د. جمالات عبد الرحيم

 

في خطوة مثيرة للجدل، عبرَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نواياه تجاه مصر من خلال تصريحه بأنَّه يمكن للسفن الأمريكية المرور من قناة بنما وقناة السويس مجانًا، وهو ما يُعد بمثابة انتهاك صارخ للقانون الدولي واعتداءً على سيادة الدول التي تربط قناة بنما بقناة السويس بمعنى أصبح المحتكر الرئيسي لسيادة هذه الدول ونظام بلطجة بلا حدود.

إن التصريح من قبل ترامب يعكس نمطًا من السلوك الذي يمكن وصفه بالبلطجة السياسية. يُعتبر هذا التصرف انتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية التي تحكم الملاحة في المياه الدولية، خاصة في حالات الحرب؛ فالقانون الدولي يضمن حقوق الدول في السيادة على مجالاتها المائية ويضع حدودًا واضحة للتصرفات العسكرية والمدنية.

يستند ترامب في تصرفاته إلى الهالة التاريخية لقناتي بنما والسويس، حيث يدعي أنَّ الولايات المتحدة هي من قامت بإنشاء قناتي بنما والسويس. لكن الحقيقة التاريخية تشير إلى أنَّ قناة السويس تم حفرها على يد المصريين في عهد الأسرة الخديوية، والذين بذلوا جهودًا هائلة لتحقيق هذا الإنجاز، مما أسفر عن وفاة العديد من عمال الحفر المصريين بسبب الظروف القاسية. إن إغفال هذه الحقائق التاريخية من قبل ترامب ومن يؤيدونه يظهر عدم احترام للتاريخ وثقافة الشعوب.

إن تصريحات ترامب قد تؤدي إلى تصاعد الغضب الشعبي في مصر؛ حيث يعتبرها المواطنون المصريون تهديدًا لسيادتهم الوطنية. وفي الوقت نفسه، هناك إمكانية لرد فعل من النظام المصري، الذي قد يُعتبر مضطرًا للدفاع عن مصالح بلاده وأمنها الوطني. إن حكومة القاهرة يجب أن تكون حذرة في التعامل مع مثل هذه التصريحات، وخاصة في ظل الظروف السياسية الهشة التي تمر بها المنطقة.

إن تصرفات ترامب تشير إلى نمط من السلوك الذي يتجاوز الحدود المتعارف عليها في العلاقات الدولية. إن إثارته لقضايا تاريخية معقدة، مثل قنوات السويس وبنما، دون مراعاة للمعايير القانونية أو التاريخية، قد يؤدي إلى تفاقم التوترات. وفي نهاية المطاف، فإن الشعب المصري والنظام المصري مدعوان للدفاع عن سيادتهما واستقلالهما في مواجهة هذه التصريحات المتهورة.

وقناة بنما هي ممر مائي اصطناعي يمر عبر برزخ بنما في أمريكا الوسطى، يربط بين المحيط الأطلسي (عبر البحر الكاريبي) والمحيط الهادئ. تم افتتاح قناة بنما في عام 1914، وهي تعد أحد الإنجازات الهندسية الكبرى في القرن العشرين، حيث تسهم في تسريع حركة الملاحة البحرية وتقليل المسافات التي تحتاجها السفن للعبور بين المحيطين. أما بالنسبة لعلاقة قناة بنما بقناة السويس، فكلًا منهما تلعب دورًا حيويًا في حركة الملاحة العالمية، لكنهما تخدمان ممرين مختلفين في مواقع جغرافية مختلفة. قناة السويس، التي افتتحت في عام 1869، تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، مما يسمح للسفن بالعبور بين أوروبا وآسيا دون الحاجة للالتفاف حول إفريقيا.

كلا القناتان تعززان التجارة الدولية وتسهِّلا حركة الشحن، ولكن لديهما أيضًا تأثيرات اقتصادية وسياسية مختلفة على الدول المحيطة بهما. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تؤثر التوترات أو الأحداث في أحد المنطقتين على حركة الملاحة في الأخرى، كما أن كلا القناتين تعتمد على مرور السفن التجارية، مما يجعل أي تغييرات في السياسات أو الأوضاع الاقتصادية تؤثر على حركة التجارة الدولية بشكل عام.

