رحيل «سفير» الحوار على ضفاف المَحاور
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
مع وفاةِ أيِّ صحافي من قامة طلال سلمان، يزداد الشعورُ بفقدان عالم الإعلام عَلَماً، ومع غيابه يصاب التألق والتوهج والرصانة بالمزيد من الكسوف.
ففي زمن الخفة يصبح لمعنى غيابٍ «مِن هذا العيار» معياراً مزدوجاً، غياب الشخص - الإنسان، وغياب الفكرة والقلم اللاذع أحياناً كثيرة، ومعهما بعضٌ من تاريخ لبنان والصحافة بمعناها المحترف والجدّي.
قد يكون طلال سلمان غاب يوم غابت «السفير» عن الصدور وسكت «صوت الذين لا صوت لهم» في أواخر عام 2016، ولو انه استمر عبر موقعه الإلكتروني يكتب ويطلّ.. كان الغياب الأول، الذي تَرَكَ فراغاً في حياة الصحافة في لبنان، فأدمى قلب الرجل البقاعي والبيروتي والعربي، وأصاب روحه التي تلاشت تدريجاً مع غياب صحيفته عن الصدور.
أخرجت الأزمة الاقتصادية «السفير» عن أكشاك الصحف في الشوارع، وأنزلتْها من عرشٍ تربّعت عليه لمدة 42 عاماً، فانطفأ الصوت تحت وطأة الإنهيار المالي في البلاد، في حين لم تقو عليه أصوات المدافع والقصف والخطف وإطلاق الرصاص، ولا أوقفتْه محاولةُ إغتيال أفْلت منها. إذ في 14 يوليو 1984، نجا سلمان من محاولة قتله، وكتب لاحقاً عن لحظات الموت والحياة، لكنه أبقى مساحةً كبرى للحياة وللعناد في إكمال مسيرة المهنة التي إختارها يافعاً وأسس من أجلها في مارس 1974 جريدةً شقّت طريقها إلى عالم الصحافة ببصمةٍ يسارية حين كان الإنقسامُ يلوح على مشارف الحرب بين اليمين واليسار الذي إندثر لاحقاً تحت مسميات عدة.
رَحَلَ طلال سلمان، الصوتُ الخافتُ، والعقل النيّر، والقلمُ المهموم الذي يحلو له كتابة الأدب والشذرات الشعرية في نص مسبوك، والمدرسة الصحافية التي أرست قواعد لعبة جديدة في «المكتوب»، وكوّنت عداوات وصداقات. الرجلُ الأنيق وصاحب الأفكار والدمث في طبيعته والحريص على المهنة التي خرّجت إجيالاً وأجيالاً من الصحافيين، دخلوا وخرجوا المبنى الذي تحوّل في شارع الحمراء مقصداً بين الجرائد التي تنافست على تَصَدُّر المشهد الأول.
.. بين «السفير» و«النهار» وبين طلال سلمان وغسان تويني، أجيالٌ تعاقبت وتنقّلت بين الجارتين في الحمراء، ومنهم من التصق إسمه بـ «السفير»، ولم يخرج منها ولو إنتقل إلى مدرسة صحافية أخرى. وإلى الآن، ما زال صحافيون وكتّاب وأدباء يرتبطون معنوياً بجريدة «السفير»، وإن إنطلقوا إلى مساحات أخرى مكتوبة أو تلفزيونية أو إذاعية.
البابا فرنسيس: التضليل.. أولى خطايا الصحافة منذ ساعة إصابة امرأتين بالرصاص خلال مباراة بيسبول في شيكاغو منذ ساعتين
أسماء مرت على «السفير» وخرجت منها إلى تجارب صحافية أخرى، كجريدة «الأخبار» مع جوزف سماحة وإبراهيم الأمين، التجربة الأقرب إلى ذهن صاحب «السفير». جهاد الزين والياس الخوري اللذان خرجا منها إلى «النهار»، وباسم السبع إلى حلقة الرئيس الراحل رفيق الحريري، إلى جيل جديد تَدَرَّبَ وتَتَلْمَذَ في مكاتب «السفير» وهم كثر. ويكاد لا يُذكر صحافي أو شاعر إلا وكانت «السفير» لصيقة به، فيصل سلمان ونصري الصايغ وحازم صاغية وسامي كليب ومنى سكرية وعباس بيضون، الراحلة عناية جابر، الراحل عدنان الحاج، ضحى شمس وحسين ايوب، وأسماء كثيرة.
المبنى الذي تحوّل مقصداً سياسياً وملتقى الأدباء والصحافيين والسياسيين، تحوّل خلية نحل في عزّ الحرب، حين كان الجميع يلتقي تحت قبته للنقاش والتساؤلات والكتابة وفتْح أبواب صحافية على أفكار جديدة.
