جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-02@03:28:19 GMT

التسامح الفكري

تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT

التسامح الفكري

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

 

يعيش العالم اليوم في زمن ذي تنوع ثقافي وديني؛ حيث يتعايش الأشخاص ذوو الديانات المختلفة في نفس البيئة الاجتماعية، ويعد التسامح الفكري بين الأديان قاعدة أساسية للسلام والتعايش السّلمي بين المجتمعات المُتعددة الثقافات والديانات.

وفي هذه المقالة، سنتناول مفهوم التسامح الفكري بين الأديان وتسليط الضوء على أهميته في بناء مجتمع مُتسامح ومتناغم، كما سنركز على دور التعليم في نشر قيم التسامح الفكري والتعايش السلمي في المجتمع.

ويشير مفهوم التسامح الفكري بين الأديان إلى القدرة على قبول واحترام الآخرين الذين ينتمون إلى أديان مختلفة عن الدين الخاص بهم، ويتضمن التسامح الفكري فهمًا عميقًا للمعتقدات والقيم الدينية للآخرين والتعايش معها بروح من التسامح والتفهم، فالتسامح الفكري لا يعني التخلي عن معتقدات الشخص، ولكنه يشجع على التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين مختلف الأديان.

ويساهم التسامح الفكري في خلق جو من السلام والتعايش السّلمي بين الأفراد والمجتمعات المتعددة الثقافات والديانات، ويسهم في تعزيز التفاهم والتعاون بين الأديان وتقوية الروابط الاجتماعية، كما يُساعد في تجنب الصراعات الدينية والتوترات الثقافية التي قد تُؤدي إلى انقسامات وعنف في المجتمع، فضلاً عن ذلك، فإن التسامح الفكري يعزز التسامح الديني والحقوق الإنسانية، كما يساهم في بناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة.

ويُعدّ فهم واحترام معتقدات الآخرين أمرًا ضروريًا للتعايش السّلمي والتفاهم المشترك في المجتمعات المتنوعة، ويساهم فهمنا لمعتقدات الآخرين في بناء الجسور بين الثقافات وتعزيز التسامح والتعايش السلمي، كما يقود الفهم العميق لمعتقدات الآخرين إلى تقبل الاختلاف، والتعلم من الآخرين، وتعزيز التعاون والتفاهم بين الأفراد والمجتمعات.

وينبغي تجنب التحيّز الشخصي والتحامل على الآخرين، وأن نمنحهم فرصة للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم بحرية دون أن نسبق الحكم عليهم، ويجب أن نكون منفتحين للاستماع والتعلم من وجهات نظر الآخرين، لأجل بناء علاقات أفضل وأكثر احترامًا وفهمًا بين الأفراد والمجتمعات المختلفة.  فالاختلاف يعتبر جزءًا طبيعيًا وحقيقة من واقع الحياة البشرية، ومن خلال تجنب الانحياز، يمكننا تعزيز التسامح والتعايش السّلمي في المجتمعات المتنوعة، ويجب أن نتذكر أن الاحترام المتبادل والتفاهم هما المفتاح لبناء جسور التواصل والتعاون بين الأفراد والثقافات المختلفة.

ويمثل الحوار البنّاء أحد الأدوات التي تساهم في تحقيق نوعًا من التفاهم بين الأفراد والجماعات، وهو عملية تفاعلية تتضمن التواصل الفعّال بين الأفراد المختلفين في الآراء والمعتقدات، ويتميز الحوار البنّاء بأنه يهدف إلى تعزيز التسامح الفكري والاحترام المتبادل بين الأفراد، وتعزيز التعاون بين الثقافات والديانات المختلفة.  ويعمل الحوار البنّاء على دحض الصور النمطية والتحامل الذي يمكن أن يكون موجودًا تجاه الأفراد من خلفيات ثقافية أو دينية مختلفة، ويساعد في توسيع آفاق المعرفة وفهم أعمق للمعتقدات والثقافات المختلفة، مما يسهم في تنمية التسامح الفكري والاحترام المتبادل، كما يمنح الحوار البنّاء الفرصة للأفراد للتعلم من تجارب وآراء الآخرين، وبالتالي يساعد في توسيع المدارك والفهم الشخصي للقضايا المعاصرة.

