سودانايل:
2024-12-21@07:17:24 GMT

“أن تكون لاجئاً”

تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT

سمعته يقول لصاحبه الذي يقف بجانبه: أنا لاجئ أنا نازح، سمني كما تشاء !
قال له صاحبه: - لا.. حالتك هذه لا ينطبق عليها حرفياً وصف لاجئ...
- كيف يا رجل؟ وما هو اللجوء إذن؟
ثم عقب: "اللاجئ حسب تعريف الأمم المتحدة هو كل شخص يٌكره على ترك مكان إقامته بسبب اعتداء أو احتلال، وكل من تعرض للاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الإنتماء لفئة اجتماعية معينة ونتج عن ذلك فقدانه للأمن والسلام" .


- كنت استمع لحديثهما باهتمام بالغ، ولكن لحظة:: ماذا قلت؟ طلبت منه التوضيح أكثر لكلمة لاجئ! اعاد التعريف حرفياً، وكنت أستمع وأنا أتدبر كل حرف يقوله،
- هذا يعني أنت وأنا كلنا لاجئون!
- لم يدعني اكمل التأمل إذ باغتني بسرد لقصته الحزينة، شعرت أن هماً ثقيلاً يجثم على صدره وها قد حانت فرصة مناسبة كي يفرغ ذلك الهم أمامي .
"قصتي مثل قصة آلاف الناس الذين عايشوا فظائع الحرب خاصة في أيامها الأولى، هي قصة تختلط فيها الحقيقة بالخيال لأن أحداثها لا يمكن أن يصدقها عقل من فيض أهوالها، وطفق يحكي وأنا استمع أكاد أغالب دموعي على الرغم من اعتيادنا سماع المئات من القصص والحكايات الحزينة التي تجسد حال الناس والحرب والبلد المنكوب" ....
- قلت له وأنا اختم الحديث: كلنا لاجئون ...
فأن تكون لاجئاً يا عزيزي هو أن تقفل كل الدول أبوابها أمامك، من كان يصدق أن نكون لاجئين؟ لقد كانت بلادنا تحسن استقبال النازحين واللاجئين بكرم بالغ، حتى شهور قليلة كان السودان يستضيف أكثر من مليون لاجئ ونازح من دولة جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا وتشاد وسوريا. هذه هي احصائيات الأمم المتحدة الرسمية، لكن العدد الحقيقي يفوق ذلك كثيرا باعتبار أن هذه المنظمة تعتمد في إحصائياتها على أرقام اللاجئين الموجودين في مخيمات المنظمة دون أن تلقي بالاً لمن تسرب منهم للمدن والأرياف والذين تمازجوا مع بقية المواطنين لا تكاد تميز بينهم في الحقوق والواجبات. والسودان بذلك يعد أحد أكبر الدول في العالم والأول على مستوى القارة الإفريقية استضافة للاجئين.
إن تاريخ السودان في التعامل مع اللاجئين وقضايا اللجوء مشرف للغاية، ويمكن الجزم أن الحكومات السودانية التي تعاقبت منذ السبعينيات وحتى تاريخه تعاملت مع هذا الملف من منطلق الأخلاق السودانية التي تغيث الملهوف، وتقري الضيف، فقد استضاف السودان منذ العام 1980 وحتى الآن ملايين اللاجئين الذين هربوا من مناطق النزاعات في دول مجاورة.
ففي الثمانينيات خلال الحرب الأهلية في إثيوبيا استقبل السودان مئات الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين الذين فروا من النزاع والجوع. وفي التسعينيات قدم السودان الدعم للاجئين القادمين من إريتريا بسبب النزاع مع إثيوبيا وحرب الاستقلال في إريتريا.
وبعد انفصال الجنوب والاضطرابات التي حدثت هناك شهد السودان تدفقًا لموجات من اللاجئين من دولة جنوب السودان حيث قامت الحكومة السودانية بتقديم الدعم والمساعدة لأولئك اللاجئين.
ولم تقتصر مساعدة السودان لهذه الدول فحسب، بل استمر في مساعدة اللاجئين من دول أخرى مثل الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن، حيث شهدت تلك البلاد كما هو معلوم العديد من النزاعات والأزمات الإنسانية حيث لم يتوانى السودان عن تقديم المساعدات الإنسانية والحماية لمواطني تلك الدول الذين وجدوا في بلادنا الامن والأمان.
ومن المفارقات العجيبة أن هذه الدول هي أول من أغلق الباب أمام المواطنين السودانيين الذين عصفت بهم هذه الحرب اللعينة ولم يجدوا ملاذاً آمناً سوى هذه الدول التي لم تبادلنا غير الجحود ونكران الجميل، مع الأخذ في الاعتبار أن جلّ هؤلاء السودانيين الباحثين عن الأمان في دول الجوار فروا إليها بأموالهم فسكنوا في الفنادق والوحدات السكنية بحر مالهم، ورفدوا خزينة الدولة بملايين الدولارات فلم يشكلوا أي عبء على تلك الدول بل العكس تماماً، رغم أن بعض الدول ما تزال تصر على توصيف السودانيين العابرين إليها بوصف "لاجيء" لاعتبارات تتعلق بحصول هذه الدول على مساعدة المفوضية الدولية لشئون اللاجئيين.

