نظام عالمي جديد ‘‘صناعة صينية’’
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
تدور نقاشات واسعة في الدول الغربية محورها سؤال صعب، هل أخفق التنين الصيني في اختيار لحظة المواجهة لوضع نهاية للعصر الأميركي أم اعتقد أنه بات مؤهلاً للقيام بذلك في هذه اللحظة التاريخية؟ وما يترتب عن ذلك من أسئلة كثيرة حول طبيعة التغيير الدراماتيكي في المقاربة الصينية لعلاقاتها الكونية، وماذا حدث حتى تقدم الصين على رفع وتيرة المواجهة وفرد العضلات وتقديم مبادرات دولية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها سعي حثيث إلى بناء نظام عالمي جديد.
صحيح أن متخصصي الاستراتيجيات في العالم يرون أن ثمة مؤشرات لولادة أقطاب إقليمية وازنة في العلاقات الدولية، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن الصين يمكنها أن تقود النظام العالمي، وأن العصر الأميركي إلى زوال محتوم.
كثير من المراقبين للشأن الصيني يعيدون ما حدث في الصين من تغيير جوهري إلى شخص شي جينبينغ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني الذي أمسك بزمام القيادة في 2012 ليطلق مشروعاً توسعياً صينياً غير مسبوق في الساحة الدولية، بعد عقود من انكفاء الصين على نفسها، وقبولها التحول إلى ورشة عمل للانتقال من دولة زراعية إلى التنين الصناعي بتعاون مع العالم الحر تحت سقف العولمة.
ربما كان دافع شي جينبينغ تلك الطفرة الهائلة لثروة البلد الذي كان ناتجه القومي الإجمالي 92 مليار دولار في 1970، ليصل في 2021 إلى قرابة الـ18 تريليون دولار.
اقرأ أيضاً الصين تعلن أن السعودية وإيران تقودان ”موجة مصالحة” بالشرق الأوسط ولي العهد السعودي .. هل يفضل أمريكا أم روسيا أم الصين؟ المكتب التنفيذي لاتحاد الإعلاميين يلتقي القائم بأعمال السفير الصيني لدى اليمن الصين تعلن الاستعداد لتحقيق ”اختراق” في الأزمة اليمنية الإمارات تعلن إنطلاق مناورات جوية مشتركة مع الصين الحكومة اليمنية توجه طلبا جديدا للصين بإغلاق منصات المليشيا في ”تك توك” وبكين تتجاوب الخطوط الجوية السعودية تطلق رحلات مباشرة جديدة إلى الصين الصين تقترح تحديد وقت استخدام الإنترنت الهاتفي للأطفال فيضانات مخيفة تجتاح العاصمة الصينية بكين وإعلان حالة التأهب القصوى.. شاهد المياه تجرف عشرات السيارات الصين تعلن عن موعد أول تدريب مع سلاح الجو الإماراتي بعد شراء طائرات متقدمة الصين تعلن موقفًا صريحًا بشأن مجلس القيادة الرئاسي اليمني هيئة التشاور والمصالحة تبلغ كلًا من فرنسا وروسيا والصين موقفًا حاسمًا بشأن السلام مع مليشيا الحوثيبعد تفرده بالسلطة قرر شي جينبينغ أنه حان الوقت لوضع رؤية لترجمة ثلاثة عقود من جهد الصينيين للانتقال إلى عصر الهيمنة والنفوذ الاستراتيجي، وركزت رؤيته على إطلاق العنان للشركات الصينية في كل الاتجاهات شرقاً وغرباً تحت لافتة وحدة دول الجنوب ضد الظلم والاستغلال والنهب الغربي، واضعاً الصين في قيادة هذا التيار الشعبوي.
شي جينبينغ وعد خلال كلمته قبل أيام في قمة جوهانسبورغ لمجموعة "بريكس" أن العالم سيشهد حلول محركات نمو عالمية جديدة محل المحركات القديمة، وإعادة تشكيل عميق لنظام الحوكمة الدولية بعد أن وصل عالم اليوم إلى منعطف تاريخي حرج، مؤكداً أن أشياء جديدة ستحل محل الأشياء القديمة، في إشارة مستترة إلى نهاية عصر الغرب وبداية عصر الشرق بقيادة الصين.
