لجريدة عمان:
2025-03-20@03:20:06 GMT

كيف نمنع اندلاع حرب بين أمريكا والصين؟

تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT

لا تزال الولايات المتحدة والصين تسيران على مسار تصادمي. وقد تصبح الحرب الباردة التي اندلعت حديثا بينهما ساخنة في النهاية بسبب قضية تايوان. إن «فخ ثوسيديدس»ــ حيث تتجه قوة صاعدة نحو الصدام مع قوة مهيمنة قائمةــ يلوح في الأفق بصورة مخيفة. ولكن لا يزال ممكناً تجنب تصعيد خطير للتوترات بين الصين وأميركا، بما في ذلك نشوب حرب بينهما، مما سيجنب العالم العواقب الكارثية الحتمية الناجمة عن ذلك.

عندما تتحدى قوة صاعدة معينة القوة العالمية السائدة، دائماً ما سينشأ بينهما بعض التوتر على الأقل. ولكن الصين تواجه الولايات المتحدة في الوقت الذي ربما تشهد فيه أمريكا بداية تقهقر قوتها النسبية، وتلتزم فيه بمنع تراجع دورها الاستراتيجي. إذن، أصبح كلا الجانبين مرتابين على نحو متزايد بخصوص نوايا الطرف الآخر، وقد حلت المواجهة في الأغلب محل المنافسة والتعاون السليمين. ويقع اللوم جزئيا على كلا الجانبين.

وفي عهد الرئيس شي جين بينغ، انتقلت الصين أكثر إلى نظام رأسمالية الدولة، بدلاً من الالتزام بمفهوم «الإصلاح والانفتاح» لـ «دنغ شياو بينغ». وفضلاً عن ذلك فإن مقولة دنغ «أخفِ قوتك وانتظر حتى يحين وقتك» أفسحت المجال أمام الحزم العسكري. وتفاقمت النزاعات الإقليمية بين الصين والعديد من جيرانها في آسيا. فقد سعت الصين إلى السيطرة على بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وأصبح صبرها ينفد على نحو متزايد فيما يتعلق بـ «إعادة توحيدها» مع تايوان بأي وسيلة يتطلبها الأمر.

ولكن «شي» اتهم الولايات المتحدة بمواصلة استراتيجيتها العدوانية المتمثلة في «الاحتواء والتطويق والقمع على نطاق شامل». ومن ناحية أخرى، يخشى كثيرون في الولايات المتحدة أن تتحدى الصين الهيمنة الاستراتيجية الأمريكية في آسيا- وهي عامل حاسم فيما شهدته المنطقة من سلام وازدهار وتقدم نسبي منذ الحرب العالمية الثانية.

ويخشى القادة الصينيون أيضاً أن تتخلى أمريكا عن التزامها بمبدأ «صين واحدة»، الذي عزز العلاقات الصينية الأمريكية طيلة نصف قرن من الزمان. ولم تصبح أمريكا أقل «غموضاً على المستوى الاستراتيجي» فحسب فيما يتصل بمسألة ما إذا كانت ستدافع عن تايوان؛ بل أثارت أيضا مخاوف الصين من اعتماد أمريكا سياسة الاحتواء عن طريق تعزيز تحالفاتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال حلف AUKUS (أوكوس) الذي يضم (أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، والتحالف الرباعي (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، والمحور الآسيوي من خلال حلف الناتو.

وتتمثل الخطوة الأولى نحو منع الاصطدام في إدراك أن بعض المخاوف السائدة مبالغ فيها. فعلى سبيل المثال، يذكرنا قلق الولايات المتحدة بخصوص صعود الصين الاقتصادي بموقفها تجاه صعود ألمانيا واليابان قبل عقود من الزمن. فعلى أي حال، تعاني الصين من مشاكل اقتصادية كبيرة قد تؤدي إلى خفض نموها المحتمل إلى 4-3 في المائة فقط سنوياً، وهو معدل أدنى بكثير من معدل النمو السنوي الذي حققته على مدى العقود القليلة الماضية (10 في المائة). إذ تعاني الصين من شيخوخة السكان وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب إلى مستويات عالية؛ وارتفاع مستويات الديون في كل من القطاعين العام والخاص؛ وتراجع الاستثمار الخاص بسبب الترهيب الممارس من جانب الحزب الحاكم؛ والالتزام برأسمالية الدولة التي تعيق نمو إنتاجية العامل الإجمالي.

