هجوم كشمير.. تداعيات خطيرة وشكوك بشأن دوافعه
تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT
شهدت كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، يوم 22 أبريل/نيسان واحدة من أعنف الهجمات المسلحة منذ سنوات، حيث قُتل 26 سائحًا هنديًا وجُرح آخرون في هجوم أعلنت عن تنفيذه "جبهة المقاومة" المرتبطة بجماعة "لشكر طيبة"، في منطقة بهلغام، وأعادت إلى الأذهان مشاهد التصعيد الذي يضع الهند وباكستان دوماً على حافة حرب، كان آخرها عام 2019.
وفورا وكما كان متوقعاً، سارعت الحكومة الهندية إلى اتهام باكستان بالوقوف خلف الهجوم، وأعلنت جملة من الإجراءات التصعيدية، منها تعليق العمل بمعاهدة الدبلوماسية لتقاسم مياه نهر السند، وإغلاق معبر أتاري-واغا الحدودي البري الرئيسي بينهما، وتخفيضات واسعة في أعداد الدبلوماسيين، بما فيها سحب العديد من الموظفين الهنود من إسلام آباد، وإصدار أوامر للباكستانيين بالعودة إلى ديارهم.
في المقابل، نفت إسلام آباد هذه الاتهامات، وحمّلت السياسات الهندية مسؤولية تفاقم العنف، وتحويل الإقليم إلى "سجن مفتوح"، وصرح وزير الدفاع الباكستاني أنّ عملية بهلغام ليست سوى عملية مصطنعة.
بين المتعاطفين والمتشككينلا شك أن هذه الهجمات الدامية التي استهدفت سياحاً مسالمين أثارت مشاعر التعاطف مع الضحايا في الهند وفي كشمير، بل إنّ بعض سكان المنطقة وصفوا هذه العملية، حسب تقرير نشرته الجزيرة الإنجليزية بأنها هجمات شريرة، خصوصاً أنها استهدفت مدنيين، ولم تستهدف مواقع عسكرية.
إعلانكما استهدفت الهجمات حركة السياحة في المنطقة التي تُعد العصب الحيوي لاقتصادها مما سيلحق ضرراً كبيراً بمصالح المواطنين الكشميريين.
في المقابل، شككت أصوات خافتة في دوافع الحكومة الهندية التي يقودها حزب بهاراتيا جانتا الهندوسي القومي المتطرف، والتي اعتادت توظيف هذا النوع من الأحداث لجني مكاسب انتخابية أو التغطية على أحداث محليّة حساسة كقانون الجنسية المثير للجدل، والذي أشعل مظاهرات عارمة في الهند لم يوقفها سوى انتشار وباء كورونا، وقانون الوقف الإسلامي الذي يثير هذه الأيام كثيرا من التذمر في أواسط الأقلية المسلمة في الهند.
يعيد التصعيد الحالي للأذهان تفجير بولواما عام 2019، حيث فجر انتحاري سيارة مفخخة في قافلة عسكرية هندية، مما أودى بحياة 46 جنديًا، وردّت الهند آنذاك بغارات جوية على معسكرات "جيش محمد" داخل الأراضي الباكستانية، وردت باكستان بإسقاط طائرتين وأسر طيّار.
في هذه المرة، أعلنت الهند عن إجراءات تستهدف إمدادات المياه القادمة من الهند إلى باكستان، بما يتعارض مع اتفاقية تقاسم مياه 6 أنهار بين البلدين، الموقعة بين البلدين 1960 برعاية البنك الدولي، يمكن أن تمثل تهديداً وجودياً لباكستان خصوصاً أن البلاد تعتمد على مجرى نهر إندوس (السند)، وأن هذه الإجراءات يمكن أن تحوِل 60% من أراضيها إلى صحراء.
رفعت هذه الإجراءات سقف المواجهة بين الطرفين إلى مستوى غير مسبوق على الإطلاق، إذ يمكن لباكستان أن تقابل ذلك بإيقاف العمل باتفاقية "شيملا" الموقعة بين البلدين عام 1971م، بما فيها من ترتيبات أمنية وعسكرية بما في ذلك إيقاف التنسيق النووي بين البلدين.
