كيف نتعامل مع الوقف المندثر؟
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
عِندما تتجوَّل في بعض المُدُن العربيَّة والإسلاميَّة، لا سِيَّما القديمة مِنْها، قَدْ تمرُّ بمبانٍ تكُونُ مهجورة وآيلة للسقوط، ويُمكِننا أن نصفَها بأنَّها خربة مندثرة، لِتكُونَ مرتعًا للفئران والهوام، ومكانًا يستغلُّه المجرمون بصوَرٍ مختلفة. وعِندما تتساءل عن هذه المباني المهملة تُفاجأ بأن تُعرف بأنَّها وقف خيري أو ذري لكنَّه اندثر، حيث أوقفه أحد المُسلِمين منذ عشرات السنين، ولَمْ يَعُدْ أحدٌ يعْلَم في هذا الزمان شيئًا عن هذا الوقف: مَن الواقف؟ وعلى من أوقف؟ وما شروطه؟ وبالتَّالي لا يستطيع أحدٌ أن يتصرفَ في هذه المباني الخيريَّة، فتبقى على شكل عقارات معطَّلة الفائدة، سواء أرض الوقف أو المبنى الذي شُيِّد على الأرض الموقوفة.
ويقصد بالوقف الخيري هو أن يحبسَ أحدهم شيئًا من ماله كأنْ يكُونَ مسكنًا أو مزرعة أو بئر ماء ونَحْوَه، ليستفيدَ مِنْه النَّاس بِدُونِ مقابل، ويُحدِّد الواقف مِنْهم المستفيدين من هذا الوقف كأنْ يوقفَ على أبنائه وذريَّتهم فقط فيصبح بذلك وقفًا ذريًّا؛ أي المنفعة لذريَّته، أو يستفيد من هذا العقار الموقوف أهل قريته، أو الفقراء من أهل بلدة أو الأرامل ونَحْوه، وهذا ما يُسمَّى بالوقف الخيري، وفي كلتا الحالتين على الواقف أن يحدِّدَ ناظرًا للوقف أي مديرًا يدير شؤون هذا العقار فيعمل على صيانته، ويعمل على تفعيله لِيستفيدَ مِنْه الموقوف عليهم بأفضل الصوَر.
ولكن قَدْ يتحوَّل هذا الوقف الخيري أو الذرِّي إلى عقار مدثور فتتعطَّل مصلحة الوقف، فالواقف استقطع من أمواله الخاصَّة لِيوقفَها لمصلحة النَّاس، وحرَم نَفْسَه وأولاده من الاستفادة من ماله، الذي جمَعه بشقِّ الأنفُس، إلَّا أنَّ إهمال الاستفادة من الوقف على مرِّ السنوات أدَّى إلى ضياع المصلحة. وتعطيل منفعة النَّاس من هذه الأموال، إنَّ ترك الأوقاف مندثرة يَعُودُ بالضَّرر على النَّاس وعلى المُجتمع، من هنا تأتي ضرورة سرعة النظر في الأوقاف الذريَّة والخيريَّة المندثرة ورعايتها، والفصل في النزاعات، تجنبًا لاندثارها. ويُعدُّ تعطيل الاستفادة من الوقف مفسدة، وهنا تبرز أهمِّية تطبيق القاعدة الفقهيَّة التي تنصُّ على دفع المفسدة مُقدَّم على جلب المنفعة.
ويبقى السؤال المطروح: لماذا تندثر الأوقاف؟ والواقع أنَّ هناك أسبابًا عدَّة لاندثار الوقف الخيري نذكر أهمَّها: عدم توثيق عقود الوقف، فبموت الواقفين والموقوف عليهم، وانقِطاع نظَّار الوقف الخيري، وضياع عقد الوقف الخيري، يؤدِّي إلى عدم عِلْم النَّاس بالوقف، وبالتَّالي عدم رعايته وعدم الاستفادة مِنْه، ومن أسباب اندثار الوقف عدم وضوح شروط الواقف يؤدِّي إلى نزاع بَيْنَ الموقوف عليهم، وبالتَّالي تعطيل المنفعة بالوقف الذرِّي، كأنْ يقولَ أوقفت هذا البيت لسكَن أبنائي الثلاثة، وأبنائهم من بعدهم، ولَمْ يوضِّح هل يشترط استفادة الأحفاد بعد موت جميع الأبناء أو مع وجود الآباء، فيحصل النزاع بَيْنَ الموقوف عليهم ويؤدِّي إلى عدم استفادة الجميع من الوقف الذرِّي، ويتعطَّل تفعيل دَوْر الوقف، ولا يتمُّ الاهتمام بصيانته ورعايته فيتسبَّب في اندثاره. ومن أسباب اندثار الوقف عدم تحديد ناظر الوقف بوضوح من قِبل الواقف، فينشب الخلاف على نظارة الوقف الخيري، ممَّا يؤدِّي إلى إهمال صيانة الوقف. كما أنَّ عدم وجود موارد كافية لصيانة الوقف الخيري تؤدِّي إلى تلف الوقف واندثاره وعدم الاستفادة مِنْه، كما أنَّ عدم السرعة في الفصل في النزاعات التي تنشأ بَيْنَ النَّاس، سواء نظَّار الوقف أو المستفيدون من الوقف أو الورثة، يؤدِّي إلى تعطُّل صيانة الوقف ورعايته والاستفادة مِنْه.
لذا أعطى الشرع القاضي ووليَّ الأمْرِ حقَّ التصرُّف في الأوقاف لينقذوا الوقف من الاندثار، ويقوموا بجميع التدابير التي فيها مصلحة الموقوف عليهم، وهنا تقع على القاضي مسؤوليَّة سرعة التصرُّف في الأوقاف المندثرة، وإصدار الحُكم الذي فيه مصلحة للموقوف عليهم، وإحياء تلك الأوقاف المدثورة، كما عليه اتِّخاذ التدابير لتجنُّب اندثار الوقف، بسرعة الفصل في النزاعات بَيْنَ الموقوف عليهم، كما عليه فتح المجال للإبلاغ عن الأوقاف المندثرة، ليتَّخذَ القاضي القرارات المناسبة، أو الإبلاغ عن الأوقاف التي لَمْ يُحدَّد لها ناظر للوقف، أو التي يُهمِل ناظر الوقف صيانتها ورعايتها.
وأخيرًا، فإنَّ أموال الأوقاف أمانة في عُنق الجميع، وعلى رأسهم القاضي، فقَدِ انتقلت الملكيَّة من الواقف إلى ملكيَّة الله، وهي أموال مخصَّصة لمساعدة النَّاس ولخدمة المحتاجين، وهو يؤثِّر في تنمية الاقتصاد، ويُحقِّق التكافل الاجتماعي بَيْنَ أفراد المُجتمع، وبالتَّالي فإنَّ الحفاظ على الوقف يُعدُّ حفاظًا على ترابط المُجتمع… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
najanahi@gmail.com
Najwa.janahi@
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الاستفادة م ر الوقف
إقرأ أيضاً:
وكيل تعليم قنا يقرر استبعاد مدير مدرسة بإدارة الوقف
قرر هاني عنتر ، وكيل وزارة التربية والتعليم بـ قنا، استبعاد مديرة مدرسة السلام الابتدائية بالوقف وإحالة بعض المخالفات المرصودة إلى التحقيق بديوان المديرية.
جاء ذلك خلال مروره المفاجئ، صباح اليوم الأربعاء، على مدارس الشهيد حسني عبادى الثانوية و السلام الإعدادية المشتركة والسلام الابتدائية التابعين لإدارة الوقف التعليمية، وربيع دنقل، مدير عام إدارة الوقف التعليمية، ومصطفى عثمان، عضو إدارة المتابعة بالمديرية، وعمر عبد العزيز، عضو مكتب الوكيل.
وكيل صحة قنا يطمئن على مرضى حريق مستشفي الصدروكيل تعليم قنا يكرم تلميذة لأمانتها فى تسليم70 ألف جنيه لصاحبهافيما أثنى وكيل وزارة التربية والتعليم بـ قنا ، على أعمال التشجير التي تمت بمدرسة السلام الإعدادية بالوقف وكذلك مشاركات واسهامات المكتبة النموذجية بمدرسة الشهيد حسني عبادي التي حصلت على أول المديرية في مسابقة القصة القصيرة والبحوث الثقافية العام الدراسي المنقضى.
كما عنتر، على طلاب وطالبات المرحلة الثانوية بعض الأسئلة في مادة التاريخ للوقوف على المستوى العلمي لهم، وكذلك اختبر طلاب المرحلة الإعدادية في التعبير الشفوي والتحدث بطلاقة باللغتين العربية و الإنجليزية بحرية وجرأة أمام الأكبر سناً وفي المواقف المختلفة.
ووجه وكيل وزارة التربية والتعليم بـ قنا ، بإمداد معلمي المرحلة الثانوية ببرامج تعليمية وفيديوهات من قناة مدرستنا للعرض عبر الشاشات الذكية وتفعيل حصص المشاهدة وعدم الاقتصار على استخدام السبورات بإطارها التقليدى، وكذلك التزام الدقة و الموضوعية والحزم في تسجيل الغياب واتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية تجاه الغياب المتكرر.
وأكد عنتر، ضرورة تفعيل إجراءات الانضباط التعليمي والإداري بالمدارس وتأكد من إنهاء التقييمات المطلوبة، كما كلف أعضاء اللجنة المصاحبة بمراجعة سجلات الحضور و الانصراف والأمن والزيارات و68 وسجلات العهدة و سجلات 5 سلوك و لائحة الانضباط و الوحدة المنتجة و 26 قرائية.