ثانيًا: «الأبعاد التربويَّة والثقافيَّة في تنشئة الطفل».
تداولت وسائل التواصل المُجتمعي، أو الإعلام الإلكتروني، قَبل عدَّة أشْهُر، «مذكّرة داخليَّة» رسميَّة، مُعدَّة من قِبل «رئيس الجامعة» ـ أي جامعة السُّلطان قابوس ـ مُوَجَّهة إلى «عمداء الكُلِّيَّات والعمادات، والمدير العامِّ للمستشفى الجامعي ومديري المراكز والدوائر والمكاتب والمكتبات»، تنوِّه إلى ضرورة القيام بِدَوْرهم في «حماية القِيَم الدينيَّة والأخلاقيَّة والأُسريَّة…»، والتي تأتي كذلك «تنفيذًا لقرارات الاجتماع الثاني والعشرين للجنة أصحاب المعالي والسَّعادة وزراء التعليم العالي والبحث العلمي، بدول مجلس التَّعاون لدول الخليج العربيَّة»، في تأكيد على «مسؤوليَّة الجامعة في الحفاظ على القِيَم الأخلاقيَّة، وإعداد أجيال جامعية تعتز بقِيَمها الدينيَّة والاجتماعيَّة»، وتشدِّد الجامعة في هذه المذكّرة أيضًا على «أهمِّية حماية القِيَم الدينيَّة والأخلاقيَّة والأُسريَّة، ونشر الوعي لدى الأجيال الجامعيَّة حَوْلَ الالتزام بالقِيَم الإنسانيَّة النبيلة، وبيان إجماع الشرائع كافَّة على حرمة الشذوذ الجنسي أو المثليَّة الجنسيَّة، والتأكيد على مقاصد الشريعة في حفظ الدِّين والنَّفْس والعقل الَبَشري…».
ولكَيْ تتحقَّقَ هذه المِثل والغايات العظيمة واقعًا وتطبيقًا وممارسة تظهر بجلاء على أخلاق الإنسان وتُعمِّق وعْيَه بحقيقة الأشياء، وتُعظِّم دَوْره في حماية مُجتمعه من الانزلاقات والوقوع في شراك الرذائل، وفخاخ كُلِّ سلوك وعمل مقيت وبغيض وغير سوي وغير طبيعي تُحرِّمه الشرائع والرسالات السماويَّة ويستهجنه الذَّوق الإنساني السَّليم… فيجِبُ غرس تلك القِيَم والمبادئ على أساسات تعتمد «الأبعاد التربويَّة والثقافيَّة» السليمة، بدءًا من التنشئة الأولى للطفل مرورًا بأدوار حياته في درجات ومستويات التعليم المختلفة؛ أي لحظة الاستيعاب الأولى لِمَا لَها من تأثير ونتائج طويلة الأمد، وهو ما تنبَّه له مجلس الشورى مبكِّرًا، فأولى عنايته واهتمامه بملف التربية، مستوعبًا الدَّوْر الحقيقي للثقافة في تعزيز الوعي وتعميق الحسِّ بالمسؤوليَّة وتأثيراتها الإيجابيَّة أو السَّلبيَّة في تنشئة الطفل، وحمايته من المخاطر الجسيمة والعديدة التي تنتظره في ظلِّ الثورات التقنيَّة وقِيَم العولمة وانفتاح العالَم على بعضه، وتداخل الثقافات والأفكار وتشابكاتها والطفرات المتسارعة التي تشهدها برامج وتقنيَّات وشبكات التواصل المُجتمعي والإعلام الإلكتروني والإنترنت والتلفزة، ومحتوى الألعاب المُدمِّرة المُوَجَّهة إلى
الطفل والتي تستهدف عقله وثقافته وتُوَجِّهه إلى الغايات والمقاصد التي يرسمها مُصمِّموها، والتي تمَّ تناولها والحديث عَنْها والتنبُّه من مخاطرها بالتفصيل المُملِّ، وأخيرًا انشغال الأبوَيْنِ بأعمالهما في ظلِّ التحاق الجنسَيْنِ بالوظائف الحكوميَّة والخاصَّة والأعمال والمشاريع الترفيهيَّة، والانغماس في حياة الرخاء والازدهار… لقَدْ تنبَّه مجلس الشورى إلى الخطر القادم، وذلك قَبل أكثر من ثلاثة عقود من الآن، ما زالت فيه هذه الطفرات والتحوُّلات والتبدُّلات التي طرأت على حياتنا في عالَم المجهول آنذاك، وقَبل بروز وانتشار وتغلغل الكثير من الآفات والكوارث التي بدأت تغزو مُجتمعاتنا، وتُهدِّد مستقبل أطفالنا، وتُنذر بويلات تنتظرها الحضارة الإنسانيَّة تدمِّر الأُسر، وتقتل القِيَم وبذور الخير في البَشَريَّة إذا لَمْ نتصدَّ لَها بكُلِّ قوَّة وعزْمٍ وإرادة وإيمان راسخ، مِثل التهتُّك الخُلُقي والميوعة والتعصُّب الأعمى، والمخدِّرات التي تفتك بعقل وروح وحياة النَّاس، والدعارة المعلنة دُونَ خجَلٍ والتي دخلت كنشاط تجاري مباحٍ في العديد من الدوَل والمُجتمعات، والشذوذ الجنسي الذي تشرع من أجْله اليوم كذلك الحكومات الغربيَّة دُونَ حياءٍ وأدَب، وتُروِّج له وسائل وبرامج التواصل وشبكاته الواسعة، وكأنَّه أصبح عملًا عاديًّا وممارسة إنسانيَّة طبيعيَّة، فإلى أين سيقودنا هذا السخف؟ لقَدْ قدَّم مجلس الشورى، في مايو 1992م، دراسة رصينة متكاملة، بعنوان «الأبعاد التربويَّة والثقافيَّة في تنشئة الطفل»، أُعدَّت على أُسُس ومنهج علمي، آخذة في الاعتبار مؤشِّرات الواقع في العام الذي أنجزت فيه، وقراءات وتنبؤات المستقبل وتطوراته، واستندت إلى لقاءات ومقابلات وزيارات لعددٍ كبير من خبراء التربية والتعليم والمسؤولين وأولياء الأمور وعلى نقاشات عميقة أدارها أعضاء اللجنة المختصَّة والمجلس فيما بعد. لقَدْ تناولت الدراسة «مضمون الرسالة التربويَّة السَّليمة، وأدوار الجهات المشاركة في هذه العمليَّة، والسِّياسات العامَّة المطبقة في مجال رعاية الطفولة، وأوضاع الوسائط والقنوات التي تتولى توصيل الرسالة التربويَّة والثقافيَّة للطفل بدءًا بالأُسرة والوسط الاجتماعي المحيط بها، مرورًا بِدَوْر الحضانة ورياض الأطفال وبيوت نُموِّ الطفل والجمعيَّات النسويَّة والمساجد والمدارس، وانتهاء بوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيَّة… كما راجعت الدراسة التشريعات السَّارية» في تلك المرحلة «المتعلقة بالأمومة والطفولة، التي تنظِّم الوسائط والقنوات الناقلة للرسالة التربويَّة والثقافيَّة للطفل العُماني، وقدَّمت توصيات في مختلف مجالات رعاية الطفولة، والارتقاء بأدوار وأنظمة القنوات والجهات المعنيَّة بتنشئة الطفل…». وطالبت الدراسة في جملة من التوصيات المهمَّة جدًّا، بالتنسيق والتَّعاون بَيْنَ مؤسَّسات التعليم والإعلام والثقافة والشؤون الدينيَّة… وضرورة تخصيص وتنظيم وإعداد وصياغة برامج ومناهج وحلقات وفعاليَّات مدروسة ومُوَجَّهة، لتحقيق التنشئة السليمة، وذلك على مختلف المستويات بما في ذلك مدارس القرآن الكريم وتحفيظه وتجويده لتهذيب الطفل، وتعزيز وعْيِه وغرس الأساسات الأخلاقيَّة والدينيَّة في سلوكه وتعامله، وتعويده على ممارسة الشعائر الدينيَّة، وتنشئته على القِيَم والمُثل السَّامية التي كان عليها السَّلف الصالح والقدوات والنماذج المعروفة بفعل الخير وخدمة المُجتمع وسَعة العِلْم وبُعد النظر والقدرة على التأثير الإيجابي… فهل نحتاج اليوم في ظلِّ انتشار الآفات التي أشار لها المقال إلى العودة من جديد إلى دراسة المجلس حَوْلَ «الأبعاد التربويَّة والثقافيَّة في تنشئة الطفل»، وغيرها من الدراسات المشابهة التي أعدَّها وأقرَّها ورفعَها في فتراته الأولى من العمل؟ أم أنَّ لدَيْنا خيارات وحلولًا وجهودًا ومبادرات حديثة لدرء الخطر القادم وحماية المُجتمع ممَّا يتدفق إلَيْنا من قذارات تستهدف قِيَمنا الأصيلة؟ هذا ما نتمنَّاه ونتطلَّع إليه، فالأخلاق الإنسانيَّة هي أساس الحضارة والتقدُّم والاستمرار، هي المستقبل الحقيقي لرفعة المُجتمعات وتحقيق ازدهارها.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
مجلس الشورى
ة والثقافی
الق ی م
إقرأ أيضاً:
إطلاق دراسات عليا متخصصة في الإعاقة البصرية.. تفاصيل
وقع صندوق "عطاء" بروتوكول تعاون مع مؤسسة بصيرة لتنفيذ أولى دبلومات الدراسات العليا المتخصصة في الإعاقة البصرية في مصر والمقدمة من جامعة النيل الأهلية، بمناهج وإشراف دولي من جامعة وسترن مشيجان الأمريكية.
