نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقالا للمؤرخ بيتر شامبروك، تحدث فيه عما وصفها بـ"سياسة الخداع البريطانية في فلسطين" في الفترة بين 1914 حتى 1939.

وقدم شامبروك في مقاله المقتطف من كتاب له حول القضية الفلسطينية، وترجمته "عربي21"، أدلة على أن بريطانيا شملت منطقة فلسطين في عرضها إقامة دولة عربية مستقلة، والذي طالما تم إنكاره.



وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
في عام 1939، وبطلب من الوفد العربي إلى مؤتمر لندن حول مستقبل فلسطين، وافقت الحكومة البريطانية أخيراً على نشر المراسلات التي جرت في زمن الحرب العالمية الأولى بين السير هنري ماكماهون، المفوض السامي البريطاني في القاهرة، والشريف حسين في مكة، المعين من قبل العثمانيين سلطة رئيسية على أهم الأماكن المقدسة في الإسلام.

وكان العرب قد زعموا باستمرار منذ عام 1920 أن ماكماهون في تلك المراسلات، ومقابل أن يتزعم الشريف الثورة العربية ضد القوات العثمانية، شمل منطقة فلسطين في عرض الحكومة البريطانية إقامة دولة عربية مستقلة مترامية الأطراف. ومن ناحية أخرى لم تزل الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ عام 1920 وحتى هذا اليوم تصر على أن فلسطين كانت مستبعدة من المنطقة التي وعد بها الشريف.

على الرغم من أن نشر المراسلات – وهي عبارة عن 10 خطابات تم تبادلها ما بين شهر يوليو (تموز) 1915 وشهر مارس (آذار) 1916 – لطالما حثت عليه جميع الأطراف داخل حجرات البرلمان فيما يزيد عن 24 مناسبة منذ عام 1920 – إلا أن الحكومات البريطانية المتعاقبة ظلت تعارض ذلك على أساس أن نشرها من شأنه أن "يضر بالمصلحة العامة".

أضف إلى ذلك أن العلاقات الإنجليزية العربية طوال فترة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ساءت بشكل كبير بسبب ذلك الرفض المستمر. ولم توافق الحكومة على نشر المراسلات إلا في فبراير (شباط) من عام 1939، عندما أرادت حكومة تشامبرلين إطفاء جذوة الثورة الفلسطينية، في وقت تلبدت السماء فيه بغيوم الحرب الوشيكة في كل أنحاء أوروبا، وباتت الحاجة ماسة إلى "تأمين الممرات الإمبراطورية إلى الشرق".

في نفس ذلك المؤتمر، وافقت الحكومة البريطانية على تشكيل اللجنة الإنجليزية العربية للبحث في مضامين تلك المراسلات بالتفصيل.

بعد أربعة اجتماعات، انتهت اللجنة، التي كان يترأسها وزير العدل فريدريك موغهام، إلى خلاف، حينما صدر عنها تقرير مشترك تمسك فيه الطرفان كل بمواقفه الأصلية، حيث أصر العرب على أن فلسطين كان الشريف قد وُعد بها، بينما قال وزير العدل إنه وبناء على "القراءة السليمة للمراسلات، كانت فلسطين في الحقيقة مستثناة من الوعد." ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، واختفت مسألة المراسلات من الساحة السياسية، ولم يتسن من بعد إعادة البحث فيها بشكل رسمي.

يكشف الدليل الذي أعاد النظر فيه هذا الكتاب عن أن الحجة البريطانية كانت واهية، حيث تؤكد الدراسة المتمعنة والمنهجية للسجلات الرسمية أنه كان من حق الشريف بالفعل اعتبار أن فلسطين كانت مشمولة في المنطقة التي وُعد العرب بها لإقامة دولة مستقلة.

وما هو مدهش أكثر من ذلك، بل وصادم في الحقيقة، هو أن جميع المسؤولين الكبار الذين كانت لهم علاقة باللجنة، وداخل التشكيل الحكومي، والذين كانوا يُطلعون أولاً بأول على كافة التفاصيل الخاصة بلقاءات اللجنة ونقاشاتها، كانوا يعرفون ويقرون فيما بينهم بأن الحجة البريطانية كان في غاية الهشاشة.


الكأس المسمومة

بعد أن أطلع وزير العدل على إيجاز من قبل المسؤولين في وزارة الخارجية، وبعد أن قرأ الوثائق ذات العلاقة بالموضوع، أجبر على الخروج بمزاعم بعيدة كل البعد عن الحقيقة في مسعى منه لتعزيز الموقف البريطاني، وهي مزاعم لم يسبق حتى للحكومة البريطانية أن جاءت بها، بل ولم يصدقها هو نفسه.

