سليم سحاب.. الموسيقي والمؤرخ والناقد
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
عرفت الأوساط الثقافية والفنية اسم سليم سحاب الموسيقي الكبير، لكن الكثيرين لا يعرفون سليم سحاب الناقد الفني والمؤرخ الموسيقي والمثقف، فقد طغت عبقريته في قيادة الفرق الموسيقية، على عمله النقدي وتأليفه الموسيقي منذ بداية سبعينات القرن الماضي، عقب الانتهاء من دراسته الموسيقية في موسكو، التي أهلته لقيادة فرقة الكورال في لبنان متأثرا بموسيقى بيتهوڤن، التي كان يراها البعض موسيقى برجوازية ورجعية لدرجة أن بلدا كالصين منعت إذاعة موسيقاه، ورغم ذلك كان يراه سليم سحاب النموذج المثالي للموسيقى.
عقب عودة سليم سحاب من موسكو إلى لبنان في ديسمبر ١٩٧٧، راح يكتب في الصحف والمجلات اللبنانية في قضايا الفن والفكر والموسيقى، ودخل في معارك فنية وفكرية جميعها تتعلق بالفن والتراث الموسيقي العربي، أسس بعدها فرقة بيروت للموسيقى العربية، وكورال للأطفال تلقاه المجتمع اللبناني بكل حفاوة وتقدير، ودائما ما كان يلح عليه السؤال: هل الأولوية في الموسيقى للعلم أم للموهبة؟ وانتهى إلى رأي واضح، فقد فضل الموهوب غير المتعلم على المتعلم غير الموهوب، ثم فضل على الاثنين الموهوب المتعلم، وهي قضية تناولتها الصحف اللبنانية والعربية وقتئذ، وخصوصا حينما رآه البعض نصيرا للفوضى الموسيقية، كما خاض معارك صحفية عقب إصدار اليونسكو ١٩٧٩، قائمة تضم 13 لحنًا للموسيقار محمد عبد الوهاب، قالت بأنها مأخوذة من الموسيقى العالمية، وقد خاض سليم سحاب حربا ضارية ضد اليونسكو، مفندا وجهة نظر القائلين بهذا الرأي.
رغم أن الأوساط الثقافية والفنية قد عرفت سليم سحاب موسيقيا وكاتبا في مختلف القضايا الفكرية والفنية، إلا أن الكثيرين لا يعرفون ارتباط الرجل بقضايا العروبة، وإيمانه بأن لبنان جزء أصيل من محيطها العربي، وأنها خدمت الثقافة العربية في الأدب والفن والفكر، كان ارتباطها دائما بأمتها العربية، وراح يكتب عن عروبة لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية ١٩٧٥-١٩٩٠، بينما راح البعض يسعى لعزل لبنان عن محيطه العربي، وخصوصا عن مصر، التي كان يراها بعض الفنانين اللبنانيين قد شكلت غزوًا ثقافيا وفنيًا، وقد وجهوا سهامهم إلى محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وراح بعضهم يشيد بالموسيقى الغربية، وكانت معركة خاضها سليم سحاب دفاعًا عن عروبة لبنان سياسيًا وثقافيًا وفنيًا، لذا أسس فرقة موسيقية عُنيت بموسيقى التراث العربي القديم منه والجديد، مقتديا بفرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية في مصر.
استقر سليم سحاب في مصر منذ عام ١٩٨٨، واستقبلته الأوساط الفنية والاجتماعية بكل حفاوة، بعدها حصل على الجنسية المصرية ١٩٩٤، وفتحت له دار الأوبرا المصرية أبوابها، وخصصت له حفلا موسيقيا أسبوعيا بشكل دوري، واستقبلته الجماهير المصرية استقبالًا منقطع النظير، انطلق بعدها إلى معظم العواصم العربية، والكثير من العواصم الأوروبية، قائدًا للفرقة القومية العربية للموسيقى التي أسسها، وفي خضم هذه الأعمال الكبيرة كتب كتابه المهم (أعلام موسيقية)، وقد نشرته دار الكتب والوثائق المصرية عام ٢٠١٤، وقد تناول فيه أعلام الموسيقى والغناء في مختلف الأقطار العربية، وهي دراسات سبق أن كتبها ونشر بعضها في سنوات متعددة، من بينها الأعلام الفنية المصرية والمشرقية مثل فريد الأطرش وأسمهان والموسيقار الفلسطيني اللبناني سلفادور عرنيطة، الذي تتلمذ على يديه في كونسرفتوار بيروت ما بين عامي ١٩٦١-١٩٦٥، ولم يغفل من الموسيقيين الغربيين بيتهوڤن وشوبرت وكرايان، فضلا عن موسيقيين ومطربين مثل عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان والقصبجي والسنباطي وزكريا أحمد وفيروز ووديع الصافي وسعاد محمد وفايزة أحمد وغيرهم .
