مبنى زجاجي يتوسطه شكل هرمي.. يقف شامخًا كأنّه طائر أسطوري بُعث من جديد، يدهشك كلما اقتربت منه وكأنّك في سفينة محملة بكل ما طاب، تدخل من بوابته فتخالها كأنّها صنعت لعمالقة، وعن يمينك ويسارك يستقبلك ملوك وملكات ملأوا الدنيا ضجيجًا وعاشوا بفخر، فهذا تمثال رمسيس الثاني، السيد بلا منازع، يقف رافعًا رأسه ناظرًا إلى الخلود قابضًا على مكانة لا يمكن أن تهتز، وبوجه تعلوه ابتسامة كأنّه يرحب بالقادمين نحوه والعابرين جواره، وحولك تماثيل من حقب شاهدة على تاريخ ملوك ودروب حفروها؛ خلدتهم ووضعتهم على صفحة التاريخ، هنا المتحف المصري الكبير الذي يقع بالقرب من أهرمات الجيزة.

 

ذلك الصرح الكبير الذي بُني على مساحة 491 ألف متر مربع؛ شُيد ليكون أكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة، ليستوعب 5 ملايين زائر سنويًا، مع عبور بوابته العملاقة وحينما تسير قليلًا بين ممرات حتى يأخذك الذهول إلى مبنى تعلوه لافتة «مركز ترميم الآثار»، تعبر بوابته وتجد خلية عمل منتظمة، كل شيء يعمل في صمت.. التحرك في صمت.. التعامل مع القطع في صمت.. حتى المناقشات بين فريق العمل لا تكاد تسمع لها صوت.

على مساحة شاسعة شيد مركز ترميم الآثار بالمتحف المصري الكبير، تسير في بداخله في خط مستقيم، وتتراص على جانبيه معامل الترميم المختلفة، فكل منهم مخصص لترميم نوع معين من الآثار الفرعونية القديمة، فهذا معمل الأخشاب ويتمّ بداخله ترميم التوابيت وغيرها من الآثار الخشبية، وقد شهد هذا المعمل ترميم الكثير من كنوز الملك توت عنخ آمون، ومعمل الأحجار وفيه ترمم وكل الآثار المصنوعة من الحجر، وآخر للآثار العضوية ويتولى ترميم الآثار العضوية من بينها البردي والنسيج والمواد التي تحتاج إلى تعامل دقيقة بطريقة خاصة، وغيرهم من المعامل التي المتخصصة.

مركز الترميم يضم 19 معملًا متخصصة

19 معملاً متخصصة في مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير، ما بين معامل أخشاب وحلي وآثار عضوية وآثار ثقيلة وغيرها من المعامل المجهزة بأحدث أجهزة الصيانة والترميم والأشعة الرقمية، تضم بين جنباتها جيشًا من المرممين المهرة نجحوا بأناملهم الذهبية في إعادة الحياة للآلاف من القطع الأثرية التي شقت طريقها بالفعل نحو قاعات العرض المتحفي للمتحف المصري الكبير، في انتظار الافتتاح المبهر للمتحف الذي ينتظره العالم كله منذ إعلان فكرته.

المتحف المصري الكبير تأسس ليكون متحفًا وطنيًا للحضارة المصرية

وسط العمل الجاد بالمتحف، التقت «الوطن»، بالدكتور حسين كمال، مدير عام مركز الترميم  بالمتحف المصري الكبير، ليروي كواليس ترميم القطع الأثرية للقطع التي ستعرض جهود الجنود المجهولة المشاركين في القطع الأثرية، يقول إنَّ فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير تعود إلى سنة 1998، وكان الهدف منها أن يكون المتحف الوطني لمصر، وخاصة في ظل امتلاء المتحف في ميدان التحرير بالقطع الأثرية، فجاءت فكرة إنشاء متحف وطني للحضارة المصرية القديمة، في شكل يليق بقيمة وعظمة التاريخ المصري القديم، وكان مركز الترميم هو الخطوة الثانية في الإنشاء، وبعده تشيد المتحف نفسه، «السر في إن يكون انشاء  مركز الترميم قبل المتحف نفسه، عشان المركز يشتغل على القطع الأثرية اللي هتعرض، لما يخلص المتحف نفسه تكون القطع اترممت وأصبحت جاهزة للعرض».

مركز الترميم من أهدافه الحفاظ على التراث الثقافي في منطقة الشرق الأوسط

في عام 2010، شُيد مركز الترميم على مساحة 32 ألف متر مربع، والرغبة في إنشائه لم تكن منصبة على استقبال القطع الأثرية من المخازن والمتاحف الأخرى، وترميمها لعرضها في المتحف المصري الكبير فقط، «هدفه كمان أنه يكون مركز ترميم إقليمي للحفاظ على التراث الثقافي في منطقة الشرق الأوسط بأكملها»، لذلك تمّ تجهيز المركز بأحد المعدات والأدوات العالمية اللازمة لعمليات الترميم».

