أيزنهاور وانتصار الحق: حين أنقذ موقف أمريكا حلم عبد الناصر في استعادة قناة السويس
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
في كل لحظة مفصلية تعصف بالأمة العربية، يحضر اسم جمال عبد الناصر وكأنه ظل لا يفارق مشهد الأزمات، نستدعيه بكل شموخه حين نبحث عن معنى للكرامة، ثم لا نلبث، في اليوم التالي، أن نجلد صورته ونحاكمه بمعايير عصر لم يكن عصره، في ازدواجية مألوفة تكاد تختصر مأساة وعي شعوبنا.
ومع ذلك، يظل عبد الناصر، برغم تناقضات الأحكام عليه، الحاضر الغائب في كل منعطف مصيري، رمزًا لحقبة حلمت بالتحرر والكرامة رغم قسوة التحديات.
من هنا تبدأ قصة قناة السويس، ورجل آمن بأن السيادة الوطنية لا تقبل التجزئة. في 26 يوليو 1956، أعلن عبد الناصر تأميم القناة، متحديًا القوى التقليدية التي رأت في مصر مجرد رصيف آخر على طريق الإمبراطوريات. جاء الرد عنيفًا، فاندلعت نيران العدوان الثلاثي في أكتوبر من العام نفسه.
كان يمكن لمصر أن تخسر معركتها أمام آلة الحرب البريطانية الفرنسية الإسرائيلية لولا متغير لم يكن في الحسبان: موقف الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة دوايت أيزنهاور.
رغم أن بريطانيا وفرنسا كانتا شريكتين لأمريكا في انتصار الحرب العالمية الثانية، رفض أيزنهاور تواطؤهما في مغامرة عسكرية ضد دولة ناشئة تطالب بحقها المشروع. بإصرار أخلاقي واستراتيجي، تمسّك أيزنهاور بتطبيق قرارات الأمم المتحدة، مطالبًا بانسحاب القوات المعتدية دون قيد أو شرط.
وبالفعل، تحقق انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من منطقة قناة السويس في 23 ديسمبر 1956. ومع أن مصر احتفلت بعيد النصر، بقي استكمال التحرير ناقصًا بسبب تمسك إسرائيل باحتلال غزة وسيناء، محاولة فرض أمر واقع يخدم مصالحها المستقبلية.
هنا جاء التحرك الأمريكي الحاسم: كتب أيزنهاور إلى دافيد بن غوريون رسالة تهديد واضحة في نوفمبر 1956، لوّح فيها بوقف المعونة المالية الأمريكية - التي كانت تقدر بمئة مليون دولار - ومراجعة طبيعة التحالف الأمريكي الإسرائيلي الوليد.
قال أيزنهاور بنبرة لا تحتمل اللبس: "أحثك على الامتثال لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن تجعل قرارك بالانسحاب معروفًا فورًا. سيكون أمرًا في غاية الأسى لكل مواطني بلدي لو أن السياسة الإسرائيلية جاءت عائقًا أمام التعاون الودي بين بلدينا."لم تمضِ أسابيع حتى أجبرت إسرائيل على الانسحاب الكامل، وفتحت قناة السويس للملاحة تحت السيادة المصرية مجددًا، مع ضمان حرية المرور عبر مضيق تيران، إلى أن تبدلت المعادلة عشية نكسة يونيو 1967.حافظ عبد الناصر على تقديره لموقف أيزنهاور، واستقبل نائب الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون بحفاوة خلال زيارته للقاهرة عام 1963. كما التقى بأيزنهاور نفسه في نيويورك عام 1960، في لقاء حمل بين طياته إدراكًا عميقًا لدروس ذلك الزمن.
واليوم، حين نسمع قادة مثل دونالد ترامب يتحدثون عن "تكاليف الحماية" وضرورة "أن يدفع من تُحتمى دولهم"، ندرك كيف تحولت اللغة السياسية الأمريكية من دفاع عن الشرعية الدولية إلى تجارة بالمواقف والتحالفات.
ترامب لم يكن يستلهم موقف أيزنهاور حين أطلق تهديداته، بل كان يحسب التكاليف بالدولار، لا بمبادئ السيادة والحرية.
ومع ذلك، تبقى قصة عبد الناصر وقناة السويس درسًا خالدًا: أن للحق قوة خفية قد تفرض احترامها، حتى وسط قوى المصالح والصراعات الكبرى، وأن من حقب التاريخ ما يصعب أن يُقاس بمقاييس اللحظة، ، ، !!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الشؤون الجيوسياسية والصراعات الدولية
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: قناة السویس عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
المرصد المصري يدين تصريحات ترامب بشأن قناة السويس: السيادة الوطنية المصرية خط أحمر
أعربت مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام عن رفضها واستنكارها الشديد للتصريحات الأخيرة الصادرة عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي نشرها عبر منصته "تروث سوشيال" يوم السبت الموافق 26 أبريل 2025، وطالب فيها بمرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناة السويس وقناة بنما، مستندًا إلى مزاعم تاريخية غير دقيقة.
وأكد المرصد أن قناة السويس ممر مائي مصري خالص، شُيّد بسواعد المصريين وبتضحياتهم، وأن إدارتها وفرض رسوم العبور بها تخضعان للسيادة المصرية الكاملة، وفقًا للقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية التي تضمن حرية الملاحة مع احترام الحقوق السيادية للدول.
وقال في بيانه: “تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه المنطقة أزمات متصاعدة تهدد حرية الملاحة في البحر الأحمر، مما أدى إلى انخفاض إيرادات قناة السويس بشكل كبير، وهو ما يجعل التمسك بالسيادة الوطنية ومبادئ القانون الدولي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”.
وأضاف: “إن استدعاء خطابات الهيمنة وادعاءات الوصاية على مقدرات الشعوب مرفوض تمامًا، ويتعارض مع مبادئ النظام الدولي القائم على احترام السيادة الوطنية والمساواة بين الدول”.
وشدد المرصد على أن حماية قناة السويس كممر ملاحي دولي مسؤولية مصرية أصيلة، وأن أي محاولة للمساس بهذه السيادة تمثل انتهاكًا للقانون الدولي ولقواعد حرية التجارة العالمية.
وحثّ المرصد وسائل الإعلام المحلية والدولية على توخي الدقة والالتزام بالحقائق التاريخية في تناول هذا الملف، ودعم الجهود الرامية إلى احترام سيادة الدول واستقلال قرارها الوطني.