مثّل قرار الحكومة الهندية عام 2019 بإلغاء الوضع الخاص لكشمير بموجب المادة 370 من الدستور، الضربة القاضية لما تبقى من الحياة السياسية في الإقليم، فالقرار لم يقتصر على التغييرات الدستورية فحسب، بل ترافق مع حملة قمع غير مسبوقة شملت اعتقالات واسعة، وحظرًا على وسائل الإعلام، وقطعًا للاتصالات، وهو ما شكّل لحظة فارقة في تاريخ كشمير الحديث، إذ ولّد حالة إجماع شعبي غير مسبوق على رفض السلطة المركزية، والنظر إليها كقوة احتلال صريحة سلبت السكان حقهم في تقرير مصيرهم.
إعلانالأشد خطورة، كما يرى كثير من الكشميريين، هو ما يُعتقد أنه مسعى ممنهج لتغيير هوية الإقليم، بمشاريع اقتصادية ضخمة تسمح بتملك الأراضي للمؤسسات الكبرى، واستقدام ملايين الهندوس من ولايات أخرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحوّل المسلمين إلى أقلية في وطنهم.
وقد فجر هذا الواقع قلقًا عميقًا داخل الإقليم، ووحّد أطرافًا سياسية كانت متخاصمة سنوات، في موقف موحّد ضد سياسات المركز، فرغم علم الحكومة الهندية بخطورة القرار، إلا أنها كانت تبدو واثقة من قدرتها على فرض أمر واقع، مستندةً إلى أدوات القوة، وفي مقدمتها الانتشار الكثيف للجيش الهندي الذي يفوق نصف مليون جندي داخل كشمير.
مثّلت هجمات بهلغام ضربة قاسية لسردية الحكومة التي زعمت أن سياستها في كشمير سياسة وطنية ناجحة وأن الأمور في كشمير تجري على ما يرام، فقد صرح وزير الداخلية الهندية أميت شاه قبل يومين فقط من الهجمات في البرلمان، أنّ إلغاء المادة 370 أدى إلى تراجع انضمام الشباب إلى الحركات الإرهابية وأن الإرهاب في كشمير قد انتهى، وهو يعيد للذهن ما كان يقوله المعارضون لهذه الخطوة من أن سياسة فرض الأمر الواقع التي انتهجتها الحكومة لن تقود إلى الاستقرار.
رغم محاولة الحكومة المركزية إعطاء الانطباع أنّ الحياة السياسية في كشمير قد عادت إلى مجراها من إجراء انتخابات جديدة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلا أن الحكومة المحلية المنتخبة بقيادة "عمر عبد الله" تفتقر إلى القبول الشعبي الواسع، ويرى السكان أن الإقليم يعيش في ظل حكم وصاية فعلية، وسط اتهامات للحكومة المركزية بقمع الحياة السياسية وخنق الحريات.
وكان عمر عبد الله قد صرح العام الماضي، أنه من "الغباء" توقع استعادة المادة 370 من الحكومة الحالية بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا، وأن تحويل الإقليم إلى منطقة اتحادية "فشل في جميع الجبهات"، بما فيها مكافحة الإرهاب والتنمية.
جاء تصاعد التوتر بين الهند وباكستان تزامنا مع استمرار حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ورغم عدم وجود رابط مباشر بين الحدثين، إلا أنّ السفير الإسرائيلي رؤوفين عازار لم يدخر جهداً خلال العامين الماضيين لتحريض السياسيين والرأي العام الهندي على المقاومة الفلسطينية ومحاولة ربط التنظيمات الكشميرية بحركة حماس.
إعلانوبالغ السفير الإسرائيلي في تسليط الضوء على مشاركة شخصيات من حركة حماس في فعالية شعبية لنصرة القضية الفلسطينية نظمت في الجزء الكشميري الذي تسيطر عليه باكستان، داعيا إلى وضع الحركة على قائمة الإرهاب الهندية.
واستغل عازار هذه الهجمات ليقرنها بهجوم طوفان الأقصى وزعم أن هجمات بهلغام هي النسخة الهندية من أحداث السابع من أكتوبر، وصور الهجوم كجزء من "موجة تطرف إسلامي عالمي"، وهو ما عملت أوساط إعلامية وسياسية هنديّة على استغلاله.
فقد ألمح مسؤولون وإعلاميون بارزون في الهند إلى أن "موجة الغضب الإسلامي" بسبب غزة قد تكون ساعدت على تحفيز الجماعات المسلحة في كشمير، وعلى سبيل المثال نشرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" تقريرًا في 24 أبريل/نيسان، قالت فيه إن "مناخ التحريض الذي أشعلته صور المجازر في غزة على وسائل التواصل الاجتماعي ساهم في رفع مستوى التعبئة لدى الجماعات المتطرفة العاملة في كشمير".
في ذات السياق، صرح المتحدث باسم الحزب الحاكم فيكرام باترا أنه "من الواضح أن هناك استغلالًا للأحداث الدولية الجارية، مثل غزة، لإثارة مشاعر الكراهية ضد الهند، وهذا لا يمكن فصله عن الهجوم الإرهابي الأخير".
رغم الخطابات الهندية القومية العاطفية، وقرع طبول الحرب على كل المنابر، فإن الوضع الحالي ينذر بأن تتحول كشمير إلى ساحة استنزاف طويلة للهند، سواء على الصعيدين العسكري أو الاقتصادي، وهو آخر ما تفكر فيه الهند في وقت تسعى فيه إلى منافسة الصين.
كما أن تصاعد المواجهة المحتملة بين الهند وباكستان يمكن أن يأتي بأثر عكسي فيسمح بالتدخل الأجنبي في القضية الكشميرية ويؤدي إلى تدويلها، وهو ما تتجنبه الهند منذ أن وقعت اتفاقية شيملا مع باكستان عام 1971.
إعلانلذات الأسباب، من غير المرجح أن تنزلق التوترات الهندية الباكستانية إلى حرب شاملة، فظروف البلدين لا تسمح بهذا النوع من المواجهة، كما أن المقاربة الأميركية في المنطقة والتي تسعى إلى احتواء إيران من خلال المفاوضات الجارية في سلطنة عُمان، ستعارض -على الأرجح- تطور الأمور إلى هذا المستوى، وفي نفس الوقت لا يمكن استبعاد حصول مواجهات عسكرية محدودة كتلك التي جرت عام 2019.
كشفت الهجمات الدامية أن قرار إلغاء الوضع الخاص للإقليم عام 2019 لم يجلب السلام لكشمير بل أدخلها في مرحلة جديدة تتّسم بتصاعد التوتر، وعمّق الشعور بالغبن لدى شريحة واسعة من السكان، الذين باتوا يرون في الخطوات الحكومية محاولة واضحة لتغيير هوية الإقليم وفرض واقع ديموغرافي وسياسي جديد، تقوده حكومة هندية ذات توجه قومي هندوسي متشدّد، مقتنعة أنّها تحظى بالدعم الأميركي والروسي.
لذا فإنه من المتوقع أن تشهد المنطقة مزيدا من التصعيد والهجمات الدامية، في ظل غياب أي ضغط محلي أو دولي حقيقي يمكن أن يدفع نيودلهي نحو مراجعة سياسات الأمر الواقع التي تنتهجها في كشمير وإصرارها على نفس الأساليب الأمنية والعسكرية، وتجاهلها أي حل سياسي حقيقي يقوم على احترام إرادة الشعب الكشميري، ويأخذ بعين الاعتبار موقف باكستان باعتبارها طرفًا أساسيًا في النزاع.
تأكيد أهمية كشميرتعتبر كشمير امتدادا طبيعيا لجبال الهملايا وهي أعلى سلسلة جبال في العالم، وتشرف على شبه القارة الهندية، وخزّان المياه الرئيس لباكستان، ومنها تنبع أنهارها الخمسة (جيلهوم، ورافي، وإندوس، وتشيناب، وسيتلوج) وتتجمع في حوض نهر إندوس (سيندو) والذي يوفر نحو أكثر من 80% من حاجتها إلى المياه، ولذا فإنّ السيطرة على كشمير تعني التحكم في حياة باكستان، كما تعتبر أيضاً مستودعاً ضخماً للمعادن، منها الذهب والنحاس، والرصاص.
