لجريدة عمان:
2025-04-29@05:40:09 GMT

من يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ

تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT

من يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ

أول ما تفكر الحروب في استهدافه هو الحقيقة، ومنذ زمن بعيد أدرك صناع الحروب أن إسكات الكلمة وقتل الصحفيين هو السبيل الأنجح لطمس الجرائم ومحو آثارها من الذاكرة الجماعية. فالصحفي في مثل هذه الحالة، هو العدو الأخطر لمن يريد أن يروي الحرب كما يشتهي، لا كما حدثت.

ولم يعد قتل الصحفيين في الحرب الظالمة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حادثا عرضيا أو خطأ غير متعمد ولكن، دون أدنى شك، سياسة ممنهجة لطمس الأدلة وإخضاع الوعي العالمي لسرديات المحتل الزائفة.

لكنّ الطموح الإسرائيلي المبني على الإيمان المطلق بالسردية الذاتية، يبدو أنه يتلاشى تمامًا بعد أكثر من 19 شهرا على بدء مجازر الاحتلال في قطاع غزة والذي راح ضحيته أكثر بكثير من 52 ألف فلسطيني بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، ولكل منهم قصته وحلمه وطموحه ومساره في هذا العالم.. فما زال صوت الحقيقة، ولو عبر ثقوب صغيرة جدا، يتسرب إلى العالم ويملك قوة تهشيم السردية الإسرائيلية، وصناعة الدهشة، وتحريك الضمائر الحرة في كل أنحاء العالم.

واغتالت يد الغدر الإسرائيلية منذ بدء الحرب أكثر من211 صحفيا، بعضهم تم استهدافه على الهواء مباشرة، وبعضهم رآه العالم وهو يحترق في خيمة الصحفيين حتى الموت، وهو عدد ضخم جدا في حرب واحدة لم تكمل بعد العامين. ولكل صحفي من هؤلاء حكايته التي لا نعرفها، وهو منشغل بنقل حكايات الآخرين من ضحايا الحرب، وله حلمه الذي ينتظر لحظة أن تضع الحرب أوزارها ليذهب نحو تحقيقه.. وكل جرائم هؤلاء أنهم اختاروا أن يكونوا شهودًا على الحقيقة، لا صامتين على الجريمة.

لم تكن الرواية يومًا كما يدعي الإسرائيليون، لكن الأمر كان، منذ الصحفي الأول الذي سقط ضحية للحقيقة، ممنهجا في سبيل احتكار الاحتلال للرواية، ليكتب الحرب وحده دون صور تُوثق أو أقلام تسائل ما يحدث أمام سطوة التاريخ التي لن ترحم في يوم من الأيام.. ويريد أن يحرق الحقيقة كما حرق أجساد الصحفيين، وأن يُطفئ العدسات كما يُُطفئ الحياة في عيون الأطفال.. تماما كما يستهدف المسعفين، ويدمر المستشفيات، ويقصف المدارس والجامعات.. إنه يستهدف، وفي كل مرة، شهود الجريمة أنفسهم.

وهذا ليس صادما لمن يفهم الاحتلال الإسرائيلي؛ فهو ينطلق دائمًا من مبدأ نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، وعقدة الاستثناء التاريخي من القوانين والأخلاقيات والمبادئ، وفصل جرائمه ضد الفلسطينيين، عن التقييم الأخلاقي والقانوني. ولذلك لا غرابة أن يعمد الاحتلال الصهيوني إلى اغتيال الحقيقة وإطفاء الأضواء في زمن الظلام؛ فالعمل الصحفي في نظره فعل مقاومة لأنه يعمل على كشف حقيقة ما يقوم به وفضح سردياته الملطخة بدماء الأبرياء.

رغم ذلك ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لإسكات الحقيقة عبر اغتيال أبطالها وحرقهم بالنار تبقى «الحقيقة» آخر جدار للصمود، ويبقى الصحفيون في غزة هم حراس هذا الجدار، يكتبون بالدم ويصورون بالألم وصراخهم صدى لآلاف الضحايا الذين قضوا دون أن نسمع لهم صوتا أو أنينا. ولن تستطيع إسرائيل أن تصدّر سردياتها للعالم فقد كشف أمرها تماما، ومن يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

