د. محمد بن عوض المشيخي **

 

كانت ردود الأفعال على مقالنا الأخير المعنون "مستجدات انتخابات الشورى.. وأسطورة تجمع صلالة"، واسعة النطاق على مستوى محافظة ظفار والسلطنة قاطبة؛ إذ تصدر هذا المقال كل المنصات الاجتماعية في بلادنا الحبيبة، كما دُعيت للاستضافة في أهم ثلاثة برامج جماهيرية ومتخصصة في الشأن العام على الساحة الإعلامية، خاصة في أوقات الذروة وهي برنامج "منتدى الوصال" وبرنامج "ساعة الظهيرة" على إذاعة الوصال؛ و"برنامج الصباح" على إذاعة "مسقط FM"؛ إذ ناقشتُ التحديات والحلول المُتعلقة بانتخابات مجلس الشورى للفترة العاشرة.

هذا التفاعل الكبير يُشير بوضوح إلى الانفتاح الواسع في سوق الأفكار الذي تُعظّمه فلسفة الإعلام الجاد والمنبثقة من نظرياته الأصيلة التي تقدس حرية التعبير ورسالة الصحافة التي تمثل الضمير الإنساني وحقوق الإنسان في المعرفة دون مصادرة للفكر. ونظرية الحُرية بما تحمله من آفاق واسعة، نجدها حاضرة في بعض الأحيان في إعلامنا، وعلى وجه الخصوص عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تُدار من خلال الرواد والمشاهير، وذلك عندما يكون الحوار رصينًا وليس هزيلًا، وينطلق من قاعدة حرية الرأي والرأي الآخر، فهذا ما يُعرف بالتسويق الحر للأفكار بين الجمهور؛ فالاعتماد هنا على تبنى فكرة ورفض أخرى مضادة لها، وذلك من خلال القناعات والمُبررات التي تحملها تلك الأطروحات على الساحة الإعلامية. إنها ساحة واسعة لما يعرف بـ"العصف الذهني"، وهي بلا شك ظاهرة صحية نرجو أن تستمر وأن يتقبلها أصحاب العقول المتعصبة والنفوس المتزمتة بصدر رحب.

من المؤسف حقًا أن يُتهم المقال وكاتبه بالمُحاباة، أو يتلقى سهام النقد غير الموضوعي من التجمعات الثلاثة المتنافسة على مقعدي ولاية صلالة؛ فتجربتنا في تفسير النوايا واحترام الرأي والرأي المضاد، بعيدة كل البعد عن الطموح؛ إذ نحتاج إلى بعض الوقت لفهم مبادئ الحوار والولوج إلى عالم حرية الصحافة. فعندما يلتزم الكاتب ويتبِّع المعايير الإعلامية الأصيلة المتمثلة في التوازن والصدق والموضوعية، يجد صعوبةً في فهم ذلك؛ ففي الدقائق الأولى من نشر المقال عبر جريدة الرؤية العُمانية (موقعها الإلكتروني ومنصات التواصل)، وصلتني أوَّل رسالة عتاب من صديق عزيز وقامة فكرية رفيعة أعدُّها في مقدمة أهل ظفار قاطبة في إمكانياتها الثقافية والأدبية، وقد حملتْ رسالته المقتضبة التي تحمل عنوان هذا المقال المضمون الآتي: "حلوة أسطورة تجمع صلالة... بدأتْ أبجديات المُجاملة تغزو قلمك الجميل"! انتهى الاقتباس.

هناك عتاب مستحق من هذا المُفكر الذي ينتمي إلى التجمع الوطني؛ إذ فهمت منه أنه يجب لا نُوصف تجمُّع صلالة المنافس لهم بـ"الأسطورة"، لكنه عندما قرأ المقال كاملًا، ووجد بعض الملاحظات النقدية، أردف قائلًا "فهمت الآن.. وسيكون لنا نقاش". بينما تواصل أحد الأكاديميين المرموقين الذين يحملون شهادة الدكتوراه، وينتمي إلى تجمع ظفار، وكتب لي مُعلقًا على المقال وناقدًا له بسبب "مجاملتي"- من وجهة نظره- لتجمع صلالة المُنافس، يقول: "مع احترامنا لرأيك، تجمع صلالة أيضًا تجمع قبلي وقائم على توزيع الأدوار، حتى وإن كان هناك تصويت... ". لكن الزميل الأكاديمي عاد وتدارك الأمر واعتذر بعد المناقشة التي دارت بيننا.

على الجانب الآخر أو الضلع الثالث لهذه التجمعات، يأتي الرد الإيجابي من أحد رموز تجمع صلالة، وهو مُغاير للنقد والردود الأخرى؛ حيث يقول: "السلام عليكم دكتور محمد. شكرًا جزيلًا على تناولك آلية تجمع صلالة الانتخابي، ومن خلال هذا المقال ستصل الفكرة والهدف من هذه الآلية إلى تجمع.. نأمل إن شاء الله مراجعة عدد مؤهلات المقيِّمين في المرحلة القادمة. شكرًا جزيلًا وجزاكم الله خيرًا" انتهت الرسالة.