ها هي الصين في الذكرى الـ40 لبدء إصلاحات اقتصاد السوق، وإلقاء الاقتصاد الشيوعي في سلة مهملات التاريخ، والانفتاح على الغرب، بقيادة الزعيم دينغ شياوبينغ، والتي حققت نمواً أسطورياً بمستويات الإنتاجية بفعل الاستثمار الرأسمالي على نطاق واسع والممول بمدخرات محلية ضخمة، واستثمارات غربية، تحاول القفز فوق حقائق التاريخ لتحقيق حلم ذلك الرجل الذي تنبأ قبل خمسة عقود بأن بلاده ستكون بعد خمس سنوات من اليوم قد أنهت عملية التحديث والسيطرة الاقتصادية والسياسية العالمية. فهل يفلح منطق التنجيم أم أن للتاريخ قولاً آخر؟
تباشير في الأمم المتحدة
في العام التالي لإمساكه بدفة الحكم، ومنذ عقد مضى بالتحديد حتى اليوم، أطلق شي جينبينغ مبادرة "الحزام والطريق" لبناء سوق كبيرة موحدة من خليط من الأسواق الدولية، وذلك عبر تطوير البنى التحتية في مختلف الدول لتسهيل الاستراتيجية التوسعية الصينية التي بدأت بوجه اقتصادي، إلا أنه سرعان ما ستنتهي بأوجه أمنية وعسكرية بامتياز.
في الحقيقة واجه مشروع "الحزام والطريق" منذ أيامه الأولى مخاوف دولية حول حجم الديون التي تترتب عنه لدى الدول الأفريقية والآسيوية، بما في ذلك مخاوف لدى الدول الأوروبية، وآخرها عزم إيطاليا الانسحاب من المبادرة حتى أطلق عليها مبادرة "الاستعمار الجديد عبر دبلوماسية فخاخ الديون".
وفي تقدير المراقبين بدأ يخفت ذلك الدفق الصيني نحو المبادرة، فخلال عقد ونيف قدمت الصين قروضاً لـ100 دولة بقيمة 500 مليار دولار تقريباً، إلا أن أرقام الديون اضمحلت خلال العامين الماضيين لتصل 10 مليارات دولار فقط.
في كلمته أمام الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) قبل الماضي، عرض شي جينبينغ "مبادرة التنمية العالمية"، باعتبارها حجر الأساس في رؤية الصين لنظام عالمي بديل يقف في وجه النظام الذي تقوده أميركا والدول الغربية. وتطرح الصين مبادرتها تحت لافتة تحفيز التنمية، والتخفيف من الفقر، وتحسين الصحة العالمية في الدول النامية.
وفي وقت قصير ألحقت مبادرة التنمية العالمية بمبادرات تكميلية أطلقها شي جينبينغ مثل "مبادرة الأمن الدولي"، و"مبادرة الحضارة العالمية"، في ثلاثي يشكل أجرأ خطوات الصين لحشد دعم دول الجنوب خلف قيادتها، وتقديم الصين بديلاً للنظام العالمي الحالي.
الصين التي لم يعرف عنها مسبقاً اهتماماً كبيراً بحشد الدعم الدولي لسياساتها، على رغم أنها كانت وما زالت العضو الدائم في مجلس الأمن، لكن تأثيرها لم يكن في يوم من الأيام بمستوى تأثير الدول الأخرى دائمة العضوية.
قرار شي جينبينغ حرك الوفد الصيني في الأمم المتحدة ليندفع بقوة لحشد تأييد دول الجنوب عبر تمويل مبادرة خلق مجموعة داعمة لتطلعاتها الدولية في الأمم المتحدة، أو كما قال شي جينبينغ نفسه في منتدى بنيويورك خلال العام الماضي، إن الصين تتطلع لرفع صوت الدول النامية في النظام العالمي.
ومن أجل ذلك أنشأت الصين بدعم من قيادة الأمم المتحدة مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية الدولية، التي اتسعت عضويتها خلال فترة وجيزة لتصل إلى 70 دولة، وتصر الصين على إبقاء قائمة الدول المنضوية في مجموعة أصدقائها من دون إعلان، لكن المراقبين يشيرون إلى بضع دول أبرزها كمبوديا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان وزيمبابوي، والتي باتت تصوت بنسبة 80 في المئة وما فوق لصالح الصين في كافة قرارات الجمعية العامة، وهي من بين الدول الأكثر تكبيلاً بالديون الصينية، وكلما زاد الولاء للصين زادت القروض السخية لتلك الدول، ولكنها في الأخير قروض وديون وليست هبات.
