صحيح أنه توفي يوم الجمعة بشكل رسمي، لكن يمكننا الزعم أن وفاة طلال سلمان -الصحفي العربي الكبير- الفعلية كانت في الحقيقة في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2016م، تاريخ صدور العدد الأخير من صحيفة «السفير» اللبنانية، تلك الجريدة التي حرّكت الراكد الصحفي والسياسي العربي على مدار اثنين وأربعين عامًا، منذ صدور عددها الأول في 26 مارس 1974م.
كان عمر طلال سلمان حينئذ ثمانية وسبعين عاما، وباءت محاولاته للبحث عن أكسجين مادي يبقي صحيفته على قيد التنفس، بالفشل، فاختار أن يترجّل من مهنة المتاعب، ويقضي ما بقي له من سنوات في استكمال كتابة مذكراته التي نشر جزءا منها قبل عدة سنوات في كتاب حمل عنوان «كتابة على جدار الصحافة»، سرد فيه حكايته مع الصحافة بدءًا من عمله مصححا ومدققا لغويا في جريدة «الشرق» عام 1956م، ثم مصححا ومحررا لصفحة «بريد القراء» في صحيفة «الحوادث» عام 1957م، ومرورا بترؤسه تحرير مجلة «دنيا العروبة» في الكويت عام 62، وإدارته تحرير مجلة «الصياد» عام 63، وتنقله خلال الفترة بين عامي 63 و73 بين مجلات «الصياد» و«الأحد» و«الحرية» و«الأنوار»، وصولا إلى عمله الصحفيّ الأهم وهو تأسيسه ورئاسته تحرير صحيفة «السفير» التي اختار لها منذ البداية شعار «جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان».
وعندما أقول إن تأسيس «السفير» هو عمله الصحفي الأهم فهذا ليس من قبيل المبالغة، وعلينا أن نتذكّر أنه منذ صدورها الأول ملأت هذه الصحيفة الدنيا وشغلتْ الناس، فأقيمت ضدها في اليوم التالي لصدورها أول دعوى قضائية من «جمعية أصحاب المصارف في لبنان»، ولم يمضِ العام الأول حتى بلغت الدعاوى عليها سبع عشرة دعوى، كما علينا أن نتذكّر أنها الصحيفة اللبنانية الوحيدة التي استمرت في الصدور دون توقف خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982م، وأنها الصحيفة التي تسببت في تعديل قانون المطبوعات في لبنان بعد الأزمة التي مرت بها عام 1993 بقرار الحكومة اللبنانية إيقافها إثر نشرها وثيقة عن المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية، حيث منع القانون بعد تعديله إيقاف أي صحيفة دون حكم محكمة، ومنع توقيف الصحفيين احتياطيًّا.
وقفت «السفير» بصرامة في وجه الهيمنة الغربية والاستعمار، وضد الحرب الأهلية اللبنانية وصراعات الأحزاب والطوائف، وقبل هذا وذاك كانت عروبية الهوى، منحازة للقضايا الإنسانية العادلة وفي مقدمتها قضية فلسطين، وكان رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي أحد علاماتها الفارقة، وقد دفعت جراء مواقفها هذه أثمانا باهظة، ففُجِّرتْ مطبعتها في الأول من نوفمبر عام 1980م، واستُهدِف مبناها بصواريخ وعبوات ناسفة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وتعرض طلال سلمان نفسه لمحاولة اغتيال أمام منزله في منطقة الحمراء في بيروت في 14 يوليو 1984م، وأصيب بجروح متعددة في جسمه.
لم يبق اسم مؤثر في السياسة العربية خلال ستين عاما إلا وقابله طلال سلمان أو حاوره لصحيفته، بدءًا من جمال عبدالناصر (الذي تزين صورته معه مدخل مكتبه، كما يخبرنا عاصم الشيدي في مقدمة حواره معه لجريدة عُمان في مايو من عام 2017م، أي بعد عدة أشهر من توقف «السفير») ومرورا بصدام حسين وياسر عرفات وحافظ الأسد وهواري بو مدين والقذافي وليس انتهاءً بعبدالله السلال والشاذلي بن جديد وجورج حبش وآية الله الخميني. ولذا فإن إعلانه توقف «السفير» بعد هذا التاريخ الصحفي الكبير كان أشبه بإعلان السمكة خروجها من البحر. ولَكأنَّ دوره في الحياة انتهى بانتهاء هذه الصحيفة التي كانت شاهدة على عصر عربي كامل، ولا فرق بعدها أن يأتي الموت الفعليّ في شتاء 2016 أو خريف 2023م.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: طلال سلمان
إقرأ أيضاً:
السفير التركي بالقاهرة: مصر استضافت القمة الحادية عشرة لمجموعة الثماني بنجاح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد السفير التركي لدى مصر، صالح موطلو شن، نجاح قمة مجموعة الدول الثماني التي استضافتها مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة، مشيدًا بالاستعدادات التي قادها الرئيس عبد الفتاح السيسي لاستضافة الحدث.. وأعلن أن مصر، مع توليها الرئاسة الدورية للمنظمة، لعبت دورًا محوريًا في قبول أذربيجان عضوا جديدا بالقمة.
وأضاف السفير أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلي مصر بمناسبة القمة كانت ناجحة للغاية، حيث أتاحت الفرصة لتعميق التشاور حول القضايا الثنائية والإقليمية، بما في ذلك الوضع في سوريا.. كما أوضح أن التعاون الوثيق بين مصر وتركيا تحت قيادة الرئيسين السيسي وأردوغان سيؤدي إلى تحقيق المزيد من الاستقرار والتنمية في المنطقة.
وفي سياق العلاقات الثنائية، أعلن السفير عن تأسيس "مجلس التعاون الاستراتيجي" بين مصر وتركيا، والذي شهد توقيع 17 اتفاقية لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي والتنمية المشتركة. وأشار إلى أن الرئيس أردوغان زار مصر مرتين خلال عام 2024، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية التي توليها تركيا لمصر.
على الصعيد الإقليمي، أكد السفير صالح موطلو دعم تركيا الكامل لموقف مصر بشأن معبر رفح الحدودي وممر فيلادلفيا، مشيرًا إلى أهمية استمرار التنسيق بين البلدين لضمان تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة وإعادة إعمارها.. كما أشاد بالدور المصري في جهود وقف إطلاق النار في غزة بالتعاون مع قطر.
وفيما يخص الأزمة السورية، دعا موطلو إلى تشكيل حكومة شاملة في سوريا تضم كافة الأطياف، مؤكدًا ضرورة تعاون الدول العربية، بما فيها مصر وتركيا، لدعم المرحلة الانتقالية وتحسين الظروف المعيشية للسوريين. كما شدد على أهمية مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
واختتم السفير التركي بالقاهرة تصريحاته بالإعلان عن أن عام 2025 سيشهد احتفالات بمناسبة مرور 100 عام على العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر، مؤكدًا أن البلدين سيواصلان العمل معًا لتحقيق الأمن والسلام والتنمية في المنطقة.