صحيحٌ أني ما زلتُ على قناعة بأنَّ تجمع صلالة الانتخابي، هو أفضل الموجودين على الساحة العمانية، على الرغم من الملاحظات التي ذكرتها في المقال السابق. ويبدو لي أن الكثير من النَّاس تغيب عنهم القاعدة الإعلامية المعروفة في أدبيات الاتصال الجماهيري التي تقول "الخبر مقدسٌ.. والرأي حرٌ"؛ فالكاتب عندما يُسطِّر بقلمه في نافذته الأسبوعية يُعبِّر عن أفكاره ووجهة نظره التي قد تكون صائبة، ويُكتب لها النجاح، وقد يحصل العكس. واستحضر في هذا المقام قول الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".

أما الخبر فهو مُقدس، ويجب أن يُنقل إلى الناس عبر وسائل الإعلام دون تلوين أو تحوير أو تحليل من القائمين على وسائل الإعلام.

وفي الختام.. أدركُ جيدًا أنَّ المشاركة في التجمعات القبلية ومختلف التكتلات الانتخابية "رهان غير محسوب"، لكنني استجبتُ للدعوات المتكررة من القائمين على تجمع صلالة للمشاركة في طرح الأسئلة، فكان دافعي في الفترة التاسعة وجود المرحوم عبدالله المشهور، فقد دار بيننا حوارٌ لا يُنسى، عندما كان في المنصة؛ إذ أثنى على حضوري لكوني من خارج التجمع، وأشار إلى اطلاعي على التجربة الانتخابية في الولايات المتحدة، خلال فترة إقامتي في واشنطن ونيويورك، بينما اعتذرت للتجمع عن المشاركة في تصفيات المجلس البلدي الأخير، وقد وافقتُ هذه المرة على الدعوة المُقدمة من الأخ سالم بن عوض النجار؛ الذي اعتبره أستاذي عندما بدأتْ أكتب أول برنامج لإذاعة سلطنة عمان.

وأستطيع القول، إنَّ الجلوس لمدة عشر ساعات على مقعد المُقيٍّم في تجمع صلالة، لم تكن تجربة سهلة لجميع الذين كان قدرهم حضور مثل تلك الساعات الطويلة وتلبية تلك الدعوات خاصة للذين هم من خارج التجمع.

لكن السؤال المطروح: متى سيأتي اليوم الذي تتقدم فيه الكفاءات مباشرةً من الجنسين- رجالًا ونساءً- للانتخابات والفوز بها، دون وصاية القبائل والتجمعات القائمة على العصبيات؟!

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مبارك والجيش والإخوان.. ماذا قال جي دي فانس عن مصر قبل 13 عاما؟

كشف مقال كتبه السيناتور الجمهوري، جي دي فانس (40 عاما)، عام 2011، عن وجهات نظره بشأن السياسة المصرية ومستقبل البلاد، بعد تنحي رئيس مصر الأسبق، حسني مبارك، في أعقاب احتجاجات واسعة.

وتكمن أهمية هذا المقال الذي يعود إلى فبراير من عام 2011 في أنه يكشف عن وجهات نظر السيناتور الذي اختاره الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، لمرافقته في السباق نحو البيت الأبيض باختياره مرشحا لمنصب نائب الرئيس، كما أنه يحمل تناقضا مع موقف ترامب من جماعة الإخوان المسلمين.

والمقال الذي كتبه جي دي فانس قبل دخول غمار السياسة، كان نشره ضمن سلسلة مقالات على مدونة "مركز النزاع العالمي والسلام"، التي كان يديرها أستاذ سابق له في جامعة ولاية أوهايو، حيث حصل الشاب على شهادته الجامعية، وفق ما ذكرته شبكة "سي أن أن" الثلاثاء.

وفي المقال، أعرب فانس، الذي كان بعمر 27 عاما، عن تشككه في قدرة جماعة الإخوان المسلمين على الوصول إلى السلطة في أعقاب ثورة الربيع العربي وخروج مبارك من السلطة.

وكتب الطالب الجامعي بعد فترة وجيزة من تنحي مبارك بعد 30 عاما قضاها في السلطة: "أشعر بالحيرة بين الإعجاب والخوف. الإعجاب لأن المصريين نجحوا في ذلك والخوف من كل الخطوات المستقبلية".

وأعرب فانس عن تفاؤل حذر بمستقبل البلاد. وجاء في المقال: "الثوار في مصر يتمتعون بقدر كبير من الثبات والواقعية، فقد هاجموا مبارك مع احترامهم لتاريخ أمتهم ومؤسساتها وثقافتها. وكان بوسعهم أن يجعلوا من هذا الأمر قضية تتعلق بالغرب، أو إسرائيل، لكنهم لم يفعلوا. بل جعلوا الأمر قضية تتعلق بحريتهم والرئيس الذي انتزعها منهم".

وأضاف: "لكن عندما ينتقلون من الشوارع إلى صناديق الاقتراع (كما نأمل)، فإن مستقبل بلادهم سوف يعتمد على نفس القدر من الحكمة".

