د. أحمد بن موسى البلوشي

الاستثمار الحقيقي في هذا الزمن هو الإنسان، ودعم الكفاءات الوطنية ليس خيارًا؛ بل ضرورة وطنية تمليها علينا مسؤولية البناء والتنمية، فبهذه الكفاءات تُصنع الإنجازات، وبهم تستمر مسيرة النهضة، لذا فإن الواجب على المؤسسات والجهات المعنية، والأفراد على حدّ سواء، أن يمدوا أيديهم للشباب، وأن يكونوا سندًا لهم في تحقيق طموحاتهم؛ لأنهم حاضر الوطن وأمله المشرق في الغد، وعُمان تزخر بكنوزٍ بشرية تستحق الفخر والإشادة، ثروة بشرية ثمينة تمثّل إحدى أعظم مقوماتها، فهي أرضٌ أنجبت أجيالًا من الشباب الطموح والكفاءات الوطنية المتميزة، الذين أثبتوا على مرّ السنوات قدرتهم على العطاء والإبداع في مختلف الميادين.


لقد برزت هذه المواهب العُمانية في مجالات متنوعة، من البحث العلمي والتكنولوجيا إلى الفنون والرياضة وريادة الأعمال، لتؤكد أن أبناء هذا الوطن، متى ما أُتيحت لهم الفرصة المناسبة، وتوفرت لهم البيئة الداعمة، استطاعوا أن يتجاوزوا التحديات ويحققوا الإنجازات التي ترفع اسم الوطن عاليًا في المحافل المحلية والدولية، وهذه المواهب ليست وليدة الصدفة، بل هي ثمرة تربية أسرية واعية، ودعم مؤسسي متنامٍ، وسياسات تعليمية تسعى إلى تمكين الطلبة وتوجيههم نحو الإبداع. كما إن رؤية "عُمان 2040" أكدت على أهمية تنمية الإنسان العُماني بوصفه المحور الرئيسي للتنمية المستدامة.

وما نشهده من تميّز شبابي متجدد يعكس الرؤية السديدة للقيادة الرشيدة في الاستثمار في الإنسان العُماني، وتمكينه من خلال التعليم والتدريب والتأهيل المستمر، وهو ما يجعلنا نؤمن بأن المستقبل سيكون أكثر إشراقًا بفضل هذه الطاقات الوطنية التي تستحق كل فخر وإشادة، ودعم مستمر لتواصل مسيرتها في خدمة الوطن ورفع رايته.

ومن هنا، فإن الاستثمار الحقيقي لا يتحقق فقط من خلال الموارد المادية أو البنية التحتية، بل في المقام الأول عبر الاستثمار في الإنسان ذاته، وبشكل خاص في تمكين المواهب الوطنية الشابة التي تمثل ركيزة المستقبل وأمله. ويتجسد هذا التمكين في توفير بيئات حاضنة تُلهم الإبداع، وتحفز التفكير النقدي، وتُشجع على التجربة والمبادرة.

ويبدأ هذا المسار بتصميم برامج رعاية مدروسة، تتسم بالاستدامة والمرونة، تُراعي احتياجات كل فئة من الموهوبين، وتوفر لهم التوجيه والتقييم المستمر، والدعم النفسي والمعنوي، لتكون حاضنة حقيقية لطموحاتهم. كما يندرج ضمن ذلك إنشاء مراكز متخصصة للابتكار والبحث والتطوير، مزوّدة بأحدث التقنيات والأدوات، تتيح لهم استكشاف أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع واقعية، مع مساحة آمنة للتجريب والتعلّم من الخطأ.

إلى جانب ذلك، تُعدّ الفرص التدريبية والتعليمية المتقدمة عنصرًا أساسيًا في هذا الاستثمار، من خلال تقديم برامج تأهيلية متخصصة داخل عُمان وخارجها، تُراعي مستجدات التخصصات الحديثة، وتُنمّي المهارات القيادية والتقنية والبحثية لدى هذه الفئة، ما يُعزز من جاهزيتهم لسوق العمل، ويُمكنهم من تولي أدوار محورية في التنمية الوطنية.

كما إن ربط هذه الكفاءات بمنصات عالمية؛ سواء كانت أكاديمية أو مهنية أو بحثية، يفتح لهم آفاقًا أوسع للاطلاع على التجارب الدولية، وبناء شبكات تواصل فاعلة، وتبادل المعرفة والخبرات، وهو ما يُسهم في صقل قدراتهم وتمكينهم من الإسهام في تقديم حلول مبتكرة لتحديات محلية وعالمية، ضمن إطار من التنافسية والمسؤولية.

وهذا النوع من الاستثمار في الطاقات البشرية لا يعود بالنفع على الأفراد فحسب؛ بل على الوطن بأكمله، لأنه يُكرّس ثقافة التميز، ويُعزز من رأس المال البشري القادر على تحقيق رؤية عُمان المستقبلية، ومواكبة التغيرات المتسارعة في مختلف القطاعات.

إنَّ أبناء عُمان، في كل زاوية من هذا الوطن، يحملون في قلوبهم ولاءً لوطنهم، وفي عقولهم أفكارًا طموحة تستحق الدعم. وإن مسؤوليتنا كمجتمع، أفرادًا ومؤسسات، أن نمدّ لهم اليد، ونؤمن بقدراتهم، ونمنحهم الثقة التي يستحقونها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سوق العقارات إلى أين؟!

محمد المسروري

في بداية سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، كان العقار في سلطنة عُمان، سوقًا رائجة، عُمانية الهوى والهوية، والرؤية الوطنية الحقة، بمفرداتها وتعاطيها مع مفهومها المادي والمعنوي في تلكم السنين.