المرممين من حاملي درجة الماجستير والدكتوراه

والاهتمام لم يكن على مستوى التجهيزات فقط، بل كان الاهتمام منصبًا على العناصر التي تؤدي تلك المهمة، إذ تخرج جميعهم من كليات الآثار قسم ترميم، ومنهم باحثين للماجستير والدكتوراه، كما تمّ منحهم تدريبات استمرت لسنوات مع جهات وهيئات دولية كبري لرفع كفاءتهم ومهارتهم من بينها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي «چايكا»، وغيرها من الجهات الدولية التي لديها خبرات كبيرة في مجال ترميم الآثار، فعمل المرممين لم يقتصر على الترميم فقط بل تصل مهامهم لنقل الآثار وتثبيتها بالقاعات، وترقيم وتوثيق الآثار ومتابعة الصيانة الوقائية للقطع ومتابعة الحرارة والرطوبة لكل قطعة بعد وضعها في قاعات العرض.

عمل على قدم وساق استمر لسنوات لفريق الترميم، تمكّنوا فيه من إنجاز مهمة كبيرة بالعمل على القطع الأثرية لتصبح جاهزة للعرض في المتحف، «استطعنا إننا نرمم 57 ألف قطعة أثرية حتى الآن، من ضمنها كامل المجموعة المختارة للعرض بالمتحف».

مراحل عدة تمر بها عملية الترميم القطع الأثرية، تبدأ حتى قبل أن تصل تلك القطع إلى المتحف نفسه، فالبداية تكون قبل نقل الأثر إلى المتحف، إذ تتواجد لجنة لتقييم القطع الأثرية والقيام بعملية التغليف للحفاظ عليها وبدء عملية النقل للمتحف، «بتوصل المتحف في منطقة التجهيز، ويتمّ عمل فحص للقطع الأثرية وتوثيق الحالة اللي وصلت عليها من فريق مكون من مجموعة خاصة بالصيانة الوقائية، واللي بيحددوا أي إصابات حشرية أو مكروبيولوجية، قبل دخولها لمعامل الترميم»، ففي حالة الإصابة يتمّ إجراء حجر للقطعة الأثرية ومعالجتها بالتبخير بالنيتروجين.

مراحل ترميم القطع الأثرية

3 مبادئ يعتمد عليها فريق الترميم قبل البدء في ترميم أي قطعة أثرية، الأولى: الضرورة التي تستدعي التدخل، فلابد من تحديد حالة القطعة الأثرية والأسباب التي تستدعي التدخل، وثانيًا: طريقة التدخل ويكون من خلال اختيار أفضل وسيلة يتمّ من خلالها ترميم القطعة الأثرية، وأخيرًا: ألا يغير هذا التدخل من مظهر أو طبيعة القطعة الاثرية، كي لا يفقدها أصالتها أو يغير من قيمها سواء الأثرية او التاريخية أو الفنية.

لأول مرة.. عرض كل القطع التي عُثر عليها في مقبرة توت عنخ آمون كاملة

آثار عدة يحويها المتحف المصري الكبير، يحكي عنها مدير عام مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير، من بينها «قاعة الملك توت» والتي تضم لأول مرة كل القطع التي عُثر عليها في مقبرة توت عنخ آمون، والتي تعرض لأول مرة مجتمعة منذ اكتشافها سنة 1922، إذ كانت موزعة على أماكن عدة، «الزائر سيشعر وهو في قاعة العرض أنه يكتشف المقبرة من جديد، لأنّها صممت بطريقة عرض جذابة وشيقة».

من بين القطع الأثرية المميزة التي ستعرض في المتحف أيضًا «الدرج العظيم»، وتتلخص فكرته في إعداد سلم صاعد، يقود إلى قاعات العرض بالمتحف، ويحتوي تماثيل للملوك الفراعنة في استقبال الزائرين وقطعًا من الآثار المصرية القديمة، تعبّر عن مراحل التاريخ المصري القديم، سواء مرحلة الدولة القديمة، أو الدولة الوسطى، أو الدولة الحديثة وغيرها، ويمتد الدرج العظيم لمسافة 64 مترًا، ويرتفع 24 مترًا، وعرضه 85 مترًا، في الأسفل، و17 مترًا في الأعلى، ومن القطع التي يضمها الدرج العظيم، تمثال لرأس «بسماتيك الأول»، وتمثال «الملك رمسيس الثاني» الضخم، وتمثال للملك «سنوسرت»، الدرج العظيم يتميز بموقعه المتميز، وهو أول مستقبل لزوار المتحف.

