يرى تحليل نشره الباحث أوبامانيو لاهيري في "مجلس العلاقات الخارجية" أن هيمنة الدولار الأمريكي دخلت بالفعل مرحلة الخطر، بسبب تحديات داخلية في الولايات المتحدة، أبرزها الارتفاع الكارثي لعتبة الديون والأزمة السياسية المتصاعدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهناك عوامل خارجية على رأسها استخدام واشنطن الدولار بشكل مفرط لفرض عقوبات ضد خصومها حول العالم، ولجوء الفيدرالي الأمريكي لرفع الفائدة ما تسبب بهزات اقتصادية كبيرة في الدول النامية المرتبطة بالدولار.

كيف تستفيد أمريكا من هيمنة الدولار؟

تجني حكومة الولايات المتحدة واقتصادها ومواطنوها فوائد هائلة من "الامتياز الباهظ" الذي يتمتع به الدولار، كما وصفه وزير المالية الفرنسي السابق، في الأسواق المالية العالمية.

وبسبب الطلب العالمي القوي على الدولار الأمريكي والأوراق المالية المدعومة بالدولار مثل سندات الخزانة الأمريكية، تستطيع الولايات المتحدة الاقتراض بأسعار فائدة أقل بكثير من الدول الأخرى.

كما تستطيع الحكومة والشركات الأمريكية الاقتراض من الدائنين الأجانب بالدولار بدلا من العملات الأجنبية، وبالتالي فإن قيمة الدين لا تتغير مع التقلبات في أسعار الصرف.

اقرأ أيضاً

بوتين: لا رجعة عن التخلص من الدولار في التسويات بين دول بريكس

كما يعمل ارتفاع الطلب على الدولار على تعزيز قيمته في مقابل العملات الأخرى، مما يؤدي إلى منتجات أرخص للمستهلكين الأمريكيين، على الرغم من أنه على الجانب الآخر، يجعل الصادرات الأمريكية أقل قدرة على المنافسة.

كما تمنح الهيمنة العالمية للدولار الأمريكي حكومة الولايات المتحدة القدرة على فرض عقوبات بعيدة المدى وفعالة على خصومها، وهي أداة قوية في السياسة الخارجية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هيمنتها المستمرة، فإن التحديات المحلية والدولية التي يواجهها الدولار الأمريكي آخذة في التصاعد، كما يقول الكاتب.

أولا: التحديات الداخلية

من عجيب المفارقات، كما يقول الكاتب، أن الولايات المتحدة راكمت، جزئياً، بسبب تكاليف الاقتراض المنخفضة للغاية، قدراً هائلاً من الديون، بلغ 32.11 تريليون دولار، وهو مبلغ غير مستدام على المدى الطويل ويمكن أن يقوض الثقة في الدولار الأمريكي.

ومن الناحية السياسية، فمن الصعب على القادة أن يعالجوا قضية الديون المتصاعدة. ورغم أن الرأي العام الأمريكي يدعم خفض الديون والإنفاق، فإن الخطوات المحددة للقيام بذلك ــ مثل زيادة الضرائب وإصلاح برامج الاستحقاقات مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ــ لا تحظى بشعبية، وخاصة بين الأمريكيين الأكبر سنا.

أيضا، فإن الاستقطاب السياسي المتزايد في الولايات المتحدة جعل من العجز عن السداد احتمالاً حقيقياً.

ويحذر الكاتب من أن تخلف واشنطن عن سداد ديونها قد يشكل كارثة ستقوض الثقة في الدولار ومكانته كملاذ آمن.

اقرأ أيضاً

النظام المالي يتغير.. هل بات الدولار في طريقه لخسارة نفوذه؟

ثانيا: التحديات الدولية

تمنح الهيمنة العالمية للدولار حكومة الولايات المتحدة السلطة لفرض عقوبات معوقة وشن أشكال أخرى من الحرب المالية ضد الخصوم.

ومنذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، استخدمت هذه القوة بوتيرة متزايدة.

وفي عام 2022، خضع أكثر من 12 ألف كيان لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، أي بزيادة تزيد عن اثني عشر ضعفًا منذ مطلع القرن.

ويقول الكاتب إن العقوبات الأمريكية لم يكن لديها أفضل سجل في تغيير سلوكيات الأنظمة، لكنها تضمن أن يدفع الخصوم المستهدفون ثمناً باهظاً لمواصلة الانخراط في أعمال تعارضها الولايات المتحدة.

وقد أدى الإفراط في استخدام تلك العقوبات من قبل واشنطن، في جعل عدد من البلدان لديها الرغبة في الابتعاد عن النظام المالي القائم على الدولار الأمريكي.

على سبيل المثال، عارضت الدول الأوروبية انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني. ومع ذلك، بسبب العقوبات الثانوية، التي كانت جزءًا من حملة "الضغط الأقصى" على إيران، اضطروا إلى قطع التجارة مع إيران. وهذا ما جعلهم يفكرون في تطوير بديل لنظام سويفت والأنظمة القائمة على الدولار.

اقرأ أيضاً

الدولار والإجهاد الاقتصادي الأمريكي

ممارسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا لحالة الاحتياطي العالمي للدولار، فإن تأثيرات السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر على حدود الولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال، عندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمحاربة التضخم خلال العام الماضي، أدى ذلك إلى انخفاض المعروض النقدي، ونقل المستثمرين الأموال من البلدان النامية إلى "الملاذ الآمن" لسندات الخزانة الأمريكية، مما أدى إلى تدفقات هائلة لرأس المال إلى الخارج.

ويؤدي هذا التدفق أيضاً إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، وزيادة الديون المقومة بالدولار التي تحتفظ بها البلدان النامية.

ومن غير المستغرب أن يؤثر هذا على البلدان المثقلة بالديون بشكل أكبر.

اقرأ أيضاً

مصير هيمنة الدولار الأمريكي

الابتعاد عن الدولار

ونظراً للعوامل المحلية والدولية الموضحة أعلاه، فإن الرغبة الدولية في التنويع بعيداً عن نظام الاحتياطي العالمي القائم على الدولار مرتفعة، يقول الكاتب.

ومن غير المستغرب أن تضطر روسيا إلى التخلص من الدولار في ظل سعيها إلى التهرب من العقوبات الغربية، ولكن الصين، التي ظلت لفترة طويلة تدفع نحو تدويل عملتها، هي الدولة التي تقف في طليعة الجهود الرامية إلى إضعاف قوة الدولار.

قامت الصين مؤخرا بتوسيع اتفاقية تبادل العملات مع الأرجنتين، كما توصلت مؤخرًا إلى اتفاق مع البرازيل، التي تبلغ تجارتها السنوية معها 150 مليار دولار، للتداول بعملتيهما بدلاً من الدولار الأمريكي.

وتسعى بكين لإبرام اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى. وإذا نجحوا، فسيشكل ذلك تحديًا للدولار الأمريكي باعتباره العملة الافتراضية للتجارة في العالم نظرًا لهيمنة الصين على تجارة السلع العالمية.

اقرأ أيضاً

دول الخليج تراقب الحراك العالمي ضد الدولار.. ومجبرة للتجاوب معه احتياطيا

هل يفقد الدولار بالفعل عرشه؟

رغم كل ما سبق، يرى الكاتب أن الدولار الأمريكي سيظل مهيمناً في الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي لفترة قادمة طويلة، ويرجع ذلك في الغالب إلى عدم وجود بديل واضح.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الصين، فإن الرنمينبي لا يمثل سوى 2.7% من الاحتياطيات العالمية.

ونظراً للضوابط الصارمة على رأس المال ومحدودية إمكانية التحويل إلى عملات أخرى، فإن التحدي الكامل لهيمنة الدولار يظل غير مرجح.

