الطلاب والأطباء الجدد جنود مجهولون لإنقاذ جرحى غزة
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
غزة- حينما قرر الطبيب معتز حرارة فتح قسم "استقبال وطوارئ" جديد في المستشفى المعمداني، لاستقبال جرحى الحرب بعد تدمير الاحتلال مستشفى الشفاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فوجئ بعقبة كبيرة تمثَّلت في صعوبة التواصل مع الأطباء المختصين، لتعطل شبكة الاتصالات ونزوح كثير منهم إلى جنوب قطاع غزة.
وسط هذا الفراغ الطبي الخطير، لم يتردد حرارة (رئيس قسم الاستقبال والطوارئ بمستشفى الشفاء) في اتخاذ قرار حاسم بالاستعانة بالخريجين الجدد وطلبة الامتياز، وطلاب كليات الطب، وبدأ في تدريبهم، بهدف إنقاذ الأرواح المهددة بالموت.
يقول حرارة للجزيرة نت "قبل الحرب، كان لدينا 60 طبيب طوارئ، وبعدها، تبين أن ثلثي الأطباء نزحوا إلى جنوب القطاع أو سافروا للخارج، بينما كان الثلث الباقي يعاني من ويلات النزوح مع عائلاتهم".
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي اجتاحت مستشفى الشفاء في غزة مرتين، أولاهما في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والثانية في مارس/آذار 2024، وألحقت به دمارا كبيرا وأخرجته عن الخدمة.
وتابع الطبيب حرارة قائلا "بدأت أبحث عن طلاب طب وأطباء جدد، وقرَّرت فتح قسم للطوارئ في مستشفى المعمداني لمواكبة التدفق الكبير للجرحى".
وكشف عن أن نحو 70% من العاملين في قسمي الاستقبال والطوارئ في مستشفيي الشفاء والمعمداني كانوا من الأطباء الجدد وطلاب كليات الطب.
إعلانواستطرد حرارة أن التحديات كانت كبيرة، خاصة مع قلة الخبرة لدى الأطباء الجدد، "لكننا كنا نعلمهم وندربهم على كيفية التعامل مع المواقف الصعبة".
وعلى سبيل المثال -يواصل حرارة- تطلبت بعض الحالات الحرجة تدخلا فوريا، فيتعلم الجدد كيفية تنفيذ الإجراءات اللازمة، كتركيب الأنبوب الصدري لتفريغ الهواء أو الدم، وهو عمل كان يقتصر على أطباء الجراحة المتمرِّسين.
وآنذاك، كان فريق المناوبة الليلي يتكون من 5 أطباء: طبيب طوارئ (موظف قديم)، مع طبيب متطوع، و3 طلاب طب، يعملون على مدار الساعة.
وأكد حرارة أن الأطباء الجدد والطلاب استفادوا كثيرا من خبرات الطوارئ، وأصبحوا أكثر مهارة في التعامل مع الحالات المعقدة، ولا يزالون على رأس عملهم، وأضاف "لن نتخلَ عنهم، هؤلاء كانوا الجنود المجهولين الذين ساعدونا في مواجهة الأزمة".
وظائف أخرىوقبل الحرب بنحو 3 أشهر تخرّج لؤي قنوع، وكان قد بدأ فترة التدريب (الامتياز) في قسم الطوارئ بمستشفى الشفاء، وحينما اشتد العدوان، قرَّر مواصلة عمله "تطوعا".
ويقول قنوع للجزيرة نت "كان الوضع صعبا للغاية، ونقص الأطباء من أكبر المشاكل التي واجهناها، فمعظمنا متطوعون وحديثو تخرُّج ومن دون خبرة، ورغم ذلك، فكان علينا التعامل مع حالات لا نملك المهارة الكافية للتعامل معها".
ويشعر قنوع بالفخر لإنقاذ حياة كثيرين، ومنهم طفلة أصيبت في رأسها وخرج جزء من دماغها، وقام بعلاجها رغم عدم توفر الإمكانات، وعلم لاحقا من والدها أنها نجت.
كما يحتفظ الطبيب الشاب في ذاكرته بمواقف كثيرة عجز أمامها، بينها وفاة طفل جريح احتاج إلى أنبوب تنفس صناعي، وكان يمكن أن يعيش لو توفر له، وأضاف "لم أنس هذا الطفل حتى اليوم".
وخلال الحرب اضطر قنوع للعمل في تخصصات متعددة، ومنها تشغيل جهاز تصوير الأشعة السينية، تحسبا لغياب الفنيين، وتجبير الكسور وخدمات التمريض.
