عن المتاهة الأفريقية!
الفراغ الذي تتركه فرنسا في أفريقيا مرشح لأن تملأه أطراف دولية أخرى، مثل الصين وروسيا، وهذا ليس دائما في مصلحة القارة!
سواء نجحت الضغوط لإعادة الرئيس بازوم أم لم تنجح، فالعجلة لن تعود إلى الوراء، بعد أن أصبحت عدوى الانقلابات العسكرية تنتقل في القارّة من بلد لآخر.
فشل الاتحاد الأفريقي في حل أي مشكلة أفريقية وظلت قراراته على الدوام صدى لمواقف الدول الكبرى، صاحبة المصالح الأساسية بالقارّة، خاصة فرنسا وأميركا.
كل استقرار في أفريقيا هشّ ومرتبط بالخارج لأن الاعتماد على الذات متعذّر وعوامل التفجير الداخلي والحروب الأهلية والبينية قائمة وتشكّل الثروات عوامل جذب دولي.
لم يعد بوسع فرنسا التحكّم بالتحوّلات في أفريقيا، وصلت سياساتها لحالة عجز عن مواكبة التطورات السريعة، ولا تبدو قادرة على ابتكار أساليب جديدة.
* * *
الانقلاب في النيجر محطّة مهمة في سياق سلسلة التداعيات السلبية التي دخلت معها أفريقيا في مرحلة من الفوضى بلا حدود. وسواء نجحت الضغوط في إعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم أم لم تنجح، فإن العجلة لن تعود إلى الوراء، بعد أن أصبحت عدوى الانقلابات العسكرية تنتقل في القارّة من بلد إلى آخر. وكانت البداية في عام 2020، عندما خسرت فرنسا نفوذها في مالي، ومن بعدها بوركينا فاسو 2022، ومن ثم النيجر.
وما تبدو أنها انقلابات ضد فرنسا هي في جوهرها تعبير عن انقسامات داخلية، وصراعات متعدّدة الأطراف، تعبّر عن نفسها في محاولات استيلاء على السلطة، لكنها لا تنتهي بمجرّد نجاح طرفٍ في كسب الجولة.
فكل استقرار في أفريقيا هشّ، ومرتبط بمصلحة دولة خارجية، لأن الاعتماد على العوامل الذاتية متعذّر في الغالبية العظمى من دولها، كما أن عوامل التفجير الداخلي، والحروب الأهلية، وقضايا الحدود متوفرة بكثرة، وتشكّل الثروات عوامل جذب دولي، طالما أنها لن تنضَب بسرعة.
وكلما تقدّم الغرب صناعيا، زادت حاجته لها، وما يعمّق من المأساة الأفريقية أنه ليس هناك دولة قادرة على أن تشكّل مرجعية لمساعدة الأفارقة على حل المشكلات البينية، ومحاصرة النزاعات، والعمل من أجل تنمية القارّة، مثل بناء شبكات طرق للتبادل، وأسواق مشتركة، وبنى تحتية صحية وتعليمية، تعوّض عن الاعتماد على فرنسا والصين.
وقد فشل الاتحاد الأفريقي في حل أي مشكلة أفريقية بينيّة واحدة، وظلت قراراته على الدوام صدى لمواقف الدول الكبرى، صاحبة المصالح الأساسية في القارّة، على نحو خاص فرنسا والولايات المتحدة.
لم يعد في وسع فرنسا التحكّم بآلية التحوّلات في أفريقيا، بل إن سياساتها وصلت إلى حالة عجز عن مواكبة التطورات السريعة، ولا تبدو قادرة على ابتكار أساليب جديدة.
ويتبيّن أن الفراغ الذي تتركه مرشح لأن تملأه أطراف دولية أخرى، مثل الصين وروسيا، وهذا ليس دائما في مصلحة أفريقيا، التي تنتقل من هيمنة إلى أخرى، وتخسر حالة الاستقرار النسبي، التي تكونت بالتفاهم، تاريخيا، مع باريس.
ولأن دول القارة غير قادرة على مواجهة الأوضاع الجديدة بمفردها، فهي مرشحة إلى فوضى وحروب أهلية، تنقلها إلى مرحلة جديدة من الخراب، وتبديد الموارد والضحايا.
وحتى لو لم تكن روسيا متورّطة بشكل مباشر في الانقلابات، ففرنسا يُنظر إليها دائما بصورة المستعمر السابق الذي يوضع ككبش فداء، رغم أن لدى دول الاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا وألمانيا وغيرهما، وجودا عسكريا وماليا قويا في أكثر من بلد أفريقي.
يقع القسط الأكبر من مسؤولية الانهيار في أفريقيا على سياسات الاستعمار القديم الذي شارف على الإفلاس والفشل من كل النواحي، غير أن الضرر المترتب على نهاية هذه الحقبة لن يقتصر على الأفارقة أنفسهم فقط.
