حليف روسيا الأهم.. كيف تحول تواديرا رئيس أفريقيا الوسطى من مدرس رياضيات إلى سياسي مخيف؟
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
واثق الخطى، ظهر رئيس(1) جمهورية أفريقيا الوسطى "فوستين أرشانج تواديرا" في فناء مدرسة بوغندا الثانوية في العاصمة بانغي، خلال مشاركته -يوم 30 يوليو/ تموز المنصرم- منتخِبا في استفتاء دستوري متنازع عليه يهدف للسماح له بتمديد فترة حكمه. أظهرت اللقطات الإعلامية تواديرا قبل أن يذهب لوضع ورقته داخل صندوق الاقتراع مبتسما يتبادل السلام مع الناخبين، ومن حوله حراسه من الروس والروانديين.
لأقصى حد كان تواديرا يتوقع أن تُرضي نتائج هذا الاستفتاء "غروره السياسي" فضلا عن طموحاته للبقاء في السلطة، وبالفعل حصل الرئيس الذي حوّل نفسه خلال 7 سنوات فقط من تكنوقراطي خجول إلى رئيس دولة قوي على نتائج مؤيدة بأغلبية ساحقة للتعديل الدستوري الجديد، وهو ما وجّه ضربة قاسية للمعارضة الداخلية التي رأت في هذا التعديل مزيدا من التعطيل للحياة الديمقراطية في بلد يُعَد من أكثر دول العالم اضطرابا.
وبينما نظر الغرب أيضا بارتياب إلى هذه الخطوة، كان الدب الروسي، الذي جعل قبضة مجموعة المرتزقة "فاغنر" تمتد لأعلى مجالات السلطة في جمهورية أفريقيا الوسطى، يشعر بنشوة الانتصار ذاتها التي شعر به تواديرا، إذ ضَمِن الكرملين بهذا التعديل الدستوري بقاء رئيس لن يجد أكثر ولاءً منه في القارة السمراء.
ضباط روس من مجموعة فاغنر يسيرون أمام رئيس أفريقيا الوسطى "فوستين آركانج تواديرا" كجزء من نظام الأمن الرئاسي. (رويترز) أستاذ الرياضيات الذي أصبح رئيس دولةخلال سنوات عمره الأولى، عُرف "فوستين"(2)، الذي وُلد عام 1957 في مدينة دامارا الواقعة في شمال بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى، طفلا منضبطا داخل مقاعد المدرسة والكنيسة أيضا، لاحظ أبوه الذي يعمل مزارعا، وأمه ربة المنزل، أنه الألمع بين أشقائه العشرة، لكونه يمتلك قدرات حسابية مميزة عنهم، حتى أقرانه في الحي لحظوا أثناء لعبه "الداما" أنه الأفضل بينهم.
داخل الوطن، أتم تواديرا دراسته الجامعية الأولى، ثم سافر إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة ليل للعلوم والتكنولوجيا في عام 1986، ولم يكتفِ بهذه الدرجة، فعاود الحصول على درجة الدكتوراه الثانية في الرياضيات من جامعة ياوندي في الكاميرون عام 2004. وبالعودة إلى الوطن، تدرج البروفيسور(3) تواديرا في السلم الوظيفي حتى أصبح مديرا لكلية تدريب المعلمين عام 1992، وفي عام 2004 أصبح نائب رئيس جامعة بانغي، ليشغل فيما بعد منصب رئيس الجامعة، وذلك بين عامَي 2005 و2008.
بحلول العام 2008، بدأ المحاضر الجامعي الحصيف مشواره السياسي عندما عُيّن رئيسا لوزراء جمهورية أفريقيا الوسطى من قبل الرئيس فرانسوا بوزيزي، الذي أراد الخروج من الأزمة الاجتماعية التي هزت البلاد آنذاك، وظل تواديرا، وهو أب لثلاثة أبناء ولديه زوجتان(4)، في هذا المنصب حتى أوائل عام 2013 عندما انزلقت البلاد في أتون حرب أهلية وسقطت العاصمة بانغي، لينتهي الأمر بإقالة رئيس الوزراء وانتقاله إلى فرنسا بناء على اتفاق سلام أُبرم بين بوزيزي ومتمردي سيليكا -تحالف من الجماعات المسلحة ذات الأغلبية المسلمة من شمال البلاد- والذي تطلب تعيين رئيس وزراء جديد من المعارضة.