وفضلا على ذلك، تراجع الاستهلاك المحلي الصيني، بسبب تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي والافتقار إلى شبكة أمان اجتماعي واسعة النطاق. ومع بداية الانكماش، يتعين على الصين الآن أن تقلق من أن يحدث لها ما حدث مع اليابان: فترة طويلة من عدم النمو. وعلى غرار العديد من الأسواق الناشئة، فقد ينتهي بها الأمر إلى الوقوع في «فخ الدخل المتوسط»، بدلا من الوصول إلى مكانة الدخل المرتفع والتحول إلى أكبر اقتصاد في العالم.

وفي حين أن الولايات المتحدة ربما بالغت في تقدير صعود الصين المحتمل، فإنها ربما تكون قد قللت من تقدير تفوقها في العديد من صناعات المستقبل وتكنولوجياته: الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وأشباه الموصلات، والحوسبة الكمومية، والروبوتات والأتمتة، ومصادر الطاقة الجديدة مثل الاندماج النووي. فقد استثمرت الصين بصورة مكثفة في بعض هذه المجالات في إطار برنامج «صنع في الصين 2025»، ولكن هدفها المتمثل في تحقيق الهيمنة في الأمد القريب على عشر صناعات في المستقبل يبدو الآن بعيد المنال.

إن المخاوف الأمريكية بخصوص هيمنة الصين على آسيا مبالغ فيها أيضاً. فالصين محاطة بما يقرب من 20 دولة، والعديد منها منافس استراتيجي لها أو «صديق معاد لها» ـ وأغلب حلفائها القلائل، مثل كوريا الشمالية، يستنزفون مواردها. وفي حين كان من المفترض أن تعمل مبادرة الحزام والطريق على تكوين صداقات جديدة وخلق تبعيات جديدة، فإنها تواجه العديد من التحديات، بما في ذلك المشاريع الضخمة الفاشلة (الأفيال البيضاء) التي تؤدي إلى التخلف عن سداد الديون. ومع أن الصين ترغب في السيطرة على الجنوب العالمي و«دوله المتأرجحة» على المستوى الدولي، فإن العديد من القوى المتوسطة تقاوم هذا الطموح وتتصدى له.

لقد فرضت الولايات المتحدة عن حق بعض العقوبات لإبقاء التكنولوجيات الرئيسية بعيدة عن أيدي المؤسسة العسكرية الصينية، وإحباط سعي الصين نحو الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي. ولكن يتعين عليها أن تكون حريصة على جعل استراتيجيتها مقصورة على إزالة المخاطر، بدلاً من الفصل، بصرف النظر عن بعض عمليات الفصل التكنولوجي الضرورية، والقيود المفروضة على الاستثمار المباشر في الصين والولايات المتحدة. وبينما تحدد الصين القطاعات التي يتعين عليها إدراجها في نهج «سياج عال حول ساحة صغيرة»، يتعين عليها أن تتجنب الذهاب إلى أبعد من ذلك. إن العقوبات التجارية التي فرضها دونالد ترامب على الصين تنطبق على مجموعة واسعة من السلع الاستهلاكية، وينبغي إلغاء أغلبها تدريجيا.

وفيما يتعلق بتايوان، يتعين على الولايات المتحدة والصين أن تحاولا التوصل إلى تفاهم جديد لنزع فتيل التصعيد الخطير اليوم. ويتعين على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن يعيد التأكيد بوضوح على مبدأ صين واحدة وأن يعيد مواءمة التزاماته وتصريحاته العامة مع مبدأ «الغموض الاستراتيجي». ويتعين على الولايات المتحدة أن تبيع لتايوان ما تحتاجه من أسلحة للدفاع عن نفسها، ولكن ليس بالسرعة أو النطاق اللذين قد يدفعان الصين إلى غزو الجزيرة قبل أن تتقدم قواتها الدفاعية التي تعتمد استراتيجية «النيص» بعيدا جدا. ويتعين على أميركا أيضاً أن تقول بوضوح أنها تعارض أي تحرك تايواني نحو الاستقلال الرسمي، ويتعين عليها أن تتجنب الزيارات رفيعة المستوى مع الزعماء التايوانيين.

