التحدي الحقيقي الذي يواجه الشعب السوداني ليس هو التعايش في ظل التناقضات والانقسامات الاجتماعية الموجودة في البلد؛ هذه التنافضات هي بلاشك تحدي ولكنه ثانوي ويُمكن التغلُّب عليه عبر مشروع وطني. ولكن التحدي الأكبر هو تحدي التحرر والسيادة الوطنية للشعب الذي يعيش على هذه الرقعة الواسعة التي تحمل اسم السودان.

هذه الأرض هي بالنسبة للعدو الخارجي عبارة عن موارد يجب استغلالها. مخططات التقسيم التي تستهدف السودان لها ماوراءها؛ فمن الغباء أن نتصور أن هناك من يريد تقسيم السودان لكي يحل لنا مشكلة التعايش والاستقرار.

جزء من المشاكل والازمات التي نعانيها قد يكون حقيقي ولكن هناك أيضاً من يلعب على هذه الازمات من أجل تقسيم بلدنا، لا لكي يحررنا من هذه الأزمات ولكن لكي يسهل عليه السيطرة علينا واستعبادنا.

حقيقة الأمل الوحيد للخلاص من مخططات الهيمنة والاستعباد هو دولة قوية متماسكة.

مساحة السودان الكبيرة وتنوع موارده وإمكانياته المادية والبشرية هذه عوامل قوة الدولة في صراعها من أجل البقاء في عالم لا يرحم الضعفاء.

مخطئ من يتصور أن دويلات صغيرة ضعيفة ستكون هي نهاية المطاف في التفكك والانحلال.

دولة ضعيفة في الوسط يعني أن تكون عرضة للمزيد من التفكك وفقدان المزيد من الأراضي في الشرق،

ستطمع فيك إثيوبيا التي ستكون أقوى منك وسكانها أضعاف سكانك ستحتل أجزاء من أراضيك،

دولة مثل إرتريا على ضعفها ستأخذ نصيبها من الكيكة، ليس هناك ضمان من عدم انفصال الشرق كله.

وستكون أضعف أمام دولة كبيرة وقوية مثل مصر التي هي أيضاً يمكن أن تحتل أجزاء من أراضيك. ويمكن أن يحدث أمر مشابه في الغرب.

نحن لسنا أقوى من دولة مثل أوكرانيا، وهي مهددة بالزوال من الخريطة كدولة.

السودان يستمد وزنه الإقليمي والدولي من إمكانياته الكبيرة من موقعه الاستراتيجي كمدخل لإفريقيا بموانيه وانبساطه وانفتاحه على الداخل الأفريقي وبموارده المتنوعه على امتداد جغرافيا السودان. تفككه إلى دويلات يعني فقدان هذا الوزن الاستراتيجي.

الجيش حالياً يقاتل تمرد مجموعة صغيرة تمردت عليه. داخل حدود السودان، ولكن يمكن تخيل نفس هذه الحرب مع اختلاف بسيط، حرب مع دولة جارة بجيشها وطايراتها ومطاراتها.

تخيل أن حدود دولتك هي ولاية القضارف أو حتى الجزيرة من الشرق وولاية شمال كردفان أو ربما غرب أم درمان والنيل الأبيض حتى. أي دولة بدون أي عمق جغرافي ما الذي سمنع من اجتياحك ومسحك من الخريطة نهائياً؟ النوايا الحسنة؟

الدول تشن الحروب لتوسيع حدودها، ليس لمجرد الطمع التوسعي ولكن أيضاً من أجل الدفاع، من أجل إبقاء الأعداء على أبعد مسافة ممكنة.

توسيع حدود الدولة يعني إبعاد الأعداء من عمقها الاستراتيجي والعكس صحيح. عندما تفقد مساحات جغرافية من دولتك يصبح العدو أقرب أكثر فأكثر.

فالجغرافيا هي أحد أهم الأسلحة في الحرب والدفاع عن الوجود. وهي أيضاً أهم عامل من عوامل القوة.

حليم عباس

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: من أجل

إقرأ أيضاً:

مؤشّرات تراجع مكانة الدولة العبرية

لا أحد يستطيع تغيير طبيعة السياسة العدوانية والإجرامية الإسرائيلية التي لا تحترم ولا تلتزم بأيّ اتفاقيات أو تعهّدات. ليس سوى القوة ما يُلزِم دولة الاحتلال على الالتزام رغم أنفها.

