سودانايل:
2025-04-29@13:29:34 GMT

قراءة نقدية لمقال المجتمع الدولي والسودان

تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT

وصلتني رسالة قيمة من الصديق الكاتب الصحافي الأستاذ محمد أحمد شبشة، تعقيبا على مقالي السابق حول إدمان المجتمع الدولي الفشل في السودان، يقدم فيها قراءة نقدية لما طرحته في ذاك المقال. وقيمة الرسالة تكمن في ما حوته من مناقشة جادة وموضوعية، تتناول من زاوية نقدية الأفكار التي طرحتها في مقالي.
ابتدر الأستاذ شبشة رسالته مشيرا إلى أن المقال المعني قدم تشخيصًا حادًا وموجعًا لمسار المجتمع الدولي والإقليمي في تعاطيه مع الكارثة السودانية المستمرة منذ اندلاع الحرب قبل عامين.

وأن المقال ينطلق من أطروحة جوهرها أن المنظومة الدولية، بكل ما تملكه من مؤسسات ومواثيق ومبعوثين ومؤتمرات، تحوّلت إلى كيان مدمن على الفشل والعجز، مكتفية بإعادة تدوير عبارات الشجب والإدانة، بينما تغض الطرف عن مصادر تدفق السلاح والموت في السودان، في ظل عجز كامل عن حماية المدنيين أو توفير الحد الأدنى من الاستجابة الإنسانية. ويقول الأستاذ شبشة: «يقر الدكتور الشفيع بأن الحل لا يأتي من الخارج أو بالنيابة عن السودانيين، لكنه في الوقت ذاته لا يقلل من أهمية مساهمات المجتمع الدولي والإقليمي، بل يعتبرها ضرورية، شريطة أن تتجاوز الطابع الرمزي والخطابي إلى الفعل الحقيقي. غير أن ما نعيشه منذ مايو 2023 هو العكس تمامًا: مبادرات ومؤتمرات متكررة، من جدة إلى باريس ثم لندن، دون نتائج ملموسة على الأرض، حتى بدا وكأن تدوير الفشل صار سياسة قائمة بذاتها».
وفي قراءته النقدية، يسلط الإستاذ شبشة الضوء على فكرة في المقال تنبّه إلى التناقض الحاد بين خطابات المجتمع الدولي عن وحدة السودان ورفضه للتقسيم ومطالباته بوقف الحرب، وبين فشله العملي في فرض إجراءات رادعة لوقف تدفق السلاح ولجم التدخلات الإقليمية، خاصة في ظل غياب استراتيجية متكاملة أو تنسيق حقيقي بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى. ولكن سرعان ما يستدرك الأستاذ شبشة منوها ومنبها، فيقول «ورغم القيمة التحليلية العالية للمقال، إلا أن تحميل جزء كبير من المسؤولية لغياب «كتلة مدنية موحدة» في الداخل، يحتاج إلى تفكيك أعمق. فالواقع يؤكد أن فشل المجتمع الدولي لا يرتبط فقط بضعف الجبهة المدنية السودانية، بل أيضًا بوجود إرادة سياسية غائبة، أو ربما مقصودة، لإدارة الأزمة لا حلّها، وفق منطق توازنات إقليمية ودولية لا ترى في السودان سوى ساحة صراع بالوكالة، أو ملفًا هامشيًا في ظل اشتعال ملفات دولية أخرى». ثم يواصل فيقول «من جانب آخر، لا يتطرق المقال بوضوح إلى أدوار بعض الدول الإقليمية التي تغذي الحرب بشكل مباشر، رغم أن تقارير أممية وإعلامية عديدة تشير إلى دعم عسكري ولوجستي متكرر من دول عربية وأطراف أفريقية، وهو ما يجعل من «إدمان الفشل» في هذه الحالة أقرب إلى تواطؤ مغلّف بالدبلوماسية، لا مجرد ضعف أو عجز».