وتسعى الصين إلى توسيع مجموعة أصدقائها في الأمم المتحدة لتشمل الـ152 من قائمة الدول النامية في المنظمة الدولية، وإذا ما وصل حجم مريديها إلى هذا الرقم فستكون قد سيطرت على الغالبية العظمى من قائمة الـ193 دولة عضواً في المنظمة الدولية، لما لذلك من منافع ونفوذ كبيرين في السيطرة على التصويت، وفرض قراءاتها لقرارات الأمم المتحدة، ومن بينها دفاعها عن المبدأ الذي أطلقته باسم "الدبلوماسية المتعددة الحقيقية"، الذي تقول الصين إنه يدافع عن حق إعطاء وضع متساوٍ لكل الدول الأعضاء.
الصين بطرحها لهذا المبدأ إنما تتناقض مع ممارستها لموقفها من عملية إصلاح وتوسيع مجلس الأمن، حيث ترفض إعطاء أي من الدول المقترحة في التوسعة حق النقض الذي تتمتع به مع الدول الخمس دائمة العضوية، كما أنها ترفض انضمام الهند واليابان إلى مجلس الأمن الموسع باعتبارهما خصمين لدودين لها في آسيا.
سقف الطموح قصير
حقيقة أصبحت السياسة الاقتصادية والتجارية التي يتبناها شي جينبينغ أقل وهجاً وإقناعاً للشركات الغربية، فمحاولاته لتقديم الصين كشريك قوي وخصم خطر لم تعد تنطلي على كثر، وشعاراته حول صعود الشرق بقيادة الصين وأفول الغرب بات أمراً مشكوكاً به، وبدأ الحديث يتسرب إلى غرف الحوارات الاستراتيجية حول هيمنة بكين الاقتصادية التي تشهد تشققات جدية، فلم تتمكن الصين إلا من تحقيق نمو ضعيف في الناتج المحلي الإجمالي بعد سنوات من الإغلاق والقيود جائحة كورونا.
ويتوقع المراقبون مزيداً من التدهور لأزمة العقارات وزيادة البطالة بين الفئات الشابة إلى مستويات خطرة قد تصل إلى 50 في المئة، فيما يعيش قطاع الأعمال الخاص في قلق متزايد من سياسات التقييد الذي تفرضه الدولة على استثماراتهم، وإحجام المستهلكين عن الإنفاق، مع مؤشرات دنو أزمة كبيرة في الاقتصاد الصيني، وركود في نموه المستدام.
الأمر متصل بقدرة شي جينبينغ على مواصلة خطاب الترويج لرؤيته لاستكمال نبوءة "السيطرة الاقتصادية والسياسية العالمية"، وتعامل بكين غير المسبوق مع الغرب، مع ورود مؤشرات لسيطرة المتشددين على قيادة الحزب الشيوعي الصيني الذين يعمدون لإلقاء اللوم في مشكلات الصين على الغرب والولايات المتحدة بوجه التحديد، لتأجيج المشاعر القومية، وتشتيت الرأي العام، حيث أعاد آخر اجتماع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، بحسب وكالة "شينخوا" الرسمية ما تواجهه الصين إلى عديد من المخاطر الخفية في المجالات الرئيسة، وبيئة خارجية قاتمة ومعقدة.
- وزير الخارجية اليمني الأسبق
*إندبندنت عربية
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: فی الأمم المتحدة الصین تعلن الصین على
إقرأ أيضاً:
مشاريع سكك الحديد في أفريقيا وجه جديد لصراع النفوذ بين الصين وأميركا
تظهر حدة التنافس بين الصين والولايات المتحدة في القارة الأفريقية من خلال مشاريع البنية التحتية، حيث تسعى بكين لإحياء "سكة الحرية"، بينما تدعم واشنطن مشروع ممر لوبيتو.
وتقول الكاتبة مونيكا مارك في تقرير بصحيفة "فايننشال تايمز" إن الصين شيّدت "سكة الحرية" التي تربط بين زامبيا وتنزانيا قبل عدة عقود، وتحديدا في عهد الزعيم ماو، حيث قدمت قروضا دون فائدة بقيمة مليار يوان، وعمل فيها آلاف العمال الصينيين جنبا إلى جنب مع السكان المحليين، وكانت في ذروتها تنقل أكثر من مليون طن من النحاس والسلع الاستهلاكية والركاب سنويًا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تقارير استخباراتية أميركية: بوتين لن يتنازل عن السيطرة على أوكرانياlist 2 of 2صحف عالمية: التجويع المتعمد للمدنيين في غزة جريمة حربend of listوأضافت الكاتبة أنه بسبب نقص التمويل وسوء الإدارة أصبحت العربات مهملة والقضبان متهالكة، لكن زامبيا وتنزانيا تجريان حاليا مفاوضات مع تحالف تقوده شركة صينية لإعادة تأهيل وتشغيل السكة الحديدية بصفقة قيمتها مليار دولار، مما قد ينعش طريق تصدير إستراتيجي يعزز نفوذ بكين في المنطقة.
