شيعت الصحافة اللبنانية والعربية وبلدة شمسطار ناشر "السفير" الصحافي طلال سلمان، في موكب مهيب انطلق من دارته إلى مدافن العائلة.

وقد أقيم لفقيد الصحافة اللبنانية والعربية حفل تأبين في بلدته شمسطار، شارك فيه ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب غازي زعيتر، الوزيران في حكومة تصريف الأعمال علي حمية وعباس الحاج حسن، النواب: حسين الحاج حسن، إبراهيم الموسوي وأسامة سعد، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الوزيران السابقان عيد الرحيم مراد ونهاد المشنوق، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب على رأس وفد علمائي،  نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي، المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، رؤساء تحرير وممثلو صحف لبنانية وعربية، وفاعليات.



وتحدث الشيخ الخطيب، فقال: "يا أسرة فقيد الكلمة الحرة، وفقيد الرجال الأحرار، وفقيد قضايا الأمة الحرة والموقف الحر، كيف أعزيكم وبماذا أعزيكم، وهل من عزاء لهذا الفقد  المصاب الجلل سوى الصبر؟ ولولا أن علمنا الله تعالى وعرفنا أن نقول في أمثال هذه المواقف إنا لله وإنا إليه راجعون، لما كان من كلمة تصلح عزاء لفقد الأعزاء والاحباء ومن نحترم من الرجال الأحرار الأوفياء لقضاياهم الوطنية والقومية والاسلامية، لضمائرهم الحية، لمن أعاروا الله وضمائرهم كلمة الحق والصدق والموقف حين تعز المواقف، حين تكون الكلمة جهادا وتضحية وشهادة، بل أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".

وتابع: "لقد قلتها كلمة حق في وجوه الجائرين حين كان بياعو الكلمات وتجار القضايا والضمائر والأوطان والشرف لسلاطين المال والجور تلاميذ يهوذا الأسخريوطي عباد المال الجبناء عديمي القيم البارعين في إثارة الفتن والمصطادين في كل مستنقع قذر، الذين خانوا رسالة الاعلام، وباعوا المسؤولية الوطنية والإنسانية في سوق القذارة دون وخز من ضمير أو اعتبار لقيم أو أخلاق وما زالوا يفجرون ويعهرون. عفوا منك أبا أحمد فهي شقشقة هدرت ثم قرت فالمناسبة حزينة".

وأضاف: "ما أكبر خسارتنا بك، ولكن القضايا التي اعطيتها كلك وناضلت من اجلها بمسؤولية لن تهزم ولن تموت، ففلسطين التي جعلتها قضيتك ستعود قضية الأمة، والمقاومة التي أسسها إمام المقاومة السيد موسى الصدر وناصرتها بفكرك وقلمك ستنتصر رغم تآمر المتآمرين وتخاذل المتخاذلين وتضليل المضللين في هذا الزمن الرديء، عرضك للاغتيال، لاغتيال القضايا التي سخرت لها فكرك وقلبك مدافعا عنها ومنتصرا لها".

وأكد أن "الوطن سيبقى أكبر من كل تجار الهيكل، سيعود وطنا نهائيا لكل بنيه، بلد المواطنة، لا تجار الطائفية الذين أرادوه قزما على قدرهم، وتمرة أرادوا أكلها جشعا بلا جوع، هذا ماء آجن، ولقمة يغص بها آكلها".

وأردف: "سيكبر يا أبا أحمد وعي اللبنانيين صغارا وكبارا، ليكونوا مستحقين أن يكون لبنان وطنا لهم يخلعون عن رقابهم نير عبودية العبيد، ويتحررون من زنازين الطائفية، ليكون رسالة الإسلام والمسيحية ومنبرها الحضاري إلى العالم". 

وختم الخطيب: "لا تعوض خسارتنا بك يا ابا أحمد، طبت  حيا وميتا بل حيا حيا فأمثالك لا يموتون".

وألقى كلمة العائلة نجل الفقيد أحمد طلال سلمان، مؤكدا أن الراحل "كان متمسكا بحب الناس، ومعهم ولأجلهم مضى في طريق مكافحة الظلم، والنضال في سبيل الحق".

وتابع: "فبالصبر والدراية والإيمان بالغد، واجه أشواك الطريق كلها، وعلى الطريق لم يعرف الفتى النحيل الأسمر الغربة في القرى والمدن والعواصم التي زارها كلها. وبالحب، حب الناس بألوانهم ومللهم كلها عاش بقاعيا، جبليا، شماليا، جنوبيا، وبيوتيا، ومصريا وسوريا وعراقيا ويمنيا، وقبل كل ذلك وبعده فلسطينيا".