ومن جانب الصين، يتعين على هذه الأخيرة أن توقف توغلاتها الجوية والبحرية بالقرب من تايوان. ويجب أن تذكر بوضوح أن إعادة التوحيد في نهاية المطاف ستكون سلمية تمامًا ومتفقا عليها بصورة متبادلة؛ ويتعين عليها أن تتخذ خطوات جديدة لتحسين العلاقات عبر المضيق؛ وينبغي لها نزع فتيل التوترات مع جيرانها الآخرين بشأن النزاعات الإقليمية.

ويجب أن تتبع كل من الصين وأمريكا سياسات من شأنها أن تقلل من التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، وتعزز التعاون السليم فيما يتعلق بالقضايا العالمية مثل تغير المناخ، وتنظيم الذكاء الاصطناعي. وإذا أخفقتا في التوصل إلى تفاهم جديد بشأن القضايا التي تشعل فتيلة مواجهتهما الحالية، فسوف تصطدمان في النهاية. وهذا من شأنه أن يؤدي حتماً إلى مواجهة عسكرية من شأنها أن تدمر الاقتصاد العالمي، بل وربما تتصاعد إلى صراع (نووي) غير تقليدي. وتتطلب المخاطر العالية امتناع الجانبين عن استخدام القوة العسكرية.

نورييل روبيني أستاذ فخري للاقتصاد في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، وهو كبير الاقتصاديين في فريق أطلس كابيتال، والرئيس التنفيذي لشركة روبيني ماكرو أسوشيتس.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة یتعین على العدید من

إقرأ أيضاً:

هل ترامب هو (غورباتشوف) الولايات المتحدة ؟؟

في أقل من شهرين و في (٥٣) يوم بالضبط منذ دخوله البيت الأبيض فعل ترامب بالولايات المتحدة الأفاعيل !!
فخلال هذه المدة القصيرة إتخذ قرارات و إجراءات داخلية و خارجية و أدلى بتصريحات ربما تكلف بلاده الكثير :
ـ بدأ الحرب التجارية و حرب تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي مع الصين !!
ـ أثار معارك مع جيرانه الجنوبيين المكسيك ، و بنما التي طالبها بتسليم (قناة بنما) التي تعتبر أهم ممر مائي في العالم و تربط بين المحيطين الهادي و الأطلسي و مولت بلاده شقها و إنشاءها بعد شرائها الإمتياز من فرنسا في العام 1902 و اكتمل العمل فيها في العام 1914 !!
ـ دعا جارته الشمالية كندا لأن تصبح الولاية رقم (٥١) ضمن ولايات بلاده !!
ـ طلب من الدنمارك أن تبيعه جزيرة غرينلاند حماية للأمن القومي لبلاده (و بالمناسبة هذا طلب امريكي قديم) !!
ـ أهان الرئيس الأوكراني زلينسكي الذي دعاه إلى البيت الأبيض على الهواء مباشرة بحضور وزير خارجيته الذي تبادل معه الأدوار ، و طالبه بإعطاء الولايات المتحدة نصف المعادن في بلاده مقابل ما قدمته لها من سلاح و تمويل في حربها ضد روسيا المستعمرة منذ فبراير 2022 !!
ـ أهان القادة الأفارقة و لم يدعهم لحفل تنصيبه و وصفهم بالكلاب !!
ـ دعا إلى تهجير سكان غزة إلى مصر و الأردن الأمر وجد رفضاً حاسماً من الدولتين و من الدول العربية و غالبية بلدان العالم بما فيها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن !!
ـ فرض رسوم جمركية عالية على الواردات من الصين ، دول الإتحاد الأوروبي ، كندا ، المكسيك الأمر الذي دفع هذه الدول للتعامل بالمثل فخسر الإقتصاد في أقل من شهر ترليونات الدولارات !!
أما داخلياً فقد بدأ ترامب خوض المعارك في جبهات عديدة أبرزها :
ـ معركته ضد سلفه بايدن و أنصاره حيث لا يفوت أي فرصه لمهاجمته بأقذع العبارات و انتقاد فترة حكمه التي دائماً ما يصفها بأنها دمرت الولايات المتحدة !!
ـ معركته ضد المثلية حيث أمر بطرد المثليين من الخدمة و منع أنشطتهم في المدارس و هدد بوقف الدعم الفيدرالي عن أي ولاية تخالف توجهاته و قراراته للحد من نفوذ المثليين !!
ـ معركته ضد صناديق الضمان التي وصفها بالفساد و قال في أحد تصريحاته أنهم إكتشفوا أن هذه الصناديق تصرف مرتبات و معاشات لأكثر من 120 ألف موظف و معاشي غير موجودين أصلاً !!
ـ معركته ضد وكالة العون الامريكي التي وصف من يديرونها بأنهم متطرفون ، و أنها تقوم بتمويل أنشطة مشبوهة و ذكر تحديداً أنها مولت أبحاث وباء الكورونا الذي فتك بعشرات الملايين على إمتداد العالم ، فأوقف تمويلها و أعطى العاملين فيها إجازات مفتوحة !!
ـ معركة مساعده إيلون ماسك المكلف بملف وزارة الكفاءة الحكومية مع الجهاز البيروقراطي للدولة حيث فصل حتى الآن عشرات الآلاف من الموظفين و في الأيام الماضية أرسل إيميلات لحوالي (2 مليون) موظف فيدرالي طالبهم بإرسال تقارير عن إنجازاتهم و من لا يرد خلال فترة زمنية محددة سيعتبر مستقيلاً من وظيفته !!
(ما يقوم به إيلون من فصل و تشريد للموظفين هو مماثل تماماً لما كانت تقوم به لجنة التمكين سيئة الذكر في بلادنا خلال الحقبة القحتاوية الحمدوكية) !!
بالأمس و في خطوة مناقضة تماماً لما ظل يردده منذ حملته الإنتخابية بأن الولايات المتحدة في عهده الجديدة لن تدخل في اي حرب خارجية قام ترامب بالإشراف بنفسه على ضرب عشرات المواقع في اليمن بدعوى محاربة الحوثيين الذين أصبحوا يمثلون أكبر مهدد للتجارة العالمية عبر مضيق باب المندب و البحر الأحمر !!
محللون وصفوا هذه الخطوة بأنها محاولة للهروب من المشاكل الكبيرة التي تسببت فيها سياساته الداخلية و الخارجية الأمر الذي أدى تململ واسع في أوساط الشعب الأمريكي و بصفة خاصة رجال الأعمال الذين بدأوا في البحث عن ملاذات آمنة خارج بلادهم لإستثماراتهم و أموالهم !!
بهذه السياسات التي يتبعها هل يسعى ترامب و ساعده الأيمن إيلون ماسك إلى تفكيك الولايات المتحدة ؟؟
و إذا صح هذا الإفتراض الذي تبدو نتائجه واضحة هل يمكن وصف ترامب بغورباتشوف الولايات المتحدة !!
ننتظر لنرى !!
#كتابات_حاج_ماجد_سوار
16 مارس 2025

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الصين تهدد عرش صناعة «الذكاء الاصطناعي» في أمريكا!
  • في سبيل التأهل لمونديال أمريكا 2026 .. الأخضر يواصل استعداده في الرياض لمواجهة الصين
  • الحرب الساخنة بين الولايات المتحدة والصين
  • ما هي الممرات المائية التي تسعى أمريكا للسيطرة عليها بالشرق الأوسط؟
  • هل ترامب هو (غورباتشوف) الولايات المتحدة ؟؟
  • الولايات المتحدة: الطبيبة التي تم ترحيلها إلى لبنان لديها صور للتعاطف مع حزب الله
  • لقطات لبعض الذخائر والأسلحة والحبوب المخدرة التي عثرت عليها قوات الجيش داخل أوكار ميليشيا حزب الله بقرية حوش السيد علي بريف القصير غرب حمص
  • مسافر يوثق ومضات البرق والأعاصير التي ضربت أمريكا‬⁩ من نافذة الطائرة .. فيديو
  • أسعار النفط ترتفع مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والحوثيين
  • نبوءة ميرشايمر.. هل اقتربت الحرب المدمرة بين أميركا والصين؟