ومع ذلك، يخلص الكاتب إلى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدرك التحديات المحلية والدولية التي تواجه وضع الدولار الأمريكي، وأن تعمل على تهدئة الشكوك دوليًا حتى تتمكن من الاحتفاظ بمكانتها حتى لو ظهر بديل موثوق.

ويمكن أن تشمل هذه الخطوات معالجة الدين العام للولايات المتحدة، بالإضافة إلى إلغاء سقف الديون أو ربطه بتفويض الكونجرس للإنفاق لتعزيز المناقشات بحسن نية حول زيادة الإنفاق أو خفضه دون المخاطرة بالتخلف عن السداد.

وينبغي للولايات المتحدة أيضاً أن تستخدم العقوبات بحكمة أكبر.

المصدر | أوبامانيو لاهيري / مجلس العلاقات الخارجية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الدولار الأمريكي هيمنة الدولار العقوبات الأمريكية ديون أمريكا أسعار الفائدة الأمريكية الولایات المتحدة الدولار الأمریکی هیمنة الدولار على الدولار اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

وسائل إعلام تكشف القواعد التي أقلعت منها الطائرات الأمريكية في عدوانها على اليمن

يمانيون../
كشفت وسائل إعلام أجنبية عن القواعد العسكرية التي استخدمتها الولايات المتحدة في عدوانها على اليمن مساء أمس وفجر اليوم، حيث أقلعت طائراتها الحربية والاستطلاعية من قواعد متعددة في المنطقة.

وبحسب التقارير، انطلقت طائرة P-8 Poseidon التابعة للبحرية الأمريكية من البحرين، وطائرة MQ-4C Triton من الإمارات العربية المتحدة، بينما أقلعت مقاتلة RC-135V من قطر، وطائرة KC2 Voyager التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني من قبرص.

وأوضحت المصادر أن هذه الطائرات لعبت أدوارًا رئيسية في تنفيذ الضربات، من خلال مهام المراقبة والتزود بالوقود والدعم العملياتي، إلى جانب مشاركة مقاتلات F-18 Hornet التابعة للبحرية الأمريكية والمتمركزة على حاملة الطائرات.

كما أفادت التقارير بأن السعودية والإمارات وقطر شاركت في العدوان، حيث رُصدت طائرة التزود بالوقود البريطانية KC2 بالقرب من جدة أثناء تزويد الطائرات المقاتلة بالوقود جوًا.

وأضافت المصادر أنه تم رصد عودة الطائرة الأمريكية RC-135V Rivet Joint وطائرة التزود بالوقود KC-135R إلى قاعدة العُدَيْد الجوية في قطر بعد تنفيذ الغارات، إلى جانب توجه الطائرة الأمريكية MQ-4C Triton من قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات نحو اليمن، بعد إيقاف أجهزة الإرسال الخاصة بها لإخفاء تحركاتها.

مقالات مشابهة

  • مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر
  • وسائل إعلام تكشف القواعد التي أقلعت منها الطائرات الأمريكية في عدوانها على اليمن
  • الولايات المتحدة تهدد بمواصلة قصف الحوثيين
  • ارتفاع عدد قتلى العاصفة القوية التي ضربت الولايات المتحدة إلى 28
  • قائمة بالجنسيات .. السلطات الأمريكية تخطط لمنع مواطني دول عربية من دخول الولايات المتحدة
  • السلطات الأمريكية تحظر مواطني دول عربية من دخول الولايات المتحدة
  • السلطات الأمريكية تخطط لمنع مواطني دول عربية من دخول الولايات المتحدة
  • كوارث طبيعية وشيكة تهدد الولايات المتحدة
  • قائمة بالجنسيات.. السلطات الأمريكية تخطط لمنع مواطني دول عربية من دخول الولايات المتحدة
  • في إنتظار السفير الجزائري…ترامب يطرد سفير جنوب أفريقيا من الولايات المتحدة الأمريكية