ترأس الدكتور محمد عثمان الخشت أستاذ فلسفة الدين والمذاهب الحديثة والمعاصرة ورئيس جامعة القاهرة، جلسة بعنوان "الحرية في المنظور الإسلامي" ضمن جلسات المؤتمر العلمي لرابطة الجامعات الإسلامية "تأطير الحريات وفق القيم الإسلامية ومبادئ القانون الدولي" والذي عقد بالمملكة المغربية بمقر الإيسيسكو، وبمشاركة هيئات ومجالس الإفتاء في العالم الإسلامي ورؤساء ومدراء الجامعات وخبراء القانون الدولي.

وناقشت جلسة "الحرية في المنظور الإسلامي" التي ترأسها الدكتور محمد الخشت، 4 موضوعات رئيسة وهي: الحرية في الفكر الإسلامي  الأسس والمبادئ، وحرية الآخر في التاريخ الإسلامي، حرية الرأي والتعبير في ميزان الشريعة الإسلامية، الحرية والمسؤولية المجتمعية، وشارك في موضوعات الجلسة كلٌ من: الدكتور إسماعيل لطفي جافاكيا مدير جامعة فطاني - تايلند، والدكتور سعد بوه كمرا رئيس جامعة نواكشوط - موريتانيا، والشيخ حافظ أسعد عبيد مدير الجامعة الأشرفية - باكستان، ورئيس الجامعة الاسلامية بالهند.

وفي بداية كلمته، أكد الدكتور محمد الخشت، على أن الإسلام يقدس الحرية، واعتبر أن الاصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي مانع محرم أو يحدث ضرر، وأن هذه الإباحة لا تقتصر على الطعام والشراب واللبس فقط بل تشمل جميع التصرفات بكافة أنواعها ما لم يكن هناك نص مانع أو ضرر، مؤكدا وجوب التمييز في مجال الحرية ين «المجال العام» و«المجال الخاص»، فالمجال العام يضم الميادين السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وأن الحرية فى المجالات العامة غير الشخصية، يجب أن تكون خاضعة للضبط القانوني، فلا حرية فى المجال العام دون التزام بالقانون.

وقال الدكتور الخشت، إننا نؤمن بالحرية، لكن ليست الحرية المطلقة، بل الحرية الملتزمة المسؤولة، والتي تكون فيها الحرية الشخصية حقا طبيعيا، كما أن للحياة الخاصة والمنازل حرمة، وحرية الفكر والرأى والإبداع الفنى والأدبى والصحافة مكفولة. علاوة على تأكيد حرية التفكير والبحث العلمى والابتكار، وما تطرحه من رهانات على المستقبل سواء فى مواجهة مشكلات واحتياجات المواطنين، أو فى مجال الأبحاث الطبيعية والاجتماعية أو على مستوى المشروعات التنموية التى تصب في مصلحة الاقتصاد ودولة الرفاه الاجتماعي.

أوضح الدكتور الخشت، أن جوهر الدولة هو «مُركب» من الحرية والطاعة، والحرية رغم أنها جوهر المواطنة فإنها ليست مطلقة، لأن الدولة لا قيام لها دون نظام عام يحفظ الأمن ويحدد طبيعة العلاقات بين الناس، ويحدد مسارات الحرية بما يحقق مصالح الناس.

وشدد الدكتور محمد الخشت، على ضرورة أن يكون للحرية سقف وهو القانون وإلا تحولت إلى فوضى، مشيرًا إلى أن أهم تعريفات الحرية فى أعرق الدول هي «الحق فى فعل كل ما تسمح به القوانين».

وبين الدكتور الخشت، أن الحريات المنضبطة هي حقوق لكل الناس، وليست حقوقًا لفئة دون سائر المجتمع، فلا يجوز لأحد أن ينتهك حرية الآخرين، ثم ينادى باحترام حريته، منوهًا إلى أن البعض يظن أن القانون يمنع ويقيد فقط، وهذا خطأ لأن القانون يحمي حرية الفرد أيضًا؛ فهو يمنع الفرد من التعدي على الآخرين، لكنه يحمى أيضًا حريته من أن يعتدي عليها أحد.