وتحاول الكثير من الدول ربط موضوع التصرف بالمياه المارة عبر اراضيها بالنسبة للأنهار بموضوع السيادة، فتلك المصطلح الذي ظهر منذ نشوء الدول وأخذ بعده السياسي والقانوني والاجتماعي علي يد الفقيه الفرنسي چان بودان عام 1567م والذي ربط المفهوم بالسلطة التي يتمتع بها الملك ثم تناول الموضوع أيضا توماس هويز (1588/1679)، وهو أحد واضعي نظرية العقد الاجتماعي؛ حيث وصفها انها احتكار قوة الإرغام. ويعتبر توماس من أصحاب نظرية العقد الاجتماعي ومفاد هذه النظرية علي أنه يوجد هناك عقد بين الأفراد ويقول هويز أن هذا العقد هو أن الأفراد تعاقدوا فيما بينهم في التنازل عن حقوقهم لشخص واحد، وهو صاحب السيادة المطلقة.

أما جان لوك (1632/1704) فيري أن طرفي العقد هما الشعب والحاكم ويجوز للشعب الخروج علي الحاكم. والعقد عند جان جاك روسو (1712/1778) يكون بين افراد الشعب فقط والحاكم ليس طرفا فيه إنما هو بمثابة وكيل، ويمكن عزله.

ومع الأسف دارت أقلام السياسيين على ربط موضوع المياه بالسيادة أي كل من يدعي السيادة على المياه كمن يدعي السيادة على الغيم لأن كلاهما متحرك ولا سيادة على مورد متحرك لأنَّ سنن الكون لا تسمح.

إن من الواجب توعية الشعوب بما يفعله ترامب الذي يسعى لسرقة ونهب ثروات الشرق الأوسط وأهل فلسطين وغزة وأنه كتب الجولان إلى إسرائيل من أجل خلق نزاعات حربية بين سوريا وإسرائيل لأن الصهاينة ليسوا وحدهم؛ بل وراءهم اللصوص من الظهير الأمريكي ومعه شركاء لصوص كثيرون وإسرائيل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قناتا السويس وبنما أمام تحديات ترامب للمرور الأميركي المجاني

تلعب قناتا السويس وبنما دورًا محوريًا في حركة التجارة العالمية، حيث تربطان بين أهم الممرات البحرية، وتوفران مسارات أسرع وأكثر كفاءة للشحن الدولي.

وفي خطوة لافتة، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السماح للسفن الأميركية بالمرور مجانًا عبر القناتين، في تصريح قد يثير جدلاً واسعًا بشأن السيادة لكلا البلدين.

وقال الرئيس الأميركي إنه ينبغي السماح للسفن العسكرية والتجارية التابعة للولايات المتحدة بالمرور عبر قناتي السويس وبنما دون دفع أي رسوم.

وأضاف ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال" التابعة له: "طلبت من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يتولى هذا الأمر فورا"، معتبرا أن قناتي بنما والسويس ما كان لهما أن توجدا لولا الولايات المتحدة، على حد تعبيره.

في هذا التقرير، نستعرض الأبعاد المختلفة لهذه القضية، ونستعرض الأرقام والحقائق المتعلقة بحركة السفن والعائدات الاقتصادية للقناتين، وعدد السفن الأميركية التي تعبرهما، وأهميتهما للتجارة العالمية.

pic.twitter.com/Jklnk9Kkjr

— Donald J. Trump Posts From His Truth Social (@TrumpDailyPosts) April 26, 2025

لماذا تعتبر قناتي السويس وبنما مهمتين للتجارة العالمية؟

تُعدّ قناتا السويس وبنما شريانين أساسيين في التجارة العالمية، إذ تُقلّصان أوقات العبور بشكل كبير، وتُسهّلان عملية نقل البضائع عبر مناطق التجارة الرئيسية.

إعلان

وتُعد قناة بنما حلقة وصل حيوية للأمريكيتين، إذ تُوفّر طريقًا مباشرًا بين المحيطين الهادئ والأطلسي.

أما قناة السويس فهي ممر رئيسي للسفن المُسافرة بين أوروبا وآسيا وباقي العالم، مما يُبرز أهميتها في التجارة الدولية.