وكان قد أعرب عن ذلك بجلاء في إخطار رفعه إلى وزير المستعمرات مالكوم ماكدونالد الذي عينه رئيساً للجنة ودافع عن موقف الحكومة. في نفس ذلك الإخطار، يعرب عن استيائه من تسليمه تلك الكأس المسمومة، حيث يقول:

"كم سأكون سعيداً لو تمكنت من سماع أي شخص في وزارة الخارجية أو في وزارة المستعمرات أو في الحكومة بإمكانه أن يقدم اقتراحاً واحداً مفيداً ومجدياً للمساعدة في مقابلة أو مقارعة المزاعم العربية."

وكان ماكدونالد كذلك قلقاً إزاء ضعف الحجة البريطانية، فتوجه إلى المدعي العام السير دونالد سامرفيل يطلب منه النصح. لكن الملاحظات التي قدمها سامرفيل، بعد أن قرأ الأوراق ذات العلاقة بالأمر، لم تسر وزير المستعمرات، حيث جاء في ملاحظاته:

"أعتقد أن من الصعوبة بمكان القول إن بإمكان ماكدونالد اعتبار فلسطين مستثناة بشكل تلقائي ... ورأيي أننا كلما تمكنا من تجنب هذه القضية كلما كان ذلك أفضل، وأننا كلما ولجنا فيها عن قرب كلما تعاظمت برأيي المصاعب التي تواجهنا."

ولذلك، وبحلول عام 1939، اتفق أكبر مسؤولين قانونيين في الحكومة على أن الحجج البريطانية كانت شديدة الضعف لدرجة أنها ما كانت لتصمد أمام تحقيق يتم إجراؤه من قبل هيئة قضائية مستقلة أو من قبل البرلمان أو من قبل الرأي العام. ومع ذلك، وفي ممارسة ذكية، وإن كانت شائنة، فيما أطلق عليه أحد الباحثين "ممارسة ثاقبة"، تمسك وزير العدل رسمياً بموقف الحكومة الوارد في التقرير. ومن طرفه، لخص وزير المستعمرات ما خلصت إليه اللجنة من خلال إخبار زملائه: "لقد سمحنا للكرة بأن تمس جدعة واحدة دون إزالة المقابض."

استعارة ماكدونالد من لعبة الكريكيت كانت في محلها بالفعل، فحتى يخرج ضارب الكرة فإن واحداً من المقبضين الاثنين على الأقل يحتاج لأن يزال من أعلى الجدعات الثلاث. فوزير العدل كان يقوم بدور ضارب الكرة، المدافع عن البويبة، أي عن موقف الحكومة الذي يستثني فلسطين، بينما يقر بمهارة فائقة، كلما كان ذلك موات له، بعض، إن لم يكن كل، المزاعم العربية التي ترتفع بها عقيرتهم تجاهه.

منذ عام 1939، لم تعترف أي من الحكومات البريطانية المتعاقبة بذلك. يرى هذا الكتاب أنه آن للحكومة الحالية أن تقر بذلك، فالدليل، نصاً ومن حيث القرائن، دليل دامغ. ما أرجوه هو أن يساهم هذا الكتاب في إقامة الحجة وإحقاق الحق فيما يتعلق بالتعهدات البريطانية المتعددة زمن الحرب العالمية الأولى بشأن فلسطين، وفيما يتعلق بالوقائع التاريخية ذات العلاقة بما كانت تنتهجه بريطانيا من سياسات أيام الانتداب في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، والتي أدت لا محالة إلى ما وقع في عام 1948، والذي خلف "جرحاً مفتوحا" مازال نازفاً حتى يومنا هذا، جرحاً عميقاً يمس كل من يعيش في المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ويمس كذلك جميع الملايين من اللاجئين الذين انتهى بهم المقام خارج حدود فلسطين.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة فلسطين بريطانيا بريطانيا فلسطين الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وزیر العدل أن فلسطین منذ عام من قبل على أن

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم يستعرض مع مدير أكاديمية “Ofsted” معايير تقييم المدارس البريطانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

التقى محمد عبداللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، اليوم الاثنين، مع السيد ماثيو بورفيس، مدير أكاديمية "Ofsted" وسو موريس كينغ، نائب المدير والمدارس والتعليم المبكر بالأكاديمية، وذلك في مقر مكتب أكاديمية "Ofsted" الجهة المسؤولة عن تقييم الخدمات التعليمية ومهارات التعلم لجميع الفئات العمرية، بالإضافة إلى الإشراف على خدمات رعاية الأطفال والشباب.

جاء ذلك بحضور مارك هوارد مدير المجلس الثقافي البريطاني في مصر والدكتورة هانم أحمد مستشار وزير التربية والتعليم للعلاقات الدولية.

وتأتي هذه الزيارة في إطار جهود الوزارة لتعزيز الشراكة مع المؤسسات التعليمية العالمية والاستفادة من أفضل التجارب الدولية، بهدف بناء نظام تعليمي متطور يتماشى مع متطلبات العصر ويحقق طموحات الأجيال القادمة.