وبناء جسور التفاهم والتعاون أمر بالغ الأهمية، ويتمثل في تعزيز المعرفة المتبادلة بين الثقافات والديانات المختلفة، من خلال التعرف على قيم وتقاليد الآخرين، وتعزيز الاحترام والتسامح، كما يساعد بناء جسور التعاون في حل النزاعات والتوترات بين المجتمعات المختلفة، فعندما يتم تعزيز التعاون، يصبح من الممكن التوصل إلى حلول سلمية للخلافات وتخفيف التوترات الدينية. كما أن بناء جسور التعاون يعزز التواصل والتعاون بين المجتمعات المختلفة، ويمكن أن يؤدي أيضا إلى تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي، فعندما يتعاون الناس معًا بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية، يمكنهم تحقيق تطور وازدهار مشترك.

وإضافة إلى ما سبق، فإن بناء جسور التفاهم والتعاون يساهم في تعزيز السّلم والاستقرار في المجتمعات المتنوعة دينيًا، فعندما يتم بناء علاقات إيجابية بين المجتمعات المختلفة، يقل احتمال وقوع الصراعات والتوترات الدينية، وبالتالي يحقق المجتمع السلام والاستقرار. ومن خلال بناء جسور التفاهم والتعاون، يمكن تعزيز القيم الإنسانية المشتركة بين المجتمعات المختلفة، إذ أن الاهتمام المشترك بالعدالة، والتعاطف، وحقوق الإنسان يعزز الاندماج الاجتماعي والتعايش السّلمي.

وحول دور التعليم في نشر فيم التسامح الفكري، فالتعليم يلعب دورًا حاسمًا في نشر قيم التسامح الفكري وتعزيزها في المجتمعات، فهو يساعد على زيادة الوعي والمعرفة حول قيم التسامح وأهميتها في المجتمع، وتشجيع الأفراد على التفكير بصورة منفتحة ومتسامحة تجاه الآخرين، من خلال توفير المعلومات الصحيحة والتوعية بأهمية قبول واحترام الآخرين.

ويساعد التعليم في تنمية المهارات الاجتماعية التي تعزز التسامح الفكري، التي تمكّن الأفراد من التفاعل بشكل إيجابي مع الآخرين، وتعزز الاحترام والتعاون المتبادل، ومن هذه المهارات: التواصل الفعّال، والاستماع القائم على الاحترام. ويعمل التعليم أيضا على تعزيز قيم التعايش والتنوع في المجتمعات، وهذا يساهم في تعزيز التسامح الفكري، ويشجع الأفراد على قبول الآخر وتقدير تنوع الثقافات والمعتقدات، وذلك من خلال التركيز على قوة التعاون والتفاهم بين الأفراد من خلفيات مختلفة. كما يساهم التعليم أيضا في مكافحة التمييز والتحيّز الذي يستند إلى الجنس، والعرق، والدين، والثقافة، والمعتقدات، من خلال تعزيز الوعي بحقوق الإنسان والمساواة والعدالة، بما يُعزز التسامح الفكري ويحقق تقبل الآخر بلا تمييز، وبالتالي الحفاظ على أمن واستقرار الأوطان.

وسنتناول من خلال محور التعليم أهمية تضمين التسامح الديني في المناهج الدراسية، فهو يلعب دورًا حيويًا في تعزيز التسامح والتعايش السّلمي بين الأديان المختلفة، إذ يعمل على زيادة الفهم والاحترام بين الطلاب من خلفيات دينية متنوعة، وتعزيز الوعي بالمعتقدات والقيم الدينية المختلفة، وتشجيع الاحترام المتبادل والتسامح الديني، لتنشة أجيال قادرة على التعايش معًا، بعيدًا عن الصراعات المذهبية والطائفية، أو إثارة الفتن والضغائن بين أبناء المجتمع الواحد.