وقامت بتوقيع البروتوكول أميرة الرفاعي المدير التنفيذي لصندوق عطاء ودعاء مبروك المدير التنفيذي لمؤسسة بصيرة.
وتهدف الدبلومات تخريج كوادر ذات قدرة مهنية احترافية عالية ومتخصصين في تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية على المستويين التعليمي والاجتماعي محترفين ومؤهلين للتعامل مع أشخاص لديهم إعاقات بصرية ومساعدتهم علي الاعتماد علي أنفسهم بطرق احترافية تؤدي إلي دمجهم في المجتمع والحصول على حقوقهم في الاستقلالية، وذلك من خلال استحداث دبلومتين معتمدتين هما دبلومة اخصائي ضعف بصر ودبلومة اخصائي التوجه والحركة والتنقل، وهذه الدبلومات تعتمد على مناهج دولية تم تكييفها لتناسب البيئة المصرية يتم تدريسها باللغة الإنجليزية والعربية.
وتعتبر دبلومات الدراسات العليا المتخصصة في الإعاقة البصرية خطوة مهمة نحو التطبيق العملي فى إطار أهداف الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتحول نموذجي في مستقبلهم.
وتتميز الدبلومة بالتدريب الميداني المكثف والإلزامي الذي يعد شرطا أساسيا للحصول على الشهادة في واحد أو أكثر من الأماكن التالية مؤسسة بصيرة أو جمعيات ومدارس المكفوفين أو المدارس الدامجة للطلبة من ذوي الإعاقة البصرية، وغيرها من الأماكن ذات الصلة.
ويتيح البروتوكول الفرصة لعدد كبير من الفئات المختلفة للاستفادة من الدبلومات من العاملين في الوزارات ومعلمي المدارس وجمعيات المكفوفين مما يساعد علي تحقيق هدف المشروع، وسيكون خريجو الدبلومات مؤهلين للتقدم لاختبارات أكاديمية الاعتماد الدولي بالولايات المتحدة الامريكية، وهي الجهة الدولية الوحيدة المتخصصة في اختبار ومنح رخصة عالمية معتمدة لأخصائي الإعاقة البصرية، كما سيتم توفير منح مدعمة من صندوق عطاء ولمزيد من المعلومات عن الدبلومات يمكن التواصل من خلال كلية التعليم المستمر بجامعة النيل على 01015000820 أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected].
يذكر أن صندوق عطاء أول صندوق استثمار خيرى لدعم ذوى الإعاقة يهدف إلى إحداث تغيير فعال ومؤثر في نوعية حياة الأشخاص ذوي الإعاقة ليمكنهم من العيش باستقلالية والوصول إلى كامل حقوقهم في جميع مناحي الحياة والحصول على الفرص المتساوية مع أقرانهم من غير ذوي الإعاقة.
ويتميز الصندوق بضمان التمويل المستمر، حيث لا يتم الصرف من أصل الأموال المستثمرة بل من العوائد الناتجة عنها، كما يتم تخصيص هذه العوائد لجهات عديدة ومشروعات ومجالات ومناطق وإعاقات مختلفة لضمان تحقيق أعلى عائد على أشخاص ذوي الإعاقة، وللإطلاع على جهود الصندوق يمكن زيارة موقع صندوق عطاء https://ataafund.com
كما تعد مؤسسة بصيرة منظمة مصرية غير هادفة للربح تتميز بتوجهها للتنمية المتكاملة بدءا من الدعم الطبي والتوعية مرورا بخدمات إعادة التأهيل للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، مثل التدخل المبكر والتعليم والتأهيل الاجتماعي والدعم الفني، بالإضافة إلي التدريب المتخصص للمجتمع المحيط بهم وزيادة الوعي العام عن ضعف البصر وكيفية التعامل معه وعمل مسوحات وقوافل طبية بالمدارس والقرى الأكثر احتياجا وتوفير التدخلات الطبية اللازمة.