمد بيحب اللون الأخضر علشان ده لون ضريح السيدة زينب وسيدنا الحسين، وهو بيروح يصلى الجمعة فى مسجد الحسين، وعنده سبحة بيسبح عليها، وبياخدها معاه فى كل مكان، خاصة فى رحلات علاجه».
«هند»: محنة ابني عشتها مع أمي وتحمل المسئولية علمني الصبرتجربة مريرة مع السرطان، ترويها «هند» التى عاشت 9 أشهر تنتظر مولودها، تحملت فيها الآلام وهى سعيدة، وطالما سرحت بخيالها لتفكر فى مستقبل طفلها، واللحظات التى تشاركه فيها لعبه ولهوه، ولكن فرحتها لم تدم طويلاً؛ فجاء الطفل إلى الحياة ومعه ضيف آخر، وهو سرطان الكبد الذى اكتشفه الأطباء خلال وجود المولود فى الحضَّانة. لم تكن هذه هى التجربة الأولى لابنة محافظة كفر الشيخ مع المرض: «عشته قبل كده مع أمى وعارفة قد إيه صعب، عقلى ما استوعبش إزاى طفل زى ده هيقدر يتحمل».
وبصوت يملأه الحزن والحسرة، تابعت السيدة الثلاثينية حديثها: «كل ما يتألم أنا اللى كنت بتألم لأنه طفل ماينفعش ياخد مسكنات زى الأطفال التانية، لأنها بتعلى إنزيمات الكبد وماكانش فيه أى حاجة أقدر أعملها له». ازداد الأمر صعوبة على «هند»، عندما أخبرها الطبيب أن السرطان الذى يعانى منه رضيعها من النوع الخبيث، وموجود فى 3 أجزاء من الكبد، لم تدر ماذا تفعل؛ فقادتها قدماها إلى أحد المستشفيات الكبرى لعلاج السرطان: «مافكرتش فى حاجة، ولما قالوا لى هتفضلى تيجى المستشفى لمدة أسبوع عشان الأشعة والتحاليل، مابقتش عارفه أروح فين وآجى منين، وبعدين أعطونى جواب روحت بيه دار الحبيب». 6 جرعات كيماوى حددها الأطباء للطفل: «قالوا لى هياخد 3 قبل العملية و3 بعدها، واللى حصل أن أحمد خد الـ3 جرعات والورم فضل زى ما هو، ما اتجمعش فى مكان واحد، بحيث نقدر نستأصله، فأخدنا جرعتين كمان وبعدين استأصلنا الورم».
عام كامل قضته «هند» وطفلها بين أروقة المستشفى، حتى تمكنت من إجراء الجراحة لرضيعها، وخلال تلك الفترة أبت أن تكلف أحداً عناء الرحلة؛ فتركت زوجها الذى يعمل صياداً فى بلدتهما «بلطيم» بمحافظة كفر الشيخ يرعى باقى الأطفال، ويمارس عمله الذى يكسب منه قوت يومه وينفق منه على أسرته. مع كل جلسة كيماوى تدخل «هند» فى نوبة بكاء شديد؛ حزناً على فلذة كبدها، ما أثر على رضاعتها للطفل، ونصحتها الطبيبة بنظام غذائى معين حرصاً على صحة الرضيع: «الدكتورة قالت لى لازم كمان تضحكى فى وشه، قلت لها هو فاهم، قالت لى ده طفل، وكل ده بيتخزن فى ذاكرته وهيأثر عليه».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مع المرض
إقرأ أيضاً:
الفاشر.. او على السودان السلام
حينما التقيت الرئيس الاريتري أسياس افورقي فى يناير المنصرم ضمن مجموعة من زملائي الاعلاميين السودانيين باسمرا ، لاحظت انه كان كثير التركيز على “معركة الفاشر”، مع استيعاب متقدم لطبيعة الحرب ، فهي عند افورقي نزاع اقليمي يستهدف السودان، وينبغي التعامل معه بالجدية اللازمة وليست مجرد تمرد على الجيش، افورقي كان يحذرنا برؤية الجنرال الافريقي العظيم من ان الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء او الفناء وان التصدي لهذا الخطر يبدا من بوابة دارفور..
كان هذا الحديث قبل 3 اشهر ، وقبل ان يصل الهجوم على فاشر السلطان الى الرقم 202 امس ، فالرجل وبخبرة المعارك الكبيرة سبق الجميع وهو يؤكد ان الفاشر هي بوابة اجتياح السودان وان الحرب تبدا من هناك رغم مظاهر الفوضوية والدمار فى الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق اخرى.
اذكر يومها ان الرئيس الاريتري قال كلاما كثيرا لم يخرج للناس لان “المجالس امانات ” ولكنا استشعرنا جدية طرحه ورؤيته حينما هدد بان بلاده لن تقف مكتوفة الايدي اذا اقتربت الحرب من 4 ولايات حدودية وهي ( القضارف، وكسلا، والبحر الاحمر، والنيل الازرق).