وأشار إلى أنه لا يقلق كثيرا من الجيش الذي لعب دورا كبيرا في أحداث مصر بعد خروج مبارك. وكتب: "أصبحت  المؤسسة العسكرية المصرية المؤسسة الوحيدة الأكثر إذعانا لمصالح الولايات المتحدة من نظام مبارك. الآن هي التي تمسك بزمام السلطة. وربما تؤتي عقود من المساعدات العسكرية والتعاون المتبادل ثمارها، وإن كان السؤال الأكبر هو مدى ضخامة الدور الذي قد تلعبه المؤسسة العسكرية في الأمدين المتوسط والبعيد".

وقلل الجمهوري الذي يتحذر من ولاية أوهايو من أهمية حالة عدم اليقين بشأن جماعة الإخوان المسلمين، وسط صعود الجماعة كقوة سياسية مهيمنة. وكتب: "جماعة الإخوان المسلمين قوية ومنظمة، لكنها ليست القوة المهيمنة في مصر الحديثة ولا المنظمة المتطرفة التي يخشاها الغربيون. ربما أنتجت جماعة الإخوان المسلمين الزعيم الفكري لتنظيم القاعدة، لكنها انتقلت إلى الأمام بشكل كبير".

واعتبر أن "المشكلة الأساسية في مصر اقتصادية، والديمقراطية لا تؤدي إلى نمو الاقتصاد. إن مبارك ربما كان قمعيا، ولكن نفس الشيء يمكن أن يقال عن ملك السعودية. والفارق بين النظامين هو الثروة المادية التي يتمتع بها سكان كل منهما وخاصة الشباب. وهذا الفارق الذي جعل الثورة ممكنة في القاهرة، ولكن من غير الوارد أن تحدث في مكة".

وفي حين تركز مقالان آخران نشرا بالمدونة على السياسة الداخلية، فإن المقال عن مصر يعطي لمحة نادرة عن وجهات نظر دي فانس السابقة بشأن السياسة الخارجية

وكتب موقع "جويش إنسايدر" أن وجهات نظر المرشح لمنصب نائب الرئيس في هذا المقال "تتعارض مع تقييم" ترامب لجماعة الإخوان بعدما صنفها، أثناء ولايته الأولى، "منظمة إرهابية".

ولم يتسن لموقع "جويش إنسايدر" الحصول على تعليق من فريق جي دي فانس عن هذا الموضوع.

ولطالما واجه فانس انتقادات بأنه حول مواقفه خلال السنوات الماضية.

وفي عام 2016، وصف الجندي البحري السابق نفسه بأنه "رجل لا يؤيد ترامب أبدا"، قبل أن يصبح لاحقا أحد أكبر مؤيديه، وقد ظهر في محاكمة ترامب الجنائية في نيويورك لإدانة الشهود من خارج قاعة المحكمة.

وفي مقال آخر كتبه على المدونة بعد أسبوع من فوز المرشح الديمقراطي، باراك أوباما، بإعادة انتخابه في نوفمبر 2012، وجه فانس، الذي كان آنذاك طالب قانون في جامعة ييل، انتقادات لاذعة لموقف الحزب الجمهوري من المهاجرين والأقليات، وانتقده لأنه "يضمر العداء علنا لغير البيض" ولتنفير "السود واللاتينيين والشباب".

وبعد 4 سنوات، بينما كان فانس يفكر في دخول عالم الحزب الجمهوري، طلب من أستاذه الجامعي السابق، براد نيلسون، حذف هذا المقال، وفق "سي أن أن".

وكان نيلسون أستاذا لفانس في جامعة ولاية أوهايو. وبعد تخرج فانس، طلب منه نيلسون المساهمة في المدونة. 

وقال نيلسون لشبكة "سي أن أن" إنه خلال الانتخابات التمهيدية الجمهورية لعام 2016 وافق على حذف المقال بناء على طلب فانس، حتى يكون من الأسهل عليه لعب دور ما في سياسة الحزب الجمهوري.

مقالات مشابهة

  • المجاملة تتلاعب برواتب موظفي كردستان وبغداد مطالبة بقرار سياسي ملزم لأربيل - عاجل
  • بعد ارتدائها الحجاب.. معلومات عن الإعلامية هبة رشوان
  • مبارك والجيش والإخوان.. ماذا قال جي دي فانس عن مصر قبل 13 عاما؟
  • أعمال الزمن الجميل مع فرقة كوكب الشرق النسائية في الأوبرا
  • "خريف ظفار 2024": نجاح استثنائي
  • اتفاقية لإنشاء "طريق وجسر المغسيل باتجاه واحد"
  • مقال بنيويورك تايمز: القضية التي أصبح فيها أقصى اليمين الإسرائيلي تيارا سائدا
  • وزير الخارجية: مكافحة الإرهاب من القضايا المهمة التي تجمع مصر وروسيا
  • بدر عبد العاطي: مكافحة الإرهاب من القضايا المهمة التي تجمع مصر بروسيا
  • وزير الخارجية: مكافحة الإرهاب من القضايا المهمة التي تجمع مصر بروسيا