ومن بين الآثار التي ستعرض في المتحف المصري الكبير، المسلة قادمة من «صان الحجر» والتي تمّ ترميمها بأسلوب علمي حديث ، بالإضافة إلى تمثال رمسيس الثاني، هو أول ما تراه عين الزائر عند دخول المتحف هذا التمثال الضخم الفريد، التمثال منحوت من الجرانيت الوردي ويزن 83 طنًا بارتفاع نحو 12 مترًا، ويعود إلى 3200 عام.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المتحف المصري الكبير الأثار المصرية الأثار الفرعونية الحضارة المصرية القديمة بالمتحف المصری الکبیر المتحف المصری الکبیر القطع الأثریة ترمیم الآثار مرکز الترمیم فی المتحف المتحف ا من بین

إقرأ أيضاً:

"السياحة والآثار" تنظم جولات سياحية لفرق ملتقى أولادنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 نظمت وزارة السياحة والآثار، للفرق المشاركة في ملتقى أولادنا، جولات سياحية بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، ومنطقة أهرامات الجيزة، وذلك من خلال التعاون بين الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي وكل من المجلس الأعلى للآثار وهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية.

ويأتي ذلك في إطار رعاية وزارة السياحة والآثار للملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة (أولادنا) بالدمج مع مهرجان الفنون والفلكلور الأفروصيني في دورته الثامنة،

وخلال جولاتهم السياحية، قامت هذه الفرق بتقديم مجموعة متنوعة من الفقرات والعروض الفنية المختلفة لهم، كما حرصوا على التقاط الصور التذكارية لهم، كما أعربوا عن انبهارهم بما شاهدوه من مقتنيات أثرية متميزة، ومدى عراقة الحضارة المصرية القديمة، وسعادتهم بتواجدهم وتقديم عروضهم الفنية داخل هذه المعالم الأثرية والسياحية المتميزة.

وبالمتحف القومي للحضارة المصرية، كان في استقبالهم الدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف، وفيروز فكري نائب الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف للإدارة والتشغيل، كما قاموا بجولة داخل قاعات المتحف المختلفة تعرفوا خلالها على ما تعرضه من كنوز أثرية، وإبداعات الحضارة المصرية في مختلف الفنون، وقد شارك في هذه الجولة فرق كل من المملكة المغربية، وإسبانيا، وكولومبيا، وروسيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وزيمبابوي.

وخلال الجولة بمنطقة أهرامات الجيزة، زارت الفرق الهرم الأكبر ومنطقتي البانوراما وتمثال أبو الهول، وشارك في هذه الجولة فرق دول كل من " جمهورية الصين الشعبية، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والمكسيك، وإسبانيا، وكولومبيا، والمملكة المغربية، وسلطنة عمان، وسريلانكا، وزيمبابوي، والكاميرون، وليبيا".

وتأتي استضافت المتحف ومنطقة أهرامات الجيزة لهذه الفرق في إطار حرص الوزارة الدائم على دعم وتنمية قدرات أولادنا من ذوي الهمم وإدماجهم في المجتمع، بما يمتلكونه من مواهب متميزة في مجالات الثقافة والفنون، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم وإتاحة وتيسير زيارتهم داخل المتحف والمناطق الأثرية، وتقديم العديد من الورش والأنشطة التعليمية والفنية لأبناء المجتمع من ذوي الهمم وتشجيعهم للتعرف على الحضارة المصرية. 

تجدر الإشارة إلى أن يمنى البحار نائب وزير السياحة والآثار، كانت قد شاركت في حضور حفل افتتاح الدورة الثامنة للملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة (أولادنا) بالدمج مع مهرجان الفنون والفلكلور الأفروصيني، الذي افتتحه الدكتور أحمد فؤاد هَنو وزير الثقافة، بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.

وقد نظم الملتقى مؤسسة أولادنا لفنون ذوي القدرات الخاصة برئاسة سهير عبد القادر مؤسسة ورئيس الملتقى، وأُقيمت فعالياته هذا العام تحت شعار "بكرة أحلى بينا".

مقالات مشابهة

  • "معالم الفيوم الأثرية والسياحية" ندوة لإدارة الوعي الأثري.. صور
  • مجلة أمريكية: التماثيل القديمة التي أعيدت مؤخرا إلى اليمن أصبحت الآن معارة لمتحف في نيويورك (ترجمة خاصة)
  • الانتهاء من ترميم وصيانة وتشطيب العقارات المتضررة من حريق ستديو الأهرام
  • بالتعاون مع اليونسكو… المتحف المصري بالتحرير يفتتح معرضًا للتراث المصري غير المادي
  • افتتاح معرض مؤقت عن التراث غير المادي بالمتحف المصري
  • افتتاح معرض مؤقت عن التراث غير المادي بالمتحف المصري بالتحرير -تفاصيل
  • رجل يكتشف مقبرة آثار في "حوش" منزله
  • أسعار صادمة لحفل أنغام في المتحف المصري الكبير
  • "السياحة والآثار" تنظم جولات سياحية لفرق ملتقى أولادنا
  • المتاحف الأثرية تنظم عددًا من الندوات للوعي الأثري