ما كتبه سليم سحاب عن هؤلاء الأعلام لم يكن مجرد سيرة ذاتية، وإنما كان محللا وناقدا ومحلقا بموسيقاه في عوالم أبهرت جمهور الأوبرا المصرية، فضلا عن فيض المعلومات الموسيقية والفنية، من قبيل الفرق بين الطقطوقة والمونولوج، والفروق الفنية بين الفنانين الكبار مثل القصبجي وزكريا أحمد وعبد الوهاب، وهي ثقافة حظيت بعناية المجتمع الثقافي والفني، وخصوصا حينما يكون كاتبها موسيقيا ومؤرخا وناقدا فنيا في قيمة سليم سحاب، ورغم ذلك فلم يتخل عن إعجابه الشخصي ببعض من كانوا يطربونه بموسيقاهم وأغانيهم التي أبهرته وأدخلته في عوالم فسيحة من المتعة والجمال.
ورغم أن الكتاب لم يشمل كل الفنانين والموسيقيين العرب، إلا أن ما قدمه كان كافيا حينما قدم لنا وجبة وافية من المتعة الفنية والثقافية لرجل عرفناه حاملا عصاه قائدا لفرقة الموسيقى العربية، ولم يسبق لنا أن عرفناه كاتبا، إلا أن ما قدمه لنا من معلومات موسيقية شملت أعلامها ومدارسها ومختلف عوالمها، محلقا في سموات الفن والجمال، جميعها شكلت منظومة ضاعفت من رقة الإنسان وجعلته قريبا من عوالم الجمال والمتعة، لعل هذا كله يدعونا إلى العناية بالفنون الموسيقية في مدارسنا وجامعاتنا ومنتدياتنا الاجتماعية، فهي المقوم الأول لبناء الإنسان وتهذيب وجدانه وارتباطه بالجمال الذي لا يتوفر إلا في الموسيقى.
لقد كان الرجل ملهما لأجيال أتت بعده، وقد أخذتهم الموسيقى برقتها وجمالها، وبقي طوال حياته بمثابة الأستاذ الذي أخذ على عاتقه العناية بشباب من الموسيقيين والمطربين، ليس في مصر فقط وإنما في كل الأقطار العربية، حيث يدين له الكثيرون بتنمية مواهبهم، وتصدر بعضهم المشهد الفني، وأشاعوا في حياتنا قدرا هائلا من الجمال والمتعة.
إن ما أنجزه سليم سحاب في مجال الموسيقى والغناء، وما سطره في كتابه (أعلام موسيقية) يستحق التقدير والامتنان، سواء من جيل الكبار أو الشباب، فقد حفزنا على الاستماع إلى هؤلاء الأعلام الذين شكلوا حياة كانت أجمل وأرحب وأرقى، كما تحفزنا سيرته الفنية على متابعة موسيقاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن أتاحت لنا التكنولوجيا الكثير من إبداعاته، التي ستبقى ربما لقرون قادمة علامة مضيئة في تاريخ الموسيقى العربية.
د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عبد الوهاب سلیم سحاب
إقرأ أيضاً:
الصحف العربية.. تحرك سعودي لرفع العقوبات عن سوريا.. وتفاصيل حول الدفعة الثانية للرهائن.. والرياض تتحدث عن استثمارات المملكة في أمريكا
نشرت الصحف العربية الصادرة صباح اليوم السبت عدد من الموضوعات الهامة التي تشغل بال القارئ العربي والعالمي حول الأحداث في المنطقة والتي يشهدها العالم، والتي تصدرها الاهتمام بالقرارات الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي تؤشر على سياسته تجاه دول المنطقة والعالم، وكذلك مجريات الأحداث في غزة وانتقال عمليات قوات الاحتلال إلى الضفة الغربية.
تحرك سعودي لرفع العقوبات عن سوريانشرت صحيفة الشرق الأوسط عنوانها حول "تحرك سعودي لرفع العقوبات عن سوريا" وذلك بعد زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فرحان بن فيصل إلى دمشق ولقائه مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع وأن المملكة العربية السعودية أكدت أنها تنخرط في حوار مع الدول ذات العلاقة لرفع العقوبات عن سوريا، وأنها تلقت إشارات إيجابية، مؤكدة أهمية الاستعجال في رفعها وتعليقها في أسرع وقت لإتاحة الفرصة للنهوض الاقتصادي السوري بالشكل الذي يدعم اقتصاد البلاد والعيش الكريم للشعب السوري.
