الراي:
2025-03-16@02:04:32 GMT

رحيل «سفير» الحوار على ضفاف المَحاور

تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT

مع وفاةِ أيِّ صحافي من قامة طلال سلمان، يزداد الشعورُ بفقدان عالم الإعلام عَلَماً، ومع غيابه يصاب التألق والتوهج والرصانة بالمزيد من الكسوف.

ففي زمن الخفة يصبح لمعنى غيابٍ «مِن هذا العيار» معياراً مزدوجاً، غياب الشخص - الإنسان، وغياب الفكرة والقلم اللاذع أحياناً كثيرة، ومعهما بعضٌ من تاريخ لبنان والصحافة بمعناها المحترف والجدّي.



قد يكون طلال سلمان غاب يوم غابت «السفير» عن الصدور وسكت «صوت الذين لا صوت لهم» في أواخر عام 2016، ولو انه استمر عبر موقعه الإلكتروني يكتب ويطلّ.. كان الغياب الأول، الذي تَرَكَ فراغاً في حياة الصحافة في لبنان، فأدمى قلب الرجل البقاعي والبيروتي والعربي، وأصاب روحه التي تلاشت تدريجاً مع غياب صحيفته عن الصدور.

أخرجت الأزمة الاقتصادية «السفير» عن أكشاك الصحف في الشوارع، وأنزلتْها من عرشٍ تربّعت عليه لمدة 42 عاماً، فانطفأ الصوت تحت وطأة الإنهيار المالي في البلاد، في حين لم تقو عليه أصوات المدافع والقصف والخطف وإطلاق الرصاص، ولا أوقفتْه محاولةُ إغتيال أفْلت منها. إذ في 14 يوليو 1984، نجا سلمان من محاولة قتله، وكتب لاحقاً عن لحظات الموت والحياة، لكنه أبقى مساحةً كبرى للحياة وللعناد في إكمال مسيرة المهنة التي إختارها يافعاً وأسس من أجلها في مارس 1974 جريدةً شقّت طريقها إلى عالم الصحافة ببصمةٍ يسارية حين كان الإنقسامُ يلوح على مشارف الحرب بين اليمين واليسار الذي إندثر لاحقاً تحت مسميات عدة.

رَحَلَ طلال سلمان، الصوتُ الخافتُ، والعقل النيّر، والقلمُ المهموم الذي يحلو له كتابة الأدب والشذرات الشعرية في نص مسبوك، والمدرسة الصحافية التي أرست قواعد لعبة جديدة في «المكتوب»، وكوّنت عداوات وصداقات. الرجلُ الأنيق وصاحب الأفكار والدمث في طبيعته والحريص على المهنة التي خرّجت إجيالاً وأجيالاً من الصحافيين، دخلوا وخرجوا المبنى الذي تحوّل في شارع الحمراء مقصداً بين الجرائد التي تنافست على تَصَدُّر المشهد الأول.

.. بين «السفير» و«النهار» وبين طلال سلمان وغسان تويني، أجيالٌ تعاقبت وتنقّلت بين الجارتين في الحمراء، ومنهم من التصق إسمه بـ «السفير»، ولم يخرج منها ولو إنتقل إلى مدرسة صحافية أخرى. وإلى الآن، ما زال صحافيون وكتّاب وأدباء يرتبطون معنوياً بجريدة «السفير»، وإن إنطلقوا إلى مساحات أخرى مكتوبة أو تلفزيونية أو إذاعية.

البابا فرنسيس: التضليل.. أولى خطايا الصحافة منذ ساعة إصابة امرأتين بالرصاص خلال مباراة بيسبول في شيكاغو منذ ساعتين

أسماء مرت على «السفير» وخرجت منها إلى تجارب صحافية أخرى، كجريدة «الأخبار» مع جوزف سماحة وإبراهيم الأمين، التجربة الأقرب إلى ذهن صاحب «السفير». جهاد الزين والياس الخوري اللذان خرجا منها إلى «النهار»، وباسم السبع إلى حلقة الرئيس الراحل رفيق الحريري، إلى جيل جديد تَدَرَّبَ وتَتَلْمَذَ في مكاتب «السفير» وهم كثر. ويكاد لا يُذكر صحافي أو شاعر إلا وكانت «السفير» لصيقة به، فيصل سلمان ونصري الصايغ وحازم صاغية وسامي كليب ومنى سكرية وعباس بيضون، الراحلة عناية جابر، الراحل عدنان الحاج، ضحى شمس وحسين ايوب، وأسماء كثيرة.

المبنى الذي تحوّل مقصداً سياسياً وملتقى الأدباء والصحافيين والسياسيين، تحوّل خلية نحل في عزّ الحرب، حين كان الجميع يلتقي تحت قبته للنقاش والتساؤلات والكتابة وفتْح أبواب صحافية على أفكار جديدة.

شكلت «السفير» برعاية سلمان، الجريدة التي لا بد منها في تَوازُن الأفكار والسياسات والمَحاور والحوار في ساحة الحرب الكبرى، فكان يقرأها ساسة اليمين وخصومها قبل أصدقائها، يَرصدون نقدَها الحاد في إقامة حدّ فاصل بين خطين سياسيين لا يلتقيان. وتحوّلت زوايا صحافييها مرصداً دائماً، وبدأ هؤلاء يخْطون خطواتهم نحو عوالم الصحافة إلى أن أصبحوا يشكلون عوالم قائمة في ذاتها.

