(ضوء الكتب لا يخفت، وعطرها لا يهدأ، وأثرها لا يغيب، رغم تحولات العصور وتبدل صيغ المعرفة) رغم كل ما قيل وما زال يقال عن واقع اضمحلال الكتب الورقية التقليدية، وإحلال المعرفة الرقمية محلها توفيرا للوقت والمال وحتى الجهد، رغم الانتصار الهائل المشترك للمؤلفات الرقمية والنشر الإلكتروني باعتبارها وسائل المستقبل لتلقي المعرفة وتعميق الوعي، رغم استغراق الناس واستنزاف طاقاتهم في السعي الواقعي عن لقمة اليوم، والحرص على تأمين قوت الغد إلا أن معارض الكتب في عواصم مختلفة من العالم ما زالت تثبت لنا عاما بعد عام أن ضوء الكتب لا يخفت، وعطرها لا يهدأ، وأثرها لا يغيب، وأنها ما زالت خير جليس في الزمان رغم تحولات العصور وتبدل صيغ الكتب، بعيدا عن شتات الصدامات السياسية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتناحر الأحزاب .
انطلقت الدورة الـتاسعة والعشرون لمعرض مسقط الدولي للكتاب في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض بمشاركة 674 دار نشر من 35 دول، المعرض الذي يمتد حتى الثالث من مايو تحت شعار «التنوع الثقافي ثراء للحضارات العالمية» ويبلغ إجمالي العناوين والإصدارات المدرجة بموقعه الإلكتروني 681 ألفا و41 عنوانا منها 646 ألفا و413 -تقريبا- من الكتب العربية، والذي تحل محافظة شمال الشرقية (ضيف شرف) الدورة وفقا للتقليد المتبع سنويا باختيار إحدى محافظات سلطنة عُمان لتسليط الضوء عليها وإبراز ملامحها التاريخية والتعريف بأعلامها في مجالات الفنون والثقافة، يشمل برنامج المعرض أكثر من 200 فعالية ثقافية بين ندوات وورشٍ ومحاضرات وأمسيات شعرية إضافة إلى 155 فعالية موجهة للأطفال.
معرض مسقط تضمن في فعالياته الثقافية لهذا العام شعاره في التنوع الثقافي بتنويع مصادر الفعاليات ومنظميها محليا وعربيا وعالميا، كما تنوعت موزعة على شتى ضروب المعرفة والعلوم والفنون، إضافة إلى التنويع العصري بين ما هو تقليدي كلاسيكي وما هو عصري متمدن سواء في المحتوى أو في طريقة العرض مشتملا عنوانات تتعلق بصناعة المحتوى الرقمي، والذكاء الاصطناعي ،وعلاقتهما بالمعرفة ،والثقافة،كما حرصت جهات عديدة على تزامن إطلاق مبادراتها ومعرض الكتاب، ومن بين تلك المبادرات إطلاق وزارة الإعلام منصة «عين» للأطفال في خطوة باتجاه تعزيز المحتوى الموجه للأطفال وتزويدهم بمصادر المعرفة.
شخصيات سياسية واجتماعية حرصت على متابعة وحضور معرض الكتاب حتى وإن كانت متابعة عن بعد، لكن شخصيات أخرى أبت إلا توقيع أثرها على صفحة المعرض، تماما كما وقعت حضورها الفعلي في معرض الكتاب بمسقط حيث استقبل معرض الكتاب هذا العام توقيع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، أحدث إصداراته التاريخية «البرتغاليون في بحر عُمان، أحداث في حوليات من 1497م إلى 1757م»، الصادر عن منشورات القاسمي، الموسوعة التي تأتي ضمن سلسلة مكونة من واحد وعشرين مجلداً باللغة العربية، يقابلها نفس عدد المجلدات باللغة الإنجليزية، ويحتوي كل مجلد على مجموعة من الوثائق، بلغ مجموعها في الحولية 1138 وثيقة، جُمعت من جميع مراكز الوثائق في العالم، وسجلت النسخ الإلكترونية المجانية التي وفرتها منشورات القاسمي في جناحها بالمعرض إقبالاً كبيراً من الزوار الذين حرصوا على اقتنائها للاطّلاع على الموسوعة الجديدة فيما تم أيضاً توزيع كود المسح الإلكتروني للوصول إلى الموسوعة عبر الإنترنت، وقد بلغ عدد النسخ الإلكترونية المخصصة للتوزيع 10 آلاف نسخة عبر ذاكرة إلكترونية تنوعت بين اللغتين العربية والإنجليزية تم تجهيزها عبر تغليف يشبه المجلدات الخاصة بالموسوعة.
كما وقع وقّع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، كتابه «قوّة التفاوض»، في جناح دار «لُبان» على وقع المفاوضات المكثّفة بين الولايات المتحدة وإيران، بشأن البرنامج النووي لطهران، والتي تضج بها أروقة سلطنة عُمان وسيط السلام بين الدولتين، وبيت السلام للجميع في كل وقت، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية «إن حضور عرقجي، هو أكثر من حضور ثقافي؛ بل هي رسالة دبلوماسية ناعمة، تؤكد مكانة عُمان كوسيط موثوق به، يجمع الفرقاء تحت مظلة الحوار الهادئ بعيداً عن صخب السياسة» أضافت الوكالة : «إن الكتاب يصلح بحسب المختصين كمرجع أكاديمي للراغبين بتعلّم فنون التفاوض، وفهم أبعاد المفاوضات السياسية، حيث عزّزه عرقجي بدراسة حالة مفاوضات إيران مع مجموعة الـ5+1 التي انتهت عام 2015، بالتوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية”تضمن المعرض كذلك مجموعة من المؤلفات العمانية في مختلف صنوف العلم والأدب صادرة عن دور نشر مختلفة محليا وإقليميا وعالميا، مما يعكس نشاط حركة التأليف آملين دعمها بمبادرات تعكس نشاط حركة التلقي، إذ لم يعد معرض الكتاب مكانا لشراء الكتب وحسب، بل اتسع ليشمل كل ما من شأنه الاحتفاء بالتنوع الثقافي والتبادل المعرفي، متضمنا عزيز اللقاءات التخصصية والنقاشات التفاعلية ورفدها بالممكن من أسباب التكنولوجيا وتقنيات المعرفة المعاصرة.
ختاما: ليست أيام المعرض لمؤلفي الكتب وحدهم، ولا لدور النشر المتنافسة حضورا وتسويقا، ولا للمختصين الحاضرين لنقل خبراتهم ومهاراتهم ومعارفهم في مجالات مختلفة لجمهور يسعى للمعرفة مدركا أثرها حضورا أو غيابا، معرض الكتاب لنا جميعا ونحن نحتفي بنا دعاة معرفة ثقافية، وعلوم تخصصية، بنا ونحن نلتقي في أرجاء المعرض متبادلين قوائم لكتب أحببناها، وأخرى أفدنا منها، قوائم أخرى لكتب نحب اقتناءها ونسعى لقراءتها، بنا ومعنا ولنا مؤكدين للجميع قدرة وتمكن عُمان من استضافة كل ما تضمن المعرض من اختلاف وتباين وتعدد معرفي في تنوع ثقافي هو ثراء للحضارات، وهو شعار معرض الكتاب بمسقط هذا العام وجوهرها الفعلي في كل زمان ومكان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معرض الکتاب
إقرأ أيضاً:
مسقط للكتاب في يومه الرابع.. حشود الطالبات تملأ الأروقة بشغف المعرفة
تزاحمت جموع الطالبات صباح اليوم في معرض مسقط الدولي للكتاب الـ29، البعض يحمل قائمته الجاهزة، والبعض الآخر يفتش بين دور النشر، بحثا عن عنوان برّاق يسارعن باقتناصه ليكون في كيس المشتريات قبل انتهاء وقت الرحلة المدرسية، وهناك من تتجول فضولا واستكشافا بين الأجنحة الجذابة بتصاميمها، وأخريات يزرن المعرض لأول مرة ويجدنها فرصة لإرضاء الشغف بكل شبر فيه، والسؤال هنا وهناك، لا ضرر من الرحيل دون شراء كتاب واحد، لكن في جعبتهن حكايات وقصص ستروى لرفيقاتهن، لتشكل رحلة المعرض التي تخصصها المدارس للطلبة قصة تخلد في الذاكرة.