ويؤدي تضمين التسامح الديني في المناهج الدراسية إلى مكافحة التطرف والتعصب الديني، عن طريق التعرف على مختلف الآراء والمعتقدات الدينية وفهمها بشكل صحيح، ويتم تشجيع الطلاب على التفكير بصورة منفتحة، وتشجيعهم على الحوار والتفاعل البناء، واحترام الآراء المختلفة، من خلال التركيز على القيم المشتركة بين الأديان، وتجنب الجدال في الاختلافات، مما يعزز التفاهم والتسامح، ويقوي العلاقات بين الطلاب على اختلاف أيديولوجياتهم،  من أجل بناء مجتمع يتسم بالتسامح والتعايش السّلمي.

وختامًا.. في عالمنا المعاصر، يُعدّ التسامح الفكري ركيزة أساسية لبناء مجتمع متنوع ومزدهر، ويمثل القوة التي تجمع بين الأديان المختلفة، وتعزز التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، ومن خلال فهمنا العميق للتسامح الفكري، نكسر حواجز الجهل والتعصب، ونمهد الطريق نحو عالم يتسم بالتفاهم والاحترام المتبادل، وعندما نقدر ونحترم التنوع الديني، نتجاوز الاختلافات ونبني جسورًا من الفهم والمودة، كما إن فهم الديانات المختلفة، يساهم في تعزيز السلم الاجتماعي وتقوية أواصر التعاون والتآزر بين أفراد المجتمع. لذا، ندعو إلى تعزيز ثقافة التسامح والتفاهم المتبادل في كل مجالات الحياة، سواء في التعليم والمؤسسات الدينية أو في السياسة ووسائل الإعلام، ويجب أن تكون التسامح والتفاهم قيمًا تتغلغل في نسيج المجتمع وتكون جزءًا من هويتنا المجتمعية، فالتسامح الفكري هو سبيلنا لبناء عالمٍ أفضل، حيث يسود السلام والتعايش الآمن بين جميع أفراد المجتمع.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حزب بارزاني يرد على بافل طالباني: تُدير نصف الإقليم واحترم مشاعر الآخرين- عاجل

بغداد اليوم - أربيل

رد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني محمد عامر الديرشوي، اليوم الأحد (29 أيلول 2024)، على خطاب رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني الذي دعا خلاله إلى ضرورة تغيير السلطة الحاكمة في الإقليم، واصفا حزبه بأنه الوحيد القادر على تصحيح مسار الحكم في كردستان.

الديرشوي في معرض رده عبر "بغداد اليوم"، قال، إن "نظام الحكم في إقليم كردستان ائتلافي والحكومة مشكّلة من الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير، والفشل تتحمله جميع الأطراف، والأزمات تتحملها كل الأحزاب، ولا يجب تحميل الديمقراطي وحده لأي أزمة".

وأضاف، أن "الاتحاد الوطني مشارك بالحكومة ولديه منصب نائب رئيس الحكومة يسنمه قوباد طالباني ومنصب نائب رئيس الإقليم لـشيخ جعفر شيخ مصطفى، وعدد من الوزراء وهو يدير 50% من الإقليم، وتحديدا السليمانية وحلبجة، وإذا كان يحمّل الديمقراطي الفشل ويعتبر الحكومة فاشلة، فلماذا بقي مشاركا فيها؟".

الديرشوي أعرب عن استغرابه بالقول: "من المفترض أن تكون الدعاية الانتخابية باحترام مشاعر الناس، وكل حزب سيحتاج للأخر لآن الحكومة ائتلافية، وبالتالي هذه الدعاية ومحاولة الحصول على عواطف الناس، خاطئة وغير مقبولة، والديمقراطي يعتمد على السياسة الحكيمة في الدعاية الانتخابية، ولا يعتمد على التشنج والاستفزاز الذي يعتمده بافل طالباني أو قادة الاتحاد".