وتتجلى أهميتهما للتجارة العالمية في النقاط التالية:

يمر عبر قناة السويس نحو 30% من حركة الحاويات العالمية (رويترز) قناة السويس أقصر رابط بحري بين آسيا وأوروبا حجم التجارة: تمر عبر قناة السويس حوالي 12% من حجم التجارة العالمية، مما يجعلها طريقًا أساسيًا للبضائع المتنقلة بين آسيا وأوروبا والأميركيتين وفقًا للمعهد البحري الأميركي. نقل الطاقة: تنقل القناة ما يُقدر بنحو 7–10% من النفط العالمي، بالإضافة إلى 8% من الغاز الطبيعي المسال، مما يبرز دورها الحيوي في سلاسل إمداد الطاقة العالمية وفقًا لوزارة الخارجية والتجارة النيوزلندية. نقل التجارة: يمر عبر القناة نحو 30% من حركة الحاويات العالمية، ناقلةً بضائع تزيد قيمتها عن تريليون دولار أميركي سنويًا وفقًا للمصدر السابق. في المتوسط، وفي الأوضاع العادية، تعبر القناة 50 سفينة يوميًا، تحمل بضائع تتراوح قيمتها بين 3 و9 مليارات دولار وفقًا للمصدر السابق.  قناة بنما: رابط حيوي بين المحيط الأطلسي والهادئ حجم التجارة: يمر عبر قناة بنما حوالي 6% من التجارة البحرية العالمية، مما يجعلها رابطًا حيويًا بين المحيطين الأطلسي والهادي وفقًا لمنصة "سوبيل للشحن". التوسعة وزيادة السعة: سمحت توسعة القناة في عام 2016 بمرور السفن الأكبر حجماً، مما زاد من قدرتها الاستيعابية بمعدل يقارب ثلاثة أضعاف. كم عدد السفن التي تمر عبر القناتين سنويًا؟ قناة السويس: بلغ عدد السفن التي عبرت قناة السويس العام الماضي 13 ألفا و 213 سفينة، مقارنةً بأكثر من 26 ألف سفينة في عام 2023، مما يمثل انخفاضًا بنسبة 50% تقريبًا.
وقال مسؤولون مصريون إن عائدات مصر من قناة السويس انخفضت بنحو الثلثين العام الماضي، بسبب التوترات الإقليمية والحروب في الشرق الأوسط التي أثرت على حركة المرور عبر القناة. قناة بنما: يعبرها سنويًا ما بين 13 إلى 14 ألف سفينة وفقًا لهيئة قناة بنما.
في يناير/كانون ثاني 2024، بلغ متوسط عدد السفن التي عبرت قناة بنما يوميًا حوالي 32.6 سفينة، مما يشير إلى انخفاض في حركة المرور مقارنةً بالأشهر السابقة، ويُعزى هذا الانخفاض إلى الجفاف الذي أثر على مستويات المياه في القناة، مما أدى إلى فرض قيود على عدد السفن المسموح بعبورها يوميًا وفقًا لرويترز. إعلان كم تجني مصر وبنما من مال من القناتين؟ قناة السويس: قالت هيئة قناة السويس، التي تدير الممر المائي، إن القناة حققت إيرادات سنوية قدرها 3.991 مليار دولار في عام 2024، بانخفاض عن أعلى مستوى تاريخي الذي بلغ 10.25 مليار دولار في عام 2023، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس. يمر عبر القناة نحو 30% من حركة الحاويات العالمية. قناة بنما: في عام 2024، حققت القناة إيرادات بلغت نحو 5 مليارات دولار وهو تقريبا نفس الإيراد الذي تحقق في عام 2023، أي ما يعادل حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي لبنما وفقًا لمنصة جمعية ومجلس الأميركيتين (as-coa.org). كم يبلغ عدد السفن الأميركية العسكرية والتجارية التي تمر في القناتين؟

قناة السويس

السفن الحربية: لا تُفصح البحرية الأميركية علنًا عن العدد الدقيق للسفن الحربية الأميركية التي تعبر قناة السويس سنويًا لأسباب أمنية عملياتية. وفي تقرير نادر نشر قبل نحو 11 عاما ذكر الأسطول الخامس الأميركي أن هناك ما بين 35 إلى 45 سفينة حربية أميركية تعبر قناة السويس سنويًا.
علمًا أنه لا توجد أرقام محددة حول كم تدفع السفن الحربية الأميركية من رسوم مقابل عبور القناة. ولكن وفي تقرير نادر نشره "مكتب المحاسب العام للولايات المتحدة" عام 1982 وذكر فيه أن سلاح البحرية الأميركي دفع مبلغ 607 ألف دولار لقاء عبور سفنه لقناة السويس من شهر يناير/كانون ثاني 1979 وحتى شهر أغسطس/آب 1981. السفن التجارية: لا يتم نشر بيانات محددة عن عدد السفن التجارية الأميركية التي تعبر قناة السويس سنويًّا بشكل رسمي أو مُفصل من قبل السلطات المصرية أو الأميركية. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من البضائع المتجهة إلى الولايات المتحدة أو القادمة منها يتم نقلها على متن سفن أجنبية تديرها شركات شحن دولية، لذلك فإن حجم التجارة المرتبط بالولايات المتحدة عبر القناة يظل كبيرًا. صورة جوية تُظهر الحاويات في ميناء بالبو في قناة بنما (رويترز)

