عربي21:
2025-04-29@18:07:43 GMT

الكظية.. حينما ترتدي البلادة العقلية ثقل الدم!

تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT

لم يكن التخلي العربي عن القضية الفلسطينية في أيّ يوم من عمر هذه القضية كما هو حاصل اليوم. صحيح أنّ مسار التخلي بدأ قديما، لكنّه بقي يحمل على المستوى الخطابي شيئا من الالتزام، وحتى في التعبيرات المتذمّرة من طول هذه القضية واستحالتها؛ ظلّت اللغة المُعبّرة عن ذلك تحرص على التبدّي بشيء من الرصانة النقدية، أمّا وأنّ التخلّي بات صريحا، لا في العجز عن محاولة إنقاذ شعب يباد، وإنّما إمّا بالافتخار بترك هذا الشعب يُسحق ويباد وجعل هذا السلوك العربي الغاية في الحكمة والعقلانية، وإمّا في شتم هذا الشعب، وتحميله مسؤولية ما يقع عليه، ولأنّ الأمر برمّته انحطاط من أعلى، فلا بدّ للمنحط أن يصل إلى قاع ما انحطّ إليه.



المسألة فيزيائية في هذه القضية الأخلاقية، فالتخلّي عن فلسطين التي افترسها المشروع الصهيوني في سياق الهزائم العربية سقوط أخلاقي، ولمّا استمرّ هذا السقوط، بلا كابح، كان لا بدّ أن يرتطم بأوضع نقطة يمكنه أن ينتهي إليها.

الحطّ من القضية الفلسطينية بالنحو الذي نراه الآن؛ لم يبدأ متدرجا، فمنذ أكثر من ثماني سنوات، في تمهيد لعمليات التطبيع الإبراهيمي، نشطت اللجان الإلكترونية المشغّلة من دول عربية في تحطيم القضية الفلسطينية في وعي الجماهير العربية، معتمدة لغة لا يمكن تخيّل ما هو أكثر منها رداءة، وهجوما مباشرا على الفلسطينيين جميعا؛ لا على بعضهم، واندرج في نشاطها شخصيات معروفة لا تكتب في مواقع التواصل الإلكتروني فحسب، ولكنها جزء من تشغيل ماكينات إعلامية ضخمة، ليس أقلها القنوات الفضائية إيّاها.

حصر الهجوم الآن على حماس وغيرها من القوى التي تواجه حرب الإبادة، أو تتخذ خيارا مخالفا لخيار التطبيع مع إسرائيل بلا ثمن؛ أملته ضرورة الحرب، ولكن أصل الخطاب الذي يريد من جعل التخلي عن فلسطين وأهلها الموقف الأخلاقي الصحيح، والوحيد، تناول الفلسطينيين كلّهم من حيث هم مجموعة بشرية، لا تستحق التعاطف أصلا
حصر الهجوم الآن على حماس وغيرها من القوى التي تواجه حرب الإبادة، أو تتخذ خيارا مخالفا لخيار التطبيع مع إسرائيل بلا ثمن؛ أملته ضرورة الحرب، ولكن أصل الخطاب الذي يريد من جعل التخلي عن فلسطين وأهلها الموقف الأخلاقي الصحيح، والوحيد، تناول الفلسطينيين كلّهم من حيث هم مجموعة بشرية، لا تستحق التعاطف أصلا، وأعيد ترويج الدعايات القديمة التي أريد بها أوّل الأمر تبرير الهزيمة العربية في مواجهة إسرائيل، من قبيل "باعوا أرضهم لليهود"، وبعد ذلك "خربوا البلاد العربية".

ومن نافلة القول إنّه لا حماس ولا غيرها من قوى المقاومة الفلسطينية الراهنة كانت موجودة في السبعينيات لتخرب البلاد العربية. ويزاد على ذلك المنّ على الفلسطينيين بالدعم المالي، وكيف أنّ الطفل العربي كان يدفع ريالا من مصروفه اليومي لهذا "الشعب ناكر الجميل"، ولن يفوت هذه الحملة تبني السردية الصهيونية حول أصل الصراع بتصعيد شخصيات لا يغفر لوقاحتها أنها تعاني من اختلال عقلي واضح!

إذن، القضية الفلسطينية هي المشكلة، وليست حماس ولا المقاومة الإسلامية الراهنة، ولذلك، ينبغي تحطيم هذه القضية، بالنحو الذي يخاطب فيه المثقف العربي الليبرالي جمهوره الذي يحبّ قراءة الكلام التأنق ولو بالزور والدجل، فيشرح أحدهم لماذا هناك مشكلة أصلا في وصف القضية الفلسطينية بالقضية، بينما لا ينبغي أن تزيد على مسألة فلسطينية/ إسرائيلية، ويبني على ذلك، ومعه غيره، في كون الوصف بالقضية يسمّنها فوق حقيقتها، فيجب لحلّها تخليصها من شحومها ودهونها، وحمل الفلسطينيين على التخلي عن أحلامهم المفرطة في تمني الحرية والاستقلال، بينما يكمّل الذباب الإلكتروني، الفكرة التافهة للغاية، بكتابة لفظ القضية الفلسطينية هكذا "كظية"، فيبدو للذبابة المنتفخة أوهامها عن نفسها وكأنّها فيل؛ أنّها بهذه المفردة كجهيزة التي قطعت قول كلّ خطيب!