ويقرر الأستاذ شبشة بأن قيمة المقال تكمن في توصياته الواضحة في خاتمته، حيث يطالب المجتمع الدولي بالتركيز على ثلاث أولويات محددة، تمثل الحد الأدنى لأي تدخل دولي صادق، لكنها تظل رهينة لإرادة غائبة، في وقت تتسابق فيه القوى الفاعلة لتثبيت نفوذها، لا إنقاذ أرواح السودانيين. والأولويات الثلاث هي: 1 ـ وقف تدفق السلاح باعتباره الخطوة الأولى لوقف إطلاق النار. 2 ـ تحييد وتكثيف المساعدات الإنسانية وضمان عدم استغلالها سياسيًا. 3 ـ حماية المدنيين كأولوية لا تحتمل التأجيل أو التلاعب.
ويختتم الأستاذ شبشة رسالته القيمة مشيرا إلى أن «مقال الدكتور الشفيع خضر لا يكتفي بتسجيل الفشل، بل يدعو إلى مساءلة جذرية لأدوات التدخل الدولي، ويضع الأصبع على جرح الاستراتيجيات العرجاء التي تمارس النفاق باسم السلام. ولعلنا، كسودانيين، نحتاج أن نعيد توجيه البوصلة: من مطالبة المجتمع الدولي بفعل شيء، إلى مطالبته بالتوقف عن التواطؤ، أو على الأقل، الكف عن تمويه الفشل بمصطلحات إنسانية جوفاء».
انتهت رسالة الصديق شبشة، والتي حوت مناقشة تسير في ذات اتجاه ما سطرناه في العديد من مقالاتنا السابقة حول المجتمع الدولي وحرب السودان، حيث أشرت في أحد هذه المقالات إلى اعتقادي بأن المجتمع الدولي، والإقليمي أيضا، لم ينضب معين طاقتهما وتدابيرهما العملية لوقف الاقتتال في السودان. ولكن هناك كوابح عديدة تمنع تفجير هذه الطاقة وتفعيل هذه التدابير العملية، منها تضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، قائدة المجتمع الدولي والإقليمي، لإغماض أعينها عن مصدر تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، ومنها فقر المنهج الذي ظل يتبعه المجتمع الدولي والإقليمي وإفتقار تحركه إلى استراتيجية قوية وشاملة تجاه قضية الحرب. وفي مقال آخر منشور في عمودنا هذا، مارس/آذار 2924، كتبت: من غير المرجح أن تتوقف الحرب في السودان قريبا، وأن دولا في النطاقين الإقليمي والعالمي ربما لا ترغب في توقفها وتريدها أن تستمر لبعض الوقت. واستندت في استنتاجنا هذا إلى عدد من المؤشرات، منها استمرار تدفق الأسلحة بكثافة عبر دول في الإقليم، دون أي نية أو اتجاه وسط الدوائر العالمية ذات القدرة لحظر ذلك، مما يعني تشجيع استمرار القتال، وأن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع لم تواجه برد الفعل المناسب من المجتمع الدولي العالمي. وأن بنوك التفكير ومراكز القرار الدولية ظلت، في عدد من تقاريرها الرسمية، توصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، وكأنها توحي بأن استمرار الحرب يخدم هذا الغرض، خاصة، والسودان أصلا يحتل موقعا رئيسيا في مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يسعى لاستخدام الفوضى الخلاقة كآلية لإعادة تقسيم المنطقة، والسودان في مقدمتها، إلى دويلات ضعيفة ومتصارعة. ومن الواضح أن استمرار الحرب واتساع رقعتها مستخدمة التهجير والنزوح القسري، وفي ظل غياب خطوات مضادة فعالة من المجتمع الدولي، يخدم هذا المخطط.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجتمع الدولی والإقلیمی فی السودان

إقرأ أيضاً:

انعقاد المؤتمر الدولي التاسع للعلوم الاجتماعية في مكتبة الإسكندرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهدت مكتبة الإسكندرية، في الفترة من 24 إلى 26 أبريل 2025، انعقاد المؤتمر الدولي التاسع للعلوم الاجتماعية، بمشاركة رفيعة من تركيا، وذلك بالتعاون بين جامعة ساكاريا للعلوم التطبيقية والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري التابعة لجامعة الدول العربية.