شكلت «السفير» برعاية سلمان، الجريدة التي لا بد منها في تَوازُن الأفكار والسياسات والمَحاور والحوار في ساحة الحرب الكبرى، فكان يقرأها ساسة اليمين وخصومها قبل أصدقائها، يَرصدون نقدَها الحاد في إقامة حدّ فاصل بين خطين سياسيين لا يلتقيان. وتحوّلت زوايا صحافييها مرصداً دائماً، وبدأ هؤلاء يخْطون خطواتهم نحو عوالم الصحافة إلى أن أصبحوا يشكلون عوالم قائمة في ذاتها.
علاقات سلمان العربية فتحت له أبواباً كثيرة، وجعلتْه على صلة برؤساء وقادة عرب خصّوا «السفير» بحوارات متعددة. فهو حرص على أن يكون صوتاً عربياً مدافعاً عن فلسطين التي خرج منها «حنظلة» ناجي العلي في موازاة فتْحه صفحاتِ جريدته لحواراتٍ خلال الحرب مع أفرقاء اليمين وتشكيل مساحات نقاش، وتعززت بعد إنتهاء الحرب، ووجود الرئيس رفيق الحريري الذي صاغ معه علاقة متوازنة.
لم تكن «السفير» جريدة اليسار بالمعنى الإجتماعي الضيّق، إنما كانت جريدة «الأحزاب الوطنية» خلال الحرب والقريبة من المقاومة الوطنية ومن ثم «حزب الله». لكن سلمان حاول مد جسور علاقات وطيدة مع الجميع، وسعى إلى توسيع مروحة صلاته ولا سيما بعد الحرب من أجل إقامة مساحة أكثر توازناً.
وجد سلمان نفسه مع «السفير» في مواجهة محطاتٍ شرسة من عمر الحرب، التي توالت فصولُها. حروب إسرائيل المدمّرة والحروب الداخلية، وهو كتب عن مؤتمريْ لوزان وجنيف وعن الطائف كشاهدِ عيان، وعن مرحلة ما بعد الطائف، فكان يحاول الخروج من قوقعة الحرب إلى لبنان في شكله الجديد.
وسعى إلى تكريس نهج التغطية الواسعة الميدانية في مواكبة الأحداث الكبيرة، وهو بذلك عزّز وجود أجيالٍ من الصحافيين من الحرس القديم والجيل الشاب والأدباء والأقلام الإقتصادية والسياسية والأدبية، العاملين على خط تعزيز حضور «السفير» في ميزان الصحافة بمعناها الأشمل، وليس حصرها بالإطار السياسي بمعناه الضيق.
فرض سلمان نهجه على «السفير» وعلى العالم الصحافي في لبنان، معزَّزاً بانتماء عربي - فلسطيني. وهو أعطى لجريدته نكهتَها الخاصة، فكانا روحاً وجسماً واحداً، وهو يدين لها بأنها هي التي أعطتْه المجال الأرحب لأن يكون طلال سلمان الصحافي أولاً وآخراً
.. وغياب القلم الجريء والحاد يزيد من حدة الفراغ الصحافي في لبنان.
المصدر: الراي
كلمات دلالية: طلال سلمان
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: قمة الثمانية هدفها الأساسي الحوار بدلا من الحرب
قال بهاء حلال، الخبير العسكري والاستراتيجي، إنّ قمة الدول الثماني النامية لها أهداف أساسها الحوار بدلا من الحرب، والسلام بدلا من العدوان، والعدالة عوضا عن المعايير المزدوجة، مواصلا: «هذه القمة تعطينا مشهدا لتركيا بعدما اقتنصت لحظة حساسة بشكل ذكي بعد اختلال توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، واستطاعت أخذ الدور من إيران في سوريا، وبالتالي، في التأثيرات التي ستكون في محيط سوريا، بلبنان أو العراق أو الأردن والشرق الأوسط بشكل عام».
هناك اختلال في موازين القوى أدى إلى تراجع دور إيرانوأضاف خلال خلال تصريحات عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ هناك اختلال في موازين القوى أدى إلى تراجع دور إيران، ما أفضى إلى عدم قدرتها على الحفاظ على نظام الأسد في سوريا، وبالتالي، فإن إسرائيل تفعل ما تفعله في سوريا دون رادع.
الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الأراضي في سورياوتابع الخبير العسكري والاستراتيجي: «عوضا عن مشهد فوز تركيا أو هزيمة إيران، فإن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الأراضي في سوريا، ولكن هناك شعبا مظلوما ويُباد من الأرض، وأعتقد أن العدالة الدولية لم تعطِ هذا الشعب أي حق من حقوقه، ورغم إصدار قرارات وأحكام ضد بنيامين نتنياهو وجالانت وغيرهما في الحكومة الإسرائيلية اليمينية، ولكن لا توجد آلية تنفيذ ما يدل على انتهاء مدة صلاحية مجلس الأمن والأمم المتحدة».