التنوع الثقافي والنزعة الإنسانية والتأويل اللغوي
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
أغسطس 26, 2023آخر تحديث: أغسطس 26, 2023
إبراهيم أبو عواد
كاتب من الأردن
1
التَّنَوُّعُ الثقافي في العلاقات الاجتماعية يُعْتَبَر انعكاسًا طبيعيًّا للنَّزعة الإنسانية ، وتَجسيدًا للمنهج النَّقْدِي في بُنيةِ الواقعِ المُعَاشِ وبِنَاءِ السُّلوك المَعرفي ، وتَحريرًا لتاريخ الأفكار مِن الوَعْيِ الزائف ومَنطِقِ القُوَّة .
2
التَّنَوُّعُ الثقافي يَستمد شَرْعِيَّتَه مِن امتلاكه لآلِيَّات التأويل اللغوي ، ويُكرِّس سُلْطَتَه اعتمادًا على مصادر المعرفة الظاهرةِ في الواقع المُعَاش ، والباطنةِ في الشُّعُور ، ويُؤَسِّس مَرْجِعِيَّتَه استنادًا إلى تأثير تاريخ الأفكار في الفِعْل الاجتماعي . وكُلُّ هذه العوامل مُجْتَمِعَةً تَمنح التَّنَوُّعَ الثقافي القُدرةَ على تَحليل بُنية هُوِيَّة الإنسان ، بِوَصْفِهَا تحديدًا لشخصيةِ الإنسان وأبعادِها المعنوية والمادية ، وتعبيرًا عن مركزيته في العلاقات الاجتماعية . وهُوِيَّةُ الإنسانِ هي المِعيارُ الوُجودي الذي يَكشِف مواطنَ الاتِّصالِ والانفصالِ في مَسَارَاتِ التاريخ وسِيَاقَاتِ الحضارة ، ويُوَازِن بَين آلِيَّاتِ سُلطة المعرفة وآلِيَّات التأويل اللغوي . وهذا التَّلازُمُ المصيري بين المعرفة واللغة يَعْنِي أنَّ المعرفةَ بلا لُغَةٍ كُتلةٌ هُلامِيَّة سابحة في الفَرَاغ ، وأنَّ اللغةَ بلا مَعرفةٍ منظومةٌ عبثية غارقة في العَدَم . وكُلَّمَا كانت الرابطةُ بين المعرفةِ واللغةِ أقْوَى ، كان تحليلُ مَاهِيَّة السُّلطة في العلاقات الاجتماعية أكثرَ دِقَّةً وانضباطًا ، وهذا يُسَاهِم في تَشخيصِ الإشكاليات الحياتية التي تَضغط على المنهج النَّقْدِي ، وتحديدِ الأنماط الاستهلاكية التي تُهَمِّش مَرجعيةَ الثقافة ، وكشفِ المُسَلَّمَات الافتراضية التي تُهَدِّد مَركزيةَ الإنسان ، وتَفكيكِ المصالح الشخصية التي تُشَوِّه الفِكْرَ التاريخي . وكُلُّ مُحاولة للفصل بين المعرفةِ واللغةِ تُمَثِّل تَحطيمًا لآلِيَّات التأويل اللغوي، وهذا يَجعل المُجتمعَ عاجزًا عن استيعاب تاريخ الأفكار.وكُلُّ مُحاولة للفصل بين مَاهِيَّةِ السُّلطة والعلاقاتِ الاجتماعية تُمَثِّل تَفتيتًا للواقع المُعَاش ، وهذا يَجعل الإنسانَ عاجزًا عن التَّحَرُّر مِن الخَوف .
3
التَّنَوُّعُ الثقافي يُؤَسِّس المنهجَ النَّقْدِي في مَركزية العقلِ الجَمْعِي . ومُهِمَّةُ المَنهج النَّقْدِي هي البَحْث عَن المَعنى. وهذا المَعنى لَيْسَ هُوِيَّةً عابرة، أوْ سُلطةً مُؤقَّتة . إنَّ المَعنى هو كَينونةُ الوُجودِ القائمة بذاتها ، والمُكتفية بِنَفْسِهَا . والمَعنى هو تَحريرُ الهُوِيَّةِ مِن الوَعْيِ الزائف ، ورُوحُ المُجتمعِ التي تُوَظِّف النَّزعةَ الإنسانية في التأويل اللغوي . وكُلَّمَا اقتربَ الإنسانُ مِن اللغةِ اقتربَ مِن مَعنى حياته الكامن في تاريخ الأفكار ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تَكريس اللغة كعملية تَحرير للمَعنى ، ولَيْسَ حَشْر المَعنى في قوالب لُغَوية جامدة أوْ كُتَل فِكرية مُتَحَجِّرَة . وتَحريرُ المَعنى هو إعادةُ رسم لِدَور الثقافة في طبيعة الإنسان ، وإعادةُ صِياغة للتأويل اللغوي في الفِعْل الاجتماعي ، مِمَّا يُكَوِّن مَنظورًا فلسفيًّا جديدًا حَول طبيعة التَّنَوُّع الثقافي ، يَقُود إلى دمج تاريخ الأفكار معَ الوَعْي الفَعَّال لإنتاج الحُلْمِ الإبداعي _ فَرْدِيًّا وَجَمَاعِيًّا_ بشكل عابر للحُدود بَين الزمانِ والمكانِ مِن جِهة ، وبَين الإنسانِ واللغةِ مِن جِهة أُخْرَى .
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: العلاقات الاجتماعیة ة الإنسان الم جتمع بین الم الف ع ل ی الف ع الو ع ی م ن الو فی الف ت حریر التی ت
إقرأ أيضاً:
اتفاق تعاون بين القومى للترجمة وثقافة الطفل بالأعلى للثقافة
وقعت الدكتورة كرمة سامي رئيس المركز القومي للترجمة، والباحث أحمد عبد العليم رئيس المركز القومي لثقافة الطفل اتفاق تعاون لتعزيز التبادل الثقافي بين الجانبين، اليوم بمقر المجلس الأعلى للثقافة، في إطار ما يهدف إليه المركز القومي للترجمة، من ترجمة ونشر الأعمال المتميزة، التي تسهم في إثراء الحركة الثقافية.
ويتم الاتفاق على العديد من المشروعات والأنشطة المختلفة في مجال الترجمة والثقافة، وسائر فروع المعرفة المأثورة، بحيث تصل الأعمال المترجمة إلى أوسع نطاق ممكن من القراء، وكذلك يشهد البروتوكول التعاون في مشروعات الترجمة وعقد ندوات ومؤتمرات بالتعاون بين الجهتين.
يشار إلى أن الدكتورة كرمة سامي، مديرة المركز القومي للترجمة، وقعت اتفاقًا إطاريًا للتعاون في النشر مع الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية، ويأتي ذلك حرصًا من الطرفين على التعاون بينهما، وسعيًا لتحقيق الأهداف المشتركة بين الطرفين من نشر المعرفة والثقافة باللغة العربية.
من جانب آخر افتتحت جامعة القاهرة، منفذًا دائمًا لبيع إصدارات المركز القومى للترجمة بمقر مركز جامعة القاهرة للتنمية والشراكات المجتمعية، ليكون نافذة للتفاعل بين الجامعة والمؤسسات الثقافية، وتعزيزًا لدور الجامعة فى خدمة المجتمع ودعم المعرفة، ويضم المنفذ مجموعة متنوعة من الترجمات التى تلبى احتياجات الباحثين والطلاب فى مختلف التخصصات، والتى تتضمن أعمالًا لكبار المترجمين وأساتذة الجامعة.