لم يطل مكث تواديرا في فرنسا، حيث عاد بعد عام واحد فقط إلى الوطن إثر تدخل فرنسا عسكريا في أفريقيا الوسطى ضمن العملية "سانغاريس" (Sangaris) وتأسيس عملية انتقال سياسي دعمته الأمم المتحدة وتُوّج بإقامة انتخابات ديمقراطية في البلاد التي اعتادت أن تشهد انقلابات وحركات تمرد مزمنة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960.
ميشيل أم نوندوكرو دجوتوديا (يسار)، زعيم تحالف متمردي سيليكا في جمهورية أفريقيا الوسطى، يصافح رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزي (يمين) خلال محادثات السلام مع وفود تمثل الحكومة ومتمردي المعارضة 11 يناير 2013. (رويترز)وعلى حين غِرّة، عاد تواديرا مرة أخرى إلى السلطة عام 2016، وكان أول زعيم منتخب ديمقراطي في جمهورية أفريقيا الوسطى، وفي الفترة القصيرة التي أعقبت هذه الانتخابات عاشت البلاد(6) "شهر عسل" اكتسب خلاله تواديرا دعما شعبيا على اعتبار أنه سياسي محنك وقادر على النجاة بالبلاد من اضطرابها، وتفاءل داعموه بأن البلد، الذي يعيش 71%(7) من سكانه على أقل من 1.90 دولار في اليوم حسب تقديرات الأمم المتحدة، على مشارف النجاة من الصراع المتواصل على السلطة والصراع الديني بين المسيحيين والمسلمين.
بيد أنه مع بداية العام 2018، عاد اندلاع العنف وتصاعد حتى مَنَع حكومة تواديرا من ممارسة أي سلطة على المناطق خارج بانغي، حيث سيطرت الجماعات المسلحة على نحو 80% من البلاد، إلى جانب سيطرتها على الموارد الثمينة مثل الذهب والألماس، فيما كان قد نزح ما يقرب من 700 ألف مدني بسبب القتال مع بداية العام نفسه، أي ضعف العدد الذي كان عليه قبل أكثر من عام بقليل.
حاول تواديرا خلق هدوء نسبي في البلاد، وبالفعل تمخض عن جهوده إبرام اتفاق(8) في الخرطوم عام 2019 مع 14 جماعة مسلحة، ودمج قادتها وكوادرها في الحكومة أو الإدارة، مقابل دعمها ونزع سلاح ميليشياتها، وفي العام 2021 تمكن من جديد من الفوز في الانتخابات بنسبة 53.16% من الأصوات، حيث لم يتمكن العديد من الناخبين من الإدلاء بأصواتهم في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
مع ذلك، ظل تواديرا طيلة هذا الوقت يعتبر من قبل(9) معارضيه رئيسا لـ"حكومة مفترسة" تعج بالفساد وتُطيل أمد أزمات البلاد وتجلب العديد من "الذئاب إلى الحظيرة"، على اعتبار أن تواديرا يحاط بمجموعة من أمراء الحرب الموالين للروس عسكريا واقتصاديا.
رئيس أفريقيا الوسطى "فوستين آركانج تواديرا" يتسلم وسام الماجستير الأكبر من وسام الاستحقاق الوطني خلال حفل تنصيبه لولايته الثانية 2021. (رويترز)تواديرا.. رئيس "مدى الحياة"
في يوم 30 من يوليو/تموز المنصرم، كانت(10) رئيسة المحكمة العليا السابقة "دانييل دارلان" -وهي أول امرأة تشغل هذا المنصب في جمهورية أفريقيا الوسطى- تجلس في منزلها الذي يحرسه العشرات من قوات حفظ السلام الموريتانية، عندما تلقت للتو خبر انتهاء التصويت(11) على استفتاء التعديلات الدستورية التي تسمح لتواديرا بالترشح عدة مرات كما يشاء بدلا من التنحي عندما تنتهي فترة ولايته الثانية في العام 2025.
