إن نضال تونس للتخفيف من النقص الواسع النطاق في الخبز يهدد بتآكل شعبية رئيسها الاستبدادي، وإثارة اضطرابات اجتماعية، وتأخير صرف الأموال اللازمة من صندوق النقد الدولي.

هكذا يخلص تحليل موقع "ستراتفور" الأمريكي، وترجمه "الخليج الجديد"، تعليقا على إعلان السلطات التونسية في 19 أغسطس/آب، أنها ستعيد إمداد المخابز الخاصة بالدقيق بعد حجب الإمدادات لمدة أسبوعين، في محاولة لتخفيف الإضراب الذي يعقد النقص المستمر في الخبز في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

وجاء الإعلان بعد عدة أيام من اعتقال السلطات رئيس نقابة المخابز محمد بوعنان، في 16 أغسطس/آب بتهمة "الاحتكار والمضاربة على المواد الغذائية المدعومة"، في محاولة واضحة لاستخدام رئيس النقابة ككبش فداء لنقص الخبز على نطاق واسع في البلاد.

وفي مطلع أغسطس/آب، أقال الرئيس قيس سعيّد أيضًا، رئيسة الوزراء نجلاء بودن، وعين مكانها أحمد حشاني، المدير التنفيذي السابق للبنك المركزي.

وفي حين أن المكتب الرئاسي لم يقدم أي سبب رسمي لهذا التغيير، إلا أن المراقبين يشككون على نطاق واسع في أن هذه الخطوة كانت تهدف بالمثل إلى تجنب الانتقادات الموجهة ضد فشل الحكومة في تخفيف الأزمة الاقتصادية في البلاد، باستخدام بودن كـ"كبش فداء".

وفي تونس، تنتج المخابز الخاصة خبزًا أرخص تدعمه الحكومة، بالإضافة إلى الخبز والمعجنات الأكثر تكلفة وغير المدعومة.

اقرأ أيضاً

بعد انفراده بالسلطة.. لا تغيير في سياسة الرئيس التونسي

ولأنها تنتج أيضًا المزيد من المنتجات "التافهة" التي لا يستطيع سوى التونسيين الأكثر ثراءً تحمل تكلفتها، فإن هذه المخابز تدفع أسعارًا أعلى مقابل حصصها اليومية من الدقيق مقارنة بنظيراتها العامة التي تنتج الخبز المدعوم بالكامل فقط.

وفي أواخر يوليو/تموز، قطعت الحكومة إمدادات المخابز الخاصة من دقيق القمح القاسي في محاولة لإجبار المخابز الخاصة على إنتاج المزيد من الخبز المدعوم (الذي يزداد الطلب عليه) بدلاً من الخبز الأكثر تكلفة.

ورداً على ذلك، أطلق الخبازون في القطاع الخاص إضراباً، بحجة أنهم بحاجة إلى الإيرادات الناتجة عن بيع منتجات أكثر تكلفة لتغطية تكاليف الدقيق المتزايدة.

ويسعى سعيّد إلى التنصل من اللوم وسط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد ونقص الغذاء.

وعلى مدى العام الماضي، واجهت تونس نقصاً في الغذاء نتيجة لارتفاع معدلات التضخم (التي وصلت إلى 9.1% في يوليو/تموز)، فضلاً عن نقص المياه والحبوب الناجم عن الجفاف الشديد.

ومن خلال الضغط على هوامشها المالية واحتياطياتها من العملات الأجنبية، تركت التزامات الديون الكبيرة المستحقة على الحكومة تونس غير قادرة على شراء المزيد من الواردات الغذائية لتعويض النقص المحلي.

اقرأ أيضاً

بعد استجابة السلطات التونسية لمطالبهم.. أصحاب المخابز يعلقون احتجاجتهم

واستهدفت الحكومة بقرارها الأخير استئناف إمدادات الدقيق للمخابز الخاصة، تخفيف من إضرابهم الحالي، والذي من شأنه أن يزيد بدوره من توفر المزيد من منتجات الخبز "الفاخرة" للتونسيين الأكثر ثراءً الذين يستطيعون تحمل تكاليفها.