تتحاور الألسنة والرؤى والثقة بين المتعاملين والمتداخلين في هذا القطاع الحيوي المُهم في مجتمع تسوده الثقة بين أفراده المتعاملين وجماعات صغيرة تنشر الصدق والأمانة في التعامل والمعاملات، تكتفي، بالربح اليسير في لحظات التعامل المباشر بين البائع والمشتري تحضر جميع الأطراف أمام بعضها البعض، فيتحاور الجميع بكل الشفافية والأريحية يقبل أحدهم ويرفض البعض في حالة مكاشفة صريحة لا لبس فيها، تفاصيل العقار اسم وكنية البائع، اسم وكنية الراغب في الشراء إنما الوسيط من قرب بينهما بصورة مباشرة وتكون له حصة يتفق عليها بين الأطراف في حين تمام صفقة البيع، وسلطة همها نشر العمران والتعمير عبر ساحات الوطن، في مدنه وقراه مهما تقاربت أو تباعدت، كان العُمانيون وحدهم من يتعاطون هذه المهام أو لنقل الوظائف، فتدر عليهم كماً من الريالات تفي؛ بل وتفيض في حين عن ضرورات احتياجاتهم اليومية والشهرية، مما مكن جلهم من تكوين مؤسسات وشركات أضحت ذات صيت وسمعة حسنة، في جميع محافظات السلطنة، عمل بها شباب من أبناء الوطن العُماني، لم يذهبوا إلى البحث عن وظيفة ذات طاولة وتكييف لمكتب فاره، ولكنهم شقوا طريقا ألفوه وعلموا وسائله وكيفية ولوج سبله وتوجهاته في ذلكم العصر والحين، نعم كان عصرا ذهبيا لقطاع يعد بحق، من أكبر وأهم القطاعات في سلطنة عُمان بجميع ولاياتها ومحافظاتها.

هكذا كان يدار هذا القطاع الذي كان ومازال يلامس أحلام وآمال شباب الوطن العُماني، الذي يحلم في صحوه ومنامه، بعريشة تظله وليس بيتاً أو قصراً يعيش في عليائه، يطل على بحر أو حديقة غناء هذه لم تعد واردة في أحلامه، اليسير من العيش، كاف لإسعاد لحظات يومه.

يبحث عن قطعة أرض كانت تمنح لآبائه وحينا لأمهاته، عز عليه اليوم الحلم برؤية من يوصله إليها، رغب في الشراء من سوق تدعى "سوق عقار" فإذا به يصطدم بوافد لا يكاد يعلم صفة المكان وخصائصه ولأي فئة أعد ولا تسأل عن وسائل ولوج وناهيك عن سبل خدمات.

يعيش أبناؤنا غربة في وطنهم في قطاع العقار، انسحب العُماني من السوق الحيوي هذا، فاضحت المساحة وحدها في يد الوافد الذي يجني ثمار جهد أبناء الوطن العُماني، الوافد وحده من يُدير هذا القطاع الهام والحيوي في حياة الأمة، بينما يعاني الكثيرون من أبناء عُمان من الفاقة لعدم توفر الوظائف لهم، هناك شركات تتعاطى العمل في هذا القطاع، ولكن جل العاملين بها أجانب، برواتب عالية جدا تفوق آلاف الريالات، فأقول أما حان الوقت، بل وتجاوز زمانه، لتكون إدارة هذا القطاع بيد أبناء عُمان وحدهم، سواء أفرادا أو من خلال الشركات الصادقة منها وليست الوهمية، أحسب أنَّ هذه مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن الصادق مع نفسه ووطنه.

وعلى الجميع أن يعيد حساباته وينظر الى مصالحه وكيفية إدارة قوت يومه دون وضع كفه على خد الانتظار وهناك من يكدح في سنامه وهو غاط في أحلام يقظته عل مرام له سيتحقق، ذات مساء لأنه في صباح خامل في المنام، فإن الأرزاق في البكور، وعلى الحكومة اتخاذ القرار بمنع الوافد بصورة نهائية من التعاطي مع هذا القاع الهام، سواء بشخصه المباشر أو من خلال المستثمر أو بأي مسميات أو تحت أي غلاف كان. أو بأي صورة من صور الاحتيال على القوانين، على العُماني ألا ينتظر من يوفر له وظيفة كيفما كانت؛ بل عليه أن ينهض لكسب رزقه، فالله هو الرزاق الكريم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • «صندوق الوطن» يطلق أنشطة اليوم المفتوح في مجال الإبداع والابتكار في الهوية الوطنية
  • الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل
  • الخارجية: الحرب التي تخوضها ميليشيا الجنجويد بالوكالة عن راعيتها الإقليمية موجهة ضد الشعب السوداني ودولته الوطنية
  • الوطنية لحقوق الإنسان تُطالب بالتحقيق في مقتل العميد «الرياني»
  • قيادي حوثي يوجه انتقادا لاذعاً للحوثيين ويوكد ان القرارات التي ورطت اليمن جاءت بدوافع طائفية ضيقة بعيدًا عن المصلحة الوطنية العليا
  • السوداني يؤكد أهمية تبسيط الإجراءات الإدارية التي تعترض مشاريع الاستثمار
  • ولي العهد: نفخر بالإنجازات.. نستثمر كافة الفرص ونجدد العزم لمضاعفة الجهود
  • سوق العقارات إلى أين؟!
  • تحالف العمل الأهلي: قرار العفو الرئاسي يترجم الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان