صدى البلد:
2025-04-28@04:34:05 GMT

مصطفى الشيمي يكتب: شبه أبيه

تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT

اسمي حمزة... أبعث بهذه الكلمات إلى كل من عرفني أو غاب عني؛ علّها تصل إلى من نسيته، أو من غيبه الزمن عن حياتي. لعل في قصتي ما يلمس شيئًا دفينًا في نفوسكم، فما مررت به لم يكن يومًا حكايتي وحدي.

منذ نعومة أظافري، عشت مع أمي وأخي بعد أن افترق والداي؛ انفصالًا بدا وديًّا في ظاهره، لكنه كان عاصفًا في أعماقه.

لم يكن زواجهما طبيعيًا، فقد جمعهما دم القرابة، وكم قيل إن زواج الأقارب يحمل معه اضطرابات لا تُحتمل، وقد كان نصيبي أن أعيش في ظل ذلك الاضطراب.

بعد الطلاق، تحولت أمي إلى كتلة من القسوة لا تعرف اللين. كنت أحتمل صمتها وغضبها، وأحتسب ألمها عند الله، مستذكرًا وصايا البر وطاعة الوالدين. ظننت أنني السبب، أنني ربما كنت عاقًّا دون أن أدري، أو عبئًا أثقل روحها. لكنني كنت، كلما نظرت إلى أخي شريف بما يصدر عنه من عقوق، أدرك أنني أمامه كنت كالملَك الطاهر.

كان لشريف الغرفة المُطلة، ولي الغرفة الداخلية. له الثياب الجديدة، ولي ما ضاق عليه. كان يتلذذ بطعام طازج، بينما كنت أبحث في بقايا المطبخ عن فتات الأيام. حاولت مرارًا الهروب إلى أبي، لكن زوجته كانت ترفضني خشية أن أكون جسرًا يعود به إلى أمي.

شريف كان الابن المدلل، والأكثر شبهًا بأمي. أدمن المخدرات، وكانت أمي تعلم لكنها لم تعترض. أما أنا، حين شمّت رائحة السجائر على ملابسي ذات يوم، انهالت عليّ ضربًا وسبابًا ودعاءً ثقيلًا. لم يكن التمييز مقتصرًا على الهدايا، بل تعداه إلى المشاعر. كانت تمنحه القطعة الكبرى من اللحم، وتجلب له أثمن الثياب والعطور، فيما كانت ملابسي من سوق الجملة، وكأنني لقيط لا يمت لها بصلة. وحين أصاب شريف المرض ورسب في امتحاناته، كانت تردد دون ملل او رحمة : "كان أحقّ منك بمقعدك في الجامعة." 

تحملت... وصبرت بصمت. ظننت أنني أدفع ثمن الوحدة، ثمن الطلاق، ثمن الغياب الذي خلّفه والدي في حياتها.

أتذكر يوم كسرتُ فنجان قهوتها المفضل؟ لم يكن القصد، كانت يداي المرتعشتان أضعف من أن تحمل ثقل الخزف. نظرت إليّ كمن يرى فيّ وصمة عار، لا مجرد خطأ. صفعتني أمام الزوار، ثم ألقت بي إلى البرد القارس خلف الباب، أطرق وأبكي حتى ابتلت ثيابي.

وفي عيد ميلادي، لم تهنئني. لم تنسَ التاريخ، لكنها تعمدت أن تنساني. أما يوم ميلاد شريف، صنعت له كعكة وزينت البيت قبل شهر من يومه. أما يومي فمرّ كأنه لعنة سقطت سهواً في تقويمها. لم أسمع "كل سنة وأنت طيب" إلا من جارة طيبة القلب.

حين مرضتُ ذات شتاء، واشتدت عليّ الحمى، توسلت إليها أن تجلس بجانبي. قالت ببرود: "أنا مش فاضية لدلّعك." تركتني أرتجف وحدي، بينما كانت تطهو حساءً دافئًا لشريف وتضحك معه خلف الأبواب المغلقة.

وذات يوم، في السابعة عشرة من عمري، سُرق هاتفي في المدرسة. عدت مرتجفًا، لا خوفًا على الهاتف، بل من ردّة فعلها. جلست أمامها أشرح، لكنها صرخت في وجهي: "أكيد انت اللي بعته! زيّك زي أبوك، كذاب وبتاع حِيَل!" ثم ألقت حذاءها تجاهي، وأغلقت باب الغرفة بالمفتاح، وتركتني محبوسًا لساعات.