قلت لصديقي ذاك: أن تكون لاجئاً إذن هو تغير النظرة إليك في كل موقع تطأه خارج بلادك وكأنك من تسبب في هذه الحرب وما أنت سوى ضحية لا تملك ناقة فيها ولا جمل...
أن تكون لاجئاً ليس بالضرورة أن تتشرد داخل وطنك، فكل من هم خارج حدود الوطن هم ضحايا هذه الحرب التي ألقت بظلالها على صحتهم البدنية والنفسية، وأقلقلت منامهم، وشلت تفكيرهم، وغيرت أولوياتهم، وبددت طموحاتهم.
قصص ومآسي لشريحة كبيرة من أبناء الوطن الذين يعيشون خارجه في ظل أوضاع أقل ما يمكن وصفها أنها كارثية، تقطعت السبل ببعضهم وتبددت مواردهم فلم يجدوا إلا سؤال الناس أعطوهم أو منعوهم، ومنهم العالقين في دول عديدة ينتظرون اعادة توطينهم من قبل تلك الدول، ومنهم من رهنوا أنفسهم للمنظمات والهيئات الدولية لعلها تلتفت لشأنهم.
أن تكون لاجئاً إذن هو أن تتحول معاناتك اليومية وتفكيرك المشغول بالمصائب هو عبارة عن مشاكل صغيرة غير مهمة ولا تكاد تلقى أدنى اهتمام من لدن غيرك، كيف تفكر بتأمين أهلك لاحتياجاتهم الضرورية من المأكل والمشرب، كيف تقلق على أهلك وأنت تعيش عراكهم اليومي مع الحياة والموت، كيف تعطل تفكيرك المميت بالمرضى وهم يتحايلون للحصول على دواء ، كيف تطرد من داخلك الأفكار الخبيثة وحالة الضياع والذهول والخوف من القادم المجهول، كيف تهرب من الأسئلة التي تحاصرك كل ثانية عن كل شي وفي كل شي ...
إذن كلنا لاجئون يا عزيزي...

abo_elhassen@yahoo.com
///////////////////

 

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الدول

إقرأ أيضاً:

“على بلاطة”