ويعقد هذا المؤتمر لأول مرة في مصر، بمشاركة نخبة من أبرز الشخصيات الأكاديمية والسياسية، من بينهم رئيس مجلس الأمة التركي الكبير السابق الأستاذ الدكتور مصطفى شنطوب، ووزير التعليم الوطني التركي الأسبق محمود أوزر، إلى جانب عدد من البرلمانيين السابقين وأساتذة الجامعات من مصر وتركيا.

مكتبة الإسكندرية: منارة العلم والثقافة بين مصر وتركيا
وفي حفل الافتتاح الذي أقيم بمقر الأكاديمية، ألقى كل من الأستاذ الدكتور مصطفى شنطوب، وسفير تركيا بالقاهرة صالح موطلو شن، ووزير التعليم الوطني المصري الأسبق الدكتور يسري الجمل، ورئيس جامعة ساكاريا محمد صاريبيك، كلمات أكدوا فيها أهمية التعاون العلمي والثقافي بين مصر وتركيا.

وفي كلمته، اعتبر السفير صالح موطلو شن أن مكتبة الإسكندرية تمثل "أعظم كنز في تاريخ البشرية من حيث العلوم والفلسفة"، مشبهًا إياها بمنارة الإسكندرية التي أضاءت العالم بنور العلم والمعرفة.

 

دور مصر التاريخي في تأسيس علم الاجتماع
كما أشار إلى الدور المحوري الذي لعبته مصر في تأسيس علم الاجتماع، مذكرا بأن "المقدمة" التي كتبها ابن خلدون في القاهرة، نُقلت إلى العالم بفضل العلماء العثمانيين الذين ترجموا أعماله إلى التركية في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر.

وأوضح السفير شن أن الطبعة التركية القيّمة من "المقدمة"، والتي أسست لعلم الاجتماع العالمي، نُشرت في مطبعة بولاق الشهيرة خلال القرن التاسع عشر، مشيدًا بإسهامات مصر الثقافية والعلمية.

كما أشار إلى أن الإسكندرية كانت مركزاً للطريقة الشاذلية، التي أثرت بشكل واسع في الحياة الروحية التركية، مما يضفي بُعدًا إضافيًا على أهمية انعقاد المؤتمر في هذه المدينة العريقة.

وعلى هامش المؤتمر، زار الوفد التركي مقبرة الشهداء الأتراك، والأهرامات، والمتحف المصري الكبير، وعددًا من المعالم التاريخية والدينية بالقاهرة.

وخلال لقاءاته مع السفير التركي بالقاهرة، أكد الأستاذ الدكتور مصطفى شنطوب أهمية مطبعة بولاق في نشر الأعمال الأدبية والعلمية باللغة التركية، مما يعكس عمق العلاقات الثقافية بين مصر وتركيا عبر التاريخ.

1000117492 1000117493 1000117490 1000117469

مقالات مشابهة

  • السيسي والبرهان يؤكدان بالقاهرة رفضهما الإجراءات الأحادية بحوض النيل
  • السيسي والبرهان يؤكدان رفضهما "الإجراءات الأحادية" بحوض النيل  
  • بعد زيارة اليوم.. تاريخ طويل من العلاقات القوية بين مصر والسودان
  • الإحصاء: 1.2 مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين مصر والسودان خلال عام 2024
  • عاجل:- مصر والسودان يتفقان على مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحفظ الأمن المائى للدولتين
  • عاجل:- الرئيس السيسى والبرهان يؤكدان ضرورة توفير الدعم اللازم للسودانيين المقيمين بمناطق الحرب
  • السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
  • الشتات بوصفه مَجازًا مضادًا: قراءة نقدية في أطروحة “الشتات قيد التشكل في أستراليا”
  • انعقاد المؤتمر الدولي التاسع للعلوم الاجتماعية في مكتبة الإسكندرية