وهذا، إلى جانب جهود سعيّد للعثور على كبش فداء للأزمة الاقتصادية في البلاد، قد يمنع مؤقتًا الضربات التي تتعرض لها شعبية الرئيس.

لكن إجمالي إمدادات الغذاء والخبز في البلاد ستظل محدودة، حيث تكافح حكومة سعيّد التي تعاني من ضائقة مالية لشراء ما يكفي من الدقيق لزيادة إنتاج المخابز، وبالتالي الحفاظ على خطر استمرار النقص الذي قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

ومنذ أشهر، ينفد الخبز من مخابز القطاع العام المدعومة في غضون ساعات من فتحه كل يوم، بسبب نقص الدقيق، فضلاً عن ارتفاع الطلب بين التونسيين الذين يعانون اقتصادياً.

ومنذ أن بدأ إصلاحه للنظام السياسي التونسي في يوليو/تموز 2021، حكم سعيّد إلى حد كبير بموجب مراسيم، مما أضعف سلطة البرلمان المنتخب شعبيا، والمؤسسات الأخرى في البلاد.

ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة "إمرهود" للاستشارات في شمال أفريقيا في يونيو/حزيران، فإن شعبية سعيّد لا تزال مرتفعة نسبيا، على الرغم من جهوده المثيرة للجدل لتعزيز سلطته.

اقرأ أيضاً

بسبب المناخ والجفاف.. تونس تتجه لاستيراد 90% من الحبوب

لكن استطلاعات الرأي لا يمكن الاعتماد عليها في كثير من الأحيان في تونس، حيث تشير الأدلة المتناقلة على أرض الواقع إلى أن التونسيين يشعرون بالإحباط المتزايد إزاء نقص الغذاء وعدم قدرة حكومتهم الواضحة على حل الأزمة.

ووفق التحليل، يؤكد قرار التراجع عن قرار الدقيق المثير للجدل مدى صعوبة تنفيذ الحكومة التونسية لإجراءات التقشف التي طلبها صندوق النقد الدولي، والتي يمكن أن تؤخر صرف الأموال وتؤدي إلى أزمة اقتصادية طويلة الأمد.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، وافق صندوق النقد الدولي على تزويد تونس بقرض بقيمة 1.9 مليار دولار يُصرف على دفعات على مدى 48 شهرًا.

ويُنظر إلى الاتفاقية على نطاق واسع على أنها أساسية لدعم الاقتصاد المتدهور في البلاد وتحسين ثقة المستثمرين في الديون التونسية.

لكن في مارس/آذار، رفض سعيّد علناً الإصلاحات الاقتصادية واسعة النطاق التي طلبها صندوق النقد الدولي.

وفي يونيو/حزيران، قال محافظ البنك المركزي التونسي إن تونس تحاول التوفيق بين إجراءات التقشف الصارمة التي طلبها صندوق النقد الدولي والسعي إلى مجموعة أكثر ليونة من الإصلاحات التي "تأخذ في الاعتبار الفئات الضعيفة" ولا تتطلب خفض الدعم.

اقرأ أيضاً

أزمة تونس الاقتصادية.. الأسباب والتداعيات (إطار)

وستبذل حكومة سعيّد كل ما في وسعها لتجنب تعطيل أسعار الخبز والسلع الأساسية الأخرى.

لكن من دون إيجاد مسار للمضي قدماً بشأن اتفاق صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء أو بعض القروض أو المنح المالية الرئيسية الأخرى، فمن غير المرجح أن تتمكن تونس من تهدئة الأزمة الاقتصادية الحالية، الأمر الذي سيزيد من خطر حدوث المزيد من الإضرابات والاضطرابات الاجتماعية مع تزايد يأس التونسيين.