ويمكن لأي عاقل عارف بالحدّ الأدنى من تاريخ القضية الفلسطينية وطبيعة الصراع، أن يدرك معضلة إدارة حوار مع أيّ من طرفي هذه الفساد العقلي والأخلاقي، وما بينهما مما يأخذ من كلّ طرف بعض ما لديه من اختلال، فالفكرة واحدة: يمكنك أن تحاجج بلغة المثقفين بأن هذا الصراع ليس قضية أصلا، وينبغي التخلص من هذه المفردة، ويمكنك أن تسخر من كونها قضية بالقول "كظية" قاصدا في الوقت نفسه السخرية من الفلسطينيين، باستخدام واحدة من لهجاتهم الكثيرة في نطق مفردة قضية، وهكذا تفرض الرداءة نفسها في هذا الزمن، الذي من صوره أن تصف دول نفسها عبر ذبابها وكتابها ومثقفيها بأنها عظمى، ثمّ لا تجد من هذه العظمة إلا تسويغ الصغار في حضرة الإسرائيلي!

استخدم ما سمي بـ"الربيع العربي" لتخطئة مقولة "فلسطين القضية المركزية"، وكأنّ العرب اكتشفوا فجأة سوء أوضاعهم، وأنّ لديهم قضايا أخرى سوى فلسطين، مما يجعل لكل منهم قضيته التي ينبغي أن تجرّد فلسطين من كونها كانت قضية مركزية جامعة لهم. ولكن وللمفارقة لم يكتشف العرب أنّ الحالة الاستعمارية في فلسطين من أهمّ أسباب تردّي أوضاعهم، فالشرط الوجودي لإسرائيل هو استمرار تفوقها منّ كل ناحية، بحيث يمنع على هذا المنطقة امتلاك قرارها في التنمية واستكمال التحرر الوطني والإدارة الحرة لمجتمعاتها، وأيّ مبادرة ونشاط لدول هذه المنطقة بحيث تصير أكثر فاعلية في الإقليم ففي الهامش الإسرائيلي، أو في أحسن الأحوال ما يمكن للإمبراطورية الأمريكية احتماله.

ينبغي بالضرورة التصدي لهذه الخطابات، ليس فقط لأجل الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولكن لأجل وعي الجماهير العربية، وفي طليعتهم الشعب السوري الذي ينبغي حماية تضحيته ومعاناته من أن تُجْعَل حبّا في طاحونة الذباب الإلكتروني، وهو الشعب الذي نشأ عقودا على الوعي بالقضية الفلسطينية، وتداخل معه اللاجئون الفلسطينيون حتى صاروا جزءا من نسيجه الاجتماعي، فشاركوه تضحيته ومعاناته والأثمان التي دفعها
لكنّ المفارقة الأكثر إدهاشا أنّ الدول العربية التي عادت هذا الربيع العربي ودفنته في مهده، هي التي استثمرت ما نجم عن خطابات مثقفيه الليبراليين من تفكيك مركزية القضية الفلسطينية، ولا يقلّ عن ذلك إدهاشا أنّ هذا الخطاب بات تيمة في خطاب نشطاء يفترض أنهم أبناء ثورة أسقطت بعد معاناة 14 سنة؛ أحد أكثر أنظمة المشرق العربي عتوّا وطغيانا.

صار من اللافت أن نلاحظ اليوم، في كتابات عدد من النشطاء السوريين، الذين لا يخلو بعضهم من الارتباط بأجندة الذباب الخليجي إيّاه، وبعضهم لا يخلو من غرائز نفسية مستعصية بالإعاقات العقلية، السخرية من القضية الفلسطينية بالمفردة إيّاها "الكظية"، والزيادة على ذلك، بالقول إنّ القضية الفلسطينية تحوّلت إلى صنم يعبد من دول الله، وشعبها يعتقدون أنهم "شعب الله المختار"، و"محور الكون".

وهذه دعاية مضادة للقضية الفلسطينية خاصّة بهؤلاء النشطاء، ويمكن بلا عناء من التفكير معرفة أسباب حضور هذه الدعاية في خطاب هؤلاء النشطاء، وهو أمر ليس ناجما عما يمكن أن يكون تناقضا نسبيّا بين القضية الفلسطينية ومصالح الثورة السورية أثناءها، بحكم واقع التجزئة العربي ومحدودية خيارات المستضعفين، مما يمكن تسويته والتفاهم عليه بسهولة، بقدر ما هو ناجم عن تخضم الإحساس بتنافس المظلوميات، والتسامح مع الخطابات المعبّرة عن هذا الإحساس الشاذ، والتي كثيرا ما عقدت مقارنات تصادر من الفلسطينيين ألمهم، وتجعل وزن القضايا بحسب مستويات الإجرام المادي، في غفلة تامة عن عمر القضية الفلسطينية وما تراكم فيها من جرائم وآلام طوال عقود ممتدة وعن طبائع الاستعمار الصهيوني التي تبدت بنحو إباديّ مريع في قطاع غزّة.