وتناول الدكتور الخشت خلال كلمته، مفهوم الحرية في المجال الخاص، مؤكدًا أن انتهاك حرمة الحياة الخاصة أمر مخجل فى الإسلام، وهو ما تنبه إليه الفاروق عمر بن الخطاب عندما نبهه إلى ذلك أحد الأشخاص، فمن القصص الذائعة أن الفاروق كان يتجول بالمدينة ليلًا، فسمع صوت رجل فى بيت وهو يتغنى ويشرب مع رفاقه، فتسور عليه، أى قفز من فوق سور البيت، فقال: يا عدو الله، أظننت أن الله يسترك وأنت فى معصيته؟ فقال الرجل: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل علىّ، إن أكن عصيت الله واحدة، فقد عصيت الله فى ثلاث، قال: (ولا تجسسوا)، وقد تجسست، وقال: (وأتوا البيوت من أبوابها)، وقد تسورت علىّ، وقد دخلت علىّ بغير إذن؛ وقال الله: (لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها). قال عمر: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، فعفا عنه، وخرج وتركه.

أوضح الدكتور الخشت، أن الحياة الخاصة حق لصاحبها يستأثر بها ويحتكرها وحده، ولا يجوز لأحد أن يطلع عليها إلا بإذنه، وهى أعلى من حق الملكية الفردية، لأنها غير قابلة للتنازل عنها، مؤكدًا أن حرمة الحياة الخاصة فى الإسلام لاتقتصر على المسكن فقط، بل تشمل كل الخصوصيات وشئون الأسرة والاتصالات والمراسلات والأنشطة الإلكترونية الخاصة، وهذا ما أكد عليه العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ فى المادة 17، فالأصل والقاعدة هى تقديس حرية الشخص فى الحياة الخاصة، والتقييد لا يأتى إلا في حالة التعسف فى استعمال هذا الحق بالتعدى على الغير أو حتى تعدى الشخص على نفسه كالانتحار أو تعمد حرق الممتلكات الخاصة.

وفي ختام كلمته، أكد الدكتور محمد الخشت، أن حرية الفرد فى عالمه الخاص، هى «حرم مقدس» لا يجوز لأحد انتهاكه أو الدخول إليه إلا صاحبه أو من يأذن له، وهنا تظهر مغالطة من يعتبرون أن حياة أصحاب المناصب القيادية والساسة والمشاهير هى حق مشاع تحت دعوى حرية التعبير أو دعوى أن الحياة الخاصة للشخصية العامة أصبحت جزءًا من حياته العامة! وتشمل حرمة الحياة الخاصة للفرد: العائلة والبيت والذوق الخاص، والأشياء المفضلة للفرد، بشرط ألا يكون فى أى من ذلك عدوان على الغير، ويجب ألا تمتد يد أي أحد إلى الحياة الخاصة، فهى «المجال الخاص» الذى تنتهى عنده سلطة القوانين، وهذا ما استقر فى كل دساتير الدول الحرة.

جدير بالذكر أن الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة، فيلسوف عربي معاصر، ألف عددًا من الكتب ناقش فيها مفهوم الحرية وقيم وأخلاق التقدم ومنها "أخلاق التقدم"، و"فلسفة المواطنة وأسس بناء الدولة الحديثة" و"المجتمع المدني والدولة"، و"نحو تأسيس عصر ديني جديد"، و"للوحي معان أخرى".

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: القاهره رئيس جامعة القاهرة جامعة القاهرة العالم الإسلامي المملكة المغربية الدکتور محمد الخشت الدکتور الخشت الحیاة الخاصة الحریة فی

إقرأ أيضاً:

رئيس الوزراء يعلن: حرية الاختيار بين البكالوريا والثانوية العامة

أكد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ، إنه يجري جمع الآراء حول إضافة مادة التربية الدينية للمجموع، مشيرا إلى أن االهدف من "منظومة البكالوريا" تخفيف العبء على الأبناء وأولياء الأمور من هوس وكابوس الثانوية العامة، وأن يكون هناك وفاق على المنظومة في شكل يرضي المواطن المصري.

وأشار الدكتور مدبولي ،خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده اليوم الأربعاء عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، إلى أنه من الوارد أن تكون هناك فترة انتقالية ، مع عدم إلزام الطالب باختيار نظام البكالوريا ، قائلا :"من يربد اختيار النظام الحالي للثانوية العامة أو اختبار النظام الجديد (البكالوريا) لفترة انتقالية ،لتقييم الأمر ، وحتى تتمكن الأسر والطلاب من رؤية مقارنة بين الأنظمة ".

من جانب آخر،كشف رئيس مجلس الوزراء أنه سيجري الإعلان عن حزمة تمويل كبيرة جدًا للشركات الناشئة للتوسع في أعمالها خلال الفترة المقبلة،والإعلان عن تفاصيل هذا البرنامج في خلال شهر، وهذا البرنامج سيكون نقلة نوعية حقيقية في دعم هذا القطاع المهم جدًا.

وقال مدبولي "إنه تم التوافق على حزم التسهيلات والمزايا للشركات الناشئة"، مؤكدًا أن الشركات الناشئة ستتمتع بكل الحوافز والتسهيلات.
وأضاف أنه سيتم الإعلان عن حزمة تمويل ضخمة لتشجيع ودعم الشركات الناشئة، إضافة إلى تحديد الجهة المسؤولة عن تأسيس هذه الشركات والتراخيص الخاصة بها.

سيناريوهات للتعامل مع مختلف الأزمات

وأكد الدكتور مدبولي، أن هناك توجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتكامل بين أجهزة الدولة للتعامل مع الأزمات، مضيفل "أننا نضع سيناريوهات للتعامل مع مختلف الأزمات التي من الممكن أن تحدث في الدولة".

وقال "إننا نتابع عملية التدريب بصورة مستمرة لكل الجهات استشرافا لحدوث أي أزمة للتعامل معها بصورة كبيرة" ،لافتا إلى أن هناك أزمات متنوعة، وتشارك الجهات في كيفية التعامل مع معها واستيعابها بأقل الأضرار على الدولة في خلال أسرع فترة زمنية ممكنة.

تداعيات القرارات الأمريكية

وعن تداعيات القرارات الأمريكية الأخيرة بفرض رسوم جمركية على منتجات بعض الدول ، أشار رئيس مجلس الوزراء، إلى أن خبراء الاقتصاد عبروا عن تخوفهم من أن تؤدي أزمة الرسوم الجمركية العالمية إلى ارتفاع أسعار السلع على المستوى العالمي.

وقال إنه مع بداية فرض هذه الرسوم سيجري تحميل هذه الزيادات على السلع نفسها، ما سيؤدي إلى موجة تضخم أخرى، وهذا الأمر يمثل جزءًا آخر من الحسابات الملقاة على عاتق الحكومة.

ولفت إلى أنه حال فرض رسوم جمركية تجاه بعض الدول بالفعل، فإن هذا التوجه قد يؤدي لاندلاع حرب تجارية بين الدول، معبرًا عن التخوف من أن يؤدي ذلك إلى بداية تضخم جديد، رغم أن العالم أجمع يأمل في خفض التخضم في 2025، مشيرا إلى أن هذا الأمر قد يؤدي مرة أخرى إلى ارتفاع أسعار السلع، معربا عن أمله في أن يكون هناك توافق عالمي على إيقاف هذه النوعية من الرسوم بحيث تمضي الأمور إلى تحسن.

مقالات مشابهة

  • انتصار غزة.. حين تتحول التضحيات إلى حرية
  • رئيس الوزراء يعلن: حرية الاختيار بين البكالوريا والثانوية العامة
  • تفاصيل محاضرة الخشت بمنتدى أبو ظبي للسلم في معرض الكتاب
  • رئيس جامعة القاهرة الأسبق يدعو إلى تحقيق السلام العالمي القائم على العدل
  • الدكتور ياجي الرحيل قبل فتح الملفات
  • وكيل وزارة الأوقاف بالغربية: الأعلى للشئون الإسلامية مؤسسة فكرية رائدة تسهم إصداراته في نشر الفكر الوسطي
  • الدكتور ابن حبتور والصعدي يزوران مكتب حماس لتقديم واجب العزاء في استشهاد الضيف
  • مَرسُول العِلم، الصديق الدكتور محمد هاشم محمود
  • جروس يطبق بعض الجوانب التكتيكية فى مران الزمالك
  • بعد مقتل موميكا.. السجن لمتورط في حرق المصحف بالسويد