تثير حرب السودان الجارية مخاوف دولية وإقليمية عن إمكانية احتضان البلاد الملتهبة جماعات إرهابية مرة أخرى. في الأسبوع الماضي، حذّر قائد البرنامج الأمني في الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) من استغلال الجماعات الإرهابية الفراغ في السودان للتمدّد، وهي مخاوف يبرّرها التاريخ القريب للإرهاب في السودان، البلد الذي صنّفته الولايات المتحدة دولة راعية للإرهاب 27 عاماً.
استضاف نظام الحركة الإسلامية (1989 – 2019) أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة عدة سنوات في الخرطوم. وبحسب تقرير لجنة التحقيق الأميركية في هجمات 11 سبتمبر (2001) في نيويورك وواشنطن، فإن حسن الترابي دعا بن لادن إلى "استخدام السودان كقاعدة لعمليات القاعدة في جميع أنحاء العالم وللإعداد لها". وحمل التقرير فصلاً بعنوان "بن لادن ينتقل إلى السودان"، تعقّب استثمارات الإرهابي الشهير في السودان وتعاون الأجهزة الأمنية معه، بل واحتيالها عليه أيضاً، فقد حاول "ضابط عسكري كان عضواً في الحكومة " بيع يورانيوم لأسامة بن لادن ب 1.5 مليون دولار، وبعد فحص المادة ظهر أن العسكري كان محتالاً وقدّم مادة مزيفة لـ"القاعدة".
كما دعم نظام الحركة الإسلامية تنظيم القاعدة في تنفيذ هجمات إرهابية ضد المدمّرة كول في اليمن، وسفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام. وبحسب حكم قضائي أميركي، "هناك أدلة قوية في هذه القضية قدّمتها شهادة الخبراء على أن حكومة السودان هي التي تسبّبت في قصف كول بموجب إجراءات سابقة لحكومة السودان". ورغم طرد النظام السابق أسامة بن لادن، إلا أن الدعم المعنوي له لم يتوقف حتى بعد تصفيته، فقد تزعم نائب رئيس هيئة علماء السودان، الشيخ عبد الحي يوسف، صلاة الغائب على روح بن لادن، وأعلن أن كل من يشمت في موت بن لادن كافر.
في منتصف تسعينات القرن الماضي، أوقفت السلطات الألمانية في مطار فرنكفورت مهندساً سوري الجنسية من قادة القاعدة، وسلّمته للاستخبارات الأميركية. عاش المهندس في السودان سنوات، وكان يؤم المصلين بشكل غير منتظم في مسجد بحي الرياض، شرق الخرطوم، ويقدّم دروساً دينية للمصلين. وبجانب دعم نظام الحركة الإسلامية "القاعدة"، فإنه قدّم الدعم لتنظيمات إرهابية أخرى، مثل الجماعة الإسلامية المصرية في محاولتها الشهيرة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا، وهو الدعم الذي اعترف به قادة الحركة الإسلامية بعضهم ضد بعض.
وامتدّت علاقات الحركة الاسلامية السودانية مع التنظيمات الارهابية بعد ذلك في تحالفاتها الدولية مثل علاقتها بالنظام الإيراني وعمليات تصنيع السلاح وتهريبه. وهي تهمة لم ينكرها القيادي غازي صلاح الدين، حيث سأل "ما العيب في أن تكون لدينا مصانع سلاح إيرانية في السودان؟". ورأى هذا منطقياً في مقابل الحصار الاقتصادي والمقاطعة الغربية. وفي 2011، تفاخر الرئيس السابق عمر البشير بأن نظامه دعم الجماعات الإسلامية الليبية بالسلاح. وظل هذا الدعم مستمرّاً حتى 2014، حين اتهمت ليبيا بشكل رسمي النظام السوداني بدعم جماعات إرهابية بعد القبض على طائرة عسكرية سودانية في مطار الكفرة، تحمل أسلحة متجهة إلى جماعات إرهابية في طرابلس. وفي الشهور التي سبقت الحرب الحالية، تعدّدت تهديدات الحركة الإسلامية السودانية لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بالذبح والقتل، ما دعا البعثة الأممية إلى مطالبة السلطات السودانية بالتحقيق في الأمر.