حنين الداية، تخرجت عام 2022، وأنهت فترة "الامتياز" قبل الحرب بـ6 أشهر، ولم تتردد في التطوع لخدمة المرضى والجرحى.
إعلانوتقول للجزيرة نت "تنقلت بين مستشفيَي المعمداني والشفاء، وكنا نواجه صعوبات شديدة، خاصة عندما يستهدف الاحتلال المستشفيات أو المدارس أو المنازل، ويصلنا عدد هائل من الجرحى دفعة واحدة، بينما نعمل في مساحة صغيرة جدا، والجرحى ملقون على الأرض لعدم وجود أسرة فارغة".
ولفتت الداية إلى أن الأطباء القدامى كانوا حريصين على تعليمهم بشكل عملي، إضافة إلى تنظيم محاضرات تدريبية 3 مرات أسبوعيا.
وتكمل "يشرف الأطباء علينا في البداية، ثم بعد فترة يتركوننا للعمل دون متابعة مباشرة، لوجود عدد كبير من المصابين".
وتذكر إحدى الحالات التي أنقذت حياتها وتقول "كان هناك شاب فاقد للوعي، وملقى على الأرض وسط زحمة الجرحى، تابعته واكتشفت أنه أصيب بشظية قنبلة في غشاء القلب تسببت له بنزيف، وتمكنا من إنقاذه، وعاد بعد يومين ليشكرنا".
لكن الحرب -تتابع الداية- كانت مليئة بالحالات الصعبة أيضا، إحداها لمواطن نجا وحده من مجزرة راح ضحيتها 111 فردا من عائلته، ثم استشهد نظرا لقلة الإمكانات وصعوبة حالته.
يقول الطبيب محمد الجدبة، الذي أنهى فترة "الامتياز" قبل شهر من اندلاع الحرب، واصفا تجربته الصعبة "لم أكن قد حصلت على تصريح مزاولة المهنة بعد، لكن بمجرد بدء الحرب تطوعت للعمل في مستشفى الشفاء".
وأضاف للجزيرة نت "في أثناء عملي، واجهنا أعدادا هائلة من الجرحى، وكانت مفاجأة كبيرة لنا -نحن الأطباء الجدد- لأننا لم نكن نملك الخبرة الكافية للتعامل مع هذه الحالات المعقدة".
ورغم أنه اكتسب "خبرة كبير جدا"، من تلك التجربة، فإن الوضع كان صعبا على المستوى الشخصي، بالنسبة للجدبة، وتعرض لضغط شديد نتيجة لقلقه الدائم على عائلته، حيث كانت المناوبات تستمر لشهر كامل من دون العودة إلى منازلهم.
إعلانوعانوا كثيرا لتوفير الطعام ويقول "في أيام المجاعة، كنا نفطر على 3 تمرات فقط، ثم نضطر للمشي لمسافات طويلة للوصول إلى المستشفى بسبب انقطاع وسائل النقل".
ويسرد الجدبة موقفا صعبا، إبان المجاعة التي تعرض لها شمال القطاع، تمثَّل في وصول عائلة كاملة تناولت نباتا ساما من شدة الجوع، ولم تكن لديه معرفة كافية بكيفية التعامل مع السم أو المصل الخاص به، ورغم ذلك، فإنه نجح في التقليل من تركيزه، وإنقاذ الأسرة.
أما محمد الغازي، طالب السنة الرابعة في الطب، فتحدث عن تجربته التطوعية خلال الحرب وكيف تحوَّل لـ"طبيب عظام".
ويقول للجزيرة نت "بدأت التطوع في مستشفى الشفاء في السابع من يناير/كانون الثاني 2024، وكنت في السنة الثالثة، ودفعني لذلك حاجة الناس الكبيرة".
وأضاف "عملت في قسم العظام، وكنا نستقبل نحو 120 حالة يوميا، ونقوم بتجبيرها بالجبس"، وواصل "هذه الفترة شكَّلت نقلة نوعية بالنسبة لي، فقد كان لديّ القليل من المعلومات، لكن العمل تحت ضغط الظروف علمنا الكثير".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأطباء الجدد مستشفى الشفاء التعامل مع للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
أكاديمي يكشف للجزيرة نت أسباب هجرة عقول من أميركا بعهد ترامب
واشنطن- قرر أستاذ الفلسفة والمتخصص في دراسة الفاشية جيسون ستانلي أن يغادر جامعة ييل المرموقة إلى جامعة تورنتو الكندية، فهو يرى أن الولايات المتحدة قد تصبح "دكتاتورية فاشية"، ويخشى أن يكون للمناخ السياسي الحالي تبعات مباشرة عليه شخصيا وعلى عائلته.