وفي مرة أخرى، تعرضت لمضايقة من أحد الصبية في الشارع. دافعت عن نفسي، وعدت بعين دامية. لكنها لم تسأل عن الجاني، بل حكمت عليّ بجفاء ، وقالت  : "عمر الطيبين ما حد يمد إيده عليهم." لم تكن تبحث عن الحقيقة، كانت تبحث فقط عن ذنب تثبت به أنني لا أستحقها.

وذات ليلة، بعد مشادة مع شريف، نظرت إليّ وقالت، بهدوء يخترق العظام: “أنتوا الاتنين ولادي، بس هو ابني اللي بجد. أما أنت، فكلما نظرت إليك، شعرت أنك باقٍ مني غصبًا عني.”

ثم جاءت الجملة التي كشفت لي ظلام  السنين، حين قالت لي، كمن يزيح عن كاهله سرًا ثقيلًا: “لو لم يكن شريف موجود ، فأنا متأكدة أنك كنت ستفعل بي كما يفعل أبناء دور المسنين... أنت تشبه أباك في الملامح، في الطباع، في كل شيء. وكلما نظرت إليك، تذكرت كل ما كسرني.”

حينها فهمت ما ذنبي !  لا شيء... سوى أن ملامحي تشبه أبًا كرهته، فصرتُ أدفع الثمن كل يوم . كنت مرآتها، ترى فيّ هزيمتها، فكسرتني كي لا ترى كسرها.

وربما جاءت هذه السطور لتبوح بألمي، لأن كثيرين مثلي يكتمون صرخاتهم. فما لا يُقال، يظل ينخر أرواحنا بصمت. فإن كنت مررت بما يشبهني، فاعلم أنك لست وحدك. وإن لم تمر، فادعُ لحمزة... ذاك الذي كان “شبه أبيه”

طباعة شارك شبه أبيه مصطفى الشيمي

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مصطفى الشيمي لم یکن

إقرأ أيضاً:

علي الأزهري: الرجل مطالب بالإنفاق على زوجته حتى لو كانت غنية

قال الدكتور علي محمد الأزهري عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، إن الإسلام جاء ووضع كرامة للإنسان، بعد أن كانت مهانة في الكثير من الديانات قبل الإسلام.  

بعد وفاة زوجها إبراهيم شيكا..هبة التركي تعلن إصابتها بجلطةهل يجوز للمرأة التصدق من مال زوجها؟.. دينا أبو الخير تجيب

وأضاف عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، خلال حواره ببرنامج "علامة استفهام" تقديم الإعلامي مصعب العباسي، أن الإسلام أعطى كل شخص الحرية في اختيار الدين.

ولفت إلى أن الإسلام وضع الضوابط الشريعة في كل شيء، وأعطى لكل شخص الحرية بضوابط، كما أعطى لكل شخص حق اختيار الحاكم.

وأكد أنه يجب على الرجل أن ينفق على زوجته حتى إذا كانت من أغنى أغنياء العالم، مشيرا إلى أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الكثير من الأمور إلا فيما يتعلق بأمر النفقة، فإنه يجب على الرجل أن ينفق على زوجته حتى إذا كانت من أغنى أغنياء العالم.

وتابع: "الإسلام وضع الضوابط؛ لضمان الحقوق بين الناس، وألا يأخذ القوي حق الضعيف".

طباعة شارك الأزهر الإسلام النفقة الرجل والمرأة الحقوق

مقالات مشابهة

  • علي الأزهري: الرجل مطالب بالإنفاق على زوجته حتى لو كانت غنية
  • زراعة الوادي الجديد: الموافقة علي إقامة 419 مشروع إنتاج حيواني وداجني
  • قصة الابن الذي سرق أغنام أبيه .. فيديو
  • بينهما 26 دفعة.. باسل العسيري على خطى أبيه كرقيب أول لكلية الملك فهد البحرية
  • بينهما 26 دفعة.. باسل الغامدي على خطى أبيه كرقيب أول لكلية الملك فهد البحرية
  • جنايات المنيا تحيل قاتل شقيقته وزوجة أبيه إلى المفتي
  • بعد تقرير الطب النفسي.. جنايات المنيا تحيل أوراق قاتل شقيقه وزوجة أبيه للمفتى
  • فضحية تهز اسبانيا .. قرارات منع تزويد إسرائيل بالسلاح كانت دعاية
  • أخبار التوك شو| مصطفى بكري: الرئيس السيسي مستهدف من القوى المعادية لوقوفه ضد مخطط التهجير.. مساعد وزير الدفاع الأسبق: حرب الاستنزاف كانت الممهد الحقيقي لنصر أكتوبر