ويشكل رفع سعر الخبز المدعوم قضية سياسية حساسة بشكل خاص في تونس.

وكانت آخر محاولة للحكومة لزيادة أسعار الخبز قد أثارت أعمال شغب مميتة في عام 1983، الأمر الذي جعل الحكومات اللاحقة مترددة في إعادة التعامل مع هذا الموضوع.

وفي الأشهر الأخيرة، حدثت بعض الاحتجاجات المتفرقة في المدن التونسية يقودها مواطنون غاضبون مستاءون من نقص الغذاء، مما يشير إلى وجود معارضة لا تريد الحكومة تفاقمها.

ويمثل الدعم والأجور العامة حوالي 8% و17.5% من النفقات العامة في تونس، على التوالي.

ونجح الاتحاد العام التونسي للشغل القوي في الضغط من أجل مواصلة زيادة الأجور، كما عارض خفض الدعم الذي قد يؤثر على القطاع التجاري.

اقرأ أيضاً

بلينكن: اقتصاد تونس يسير نحو المجهول

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس مخابز أزمة اقتصادية قيس سعيد أزمة تونس الخبز الدقيق إضراب صندوق النقد الدولی فی البلاد اقرأ أیضا المزید من فی تونس

إقرأ أيضاً:

"الاتحاد الأوروبي في خطر".. السيارات الكهربائية والاقتصاد في قلب المحادثات مع شولتس

أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن الوضع الحالي للاتحاد الأوروبي يعاني من عدم الاستقرار، وقد يتعرض لمشكلات إذا لم يتم تعزيز العلاقات داخل سوقه الموحدة ومعالجة قضية "التجزئة". جاء ذلك في خطاب ألقاه خلال مؤتمر برلين للحوار العالمي، وهذه هي الزيارة الرابعة له إلى ألمانيا هذا العام.

اعلان

استقبل المستشار الألماني أولاف شولتس الرئيس الفرنسي في برلين يوم الأربعاء، حيث أكد شولتس على أهمية وقف إطلاق النار في المنطقة.

من جهته، تعهد ماكرون بدعم إسرائيل عبر تعزيز الوجود العسكري الفرنسي في الشرق الأوسط.

تأتي هذه الزيارة في وقت حرج، حيث يتصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، مما يزيد المخاوف من دخول المنطقة في حرب شاملة.

وفيما يتعلق بالشأن الأوروبي، أشار ماكرون إلى أن عدم اتخاذ الاتحاد الأوروبي خطوات عاجلة لإصلاح القوانين قد يؤدي إلى الحاجة إلى خطة إنقاذ خلال خمس إلى عشر سنوات.

كما أبدى دعمه لخطط الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم جمركية على المركبات الكهربائية المستوردة من الصين.

ورغم أن شولتس لم يتفق مع ماكرون بشكل كامل، إلا أنه أعرب عن قلقه من تأثير هذه الرسوم سلبًا على صناعة السيارات، التي تعد أساسية للاقتصاد الألماني.

ومن خلال هذه الزيارة، يتضح أن أكبر قوتين اقتصاديتين في أوروبا لا تزالان تختلفان في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع الرسوم على السيارات الكهربائية الصينية.

شعار شركة صناعة السيارات الألمانية بي إم دبليو في المقر الرئيسي في ميونيخ بألمانياAP

وقام شولتس بحملة عامة من أجل إجراء حوار مفتوح مع الصين، واكتفى بمجموعة ضغط (لوبي) قوية من شركات صناعة السيارات الألمانية، التي أعربت عن رغبتها في أن تصوت ألمانيا ضد فرض رسوم استيراد إضافية في التصويت المزمع إجراؤه بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في 4 تشرين الأول/أكتوبر.

وقال ماكرون خلال اللقاء، إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إعطاء الأولوية للدفاع والأمن، بالإضافة إلى "تحسين القدرة على الابتكار".