ولا يعد البروفيسور ستانلي الأستاذ البارز الوحيد في جامعة ييل الذي يغادر أميركا خوفا من سياسات ترامب، حيث انضم إليه المؤرخان تيموثي سنايدر ومارسي شور، فيما يعد مؤشرا على أحد تبعات هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحريات الأكاديمية في أرقى الجامعات الأميركية.
وعلى مدار سنوات، دق البروفيسور ستانلي أجراس الإنذار بشأن ميول ترامب الاستبدادية، ويكرر وصفه له بشكل لا لُبس فيه بأنه "رئيس فاشي".
"أنا أغادر رغما عني، لأنني لا أريد مغادرة الولايات المتحدة، إنها وطني، ستظل دائما وطني" يقول جيسون ستانلي، ويضيف أن رفاهية أطفاله هي السبب الرئيسي لقراره، إذ قال "لدي ولدان أسودان، أنا خائف على سلامة أبنائي في ظل المناهضة الصريحة والعداء للسود في الوقت الحالي، والوضع بالنسبة لي أكثر رعبا مقارنة بشخص ليس لديه ولدان أسودان".
ويخشى ستانلي، الذي تزوج من طبيبة أميركية سوداء من أصول أفريقية وأنجب منها طفلين قبل أن يقع الطلاق بينهما مؤخرا، على ولديه من تاريخ ترامب الطويل في تبني وجهات النظر التي تسمو بالقومية البيضاء.
كما يرى أن إدارة ترامب الحالية تعمل على القضاء على مبادرات التنوع والإنصاف والشمول (DEI) في كل جوانب الحياة الأميركية، باعتبارها عنصرية معادية للبيض.
إعلانويقول ستانلي، وهو يهودي وابن ناجين من "الهولوكوست"، إن تاريخ عائلته أسهم أيضا في اختياره مغادرة الولايات المتحدة، حيث يقول إن "هناك أوجه تشابه واضحة بين المناخ في ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي، وما نراه في الولايات المتحدة اليوم".
كما لعب هجوم إدارة ترامب على الأوساط الأكاديمية دورا كبيرا في هذه الظاهرة، وفق ما يرى ستانلي، ويقول إنه "بعد استسلام جامعة كولومبيا، ستصبح مطالب إدارة ترامب للمؤسسات الأكاديمية أكثر جنونا بشكل مفرط".
وأشار إلى مطالب ترامب الأخيرة لجامعة هارفارد، والتي تشمل إلغاء برامج (DEI) ودعم "تنوع وجهات النظر" في القبول والتوظيف، وهو ما رفضته الجامعة، ليرد ترامب بتجميد ما يقرب من 2.3 مليار دولار من التمويل الفدرالي ردا على ذلك.
التذرع بمعادة الساميةانتقد ستانلي ترامب لتذرعه بمعاداة السامية وسط حملته القمعية للمؤسسات الأكاديمية، وجهوده لترحيل الطلاب المولودين خارج أميركا، فيما يتعلق بالاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات، وحذر أنه باستخدام هذا التأطير يدعم صورة نمطية خطرة مفادها أن "اليهود يسيطرون على مؤسسات قوية".
وتصور إدارة ترامب مرارا وتكرارا احتجاجات الحرم الجامعي على الحرب في غزة بأنها موالية لحركة حماس ومعادية للسامية، وأنها تحركت بدورها لإلغاء تأشيرات الطلاب في جميع أنحاء البلاد، مع تسليح الجامعات بقوة لسن إصلاحات مقابل استمرار التمويل.
وقال الأكاديمي إن تغطية وسائل الإعلام الأميركية للاحتجاجات على الحرب في غزة في حرم الجامعات العام الماضي اتبعت مسارا سيئا، موضحا "استغرق الأمر من وسائل الإعلام شهورا للاعتراف بوجود مشاركة يهودية كبيرة".
كما يتهم ستانلي وسائل الإعلام بالجهل وعدم فهم ما يسعى إليه ترامب، ويردد أن "إدارة ترامب تركز على الجامعات ليس بسبب التلقين الأيديولوجي، ولكن لأنها تحتوي على الكثير من الشباب الأذكياء من الطلاب، والطلاب كانوا دائما مصدرا للمقاومة ضد الاستبداد والحرب الظالمة".
إعلانوفي إشارة إلى أن أعضاء إدارة ترامب "قوميون مسيحيون"، قال ستانلي إن البيت الأبيض يستغل اليهود ومعاداة السامية من أجل السيطرة على الجامعات، وعبر عن قلقه من أن اليهود سيتعرضون في النهاية للوم بسبب فاشية ترامب.