وفي مستهل اللقاء، أشاد الوزير محمد عبد اللطيف بعمق العلاقات التاريخية بين مصر وبريطانيا، والتعاون المثمر بين البلدين في مجال التعليم باعتباره ركيزة أساسية للتقدم.

وأكد الوزير التزام الدولة المصرية بتطبيق أفضل الممارسات التعليمية وتنفيذ مشروعات نوعية لتحسين جودة التعليم، مثمنًا دعم الحكومة البريطانية لجهود تطوير المنظومة التعليمية في مصر، والحرص على تبادل الخبرات الثنائية في هذا المجال.

ومن جانبه، ثمّن  ماثيو بورفيس، مدير أكاديمية "Ofsted" زيارة الوزير، مشيدًا بالجهود التي تبذلها مصر في مجال تطوير التعليم، وبدورها في تبني استراتيجيات حديثة تواكب التوجهات العالمية.

كما أعرب عن تطلعه إلى تعزيز سبل التعاون وتبادل المعرفة بين الجانبين، بما يسهم في تحسين جودة التعليم وضمان استدامة التطوير والابتكار في العملية التعليمية، وتحقيق أفضل النتائج للطلاب في البلدين.

وتناول الاجتماع تبادل الخبرات بين الجانبين، حيث استعرض الوزير الدروس المستفادة والنجاحات التي حققتها وزارة التربية والتعليم المصرية في تطوير العملية التعليمية وفق أحدث المعايير الدولية.

كما تم مناقشة أفضل الممارسات في قياس فعالية المدارس في المملكة المتحدة من خلال آليات مراجعة معايير وتقييم الجودة الحديثة، التي تضمن تحسين جودة العملية التعليمية وتحقيق نتائج أكثر دقة في تقييم الأداء المدرسي.

وشملت المناقشات استعراض آليات التقييم الدوري للمدارس بالمملكة المتحدة وفقًا لجودتها، حيث يتم إجراء التقييم غير المصنف للمدارس ذات التقييم الجيد أو الممتاز كل أربع سنوات، بينما تخضع المدارس التي تتطلب تحسينًا أو حصلت على تقييم غير ملائم إلى تقييم مصنف خلال فترة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام، مع إجراء عمليات مراقبة دورية لضمان التحسين المستمر.

وخلال اللقاء، تم تسليط الضوء أيضا على الإطار المعتمد لتقييم جودة التعليم في المملكة المتحدة، والذي يرتكز على أربعة محاور رئيسية، أولها جودة التعليم، وتشمل التخطيط للمناهج وتنفيذها وقياس تأثيرها على التحصيل الدراسي، يليها السلوك والمواقف، وتتناول انضباط الطلاب وسلوكهم ومعدلات الحضور والانقطاع عن الدراسة، وتأتي بعد ذلك التنمية الشخصية، والتي تهدف إلى تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى توجيه الطلاب مهنيًا، ثم القيادة والإدارة، وهو ما يتعلق برؤية المدرسة وأخلاقياتها، بالإضافة إلى قضايا مثل رفاهية المعلمين، والحوكمة، وآليات الحماية والتأمين المدرسي.

وأشاد وزير التربية والتعليم بفاعلية منظومة التقييم المدرسي البريطانية ودورها في تحسين جودة التعليم، مؤكدًا حرص مصر على الاستفادة من التجربة البريطانية لتعزيز نظام التقييم وضمان توفير بيئة تعليمية متطورة تواكب التغيرات العالمية.

مقالات مشابهة

  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة يدعو واشنطن للسماح بعودة أهل غزة للأرض التي خرجوا منها 
  • «تمسكت بحقوق شعبنا».. فلسطين ترحب بمواقف الدول التي رفضت التهجير والضم
  • لجنة بـ”الوطني الاتحادي” تواصل مناقشة سياسة الحكومة بشأن معدلات الإنجاب
  • وزير التعليم يستعرض مع مدير أكاديمية “Ofsted” معايير تقييم المدارس البريطانية
  • من الفاتيكان.. وزير الصحة يتحدث عن معاناة أطفال غزة
  • "الشيوخ" يحيل طلبات مناقشة عامة لاستيضاح سياسة الحكومة بشأن منظومة التعليم الجامعي
  • نائب بالشيوخ يستعرض طلب استيضاح سياسة الحكومة بشأن تحسين جودة النظام البحثي
  • لجنة بـالوطني تواصل مناقشة سياسة الحكومة بشأن معدلات الإنجاب
  • "صحية الوطني" تناقش سياسة الحكومة بشأن معدلات الإنجاب
  • الشيوخ يناقش طلب بشأن سياسة الحكومة لتطوير منظومة التعليم الجامعي والبحث العلمي