وكان رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، قال إن حزبه هو الوحيد القادر على تصحيح مسار الحكم في كردستان، فيما شدد على ضرورة تغيير السلطة الحاكمة في الاقليم.

وأكد طالباني خلال كلمة في كرنفال التعريف بمرشحي الاتحاد الوطني الكردستاني تابعتها "بغداد اليوم"، الاحد (29 أيلول 2024)، أن "الاتحاد الوطني هو الحزب الوحيد القادر على تصحيح مسار الحكم في اقليم كردستان، مضيفا: "نحن هنا اليوم لدعم قائمة الاتحاد الوطني الكردستاني رقم ١٢٩ وبالاعتماد على جماهير شعب كردستان سنغير السلطة الحاكمة ونصحح مسار الحكم في اقليم كردستان".

وأوضح طالباني، أنه "حاولنا مع جميع الاطراف السياسية التوصل الى اتفاق حول قانون الانتخابات لكنهم رفضوا ذلك وذهبنا الى الاجتماعات كثيرة معهم لكنهم لم يوافقوا على ذلك فذهبنا الى المحكمة الاتحادية وعدلنا القانون بشكل يصب في مصلحة شعب كردستان.

وتابع، أن "الاتحاد الوطني الكردستاني اليوم اقوى كثيرا من اعدائه اقوى كثيرا من باقي الاطراف وأكثر اخلاصا منهم، وعدلنا قانون الانتخابات بشكل يحفظ حقوق الجميع، والاتحاد الوطني الكردستاني يسير على نهج الرئيس مام جلال ولا يسير خلف اي طرف سياسي آخر وليس تابعا لاي جهة.

ودعا رئيس الاتحاد الوطني "الى الذهاب لصناديق الاقتراع بشكل فاعل والتصويت لقائمة الاتحاد الوطني الكردستاني رقم ١٢٩. ولدي رسالة واضحة وصريحة الى شباب ونساء وابناء شعب كردستان، رئيس الوزراء والوزارات الاساسية بيد حزب معين منذ سنوات طويلة، اسألوا انفسكم، هل انتم راضون عن هذه الاوضاع؟. المئات من شبابنا تركوا البلاد ونزحوا الى الخارج، هذه البلاد جنة ولدينا النفط والغاز وكل شيء، لنخدم بلدنا ونعمل على تطويره، صوتوا للحزب الذي ينفذ كلما يقوله، الاتحاد الوطني الكردستاني هو الذي يستطيع تغيير مسار الحكم وتنفيذ تطلعاتكم.

مقالات مشابهة

  • الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: الأزهر هو المكون الفكري الذي يسير على منهاج الوسطية
  • احترس من القسوة في تربية أبنائك... قد تقودهم للتطرف الفكري
  • حملة ترويجية دولية لمصر احتفالًا بيوم  السياحة العالمى لتعزيز قيم السلام والتبادل الثقافى والتعايش المجتمعى
  • اللواء بسام عطية: "الأمن الفكري" يعزز وعي الفرد بدوره في حماية وطنه
  • الرئيس السيسي: مصر لا تعمل على تزكية الصراعات أو التدخل في شؤون الآخرين
  • نهيان بن مبارك : التعليم هو الباب الرئيسي لنهضة الأمم والشعوب
  • «الإفتاء» تشارك في مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان» لتعزيز قيم التسامح
  • خطة الأمم المتحدة لمواجهة التطرف.. يوم دولي ينبذ العنف وينشر التسامح
  • حزب بارزاني يرد على بافل طالباني: تُدير نصف الإقليم واحترم مشاعر الآخرين
  • حزب بارزاني يرد على بافل طالباني: تُدير نصف الإقليم واحترم مشاعر الآخرين- عاجل