وبالرغم من أنّ حرب الإبادة كان ينبغي أن تقطع مثل هذه الخطابات، كما هو شأن أيّ حدث مهول يستدعي التعاطف مع المظلومين والرحمة بهم، إلا أنّ الأمر تفاحش، فالكلمة نفسها، سيكون وقعها أعظم بعد الحرب عمّا كانت عليه من قبل.

هذه الخطابات يمكن تفكيكها بسهولة، وبيان ما لدى أصحابها من تناقض، وافتقاد موازينهم للقيم المنضبطة التي يمكن القياس عليها، أو النقاش على أساساها، وتبيان من هو الملتحم مع جرحه بحيث لا يرى إلا من زاويته هو، فيجيز لنفسه ما يحرّم على غيره، لكن الرداءة التي تجعل صاحبها منتفخا بالعبقرية الموهومة تحول دون نقاش كهذا، وإلا فأيّ نقاش مع من يطلق كلمة "الكظية" هكذا معتقدا أنّه أحاط بالحجة السياسية من كلّ جانب؟! إنما ينبغي بالضرورة التصدي لهذه الخطابات، ليس فقط لأجل الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولكن لأجل وعي الجماهير العربية، وفي طليعتهم الشعب السوري الذي ينبغي حماية تضحيته ومعاناته من أن تُجْعَل حبّا في طاحونة الذباب الإلكتروني، وهو الشعب الذي نشأ عقودا على الوعي بالقضية الفلسطينية، وتداخل معه اللاجئون الفلسطينيون حتى صاروا جزءا من نسيجه الاجتماعي، فشاركوه تضحيته ومعاناته والأثمان التي دفعها.

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العربي الفلسطينية السوريين فلسطين غزة عرب سوري مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة هذه الخطابات هذه القضیة

إقرأ أيضاً:

أحمد مالك من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير: لم تعد المشاركة في الأعمال العالمية تهمني بسبب مواقفهم من القضية الفلسطينية

أكد الفنان أحمد مالك خلال مشاركته في جلسة “ماستر كلاس” ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، أن اهتمامه بالمشاركة في الأعمال العالمية تراجع مؤخرًا بسبب المواقف السياسية من القضية الفلسطينية.

 

وقال أحمد مالك: “في السابق، كان الفنانون العرب محصورين في أدوار مرتبطة بالإرهاب، واليوم نجد أنفسنا محصورين في أدوار اللاجئين. وبعد ما يحدث في فلسطين، أصبحت غير مهتم بالمشاركة في الأعمال العالمية، نظرا لتوجهاتهم. أفضل أن أوجه طاقتي ومجهودي لدعم صناعة الفن في مصر والوطن العربي ولأسرتي”.

 

كما تطرق مالك إلى تجربته في فيلم “6 أيام”، مشيرًا إلى أن مخرج العمل كريم شعبان حرص على الاستعانة بمدرب تمثيل لمساعدة الممثلين على إتقان أدوارهم المختلفة حسب المراحل العمرية التي يجسدونها. وأوضح أن هذه التجربة كانت مفيدة له على المستوى الفني والشخصي، قائلا: “الممثل مسؤول عن دوره، وهذه الخطوة ساعدتني كثيرًا في تعميق أدائي وتطوير أدواتي”.

 

وتتواصل فعاليات مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير حتى 2 مايو المقبل، وتشمل عروضًا لأفلام قصيرة من مصر والعالم، إلى جانب ورش عمل وندوات تهدف إلى دعم المواهب الشابة وتعزيز الحوار السينمائي.

 

يُذكر أن المهرجان، الذي تأسس عام 2015، تنظمه جمعية دائرة الفن، برعاية وزارة الثقافة وهيئة تنشيط السياحة، وبدعم من عدة جهات منها ريد ستار، بيست ميديا، لاجوني، أوسكار، ديجيتايزد، محافظة الإسكندرية، وشركة نيو سينشري وباشون للإنتاج الفني.

احمد مالك

مقالات مشابهة

  • الجزائر وإيران يبحثان مستجدات القضية الفلسطينية
  • فنون جميلة أسيوط تنظم معرضًا فنيًا تحت عنوان دلالات الرمز للتعبير عن القضية الفلسطينية
  • مجلس الأمن يعقد اليوم جلسة بشأن القضية الفلسطينية
  • مجلس الأمن يعقد جلسة اليوم بشأن القضية الفلسطينية
  • جلسة لمجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية اليوم
  • أحمد مالك من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير: لم تعد المشاركة في الأعمال العالمية تهمني بسبب مواقفهم من القضية الفلسطينية
  • أحمد مالك: لم أعد مهتما بالمشاركة في الأعمال العالمية لموقفهم من القضية الفلسطينية
  • عادة صحية مهمة جدا.. ينبغي ممارستها قبل التاسعة صباحًا
  • رسالة إلى العالم.. طلاب بورسعيد يدعمون القضية الفلسطينية على طريقتهم