جاء ذلك على لسان الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، خلال مؤتمر صحافي أعقب لقاءه قائد الإدارة السورية أحمد الشرع بقصر الشعب في دمشق أمس. وناقش الوزير السعودي مع الشرع المساعي الهادفة إلى دعم الجانب السياسي والاقتصادي والإنساني، وعلى رأسها الجهود المبذولة لرفع العقوبات، وتقديم جميع أشكال العون والمساندة في هذه المرحلة المهمة لاستعادة الاستقرار على كامل الأراضي السورية، وعودة الحياة إلى مؤسساتها الوطنية بالشكل الذي يتوافق مع تطلعات وطموحات الشعب، كما أكد دعم بلاده سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها.
لبنان يلجأ إلى أميركا بعد رفض نتنياهو الانسحابكما نشرت الصفحة الأولى من صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان "لبنان يلجأ إلى أميركا بعد رفض نتنياهو الانسحاب" تفاصيله أن لبنان يلجأ إلى الولايات المتحدة طالباً منها للضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان، بعدما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تمديد إقامة قواته في المنطقة الحدودية رغم انتهاء مهلة الستين يوماً التي نصّ عليها قرار وقف إطلاق النار.
ونشرت الصحيفة نقلا عن مصادرها أن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون يتولى شخصياً الاتصالات بواشنطن وبعدد من العواصم الغربية والعربية المعنية بعودة الاستقرار إلى لبنان، محذّراً من التداعيات المترتبة على تفلُّت تل أبيب من الاتفاق، داعياً إدارة الرئيس دونالد ترمب الجديدة لممارسة نفوذها على نتنياهو وإلزامه بوجوب التقيُّد بمضامين الاتفاق.
المملكة وأميركا.. علاقة تاريخية وشراكة استراتيجية
أما صحيفة الرياض نشرت افتتاحيتها حول "المملكة وأميركا.. علاقة تاريخية وشراكة استراتيجية" وتعزيز العلاقات التجارية وتوسيع الاستثمارات بـ 600 مليار دولار
وجاء تحته أنه ترتكزُ العلاقاتُ الثنائيةُ بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية على أسس راسخة مبنية على الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة، وتحظى بمكانة خاصة لدى الجانبين، وأن اللقاءُ التاريخي الذي جمع بين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن الطراد الأميركي (يو إس إس كونسي) في 14 فبراير 1945م أسس لعقود من العلاقات والشراكة الاستراتيجية القائمة على الاحترام والثقة المتبادلة بين المملكة والولايات المتحدة.
وأشارت إلى أنه ينظرُ العالمُ إلى العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة كمرتكز أساسي لتعزيز أمن واقتصاد المنطقة والعالم، لما يُشكله البلدان من دور محوري في جهود تعزيز الأمن والسِّلم الدوليين، وفي هذا لاطار أجرى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد مساء الاربعاء اتصالاً هاتفياً بالرئيس دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، والذي أكد فه رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للارتفاع حال أتيحت فرص إضافية.
دفعة ثانية من تبادل الرهائن اليوم.. واختبار إسرائيلي لعودة القتالأما صحيفة الخليج الإمارتية فقد كتبت في صفحتها الأولى تحت عنوان "دفعة ثانية من تبادل الرهائن اليوم.. واختبار إسرائيلي لعودة القتال" حاء فيه ان حركة حماس سلّمت حركة قائمة بأسماء أربع محتجزات إسرائيليات ستفرج عنهن اليوم السبت، ضمن الدفعة الثانية من صفقة التبادل بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، على أن تطلق إسرائيل في المقابل سراح معتقلين فلسطينيين، في وقت واصل الأهالي العودة إلى منازلهم المدمّرة، وبخاصة شماليّ القطاع، فيما هدمت آليات إسرائيلية، مباني سكنية في حيّ تل السلطان غربي مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، في حين تحدثت تقارير عن تنسيق مصري أمريكي لعودة النازحين إلى شمال القطاع من خلال عمليات تفتيش للمركبات تديرها شركات أمنية خاصة.
أمس الجمعة، نشرت «حماس» أسماء أربع «مجندات» من المقرر الإفراج عنهن. وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسلّمه «قائمة بأسماء الرهائن» دون أن يحدد ما إذا كنّ ينتمين إلى الجيش. وقال أبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري ل«حماس»: إن الرهينات اللائي سيفرج عنهن هن: كارينا أرئيف ودانييل جلبوع ونعمة ليفي وليري إلباج.