خلال المرحلة الأولى من الاتفاق بين حركة «حماس» ودولة الاحتلال، انتهكت الأخيرة ما وقّعت عليه عشرات المرّات، لكنها لم تفلح في تحقيق ما أرادت حكومتها الفاشية المفلسة. محاولات دولة الاحتلال لإرغام «حماس» على الاستسلام لما أرادت بشأن تمديد المرحلة الأولى والإفراج عن أعداد أكبر من الرهائن، لم تصل إلى نتيجة.

الإدارة الأميركية منحت بنيامين نتنياهو مهلة 10 أيام، لتحقيق ما أراد، لكنه لم ينجح، بل إنه استدعى المزيد من الضغوط الداخلية، التي تطالب حكومته بالذهاب إلى المرحلة الثانية، ووقف الحرب.

صعّدت حكومة الاحتلال تهديداتها إلى أقصى مدى، عَبر إغلاق المعابر، ووقف تدفّق المساعدات إلى قطاع غزّة، ثم حاولت إضفاء مصداقية على التهديدات بالعودة للقتال، عَبر تحرّكات عسكرية، لكنها في الأخير لم تتمكن من تجاوز عتبة تهديداتها، والاكتفاء بإغلاق المعابر.

بالتأكيد يرغب نتنياهو وفريقه بالعودة للقتال، باعتباره الأسلوب المعتمد لبقاء الائتلاف الحكومي الفاشي، على الرغم من أن الضغط العسكري لم يؤدِّ إلى الإفراج عن أيّ رهينة.

كلمة السرّ في هذا العجز تكمن في رفض الإدارة الأميركية العودة إلى الحرب الإبادية، وتصرّ على متابعة المفاوضات. كان ستيف ويتكوف المبعوث الأميركي قد قال: إنه سيحاول الإفراج عن الرهائن، إما بتمديد المرحلة الأولى، أو عَبر الانتقال للمفاوضات التي تتعلّق بالمرحلة الثانية.

صحوة المقاومة الفلسطينية - التي تقرأ على نحو جيّد طريقة تفكير كل من أميركا ودولة الاحتلال - أدّى إلى إرباك موقف الأخير، وأظهر عجزه عن اعتماد سياسة مستقلة خاصة به، والتصرّف وفق حساباته.

لذلك إن التطور الكبير - الذي ينطوي على أبعاد مهمّة - تمثل في تدخل الإدارة الأميركية على خطّ المفاوضات المباشرة مع «حماس» من دون انتظار الموافقة الإسرائيلية.

علينا أن نصدّق أنّ دولة الاحتلال لم تكن على علم مسبق بقرار الإدارة الأميركية الشروع في مفاوضات مباشرة مع «حماس»، وفي أقلّ تقدير فإن نفي نتنياهو علمه بتلك المفاوضات مجرّد محاولة فاشلة لحفظ ماء الوجه.

حفظ ماء الوجه فقط، لأنّ دولة الاحتلال لن تجرؤ على الاعتراض على ما تقوم الإدارة الأميركية بالتفاوض المباشر مع «حماس»، ولا الاعتراض على أيّ نتائج يمكن التوصّل إليها.

هيئة البث الإسرائيلية عكست حالة من الارتباك لدى حكومة الاحتلال، فلقد كانت أعلنت أنّ ثمّة تقدّماً في المفاوضات، ثم عادت لتتحدّث أن المفاوضات لم تحرز أيّ تقدّم.

الإدارة الأميركية قدّمت لنتنياهو السلّم الذي ينزل عليه؛ بعد أن دخلت خياراته في حالة اختناق، فلا هو قادر على نسف كل مجرى المفاوضات والذهاب إلى الحرب، ولا هو قادر على إرغام «حماس» على تغيير موقفها بالاتجاه الذي يستجيب ولو جزئياً للشروط الإسرائيلية.

في كلّ الحالات ثمّة رسائل مهمّة تقف خلف السلوك الأميركي، أوّلها أنّ هذه الإدارة لا علاقة لها بالمبادئ، وأنّها يمكن أن تتراجع عمّا يصدر عنها في العلن. هذه الإدارة ذهبت للتفاوض المباشر مع «حماس» التي صنّفتها على أنّها جماعة إرهابية، ما يعني أنّها تتمتّع بقدرٍ عالٍ من البراغماتية والمواقف غير المتوقّعة.

ثاني هذه التداعيات، أنّ الإدارة الأميركية ليست وسيطاً، بل إنها طرف مباشر في الصراع، بالنيابة عن دولة الاحتلال وبالأصالة عن نفسها، ما يؤكّد، أيضاً، أنها شريكة في كل ما ارتكبته وترتكبه الأخيرة من جرائم متعدّدة الأشكال.

ثالث هذه الرسائل، أنّ دولة الاحتلال - التي كانت تدّعي أنها سيّدة نفسها وسياساتها، وأنها دولة مستقلة - لا تلتزم بما لا يتوافق مع مصالحها وإستراتيجياتها حتى لو جاءت من حليفها الأميركي.
طبعاً مثل هذا الخطاب الإسرائيلي كان إلى حدّ ما وبالمعنى النسبي صحيحاً خلال مرحلة الإدارة «الديمقراطية» السابقة. فلقد عاندت وأقدمت على مواقف وإجراءات، تعارضت مع مواقف وطلبات إدارة جو بايدن.

غير أنّ هذا الخطاب اختفى مع مرحلة دونالد ترامب، إذ لم تصدر عن أيّ مسؤول إسرائيلي تبجّحات من هذا القبيل، بل إن الأسابيع المنصرمة من عمر الإدارة الأميركية الجديدة أظهرت أنها هي التي تقود، وتتعامل مع دولة الاحتلال على أنها أداة تنفيذية للسياسة والمواقف الأميركية.

هكذا أكدت دولة الاحتلال مكانتها باعتبارها أداة تابعة للسياسة الأميركية والدعم الأميركي، الذي إن توقّف عنها فإنها ستكون في حال يُرثى لها.

ويتكوف سيعود إلى المنطقة غداً، لتسريع عملية التفاوض، ولذلك لم يجد نتنياهو أمامه أيّ خيارات سوى أن يُرسل وفده إلى العاصمة القطرية ليظهر وكأنه شريك أساسي في المفاوضات.
المقاومة التي أثبتت نجاحها في الميدان تثبت مرّة أخرى نجاحها في معركة التفاوض، فهي لا تزال تصرّ على مواقفها وشروطها.

المقاومة تدرك أن إدارة ترامب لا ترغب في إعطاء فرصة لمعاودة الحرب الدموية، التي ستعيد فتح المجال أمام توسيع دائرتها بما يهدد الاستقرار الهشّ في المنطقة.

يعزّز هذا الاتجاه عدم نجاح الإدارة الأميركية حتى الآن في إقفال صفحة الحرب في أوكرانيا، ما يعني أنها تعتقد بإمكانية تحقيق نجاح أسرع على جبهة الشرق الأوسط.

إعلان جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) اليمنية، أنهم سيواصلون القتال على جبهة البحر الأحمر وإعطاء مهلة 4 أيام، لكي تعاود دولة الاحتلال فتح المعابر والسماح بتدفّق المساعدات، يؤخذ على محمل الجدّ لدى الإدارة الأميركية، ولكن ليس لدى دولة الاحتلال التي تتمنّى أن تتوفّر لها الذرائع بقلب الطاولة، لكنها ليست صاحبة قرار في ذلك، فالأمر منوط بالإدارة الأميركية التي ستعمل على التسريع في التوصّل إلى اتفاق.
(الأيام الفلسطينية)

مقالات مشابهة

  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • ما مستقبل اتفاق السلام في دولة جنوب السودان؟
  • مؤشّرات تراجع مكانة الدولة العبرية
  • الإمارات تدين الاعتداء على قوات أممية ومن جنوب السودان
  • الإمارات تدين الاعتداء على قوة الأمم المتحدة وقوات جنوب السودان
  • الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع في جنوب السودان
  • تنفيذاً لتوجيهات رئيس الدولة.. الإمارات تفتتح مستشفى مادهول الميداني في جنوب السودان
  • الإمارات تفتتح مستشفى مادهول الميداني في جنوب السودان
  • دولة القانون
  • كهرباء السودان تصدم مواطني الشرق