وما يشهده العالم من موجات نزوح من أفريقيا باتجاه بعض البلدان العربية، مثل تونس، ليبيا، المغرب، والجزائر، يشكّل مخاطر كبيرة، لأنه يهدّد بارتفاع الأعداد.
وكل من يفشل في عبور البحر نحو الضفة الأخرى لا يعود من حيث جاء، بل يستقرّ في المكان الذي وصل إليه، ما يشكّل تهديدا بدأت تظهر بوادره في تونس التي قامت بحملات لترحيل المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا إليها.
وتبيّن أن الاتفاق الذي وقّعه الرئيس التونسي قيس سعيّد مع المفوضية الأوروبية في الشهر الماضي (يوليو/ تموز) لا يمكنه أن يعالج المشكلة، بل يحاول أن يبعدها عن تونس فقط.
ومن هنا، يتطلب البحث عن حلول مستدامة، ووضع مقاربات أفريقية دولية جديدة، على أساس من التعاون شمال جنوب أكثر جدوى وعدالة، بما يساعد على تنمية أفريقيا، ويحدّ من الانقلابات، والنزاعات، والحروب الأهلية، وموجات النزوح.
*بشير البكر كاتب صحفي وشاعر سوري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا فرنسا الصين روسيا تونس النيجر محمد بازوم الحروب الأهلية الاتحاد الأفريقي قيس سعيد الانقلابات العسكرية فی أفریقیا قادرة على القار ة
إقرأ أيضاً:
تفاصيل تصدر مصر قائمة الدول الأفريقية في القوة الناعمة (فيديو)
كشف رضا المسلمي، الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي، تفاصيل تصدر مصر قائمة أكثر 10 دول أفريقية ذات الأكبر من حيث القوة الناعمة في العالم للعام 2024.
صالون أوبرا دمنهور الثقافي يناقش القوة الناعمة ودورها فى بناء الإنسان.. الليلة صالون أوبرا دمنهور الثقافى يناقش القوة الناعمة ودورها فى بناء الإنسان القوى الصلبة والناعمةوتابع “المسلمي” خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية رشا مجدي، مقدمة برنامج صباح البلد، المذاع على قناة “صدى البلد،” أن العالم يوجد به نوعين من القوى الصلبة والناعمة، موضحا أن الثانية تعني التأثير في الآخرين من خلال الجذب والإقناع.
وأكد أن القوة الناعمة تؤثر في الشعوب مثل الدبلوماسية الهادئة والفن والرياضة والإعلام والثقافة، موضحا أن القوة الصلبة تعني اللجوء للقوة في فرض السيطرة والنفوذ.
القوى الناعمةولفت إلى أن القوى الناعمة على أساس 8 مقاييس بينها التجارة والأعمال والاقتصاد، موضحا أن الصين احتلت المرتبة الثانية بعد أمريكا بسبب البرندات والماركات التجارية الخاصة بها تقتحم أسواق العالم.
جدير بالذكر أن النائب محمد عزت القاضي، لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، عبر عن سعادته تصدرت مصر قائمة أكثر 10 دول أفريقية ذات التأثير الأكبر من حيث القوة الناعمة في العالم للعام الجاري، وفقًا لمؤشر القوة الناعمة العالمي الصادر عن شركة الاستشارات العالمية "براند فاينانس"، مؤكدا أن هذا التقييم يعكس مكانة مصر المميزة وتأثيرها الإيجابي وسمعتها الطيبة بين الدول.
وأكد القاضي، أن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وراء تصدر مصر قائمة أكثر 10 دول أفريقية ذات التأثير الأكبر من حيث القوة الناعمة في العالم للعام الجاري، نظرا لما تقدمه من تنوع في الإعلام فضلا عن انتاجها الضخم لمسلسلات وأفلام مما أدي إلى عودة الإعلام المصرى لمكانته الكبرى.
وقال النائب محمد عزت القاضي، إن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، حققت نجاحات كبرى في الإعلام وأن هذا النجاح تخطي الحدود، حيث لعبت دورا بارزا في صناعة الوعي فضلا عن دعم القضايا العربية علي راسهم القضية الفلسطينية المشتعلة منذ 7 أكتوبر 2023 بسبب العدوان الغاشم من الجانب الإسرائيلي.
وكانت دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة لمياء زايد، قدمت ضمن نشاطها الثقافي والفكري صالونا ثقافيًا بعنوان "القوة الناعمة ودورها في بناء الإنسان"، في السابعة مساء اليوم، الاثنين على مسرح أوبرا دمنهور، في إطار فعاليات وزارة الثقافة الهادفة إلى إجراء حوار إبداعي في كل المجالات.
ويستضيف كل من الدكتور الشريف منجود، رامي دسوقي، وتديره ماريان كمال، يأتى الصالون ضمن نشاط الأوبرا الثقافي والفكري، تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية.
يستضيف نخبة من المفكرين والمبدعين لمناقشة موضوعات هامة بمختلف المجالات، مما يسهم في إثراء المشهد الثقافي والفكري المصري.