بالنسبة إلى دارلان، كانت نتيجة التصويت، التي أقرت التعديلات بنسبة 95.27%، أمرا مفروغا منه، فهي منذ أن أطيح بها من منصبها بموجب مرسوم رئاسي صادر في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 موقنة بأن الرئيس تواديرا مُصرّ على فتح الطريق للاستفتاء حول إعادة كتابة الدستور، وأنه لم يستسلم لرفضها -وهي في منصبها- السماح بإجراء الاستفتاء على أساس أن مراجعة القانون الأساسي "لا يمكن إجراؤها إلا بعد إنشاء مجلس الشيوخ" الذي لم يتم تشكيله قط.
مع ذلك أعادت النتيجة دارلان لبرهة من الزمن في الذاكرة إلى أوائل شهر مارس/آذار عام 2022، يوم جاء لرؤيتها رسميا في المحكمة الدستورية القائم بأعمال السفارة الروسية يفغيني ميغونوف، وبحضور المتعاونين معها سألها السؤال المصيري: "كيف نضمن بقاء الرئيس تواديرا في السلطة إلى أجل غير مسمى؟"، حينها صدت رئيس المحكمة العليا الروس، وقاومت الترهيب الشديد الذي وصل إلى حد تهديدها بالقتل.
رئيسة المحكمة العليا السابقة "دانييل دارلان". (لقطة من يوتيوب)كان تواديرا مصرا على إتمام التعديلات لتجميل "وجهه الاستبدادي" أمام الشرعية الدولية، وفي الشهر الأول من هذا العام عكست المحكمة الدستورية مسارها، فأعطت الضوء الأخضر لإجراء استفتاء على التغييرات المقترحة، فيما قام الرئيس الجديد للمحكمة الدستورية الذي خلف دارلان، جان بيير وابوي، بزيارة روسيا قبل إجراء الاستفتاء بقليل، وكذلك وقّع رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات في البلاد اتفاقية شراكة مع الروس.
في غضون ذلك، تمكن تواديرا من خلق(12) وهم الدعم الشعبي للتعديلات الدستورية، وهو هدف ساعد على تحقيقه الدور الذي لعبته المنظمتان المؤيدتان للحكومة ولروسيا "المجرة الوطنية" و"الجبهة الجمهورية"، عبر تحريضهما على خصوم الحكومة في الداخل والخارج، والذي لم يقتصر فقط على دفع أموال(13) للمشاركين في المسيرات المؤيدة لتواديرا وتعطيل تجمعات المعارضة، بل وصل إلى حد دعوة إحدى المنظمات المؤيدة للحكومة أنصارها إلى استخدام المناجل ومضارب البيسبول لمطاردة الأفراد المرتبطين بالمعارضة.
في نهاية المطاف، أُقر مشروع الدستور الجديد الذي كتب شهادة وفاة التحول الديمقراطي، حيث يُمكّن التعديل الأخير تواديرا(14) من نيل فرصة الترشح لولاية ثالثة على رأس البلاد في عام 2025، وهو أمر لم يُسمح له بالقيام به بموجب القانون الأساسي القديم، فقد ألغى حدود فترات الرئاسة وأطال مدتها من 5 إلى 7 سنوات، وبالإضافة إلى ذلك أدخل التعديل 3 تغييرات رئيسية: أولها تحويل المحكمة الدستورية -التي عارضت مشروع الاستفتاء- إلى مجلس يُعين غالبية أعضائه من قبل الحكومة. وثانيها فقدان مجلس الأمة حقه في الرقابة على عقود التعدين. وآخرها استحداث منصب نائب الرئيس، باعتباره الرجل الثاني في الدولة، والذي يحل محل الرئيس في حالة حدوث فراغ في السلطة، الأمر الذي يكمل إضعاف المؤسسات الأخرى في هذا النظام الرئاسي المفرط في مركزيته.