التاريخ الأسود لقائد درع السودان ودوره القادم الأكثر قذارة

في خطابٍ مفاجئٍ نقلته حسابات إخبارية محلية وتداولته منصات التواصل الاجتماعي، هاجم قائد ميليشيا "درع السودان" كيكل قيادات الجيش ووزارة المالية السودانية باتهاماتٍ صريحة بتدمير مشروع الجزيرة الزراعي، وتجويع أبناء الولاية، ملوحًا بتهديدٍ خطير: "إذا فتحت فمي… فلن يبقى من قيادات الجيش أحد. أعرف من خطط، ومن خان، ومن باع. ولن أرتجف لحظة". هذه التصريحات لم تكن مجرد هجومٍ عابر، بل تكشف عن تاريخٍ أسود لهذا القائد، وتحذيرًا من دورٍ أكثر قذارة يُحضّر له في المشهد السوداني المتأزم. من صنع هذا القائد؟ نشأ كيكل ضمن تشكيلات "الدعم السريع"، حيث ارتقى سريعًا بفضل ولائه المطلق وتحالفه مع مراكز القوى التي وظّفته لتنفيذ أجنداتٍ عسكرية وأمنية. خلال سنوات الحرب، ارتبط اسمه بانتهاكاتٍ ممنهجة ضد المدنيين في ولاية الجزيرة، منها عمليات الإخلاء القسري، والاعتقالات التعسفية، وتجريف الأراضي الزراعية، ما أدى إلى تدميرٍ منهجي لاقتصاد المنطقة. تقارير حقوقية دولية ومحلية أدرجته ضمن قائمة "مشتبه في ارتكابهم جرائم حرب"، بينما يتهمه أبناء الولاية بالتواطؤ في تهريب المحاصيل وإفقار المزارعين عبر تحالفاتٍ مع شبكات فسادٍ مؤسسي. تهديدات كشف الأسرار: سلاحٌ مزدوج لا تأتي تهديدات كيكل بفضح "الملفات الخطيرة" من فراغ، فهي تعكس أسلوبًا متكررًا في مسيرته القائمة على الابتزاز السياسي. فمع تصاعد الضغوط الدولية والمحلية لمحاسبة قادة الميليشيات، يحاول كيكل تحويل نفسه من "مُجرم حرب" إلى "شاهد إثبات" ضد المؤسسة العسكرية، مستغلًا معرفته الوثيقة بتحالفات القادة والصفقات المشبوهة التي شهدتها سنوات الحرب. مصادره المعلنة – وإن بدت دفاعًا عن المظلومين – تُخفي هدفًا رئيسيًا: الحصانة من المحاكمة عبر إرباك الخصوم وإجبارهم على منحه ضماناتٍ أمنية وسياسية. مشروع الجزيرة: ورقة الضغط الأكثر قذارة اختار كيكل التصعيد عبر التلاعب بملفٍ حساسٍ يُجمع السودانيون على أهميته الاستراتيجية: مشروع الجزيرة الزراعي، الذي تحوّل من رمزٍ للاكتفاء الغذائي إلى ساحةٍ لصراعات النفوذ. بات تدمير المشروع – وفق اتهامات كيكل – أداةً لتجويع المدنيين وإضعاف مقاومتهم، ما يُظهر كيف حوّل القائد الميليشياوي الأزمة الإنسانية إلى سلاحٍ لتحقيق مكاسب شخصية. الأسوأ أن هذه التصريحات تزامنت مع تقارير عن تحالفاتٍ جديدة لكيكل مع جهاتٍ إقليمية تُموِّل صراعاتٍ جانبية، ما يفتح الباب لتحويل الولاية إلى سوقٍ لتجارة السلاح والموارد المسروقة. الدور القادم: من الابتزاز إلى التفجير المخاوف الأكبر لا تكمن في ما كشفه كيكل، بل فيما يُخبئه. فتصعيده الحالي يُعتبر جزءًا من استراتيجيةٍ أوسع لـتفجير التحالفات العسكرية القائمة، خاصة بين الجيش السوداني وفصائل الدعم السريع، عبر نشر وثائقَ مزعومةٍ تثبت تورط قياداتٍ في فسادٍ أو تعاونٍ مع أطراف خارجية. مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى: انهيار الثقة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية، مما يعقّد جهود بناء السلام. اندلاع مواجهاتٍ داخلية بين الميليشيات المتحالفة، واستبدال حربٍ مركزية بحروبٍ أهلية مصغرة. تعطيل الوساطات الدولية التي تسعى لوقف النزاع، لصالح إطالة أمد الحرب واستنزاف الموارد. كيف يُمكن كسر الحلقة؟ التاريخ الأسود لقادة مثل كيكل لا يُختصر في جرائم الماضي، بل في قدرته على استنساخ الأزمات عبر تحالفاتٍ جديدة. لمواجهة دوره القادم، يجب: محاكمته عاجلًا بتهم جرائم الحرب عبر آلياتٍ قضائية دولية أو محلية مستقلة، لسحب ورقة الابتزاز من يديه. كشف التمويل الخفي لتحالفاته الجديدة، سواء من جهات إقليمية أو شبكات فساد محلية. إشراف مدني مباشر على ملفات الفساد العسكري، وخاصة تلك المتعلقة بمشروع الجزيرة، لاستعادة ثقة المواطنين. ضغط دولي مُوجّه لإجبار الأطراف الإقليمية على وقف دعم الميليشيات، عبر عقوباتٍ تستهدف حلفاء كيكل. السيناريو الأسوأ هو تحوّل السودان إلى ساحةٍ مفتوحة لصراعات الابتزاز، حيث يُصبح كل قائد ميليشيا "حارس أسرار" يهدد بكشفها ما لم يُمنح نفوذًا أكبر. هنا، لن تنتهي الحرب بانتصار طرفٍ على آخر، بل بانتصار الفوضى على الدولة نفسها.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • أحمد حسن رمضان يكتب: نحن بخير .. إلى أن نلتقي
  • الثوابتة: الاحتلال يقتل أكثر من 18 ألف طفل وأكثر من 12 الف امرأة واباد أكثر من ألفي عائلة فلسطينية
  • محمد كركوتي يكتب: في الإمارات النمو أسرع
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: قَدَر البرهان وعفوية حماد عبد الله
  • الاحتلال الإسرائيلي يقتل 15 صحفيًا و17 شخصًا من عائلاتهم خلال الربع الأول من 2025
  • بعد فيديو القسام.. عائلات الأسرى الإسرائيليين: الضغط العسكري يقتل أسرانا
  • حسام الفقي يكتب: جنون الذهب.. وماذا لو عاد ترامب معتذرًا؟
  • مركز حقوقي بغزة: “إسرائيل” تتعمد قتل الصحفيين لترهيبهم ومنعهم من نقل الحقيقة
  • التاريخ الأسود لقائد درع السودان ودوره القادم الأكثر قذارة