وأكد أنه "لم يتوان عن مواجهة الظلم الذي لم يتوان عن محاولة إسكاته باستباحة دمه مرارا".

وختم سلمان: "اليوم حان أوان الرحيل في عز الغربة والظلم، مع أنك ستبقى حيا في كل ما يشبهك ويشبه ناسك، والطريق ما زالت طويلة وشاقة. على الرغم من فداحة الفقدان تبقى لنا الكلمات التي زرعتها في وجداننا على امتداد عقود".

وأم الشيخ الخطيب الصلاة على الجثمان الذي ووري في ثرى بلدته التي أحب شمسطار.

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

انكسار الشخصيات في «لعبة مصائر» لهلال البادي

في روايته الأولى الصادرة عن دار الانتشار العربي عام 2024م، تناول الكاتب هلال البادي موضوعات حساسة تدور في المجتمع العماني، وناقش قضايا مهمة، كما رسم صورة لصراعٍ متشكّلٍ في الفكر الإنساني استمر لسنوات طويلة في مجتمعاتنا العربية على وجه العموم.

لم ينس البادي أن ينبش في المجتمع مقدمًا لهذا الصراع المتشكّل بين طبقات مختلفة من مجتمعنا العماني، كل طبقة بتفكيرها وقناعاتها وأيديولوجيتها في نص يمكن أن نلمح من خلاله أنساقًا مجتمعية مضمرة في الخطاب الروائي.

يمكن لنا أن نقرأ النسق المضمر في الرواية من خلال الشخصيات والأمكنة التي تدور فيها الأحداث؛ إذ يرسم لنا الشخصيات التي تتفاعل في محيطها المكاني مستفيدة من تأثيرات المكان ومرجعياته المختلفة في تقديم النص، وهنا نجد الرواية تستفيد من الأحداث المتقاطعة في الواقع العماني في فتراته الزمنية المختلفة، وذلك بدوره ينعكس على الشخصيات التي تتشكّل طبائعها وتفكيرها بناء على المكان والأحداث المستعادة.

تبدأ الرواية في تقديم أحداثها وشخصياتها من القرية التي تكون مسرحًا لنقل الحكايات؛ فالقرية تبدو هنا مكانًا صغيرًا يعلم فيه الناس خفايا بعضهم، ويطّلعون فيه على أسرارهم الخاصة، لا يخفى شيء إلا ما أراد الناس إخفاءه بالقوة، تأخذنا عبارة: «تطلقت شوّان مرة أخرى» إلى توالي الأحداث، فشوّان هنا شخصية تحاول الرواية إظهارها بمميزات خاصة، يتحرك معها الحكي من موضع إلى آخر، ومن زمنٍ إلى زمن؛ إذ ليس من مهام شخصية شوّان تحرك الأحداث فقط، بل عملت كذلك على إبراز طبائع الشخصيات وصفاتهم.

يحاول السرد تقديم صورة عن شوّان بأنها قوية الشخصية في مواجهة زوجها لفظًا وبنية جسمانية، تواجه الكلمة بالكلمة، والضربة بالضربة، كما تحاول أن تقدّمها بأنها ذات لسان سليط متحرر أمام نسوة القرية، وبأنها طوافة للبيوت تنقل الأخبار وتأخذ العطايا، بالإضافة إلى أنها في مواضع معينة تعكس صورة المرأة الماجنة وذلك من خلال الأوصاف القبيحة التي أطلقها عليها زوجها «فايوز» وابنتها أمل بعد ذلك في اعترافها عن الماضي المختزن في ذاكرتها.

لكن مع التقدم في الزمن تظهر صورة شوّان منكسرة في السرد، ضعيفة، وهو حال بقية الشخصيات التي استكملت أدوارها في السرد ثم تجنح إلى الخفوت، نجد ذلك عند أبي طلال مثلًا، وعند زوجته.