تُظهر عملية تمرير التعديلات الدستورية مدى عجز(15) المعارضة ضد الحكومة في أفريقيا الوسطى، وأولها الكتلة الجمهورية للدفاع عن الدستور أو "BRDC" وهي منصة تجمع بين الأحزاب السياسية المعارضة وبعض جمعيات المجتمع المدني(16)، وبينما تفتقر هذه المعارضة بشكل واسع النطاق إلى الثقة في العملية الديمقراطية ذاتها، يبرز تفضيل الحلول العسكرية على الحلول السياسية بوصفه مُعيقا كبيرا، حدث ذلك في أوائل يونيو/حزيران 2023، عندما أصدر الرئيس المؤقت السابق "ألكسندر فرديناند نغوينديت" بيانا على وسائل التواصل الاجتماعي يهدد فيه بالإطاحة بتواديرا بمساعدة عناصر الجيش ما لم يتنحَّ في غضون 30 يوما.
تواديرا.. "رهينة فاغنر" مجموعة فاغنر حول رئيس أفريقيا الوسطى. (رويترز)
بالنسبة إلى سكان بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، باتت رؤية(17) عناصر مجموعة فاغنر الروسية مألوفة بشكل يومي، تمر هذه العناصر من جانبهم وهي ترتدي الأقنعة وتحمل الأسلحة الآلية، فيما هم على الطرقات يقودون بعنجهية مركبات لا تحمل أي لوحات، أما داخل معسكرات التدريب للمجندين الجدد في الجيش فكل شيء روسي أيضا، اللغة والأسلحة والمدربون.
يكثف الروس أيضا نشاطهم الثقافي في البلاد، وفيما الشوارع تمتلئ بملصقات(18) دعائية مذيلة بكلمات مثل "روسيا: يد بيد مع جيشك!"، وتزدحم المحلات بالفودكا بشعار(19) "صُنع في قلب أفريقيا باستخدام التكنولوجيا الروسية"، صَوَّر الروس وعرضوا فيلم "توريستي" الطويل داخل البلاد، وهو فيلم يروج لكون عناصر المجموعة العسكرية أبطالا دربوا القوات المحلية ضد المتمردين.
وفي حين أن الكثيرين من سكان العاصمة يخافون من رجال(20) فاغنر، ويقولون إنهم لا يتوانون عن تهديد السكان من بانغي نفسها إلى بريا في وسط البلاد إلى مبايكي في الجنوب، وكذلك ينهبون خيرات البلاد ويقتلون ويسرقون، حتى إنهم يسرقون الوقود من الطائرات في مطار بانغي، فإنهم مع ذلك يرفضون أن ينتقدوهم علنا لأنهم يعتقدون أن فاغنر لديهم عيون في كل مكان.
في المقابل، تنظر فئة أخرى من سكان بانغي إلى الروس بوصفهم أصحاب فضل على البلاد، على اعتبار أنهم(21) مَن أوقفوا تقدم المتمردين إلى العاصمة، وهم مقتنعون للغاية بما يرمز إليه تمثال(22) يتوسط العاصمة يظهر الروس حماةً شجعانا، حيث يظهر 4 مسلحين من الروس يحمون امرأة راكعة مع طفليها.
More photos of that Wagner-FACA statue in Bangui. 329/https://t.co/amPxrYxWrs pic.twitter.com/d8WlrAEsDz
— Rob Lee (@RALee85) November 30, 2021
بالعودة إلى العام 2016 عندما انتُخِب تواديرا لأول مرة، كان الرئيس الجديد يسيطر على 20% فقط من مساحة البلاد، وكان عديم الثقة بجيشه، ومحبطا من الوجود العسكري الفرنسي الذي اعتبره غير فعال. بحلول العام 2017، جاءت الفرصة للروس على "طبق من ذهب"، عندما قُبل عرضهم إلى الأمم المتحدة بإرسال مدربين عسكريين إلى القوات المسلحة المحلية في بانغي التي كانت تهددها الاضطرابات المسلحة، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام ظهرت العلامات(23) الأولى لابتعاد تواديرا المتزايد عن الاعتماد على الغرب والتوجه نحو بناء علاقة قوية مع الكرملين، وذلك عندما التقى رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في سوتشي لمناقشة "الإمكانات الكبيرة للشراكة في استكشاف الموارد المعدنية" وفقا لوزارة الخارجية الروسية.