وأشار إلى أن التكتل يواجه مخاطر تتعلق بالتخلف عن القوى العالمية مثل الصين والولايات المتحدة، مما يتطلب اتخاذ خطوات فورية لتعزيز قدراته.

Relatedما هي أكثر الوظائف إرهاقاً في أوروبا؟تقرير: أطفال بريطانيا الأكثر تعاسة بالقياس مع أقرانهم في أوروبا.. ماذا وراء الأرقام الصادمة؟جودة الحياة في سن الشيخوخة: مالطا النموذج الأفضل في أوروبا

أكد ماكرون أن الميزانية الحالية لأوروبا ليست فعالة، مشددًا على ضرورة إحراز مزيد من التقدم في التحول إلى الطاقة الخضراء، محذرًا من أن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى مزيد من الركود الاقتصادي في القارة.

في الوقت نفسه، يواجه شولتس معدلات تأييد ضعيفة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت جهوده لتحقيق إعادة انتخابه ستنجح في الانتخابات الفيدرالية المقررة العام المقبل.

كما نسق الرئيسان القضايا المطروحة في اجتماع المجلس الأوروبي المقبل في منتصف الشهر الحالي، وفقًا لبيان صحفي صادر عن الحكومة.

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية وسائل النقل في أوروبا: السيارات تتصدر والمشي وركوب الدراجات يكتسبان شعبية كير ستارمر يلتقي جورجيا ميلوني في روما لبحث استراتيجيات وقف تدفق المهاجرين بعد برلين.. كير ستارمر يلتقي ماكرون في باريس لبحث تعزيز العلاقات الثنائية الصين الاتحاد الأوروبي ألمانيا إيمانويل ماكرون سيارات كهربائية أولاف شولتس اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحوثيون يعلنون استهداف هدف حيوي في تل أبيب ومعارك ضروس بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في الشمال يعرض الآن Next روسيا تتصدى لـ113 مسيرة أوكرانية وبوتين يفتح باب العفو العام للمحاكمين الراغبين في الانضمام للقتال يعرض الآن Next إعصار "كراثون" يصل تايوان: مقتل شخصين وإجلاء الآلاف في المناطق المتضررة يعرض الآن Next تفاصيل جديدة: خامنئي حذر نصر الله قبل أيام من الاغتيال والأمين العام لحزب الله آثر البقاء في لبنان يعرض الآن Next أوضاع صعبة يعيشها سكان الجنوب الشرقي للولايات المتحدة.. إثر انقطاع الماء والكهرباء، جراء إعصار هيلين اعلانالاكثر قراءة الأردن يعيد مشهد نيسان ويعترض صواريخ إيران وهي بطريقها إلى إسرائيل.. "موقف مبدئي للمملكة"

مقالات مشابهة

  • احتجاجات معارضة لسعيّد قبل يومين من انتخابات الرئاسة التونسية
  • الداخلية: المواطنة التي أشار إليها تصريح الوزير أنهت إجراءات البصمة البيومترية في مطار الكويت ودخلت البلاد
  • رويترز: مصر تخطط لخفض كبير في واردات القمح
  • لماذا رفعت الحكومة المصرية مبلغ شراء القمح من المزارعين لأعلى سعر في تاريخ البلاد؟
  • جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية علي المخابز والأسواق بالمنصوره وطلخا
  • جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية على المخابز والأسواق والمنافذ لمتابعة توافر الخبز والسلع وإعلان الأسعار
  • "الاتحاد الأوروبي في خطر".. السيارات الكهربائية والاقتصاد في قلب المحادثات مع شولتس
  • ضبط 124 مخالفة تموينية خلال حملة تفتيشية على المخابز والأسواق بملوي
  • محافظ المنيا: ضبط 124 مخالفة تموينية خلال حملة رقابية على المخابز والأسواق
  • وزير البيئة اللبناني: مصر من أولى الدول التي سارعت لدعم البلاد