إنّ المتأمل في شخصيات العمل الروائي يجد أنها شخصيات منكسرة بالفعل، تُظهر الفرح والبهجة لكن حوارها الداخلي مع الذات يبوح بانكسار وانهزام، يظهر هذا الحوار على لسان الراويتين وداد وأمل في أثناء تناوبهما على السرد؛ إذ يبوح السرد باعترافات الماضي، وتقديمه في هيئة حزينة. تقول أمل: «أنا أمل بنت شوان لم يُغَرِرْ بي أحد لأتهمه، لا قاسم ولا سعيد ولا صالح ولا أي أحد آخر، لا أقول هذا لكي أقنع أحدًا بقضيتي في الأساس لا قضية حقيقية لي! مع أنني لاحقا سأردف وأقول: أنتِ السبب يا شوّان لولاك لما كنت أنا هي التي هي عليه الآن من وحل وخطيئة! أنت تتحمّلين جزءًا، وجزءًا كبيرًا من ذنبي. ما الذي أعطيتني إياه إلا الوقاحة والضعة يا أمي؟ ما الذي أعطيتني إياه إلا خطيئة متواصلة وكأنما على أمثالي أن يعيشوا في قعر ضياع لا متناه على الإطلاق؟

حدث أنني جئت إلى هذا العالم، وكانت أمي هي شوّان بنت معصومة بنت من لا أعرف، ولا يهمني أن أعرف اليوم. أما أبي فإنني أسألكِ يا شوّان هل هو «فايوز» الذي صرخت ذات نهار صرخة شقت سماء حارتنا القديمة الوادعة التي تحتضن البحر، حتى تجمعت النسوة عند باب بيتنا يستفسرن عما حدث، ليشاركنني لاحقا في صرختي وبكائي؟ هل هو أبي حقا؟ وكل أولئك الرجال الذين كانوا يدخلون إلى البيت الصغير، بيتنا، ماذا كانوا يفعلون؟ هل تتذكرين يا أمي أحدهم لا أتذكر اسمه ولا شكله وهو يمازحك ويمد يديه إليك، إلى جسدك، وأنت تتغنجين وتضحكين ناهرة إياه بميوعة واضحة كأني بك تقولين له أكمل وافعل بي ما تريد؟».

إنها رسالة اتهام من البنت لأمها سخطًا ورفضًا لما كان يدور في ذاكرتها، والرفض ذاته تقدّمه وداد لخالها عندما وصفته بالوحش. تعيش وداد لحظات الغربة والانكسار منذ الطفولة بوفاة والديها في حادث السير، جاء في ذلك: «في صغرها، وبعد أول موقف حاد مع خالها انكفأت تدعو الله لو أنّ الوقت يعود إلى الوراء قليلًا، لتصر على والديها أن تذهب معهما في رحلتهما المشؤومة تلك، فلا تفارقهما إلى الأبد، تمنت لو أنها ماتت معهما في الحادث، على الأقل ستكون معهما دائمًا، ولن تتعرض لما تعرضت له. لكن الوقت يمضي إلى الأمام، لا يذهب إلى الخلف.

تتذكر أنها لم تذرف أي دمعة، كانت مصدومة وهي ترى خالها يتحول إلى ما يشبه الوحش الذي كانت تشاهده في شاشة التلفاز، يصرخ ولا تفهم ما يقول. كان غاضبًا ولم تستوعب لماذا يغضب، ألأنها كانت تلعب بدميتها الصغيرة التي اشتراها لها والدها قبل زمن؟ إنها صغيرة فهل عليها أن تكون كالكبار تفعل كما يفعلون؟ لم تفهم قط لماذا كان يصرخ ذلك الصراخ، كلّ الذي فعلته يومذاك أنها، وبعد أن تدخلت زوجة خالها أم طلال، أغلقت على نفسها ذاتها وانزوت في عالم ليس لهم أن يدخلوه.

بكت لاحقا، لم تستطع يومذاك تحمّل مزاج خالها الحاد غير المبرر، صرخت صرخة مدوية، وقالت له: أنت وحش. كان رأسها يستحضر كائن الغول الشرير الذي رأته في إحدى حلقات الكارتون، تخيلته خالها الذي صفعها صفعة سيظل ملمسها منحفرًا في خدها، كما لو أنه وشم ظاهر، لكن لا أحد يراه سواها، لا أحد يرى ذلك التشوه الخافي سواها وحدها».

تعيش الشخصيات في صراع مكاني متمثل في المدينة والقرية، وتلجأ إلى الذاكرة واستدعاءاتها بعبورها إلى المدينة باحثة عن حياة أرحب، ومتنفس كبير بعيدًا عن القرى وثرثرتها، لكن القارئ يلمس الانكسار ذاته على الشخصيات، كما يلمح صراعًا داخليًّا واختلافًا في العلاقات القائمة.