التاريخ القريب المليء بالاستثمارات، والعلاقة القوية مع الأجهزة الأمنية والعسكرية السودانية، ومع الحركة الإسلامية السودانية النشطة حالياً في حالة الحرب هذه، والتي تستنفر منسوبيها لحمل السلاح والمشاركة في الحرب، كلها تجعل تحقق مخاوف عودة الجماعات الإرهابية إلى السودان مسألة وقت، خصوصاً مع حالة الفوضى والسيولة التي تشهدها البلاد، فمثل هذا الفراغ مغرٍ للجماعات الإرهابية المحاصرة في سورية وليبيا ومناطق غرب أفريقيا لكي تنتقل بعمليّاتها إلى بلادٍ تتساقط أركانها بسبب الحرب.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
الصحة السودانية: 1351 إصابة كوليرا و58 وفاة في ثلاثة أيام
وزارة الصحة السودانية أرجعت انتشار المرض إلى مياه الشرب الملوثة جراء توقف المحطة الرئيسية للمياه نتيجة استهداف الدعم السريع لمحطة كهرباء أم دباكر.
بورتسودان: التغيير
كشفت وزارة الصحة السودانية، أن حالات الإصابة بوباء الكوليرا في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض بلغت 1351 حالة، منها 58 حالة وفاة خلال ثلاثة أيام (20- 22 فبراير الحالي).
وتعاني ولاية النيل الأبيض، التي تستضيف أعدادًا كبيرة من النازحين جراء الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، من انهيار في الخدمات الصحية ونقص حاد في الإمدادات الطبية.
وتزايدت في الأشهر الأخيرة حالات الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، مثل الكوليرا والتهاب الكبد الفيروسي، في ظل تراجع الاستجابة الصحية وانهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.
وقالت وزارة الصحة السودانية في تصريح صحفي حول الاستجابة والتدخلات الصحية العاجلة للكوليرا بمدينة كوستي بعد الانتشار السريع للوباء اليوم السبت، إن السبب الرئيسي للمرض هو مياه الشرب الملوثة والذي كان بسبب توقف المحطة الرئيسية للمياه بمدينة كوستي نتيجة استهداف مليشيا الدعم السريع لمحطة كهرباء أم دباكر.
وأضافت أنه كانت هنالك استجابة عاجلة من حكومة الولاية ووزارة الصحة الاتحادية والشركاء في عدة محاور أسهمت وبصورة فاعلة في نقصان معدل تزايد الحالات.
وذكرت أن التدخلات تمثلت في اجتماعات تنسيقية على مستوى الولاية وعلى مستوى الغرفة الإتحادية بوزارة الصحة برئاسة وزير الصحة الاتحادي، وكان من أهم التدخلات إعادة تشغيل المحطة الرئيسية للمياه بكوستي وتنفيذ حملة تطعيم للاستجابة لوباء الكوليرا، كذلك تأمين الإمداد بمحايل وريدية بـ40 ألف وحدة من المحاليل الوريدية.
وأوضحت أنه تم زيادة السعة السريرية لمركز العزل وذلك عبر الشراكة والعمل مع المنظمات الدولية العاملة بمجال الصحة (اليونيسيف والصحة العالمية وأطباء بلا حدود وبلان سودان) بجانب المنظمات الوطنية.
وأشارت إلى أنه تم تفعيل قانون الصحة العامة للطوارئ بإغلاق الأسواق والمدارس، المحلشات التجارية وتنفيذ حملات الإصحاح البيئي، وتطبيق الاحترازات والاشتراطات الصحية العامة.
وأكدت الوزارة استمرارية هذه التدخلات والتواصل المستمر مع كل الشركاء حتى يتم احتواء الوباء قريباً.
الوسومالتهاب الكبد الفيروسي الدعم السريع السودان الكوليرا كوستي محطة كهرباء أم دباكر وزارة الصحة ولاية النيل الأبيض