قناة بنما

إعلان السفن الحربية: وفقًا لتقرير نُشر في فبراير/شباط 2025، عبرت قناة بنما حوالي 994 سفينة حربية وغواصة تابعة للبحرية الأميركية بين عامي 1998 و2024، مما يشكل حوالي 0.3% من إجمالي السفن العابرة للقناة خلال تلك الفترة، وفي المتوسط تعبر القناة 38 سفينة حربية أميركية سنويًا وفقًا لمنصة "نيوز روم بنما".
في عام 2023، بلغت رسوم عبور القناة 341 ألف دولار أميركي في المتوسط لكل سفينة، مقارنةً بـ 215 ألف دولار أميركي في عام 2018، بزيادة قدرها 59%. ومن المفترض أن تدفع سفن البحرية الأميركية رسومًا سنوية قدرها 12.9 مليون دولار أميركي وفقًا للمصدر السابق. السفن التجارية: لا يتم نشر أرقام دقيقة عن عدد السفن التجارية الأميركية التي تعبر قناة بنما سنويًّا، لأن الهيئات الرسمية (مثل هيئة قناة بنما أو الإدارة البحرية الأميركية) لا تُفصِّل البيانات حسب الجنسية أو الملكية.

مع ذلك ذكر لويس إي سولا رئيس اللجنة البحرية الفدرالية الأميركية في بيان له أمام لجنة التجارة والعلوم والنقل بمجلس الشيوخ الأميركي حول أهمية قناة بنما للتجارة الأميركية، قال: "يعبر هذا الممر المائي أكثر من 40% من حركة الحاويات الأميركية، والتي تُقدر قيمتها بنحو 270 مليار دولار سنويًا. ولا تقتصر حركة المرور في القناة على سفن الحاويات، بل تستخدمها مختلف أنواع السفن- سفن الحاويات، وسفن الركاب، وسفن البضائع السائبة والبضائع السائبة، وناقلات المنتجات – لنقل البضائع من وإلى الولايات المتحدة".

وختامًا، وفي ضوء الأهمية البالغة التي تحظى بها قناتا السويس وبنما في حركة التجارة العالمية، تبرز تصريحات ترامب لتفتح نقاشًا حساسًا حول قضايا السيادة الاقتصادية والحقوق التاريخية. فبينما تؤكد الأرقام أن القناتين تمثلان مصدرين حيويين للإيرادات الوطنية في مصر وبنما، وتعكسان أهمية استثنائية في دعم سلاسل الإمداد العالمية، تبقى مسألة فرض الرسوم على العبور جزءًا أصيلًا من السيادة الوطنية لكل دولة.

ومع استمرار الاعتماد الدولي على هذين الممرين الحيويين، فإن أي تغييرات في قواعد المرور أو العوائد الاقتصادية ستترك آثارًا عميقة على التجارة العالمية وعلى الاقتصادات المرتبطة بهما بشكل مباشر.

مقالات مشابهة

  • قناتا السويس وبنما أمام تحديات ترامب للمرور الأميركي المجاني
  • دونالد ترامب: يجب مرور السفن الأميركية مجانا عبر قناتي السويس وبنما
  • ترامب يطالب بمرور السفن الأمريكية مجانا عبر قناتي السويس وبنما
  • ترامب يفجر الجدل: بشأن مرور للسفن الأمريكية عبر السويس وبنما
  • ترامب: يجب مرور السفن الأمريكية مجانا عبر قناتي السويس وبنما
  • ترامب يطالب بمرور السفن الأميركية مجاناً عبر قناتي السويس وبنما
  • ترامب يطالب بعبور "مجاني" للسفن الأمريكية في قناتي السويس وبنما
  • ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجانا عبر قناتي السويس وبنما
  • ترامب: يجب مرور السفن الأميركية مجانا عبر قناتي السويس وبنما