إبراهيم عثمان يكتب: الحياد المستحيل
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
*لا يمكن لوطني صاحب مباديء وقيم وأخلاق أن يكون محايداً تجاه ميليشيا ساعية لحكم أسري، تابعة للخارج، وكيلة عن أطماعه، جالبة للمرتزقة، محاربة للمدنيين، مثيرة للفتن القبلية والجهوية، غارقة في النهب والتخريب، ومهددة للوحدة الوطنية وفق أجندة أجنبية.ولذلك فالحياد تجاهها مستحيل، لأنه يتطلب قدراً كبيراً من التعايش والتسامح والتواطؤ مع كل هذه الموبقات.
▪️ *الاستحالة ليست فقط استحالة أخلاقية ومبدئية، بل أيضاً استحالة “عملية”. وقد أثبت القائلون بالحياد هذه الاستحالة العملية بأنفسهم، حين اتخذوا مواقف غير محايدة “لتأهيل” الميليشيا للحياد, جمعت هذه المواقف بين الاستبعاد، والتبرئة، والتبرير، والتصنيف، وقلب الحقيقة، والفصل بين ما لا يمكن فصله، كل ذلك لتجميل الميليشيا وتقليل قبحها، و”تأهيلها” لنسختهم الرثة من الحياد.*
▪️ *استبعدوا أطماع آل دقلو، وبرأوهم من التمرد وإشعال الحرب، والتقسيم، والفتنة القبلية والجهوية، وهونوا من نهبهم وتخريبهم. وبرأوا الدول المعتدية، بل وجعلوا السودان معتدياً عليها. وبرروا بعض جرائم الميليشيا، وفصلوا موقفهم السياسي الداعم لها عن إجرامها، وفصلوا الكارثة الإنسانية عنها ونسبوها إلى الحرب، ووظفوها لصالحها، لفرض التفاوض معها والاستجابة لأطماعها وأطماع مشغليها الأجانب. واخترعوا تصنيف “معسكر الحرب”، وأدانوا به خصوم الميليشيا، وأخرجوها وداعميها من هذا التصنيف.*
▪️ *كل هذا، وغيره مما يشبهه، أثبت أن الحياد تجاه ميليشيا بمواصفات ميليشيا آل دقلو مستحيل أخلاقياً وعملياً، إذ لا يمكن “تأهيلها” له إلا “بمواقف غير محايدة”، ومنحازة ليس ضد الجيش فقط، بل ضد الوطن والمواطنين أيضاً! والواقع أثبت أن هذا “التأهيل” للميليشيا لم يحقق غرض القائمين به: لم يؤهلها للحياد، بل كشف استحالته، وحرمهم هم من “التأهيل” لادعاء تمثيل المواطنين والصدور عن مواقفهم. ولعل هذا هو ما فهمه بعض أدعياء الحياد الذين قاموا بإشهار تحالفهم مع الميليشيا بعد طول تستر!*
إبراهيم عثمان
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
قصف من بعيد بقنابل السفهاء
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
كيف نسامح هؤلاء الذين كنا نتوقع منهم التضامن والتعاطف والمواساة، لكنهم اختاروا إشغال الناس بأمور تافهة، واختاروا العودة بالعرب إلى القرن الهجري الاول ؟. .
نقترب الآن من الشهر الخامس من عام 2025، في مدن طحنتها الراجمات والصواريخ لأكثر من عام، حتى قلبت عاليها سافلها في بقعة اُرتكبت فيها ابشع المجازر والمآسي، وأُزهقت فيها الأرواح. .
تخيل انك تعيش هناك وتلوذ في منتصف الليل مع عيالك الذين أنهكهم الجوع والبرد والخوف، تطاردهم كوابيس الموت من ملجأ إلى ملجأ، ومن ملاذ إلى آخر. يختبئون كما القطط تحت سلم بناية هشة دمرها القصف الجوية، واحياناً يتجمعون في ركن مهجور. يرتفع صراخهم بين الحين والحين يحبسون انفاسهم كلما سمعوا فحيح طائرة قادمة أو دوي انفجارات قريبة. ينامون ويصحون بين خرائب مدينة لم تسلم فيها المساجد ولا الكنائس ولا المستشفيات ولا المدارس، ولم تسلم فيها بعثات الامم المتحدة، ولا فرق الإنقاذ، ولا رجال الصحافة والإعلام. ليس معهم من حطام الدنيا سوى صرة فيها خبز يابس، وبودرة حليب جاف حصلوا عليها من فرق الإغاثة، ومصباح يعمل بالطاقة الشمسية، وراديو ترانزيستور قديم. .
تخيل انك تعيش في هذه الاجواء المرعبة (لا ناصر ولا معين). فتستعين بهاتفك المحمول لمشاهدة منصة اليوتيوب. يدفعك الحماس للتعرف على آخر مواقف أشقاءك العرب والمسلمين، فيظهر لك (صابر مشهور) يحدثك الآن عن: (خلافات علي بن ابي طالب مع عثمان)، ولماذا لم يحضر جنازة عثمان ؟، ثم يحدثك عن العلويين والدروز والبهرة والإسماعيلية والإباضية. . وتبحث في اليوتيوب عن محاضرات الشيخ الفلسطيني (بسّام جرار) فتجده يحدثك الآن في هذا التوقيت عن (عظمة) معاوية بن ابي سفيان، وعن احداث معركة الجمل. احاديث وحكايات وقعت كلها في العصور الغابرة قبل اكثر من 1400 سنة. لا علاقة لها بمآسي اليوم، ولن تقدم لنا شيئا سوى التشويش على عقولنا. .
يتساءل العرب في كل مكان عن الاسباب والدوافع التي اضطرت هؤلاء إلى التضليل والتدليس والنفاق، ولماذا يصرون على نشر ثقافة التفاهة. بماذا تفيدنا الآن حكاية مقتل عثمان ؟. وهل لهذه الأحاديث علاقة بالجور والظلم والقهر الذي يتعرض له اهلنا الآن في شرق الارض وغربها ؟. المؤسف له ان هؤلاء لم يتعلموا من الكرة الأرضية سوى اللف والدوران. .
كلمة اخيرة: إذا كانوا لا يستطيعون الذود عن اخوانهم ولا يستطيعون الدفاع عنهم، فعلى أقل تقدير كان يمكنهم التضامن مع الأيتام والمفجوعين والجرحى والاسرى والمعذبين. أو يلوذوا بالصمت ويسكتوا وذلك أضعف الإيمان. .