إعلانوتعد كشمير الممر الجغرافي الوحيد للهند إلى وسط آسيا، وترى نفسها عالقة بين فكي الكماشة الصينية الباكستانية، الخصمين اللدودين المسلحين بالنووي، وتجمعهما العداوة المشتركة تجاهها، وهما يلتقيان جغرافياً في منطقة كشمير، ويمكن لسيطرة الهند على الإقليم كسر هذا التواصل بين الحليفين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحکومة الهندیة بین البلدین فی الهند فی کشمیر یمکن أن بما فی عام 2019
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يتضامن مع الهند بعد هجوم كشمير.. وباكستان ترفض الاتهامات
كشف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه تواصل مع نظيره الهندي ناريندرا مودي، وأعرب عن "تعازيه بعد الهجوم الذي وقع في كشمير والذي تسبب بتوترات مع باكستان".
وأشار إلى أنه ناقش مع مودي مبادرة ممر التجارة والنقل الذي من شأنه المرور بالسعودية و"إسرائيل" نحو أوروبا.
وكتب نتنياهو عبر صفحته على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "تحدثت اليوم مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وأعربت عن تعازي وتعازي الشعب الإسرائيلي للشعب الهندي بعد الهجوم الإرهابي الإسلامي في كشمير"، على حد وصفه.
وأضاف نتنياهو: "وشكرني رئيس الوزراء مودي على مشاركتي في حزن الهند وأكد أن بلدينا يقفان جنبا إلى جنب في المعركة الحرجة ضد الإرهاب القاتل".
وأوضح "ناقشنا أيضًا تقدم مبادرة ممر النقل والاتصالات، والتي ستربط آسيا - عبر المملكة العربية السعودية وإسرائيل - بالقارة الأوروبية".
بدوره، قال وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار إن الهند "تتهم باكستان دون أي دليل" بالتورط بالهجوم بالقسم الذي تسيطر عليه الهند من إقليم كشمير.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده، الخميس، عقب الاجتماع رفيع المستوى للجنة الأمن القومي، وفقا لصحيفة "داون" الباكستانية.
ورفض إسحاق دار محاولات الجانب الهندي ربط باكستان بالهجوم الإرهابي في باهالجام بإقليم جامو وكشمير.
وأضاف: "لعبت الهند مرارا لعبة اللوم، وإذا كان هناك أي دليل على تورط باكستان (في باهالجام)، فنرجو مشاركته معنا والعالم".
وادعى أن الاستخبارات الهندية زودت بعض "الأجانب" في مدينة سريناغار في جامو وكشمير بمتفجرات.
وأردف مهددا: "يمكنكم تخمين إلى أين كانوا يحاولون إرسال هذه المواد. نحن مستعدون من ناحية الدفاع. إذا حاول أحد الإقدام على أي مغامرة، وقد جُرِّب ذلك في الماضي، سيكون الأمر أسوأ بكثير له هذه المرة".
من جانبه، أقر مجلس الشيوخ الباكستاني، الجمعة، بالإجماع قرارا يؤكد أن أي "خطوة خاطئة" من جانب الهند ستقابل برد قوي وسريع وحاسم.
وجاء في القرار أن باكستان قادرة تماما ومستعدة للدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها ضد أي نوع من الهجوم، بما في ذلك قضايا المياه أو الاستفزازات العسكرية.
وأدان القرار الإرهاب بجميع أشكاله، مؤكدا أن الشعب الباكستاني يظل ملتزما بالسلام ولكنه لن يسمح لأحد بانتهاك سيادة البلاد وأمنها ومصالحها.
والثلاثاء، أطلق مسلحون النار على سياح في منطقة باهالجام التابعة لإقليم جامو وكشمير الخاضعة لإدارة الهند، ما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة آخرين.
وبعد الهجوم، قطع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارته الرسمية إلى السعودية وعاد إلى نيودلهي، ليعقد فور وصوله اجتماعًا أمنيًا رفيع المستوى مع كبار المسؤولين لتقييم الوضع.
وقال مسؤولون هنود إن منفذي الهجوم "جاؤوا من باكستان"، فيما اتهمت إسلام آباد الجانب الهندي بممارسة حملة تضليل ضدها.
وقررت الهند تعليق العمل بـ"معاهدة مياه نهر السند" لتقسيم المياه، في أعقاب الهجوم، وطالبت الدبلوماسيين الباكستانيين في نيودلهي بمغادرة البلاد خلال أسبوع.
كما أوقفت الهند منح التأشيرات للمواطنين الباكستانيين وألغت جميع التأشيرات الصادرة سابقا.