علاقات سلمان العربية فتحت له أبواباً كثيرة، وجعلتْه على صلة برؤساء وقادة عرب خصّوا «السفير» بحوارات متعددة. فهو حرص على أن يكون صوتاً عربياً مدافعاً عن فلسطين التي خرج منها «حنظلة» ناجي العلي في موازاة فتْحه صفحاتِ جريدته لحواراتٍ خلال الحرب مع أفرقاء اليمين وتشكيل مساحات نقاش، وتعززت بعد إنتهاء الحرب، ووجود الرئيس رفيق الحريري الذي صاغ معه علاقة متوازنة.

لم تكن «السفير» جريدة اليسار بالمعنى الإجتماعي الضيّق، إنما كانت جريدة «الأحزاب الوطنية» خلال الحرب والقريبة من المقاومة الوطنية ومن ثم «حزب الله». لكن سلمان حاول مد جسور علاقات وطيدة مع الجميع، وسعى إلى توسيع مروحة صلاته ولا سيما بعد الحرب من أجل إقامة مساحة أكثر توازناً.

وجد سلمان نفسه مع «السفير» في مواجهة محطاتٍ شرسة من عمر الحرب، التي توالت فصولُها. حروب إسرائيل المدمّرة والحروب الداخلية، وهو كتب عن مؤتمريْ لوزان وجنيف وعن الطائف كشاهدِ عيان، وعن مرحلة ما بعد الطائف، فكان يحاول الخروج من قوقعة الحرب إلى لبنان في شكله الجديد.

وسعى إلى تكريس نهج التغطية الواسعة الميدانية في مواكبة الأحداث الكبيرة، وهو بذلك عزّز وجود أجيالٍ من الصحافيين من الحرس القديم والجيل الشاب والأدباء والأقلام الإقتصادية والسياسية والأدبية، العاملين على خط تعزيز حضور «السفير» في ميزان الصحافة بمعناها الأشمل، وليس حصرها بالإطار السياسي بمعناه الضيق.

فرض سلمان نهجه على «السفير» وعلى العالم الصحافي في لبنان، معزَّزاً بانتماء عربي - فلسطيني. وهو أعطى لجريدته نكهتَها الخاصة، فكانا روحاً وجسماً واحداً، وهو يدين لها بأنها هي التي أعطتْه المجال الأرحب لأن يكون طلال سلمان الصحافي أولاً وآخراً

.. وغياب القلم الجريء والحاد يزيد من حدة الفراغ الصحافي في لبنان.

المصدر: الراي

كلمات دلالية: طلال سلمان

إقرأ أيضاً:

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى مواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة

دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في بيان أصدره الجمعة، بمناسبة اليوم الوطني للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. إلى ضرورة تظافر الجهود لمواجهة التحديات التي تعاني منها هذه الفئة من المجتمع. مثمنا الآليات القانونية التي كرسها المشرع الجزائري قصد حمايتها و ترقيتها.

وأشاد المجلس بالجهود التي تبذلها الجزائر في المجال التشريعي، انطلاقا من القانون المتعلق بـ”حماية الأشخاص المعوقين. وترقيتهم”ـ الذي كان قد صدر سنة 2002 و وصولا إلى القانون الجديد المتعلق بحماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. الصادر سنة 2025ـ والرامي إلى تعزيز آليات التكفل والرعاية لفائدة هذه الفئة. و هو ما يجسد الطابع الاجتماعي للدولة المستمد من المرجعية الوطنية.

و في هذا الصدد، حث على “الإسراع بإصدار النصوص التطبيقية لهذا القانون الجديد”. مع تنصيب المجلس الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة، والذي من شأنه تقديم الاقتراحات و التوصيات في مجال حماية هذه الفئة.

كما توقف المجلس عند أهم العراقيل التي يعاني منها الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، داعيا أرباب العمل. إلى “الالتزام بتخصيص نسبة محترمة من مناصب العمل” لهم، كما حث أيضا على “إجراء جرد شامل لكل حالات الإعاقة. وتصنيفها بالطرق العلمية المعتمدة، و تكثيف حملات التوعية والتثقيف لخلق انسجام مجتمعي يدعم إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة”.

وفي سياق ذي صلة، عرج المجلس على أهمية تعزيز الخدمات الصحية، خاصة في مجال الكشف المبكر عن حالات الإعاقة. وبذل جهد خاص في سبيل الوقاية من الحوادث المؤدية إليها، على غرار حوادث الطرقات.

وفي الختام، سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلتزامه بالعمل مع جميع الشركاء لتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات. الخاصة وضمان رفاهيتهم، مجددا دعوته للسلطات العمومية والمجتمع المدني والإعلام من أجل “العمل على كل ما من شأنه. تسهيل حياة هذه الفئة”، و تمكينها من لعب دورها كفاعل في المجتمع مندمج تماما في الحياة الاجتماعية.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • “إغاثي الملك سلمان” يوزّع 1.390 سلة غذائية في محافظتي سول وسناغ بالصومال
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 250 سلة غذائية في مدينتي روجاي وبيلو بولة بجمهورية الجبل الأسود
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 400 سلة غذائية في الجبل الأسود ورومانيا
  • صفقة ترامب للمعادن.. هل يتجه للتكنولوجيا الخضراء التي يسخر منها؟
  • صفقة ترامب للمعادن.. هل يتجه للتكنولجيا الخضراء التي يسخر منها؟
  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى مواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة
  • في إنتظار السفير الجزائري…ترامب يطرد سفير جنوب أفريقيا من الولايات المتحدة الأمريكية
  • السفير المناور يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه سفيرًا لخادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة المكسيكية
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 299 سلة غذائية في مدينتي بوخارست وكونستانسا بجمهورية رومانيا
  • لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مسودة الإعلان الدستوري: دأبت اللجنة منذ اللحظة الأولى لتشكيلها على إنجاز العمل المطلوب منها واعتمدنا على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في الإعلان الدستوري