وأضاف ستانلي أن أي نقاش حول هذا "يجب أن يبدأ وينتهي بحقيقة أنه يخفي معاناة الفلسطينيين الذين يواجهون إبادة جماعية"، واعتبر أن "الضحايا الحقيقيين في كل هذا هم سكان غزة، الذين يتم التستر على محنتهم غير العادية، من خلال هذا التظاهر الزائف بحماية اليهود الأميركيين، والشعب اليهودي يقف ضد الاستبداد، هذا هو دورنا التاريخي، نحن ندافع عن الليبرالية، وهم يحاولون تماما تغيير ما نمثله".
بدوره، هاجم الكاتب بمجلة "الأتلانتيك" جورج بيكر ما اعتبره "فرارا من أميركا قبل التعرض للتهديد"، واعتبر أن مغادرة هؤلاء الأكاديميين المعروفين -مؤرخان وفيلسوف- لا تعد بمنزلة تغيير مقر العمل فقط، "بل إنهم يفرون من أميركا لأنهم يرونها تقع تحت نظام استبدادي".
وقال بيكر إنه عندما سمع بنبأ نزوحهم من جامعة ييل، تساءل إن كان من المفترض أن يشيد بحكمة الأساتذة وشجاعتهم في إدراك أن الوقت قد حان للمغادرة، "لكن بدلا من ذلك، شعرت بخيانتهم" حسب قوله.
وأشار بيكر إلى أن الأساتذة الثلاثة سافروا إلى أوكرانيا في زمن الحرب، ودعموا قضيتها بلا كلل، ونددوا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، وشرحوا لزملائهم الأميركيين ما يعلمونه في التاريخ عن انهيار الدول الديمقراطية إلى حضن الدكتاتورية.
واعتبر بيكر أن "أي شخص يواجه الموت أو الاعتقال أو حتى المضايقات المستمرة، فإن الفرار من البلاد هو المسار العاقل، لكن في هذه الحالة فالشرطة السرية لا تأتي للبحث عن سنايدر أو شور أو ستانلي".
إعلانوأضاف أن "جامعة ييل -مثل الجامعات الأخرى رفيعة المستوى- ستخسر ملايين الدولارات من التمويل الفدرالي، لكن أساتذتها، وخاصة أولئك الذين لديهم جنسية أميركية، لا يزالون أحرارا بالتحدث نيابة عن مهاجر تم ترحيله ظلما، والدفاع عن طالب متحول جنسيا ضد التنمر والإذلال، والاحتجاج على ما تقوم به الحكومة الفدرالية، وحتى إدانة إيلون ماسك، لا يزال بإمكانهم كتابة كتب عن الفاشية".
وعن سؤاله عن كيفية معرفته متى يحين وقت الرحيل، رد بيكر بالقول "لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال، لكنني أعتقد أن الوقت لم يحن، ولا يبدو لي قريبا حتى"، وختم بيكر مقاله مخاطبا الأكاديميين الثلاثة بالقول "كونوا وطنيين".
مخاوف أميركيةتسبب خبر ترك ستانلي الولايات المتحدة صدمة في العديد من الدوائر الفكرية، فكتاب "كيف تعمل الفاشية: سياسة نحن وهم" والذي صدر عام 2018 يعد من أهم كتبه، لكنه اتخذ قراره بالانتقال لكندا لإدراكه لخطورة ما تمر به الولايات المتحدة خلال فترة حكم ترامب الثانية، وقال "لا أريد أن أربي أطفالي في بلد يميل نحو دكتاتورية فاشية".
وكتبت نيكول هانا جونز، الصحفية على منصة "بلوسكي" للتواصل الاجتماعي "عندما يغادر علماء الاستبداد والفاشية الجامعات الأميركية بسبب الوضع السياسي المتدهور هنا، يجب أن نقلق حقا".
بدورها، عبرت جامعة ييل عن دعمها لستانلي، وبقية أعضاء التدريس بها، وقالت في بيان لها "تفخر جامعة ييل بأعضاء هيئة التدريس فيها، والتي تضم أعضاء قد لا يعملون في المؤسسة بعد الآن، أو الذين قد تستمر مساهماتهم في الأوساط الأكاديمية في جامعات أخرى"، مؤكدة أن أعضاء هيئة التدريس يتخذون قرارات بشأن حياتهم المهنية لمجموعة متنوعة من الأسباب، وأنها تحترم كل هذه القرارات.