فى كل يوم تتأكد رؤية افورقي مع اصرار التامر اقليمي على تمكين مليشيا الدعم السريع من الفاشر، التى مازالت صامدة بعد الهجوم ( 202) ، كل السودان وليست الشمالية ونهر النيل فقط مثلما هدد المتمرد عبدالرحيم دقلو سيكون هدفا سهلا للجنجويد وكفلائهم اذا ما قدر لهم الوصول الى الفاشر .
وازاء هذا الخطر الماثل والمستمر والمعلوم تتمدد كثير من الاسئلة ، وابرزها ما الذى يؤجل فك حصار الفاشر؟! ، ولماذا لانلمس حتى الان استراتيجية عسكرية كبيرة لانجاز هذا الامر على النحو الذى يخرج المدينة من مربع الدفاع عن اسوارها الى مرحلة كنس الجنجويد ومهاجمتهم بضراوة وانهاء خطر وجودهم المهدد للفاشر البوابة التى يسعى عبرها ال دقلو للعودة الى واجهة الاحداث من جديد.
بالامس نفذت المليشيا مجزرة جديدة فى الفاشر وهي تهاجم معسكر ابو شوك للنازحين وتقتل مئة نفس بريئة بينها اطفال طلاب خلاوي ونساء وعجزة، حتى طواقم المنظمات الاجنبية جميعهم حصدتهم المدافع بلا رحمة ، بينما كان بواسل الفرقة السادسة والقوات المشتركة والمستنفرين من ابناء المدينة يصدون هجوما شرسا ، فاقم من الازمة الانسانية وقدم دليلا جديدا على عظمة انسان الفاشر وهو يفدي السودان ويفشل مؤامرات الجنجويد ببسالة وفدائية سيوثقها التاريخ..
ولكن هل يكفي ان نجعلهم يموتون كل يوم على اسوار المدينة ، ونكتفي بكلمات الاشادة، والاحتفاء بقصص البطولات لتى ظل يسطرها شباب وميارم الفاشر ، ومواطنوها الشجعان..
ما يحدث في زمزم والفاشر ضد المواطنين جريمة مكتملة الأركان تؤكد ان التعويل على المجتمع الدولي ومؤسساته رهان خاسر، وان الفاشر تحتاج ونظرا لاوضاع مواطنيها اولا وـ استراتيجيتها واهميتها- فى معركة بقاء السودان ان نتعامل مع حصارها بطريقة مختلفة تقفز بها الى صدارة المشهد الحربي ، لان سقوطها لاقدر الله سيكون كارثة ووبالا على الدولة السودانية.
الاجتماع المهم الذى جمع الوزير محمد بشير ابونمو القيادي الابرز فى حركة تحرير السودان مع “اسد العمليات” الفريق اول ياسر العطا امس ، يفتح كوة الامل فى تفكير عملي وجديد يخاطب اوضاع المدينة التى يهددها التمرد ويعمل جاهدا على اجتياحها ، حتى تسهل مهمة اسقاط الدولة فى يد الجنجويد والمرتزقة وكفلائهم الاقليميين..
يعلم “اولاد دقلو” ان استمرار الشريان الاماراتي الذى يغذيهم بالمال والسلاح رهين باسقاط الفاشر، فقد ابلغتهم ابوظبي رسميا انها لن تمول التمرد او تعول عليه مالم يستلم المدينة ويتخذها منصة لاعلان حكومة الجنجويد فى دارفور واجتياح بقية مناطق السودان…
نعم فك الحصار عن مدينة الفاشر وتقديم الدعم العاجل لأهلها يجب أن يكون في صدارة أولويات المرحلة القادمة باعتباره واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا ، فمعركة اجتياح السودان بعد فشل الخطة الاولى للجنجويد تبدا من فاشر السلطان، وعلى الدولة ان تضع ترتيباتها العسكرية على هذه الفرضية، وبلا تاخير او ابطاء.
هلموا الى معركة الفاشر العظيمة ، فضياع المدينة سيعيد الجنجويد الى الواجهة، وسيجعل من انتصارات الجيش فى الخرطوم والجزيرة وسنار بلاقيمة، ونامين المدينة سيعزز النصر ويفتح على الدولة السودانية ابواب الامن والاستقرار.. علينا التفكير الان فى كسر حصار الفاشر، واثق ان جيشنا البطل والقوات المشتركة والمساندة الاخرى لن تعجزها الفاشر الصابرة الصامدة المحتسبة، والتى تنتظر القيادة الان لاتخاذ قرارات حاسمة تنهي مغامرات ال دقلو وتكسر الحصار وتؤمن الانتصار..
*هلموا الي الفاشر…*
*وكل “القوة الفاشر جوة”*
*وما النصر الا من عند الله..*
محمد عبدالقادر
محمد عبدالقادر