بعد شهرين فقط من هذا الاجتماع، حصلت روسيا على إعفاء من حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة بعد استيلاء المتمردين على السلطة، "تبرعت" موسكو بأسلحة صغيرة وذخائر للجيش، ووصلت الشحنة الأولى في أوائل عام 2018، إلى جانب 5 مدربين عسكريين و170 مدربا مدنيا لتدريب كتيبتين من الجيش.
في العام نفسه ثبت أن هؤلاء المدربين لم يكونوا سوى مرتزقة تابعين لمجموعة فاغنر، المنظمة الروسية شبه العسكرية، المقربة من الكرملين حتى قُبيل تمردها الأخير. وقد عجل هؤلاء الذين تفاخر رجال تواديرا، أمثال باسكال بيدا كوياجبلي، وزير الاستثمار الإستراتيجي، بأن البلاد استعادت بفضلهم(24) 97% من أراضيها، من تحول أفريقيا الوسطى من محمية لفرنسا، المستمر التاريخي للبلاد، إلى حليف لروسيا، بعدما أكملت باريس في ديسمبر/ كانون الأول 2022 سحب جميع(25) قواتها من جمهورية أفريقيا الوسطى، والذي كان عددها قبل 6 سنوات أكثر من 1,600 جندي.
بالتزامن مع تدريب القوات المحلية، تحرك عناصر فاغنر نحو حماية مناجم الذهب مقابل امتيازات اقتصادية مربحة، وكان باكورة اتفاقيات الوصول غير المقيد إلى مناجم الذهب الذي منحتهم إياه حكومة تواديرا هو حصول شركة ترتبط بفاغنر على تراخيص تعدين الذهب والألماس في العام 2018. وتمتلك فاغنر امتياز التعدين لمدة 25 عاما في منجم الذهب "نداسيما" (Ndassima) الذي تدار منشآته تحت غطاء شركة واجهة مرتبطة بزعيم المجموعة الراحل يفغيني بريغوجين.
لم تكتفِ المجموعة الروسية بتكوين مجرة من الشركات الوهمية التي تحجب استغلال ثروات بانغي المعدنية، فسرعان ما وسعت عملياتها(27) لتشمل نهب غابات الخشب الأحمر البكر، وفي عام 2021 حصلت شركة تدعى "بويس روج" (Bois Rouge) على امتياز للغابات من حكومة تواديرا في منطقة لوباي في البلاد، وهي شركة ظهرت في معرض تجاري في شنغهاي كشركة روسية.
مع ذلك، وعلى عكس المجلس العسكري في مالي مثلا، لا يغلق تواديرا الباب أبدا أمام شركاء آخرين غير الروس، وهو يتبنى إستراتيجية تقوم على تخفيف حدة الخطاب المعادي للغرب، مقابل ذلك لا يمانع الأخير عقد صفقة مع تواديرا للقبول بولايته الثالثة مقابل رحيل فاغنر أو تقليل نفوذها. وقد كُشف النقاب في فبراير/شباط الماضي عن عرض(28) قدمَّه مسؤولون أميركيون لتواديرا على هامش القمة الأميركية-الأفريقية، دعوه فيه للانفصال عن فاغنر مقابل تدريب عسكري أميركي وزيادة المساعدات الإنسانية، لكن بينما تتحرك واشنطن في هذا المسار، تؤدي القيود التي فرضتها على دول الانقلابات الأخيرة إلى إعاقة مشاركة أفريكوم في القارة، ما يجبر تلك الأنظمة العسكرية على مضاعفة اعتمادها على فاغنر.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن تواديرا، كغيره من القادة الأفارقة، يتمسك بالسلطة "مثل الحلزون في قوقعته" كما وصفه مؤلفو(30) سيرته الذاتية، وهو يرى في فاغنر، ومن ورائها روسيا، خط الدفاع الأخير ضد أي تمرد يهدد عرشه، فعناصر المجموعة بمثابة عضلاته التي يستخدمها بقوة لمنع الإطاحة به من قبل المتمردين ودعم قبضته المهتزة على البلاد، إنه يضمن بوجودهم عدم وجود مجال لتمرد الحرس الرئاسي والقيام بانقلاب ضده لكون حراسه يأتون من فاغنر، كما لديه دائرة داخلية(31) من المستشارين وصناع القرار الروس يأمل أن يكونوا قادرين على تأمين بقائه في السلطة إلى أبعد وقت.