يهددوننا بشن الحرب!
هل تعرف ما الذي تعنيه الحرب ؟!
– لا.. !
حتى أنا، لكني سمعت بها من قبل!
شاهدت بعض الأفلام عنها، لا بد أنك فعلت أيضاً!
لكن لم يسبق لي عيش واحدة!
من المفترض أنها شيء مخيف يا صديقي.
يتحدثون عن تشكيل تحالف أمريكي – إسرائيلي ضدنا..!
سيقومون بقصف مدننا يا رجل!!
ليس هذا فحسب، سيغلقون مطاراتنا كذلك!
لن نقضي إجازة الصيف القادم في سويسرا كما هو مخطط له!!
الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، كلا!
سيفرضون حصاراً خانقاً على موانئنا ومنافذنا!
لا غذاء.. لا دواء.. لا مشتقات نفطية.. لا شيء!
ربما يقومون بنقل البنك المركزي ويمنعون مرتباتنا!
سيرتكبون المجازر.. سيقصفون صالات العزاء وصالات الأفراح والأسواق والمساجد والمدارس!
ربما نفقد شقيقاً.. ابن عم.. ابن خال.. عزيز ..
زميل.. جار.. أو حتى أنفسنا.. هذا مريع!
سيحركون أذرعتهم ومرتزقتهم في الداخل!
هل شاهدت فرحتهم وحماستهم ؟!
مثيرة للرعب يا رجل، هتافاتهم كذلك!
قادمون يا صنعاء..!
لا أدرى أي داهية ابتكرها!
قادمون يا صنعاء..!
يا إلهي، ألا تشعر برغبة في البكاء ؟!
– لا..!
حسناً.. يمكنك الضحك إذاً، لقد صبرت بما فيه الكفاية!
أبناء الساقطة يحاولون اخافتنا بدعابة قديمة!!
لا أدري ما الذي يفكرون فيه!
لا افهم سبب سعادتهم ونشوتهم واستبشارهم!
هل تعون ما الذي أنتم بصدد اختباره ؟!
لقد دسنا رقابكم بأسلحتنا الشخصية..
بندقيات الكلاشنكوف كانت كافية لتوزيعكم على كل قارة.
اليوم بتنا نصنع صواريخ فرط صوتية، هذه المرة سنحرص على إرسالكم إلى الجحيم أو إلى مجرة أخرى على أقل تقدير!
ما جديدكم.. ما الذي تغير، تفضلوا فاجئونا ؟!
«شن حرب على اليمن»
هذا حدث لا يستحق مغادرة الفراش لأجله!
سنفنيكم عن آخركم.. تذكروا هذا جيداً..
ومالم تحققوه بعباءة العروبة والإسلام لن تحققوه بتنورة الغرب واليهودية!
أما نحن سنفعل ما نجيده، هزيمة العالم!
من نصرنا في البارحة سينصرنا اليوم!
على الأقل، المنطق في صفنا هذه المرة!
الخوف.. مخيم عليكم أنتم أيها الحمقى السمج،
أنتم الحلقة الأضعف في هذا السيناريو..!

مقالات مشابهة

  • مجلس الأمن، والسودان
  • في جلسة لمجلس الأمن.. السودان يكشف بالأدلة عن شحنات سلاح مضطردة من الإمارات للدعم السريع ومهابط سرية لطائرات داخل السودان ويدفع مطالب عاجلة ويعلن عن “خطة” فيديو
  • في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر.. “تقدم”: الحرب الحالية امتداد لمحاولات النظام البائد الانتقام من الشعب السوداني
  • السودان: أحكام بالسجن المؤبد والإعدام في قضايا تعاون مع “الدعم السريع” 
  • “إسرائيل”: غاراتنا على اليمن لن تكون الأخيرة
  • “بلومبيرغ”: مفاوضات إيرانية روسية لبناء قاعدة عسكرية في السودان
  • بلينكن: لن نسمح بأن تكون سوريا “أرضا خصبة للإرهاب”
  • وجبات خفيفة “صحية” قد تكون السبب وراء زيادة الوزن!
  • “على بلاطة”
  • مطالب دولية بحماية المدنيين مع تزايد انتهاكات “حرب السودان”