نهج صيني مختلفوحسب الكاتبة، فإن الاهتمام بالسكك الحديدية يعد نموذجا لنهج متجدد وأكثر مرونة ضمن الإستراتيجية الصينية للتنمية في الخارج، ويتزامن مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والقرار المماثل الذي اتخذته المملكة المتحدة، مما يثير تساؤلات عن مدى التزام الغرب بالمساعدات الخارجية ومشاريع التنمية عالميا.
إعلانوأوضحت الكاتبة أن الصين سلكت منذ فترة طويلة نهجا مختلفا عن الدول الغربية، حيث لا تركز على المساعدات الإنسانية بقدر ما تهتم بتمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، والتي يرى العديد من القادة الأفارقة أنها ضرورية لانتشال بلدانهم من الفقر.
وترى أن "سكة حديد تازارا" أو "سكة الحرية" كما أطلق عليها الصينيون حين تم تشييدها في سبعينيات القرن الماضي، تمثل محاولة جديدة لإنعاش أسهم الشركات الصينية المملوكة للدولة، وذلك بعد تعثر عدد من الدول في سداد القروض الصينية ضمن مبادرة الحزام والطريق، ومنها زامبيا.
تقول الكاتبة إن نجاح المشروع الصيني قد يكون له تداعيات كبيرة على صراع النفوذ بين القوى الكبرى في قارة غنية باحتياطيات النحاس والمعادن الأساسية الأخرى الضرورية للتحول العالمي في مجال الطاقة.
وتوضح أن المشروع الصيني يقابله مشروع منافس تدعمه الولايات المتحدة، حيث يجري العمل حاليا على تحديث ممر لوبيتو الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، بهدف نقل موارد زامبيا غربا عبر أنغولا.
وقد تم الاتفاق على هذا المشروع في عهد الرئيس السابق جو بايدن عبر مؤسسة التمويل الدولية، حيث تعهدت واشنطن بتقديم قرض بقيمة 553 مليون دولار وفق نموذج استثماري يجذب مستثمرين من القطاع الخاص.
ورغم أن قرار ترامب بتقليص المساعدات الخارجية الأميركية يثير حالة من عدم اليقين بشأن تمويل ممر لوبيتو، يرى الخبراء أن هذا النوع من المشاريع التجارية والإستراتيجية قد يشكل ملامح النفوذ الأميركي في القارة خلال الفترة القادمة.
ونقلت الكاتبة عن بيتر دويل، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي والباحث في المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، قوله إن رئاسة ترامب تمثل تغييرا جذريا في طريقة إدراك واشنطن لمصالحها في أفريقيا، مضيفا أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن نفوذها لصالح الصين.
إعلان نفوذ ناعميعتقد كوبوس فان ستادن، المدير التنفيذي لمشروع الصين أفريقيا، أن بكين قد لا تسد فجوة التمويل الإنساني التي خلفتها الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، إلا أنها قد توسع نفوذها الناعم بطرق أخرى.
وحسب رأيه، فإن هذا النفوذ قد يتعزز من خلال العمل على مشاريع مثل "المزارع النموذجية"، حيث تتعاون الجامعات الصينية والأفريقية في تطوير بذور مقاومة للتغيرات المناخية، مضيفا أن هذه المشاريع "ليست تجارية بالكامل، لكنها أيضا لا تُعتبر مساعدات بالمعنى التقليدي".
ويعتقد عدد من الخبراء -وفقا للكاتبة- أن تتحول المساعدات التنموية الأميركية إلى ما يشبه التوجه الصيني، وهي الإستراتيجية التي تعمل وفقها مؤسسة التمويل الدولية للتنمية، التي أنشأها ترامب خلال ولايته الأولى للاستثمار في الأسواق الناشئة ومنافسة مشاريع البنية التحتية الصينية في الجنوب العالمي.
ونقلت الكاتبة -عن مصادر مطلعة- أن مؤسسة التمويل الدولية للتنمية ما زالت ملتزمة بالمشاركة في مشروع لوبيتو، ومن المقرر أن تصرف جزءا من القرض هذا الشهر.
لكن المؤسسة نفسها تواجه تدقيقا من الإدارة الجديدة بشأن هيكلها وأهدافها، وما إذا كان ينبغي لها التركيز على الاقتصادات الكبرى واتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الدول التي تواصل التعاون مع الصين.