——————————————————————————————-
المصادر:(1) Centrafrique : Faustin-Archange Touadéra, professeur réservé devenu redoutable politique
(2) المصدر السابق نفسه
(3) President of the Central African Republic
(4) FAUSTIN-ARCHANGE TOUADERA(1957- )
(5) Wagner Is Only One Piece in Central African Republic’s Messy PuzzLE
(6) Central African Republic’s Touadera: Man of peace or ‘President Wagner’?
(7) Putin Wants Fealty, and He’s Found It in Africa
(8) Central African Republic: Faustin Archange Touadéra, "man of peace" or "President Wagner"?
(9) Central African Republic’s Touadera: Man of peace or ‘President Wagner’?
(10) Centrafrique : Danièle Darlan, la juge qui a dit non au président Touadéra
(11) مصدر سابق
(12) CAR: Touadéra’s third-term plans are pushing CAR to the brink
(13) Central African Republic: Closing Civic Space
(14) Central African Republic’s new constitution makes permanent Touadéra presidency possible
(15) مصدر سابق
(16) ‘Central African Republic and Touadéra are being held hostage by the Wagner group mafia’
(17) Russian mercenaries from the Wagner group owned by a key Putin ally are stoking influence in resource-rich Central African Republic
(18) Central African Republic
(19) Putin Wants Fealty, and He’s Found It in Africa
(20) المصدر السابق نفسه
(21) Wagner Group surges in Africa as U.S. influence fades, leak reveals
(22) How Russia’s Wagner Group funds its role in Putin’s Ukraine war by plundering Africa’s resources
(23) There’s a new battle for influence in Central Africa, and Russia appears to be winning
(24)مصدر سابق
(25) France announces withdrawal of troops from Mali, reshaping the fight against Islamist extremists in West Africa
(26) [UPDATE] Wagner PMC Activity in the Central African Republic: A Geospatial Analysis
(27) How Russia’s Wagner Group funds its role in Putin’s Ukraine war by plundering Africa’s resources
(28) Wagner Group surges in Africa as U.S. influence fades, leak reveals
(29) Centrafrique : Faustin-Archange Touadéra, professeur réservé devenu redoutable politique
(31) CAR: Who are President Touadéra’s Russian guardian angels?
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی جمهوریة أفریقیا الوسطى رئیس أفریقیا الوسطى الأمم المتحدة مجموعة فاغنر فی البلاد توادیرا م فی السلطة فی العام فی هذا فی عام من قبل مع ذلک
إقرأ أيضاً:
سمو ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية جنوب أفريقيا
تلقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله -، رسالة خطية، من فخامة الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين. وتسلم الرسالة نيابةً عن صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية، وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية المتعددة المشرف العام على وكالة الدبلوماسية العامة الدكتور عبدالرحمن الرسي، خلال استقباله، اليوم في مقر الوزارة بالرياض، المبعوث الخاص لفخامة الرئيس الجنوب أفريقي السيدة جوين راماخوبا. وجرى خلال الاستقبال استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها في المجالات كافة، بالإضافة إلى مناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.