وإلى جانب شراء الكتاب، كانت الفعاليات المصاحبة للمعرض قد بدأت صباح اليوم، ووجدت بعض الزوار سبيلهم لحضورها، حيث أقيمت جلسة حوارية حول "دور المسرح في بناء الوعي الثقافي" في جناح وزارة الثقافة والرياضة والشباب، شارك فيها كلا من: عمران الرحبي، وأسامة زيد، وأحمد الشبلي، كما أقيمت ورشة بعنوان "التسويق الإبداعي" قدمها سليمان الهنائي، كما أقيمت ورشة للخط العربي ثلاثي الأبعاد قدمها خليفة المسقري.، وورشة الذكاء الاصطناعي وصناعة المستقبل قدمها المدرب يعرب اليعربي، وعرضت في قاعة الفراهيدي عدد من الأفلام التي قدمتها جماعة التصوير بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية.
وفي الفترة المسائية أقيمت ورشة التلوين بالباستيل قدمتها انتصار الشرياني من فريق الرستاق للفنون، وورشة حول "اجتياز الأساسيات الفنية للزخرفة الإسلامية، قدمتها الخطاطة أنوار الحسنية، وورشة رسم مباشر للفنان يوسف الغملاسي، ورسم مباشر للفنانة حليمة البلوشية، وورشة في الترجمة الأدبية قدمها المترجم أحمد المعيني.
كما كرم الفائزين بمسابقة الشباب للتصوير الضوئي، وأقيمت جلسة حوارية بعنوان "اللغويات وتجربة دراسة اللهجات في سلطنة عمان، شارك فيها البروفيسور كلايف هولز، كما افتتح معرض مسابقة "شاركنا التغيير" بجناح بيت الزبير والنادي الثقافي، كما أقيمت جلسة حوارية مع زهران القاسمي وشوقي العنزي، ودشن بيت الزبير والنادي الثقافي ديوان "نجمة الصباح" لمؤلفه علي سعيد العامري، وديوان "ن با قلب الغريب" لمؤلفه حمود الحجري.
وأقام ضيف شرف المعرض "محافظة شمال الشرقية فعاليات مصاحبة، حيث أقيمت جلسة حوارية حول "الذكاء الاصطناعي ودوره العلمي في صناعة المستقبل"، شارك فيها كلا من: الدكتور فيصل البوسعيدي، والدكتور سالم الشعيلي، والدكتورة هدى الشعيلية، والدكتور أمجد الذهلي، وجلسة حوارية بعنوان "نساء مبدعات من محافظة شمال الشرقية، شارك فيها كلا من أزهار الحارثية، وفاطمة الحبسية، وسمية السيابية، وسامية الرحبية.
وفي ركن الطفل أقيمت ورشة مغامرات قصصية ريادية، وفعالية "في مدرستي ناصح" في ركن المسرح، وقدم مركز ثقافة الطفل فعاليات متنوعة في مجال "ثقافتنا العمانية بعيون رقمية"، و"رياضات رقمية"، و"فنون بصرية"، و"أدب الطفل"، ومسابقات في قسم التحديات، كما قدمت ورشة فنية مستوحاة من مقتنيات المتحف الوطني، وعرض "العرائس: نعمان في عمان" في ركن المسرح، إضافة إلى ورشة تعزيز قيم المواطنة في ركن الضاد قدمتها سارة المسكرية، بتنظيم من ضيف شرف المعرض.