في رأيي أن انحياز العمل الروائي إلى ثلاث شخصيات رئيسة قد قدّم لنا صورة عن هذا الصراع وعن هذا الانكسار، نجد ارتباط الشخصيات الرئيسة (طلال، وأمل، ووداد) بالآخر حاضرًا (غرايس، وصالح، وصالح) هذا الارتباط قد تشكّل منذ القرية من خلال ثلاثة حوادث:

أولها: صفعة والد طلال لطلال؛ إذ إنها عملت تمرّد طلال ولجوئه إلى الخطيئة وانتقاله من خطأ إلى آخر، ثم كرهه لوالده وعدم تقبّله حتى بعد ضعفه ومرضه.

ثانيها: الماضي الأليم الذي كانت تعيشه أمل من العلاقة المتوترة بين والديها، أو من حيث ألم اللف على بيوت القرية مع والدتها وأخذ الملابس القديمة من الناس، ثم دخولها إلى مجال الخطيئة المحرمة منذ طفولتها خاصة بعد حادثة طلال.

ثالثها: تشدّد خال وداد معها، وزجره لها كلما رآها تلعب، وهو ما شكّل جرحًا عميقًا انتقل معها من القرية إلى المدينة ولازمها حتى كبرت، واتسع ذلك بمحاولة تزويجها رغمًا عنها.

عملت هذه الحوادث على انتقال السرد من موضع إلى آخر، كما عملت على تشكيل الصورة السردية للشخصيات المذكورة، وأدّت في المقابل إلى انتقال أثرها إلى الآخر، فكل علاقات الحب مع الآخر كانت فاترة غير حقيقية، خسر فيها كل من طلال وأمل ووداد، وظل الماضي ينهش في ذاكرتهم ويستقطع منها.

لقد توسع طلال في ممارسة كذبه وادعائه مع الحاج رضا، ومع فيوليتا، ومع غرايس، سرق من الأول ماله، وسرق من الأخيرة قلبها، وكذب على الثانية. كان طلال يرى في المرأة جسدًا ففيوليتا وغرايس مثلهما مثل أمل التي خدعها في الصغر، ولم يقابل غرايس بما كانت تتطلع إليه من حب. وانخدعت وداد في علاقتها بصالح، والأمر ذاته بين أمل وصالح.

لقد كانت المرأة ضحية هذه العلاقات، والأمر ذاته مع فتحية وزوجها الذي كان يرى فيها جسدًا يلجأ إليه كلما أراد أن يطفئ لهيب شهوته. إذن فالمرأة في الرواية جسد ومتعة من منظور الرجل، وربما هذه الرسالة التي أرادت الرواية أن تقدّمها للقارئ، المرأة من زاوية رؤية الرجل كانت جسدًا ولذة، ما إن تنتهي حتى يبحث عن غيرها بدءًا بفايوز وشوّان، ثم فتحية وزوجها، وطلال وأمل وفيوليتا وغرايس، وعزيزة ومغامراتها في القاهرة، وأمل وصالح، ووداد وصالح.

لقد حدّد النسق المجتمعي مصائر الشخصية وتحولاتها، فقد قدّمت الرواية انعكاسًا لقضايا المجتمع، وفضحت بعض الممارسات الخاطئة من أبنائه، لذا لم تكن المرأة إلا شخصية منكسرة في ذاتها، تقوم عليها دوائر اللعبة المقصودة.

مقالات مشابهة

  • ماذا دار في جلسة الخطيب مع مارسيل كولر؟.. أحمد حسن يكشف التفاصيل
  • الخطيب للراعي: نريدك أن تتماثل للشفاء لأن وجودك ضروري لنا وللبنان
  • الصحافة الكوردية في 127 عاماً.. ذكرى كلمة عبرت الحدود وتحدت القيود
  • انكسار الشخصيات في «لعبة مصائر» لهلال البادي
  • مجلس النواب يدين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العدوان الأمريكي في حي وسوق فروة بالعاصمة
  • النواب يشطبون كلمة العرموطي بعد اتهامه للحكومة بإثارة الفتنة .. والصفدي ” نحن نعرف الخونة”
  • الفضيل يناقش المشاكل والصعوبات الكبيرة التي يواجهه مشروع النهر الصناعي
  • مجلس النواب يبحث الصعوبات التي تواجه إدارة مشروع «النهر الصناعي»
  • شوبير: الخطيب تعامل مع أكرم توفيق باحترافيه.. تفاصيل
  • الخطيب: للتحاور على مصلحة لبنان