سواليف:
2025-04-28@00:53:23 GMT

في العمق

تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT

#في_العمق

د. #هاشم_غرايبه

في لقاء تلفزيوني مع الفريق “فاسيلي ريتشنكوف” قائد سلاح القاذفات الإستراتيجية السوفياتي، تحدث فيه عن فترة الحرب الباردة بين القطبين الدوليين، وبعض المراحل الخطرة في تلك الحرب التي كادت تتحول الى حرب ساخنة ..قد تكون آخر الحروب البشرية، لما تملكه ترسانتيهما من أسلحة فتاكة قادرة على إهلاك البشر والحجر.


انتقد القاء القنبلتين الأمريكيتين على اليابان، وقال أنه من أقذر الأعمال العسكرية، فلم تكن هنالك من ضرورة إذ كانت اليابان محققة الهزيمة، لكن الأمريكيين ماطلوا في توقيع معاهدة الإستلام حتى ينجزوا التشطيبات الأخيرة للقنبلتين من أجل التجربة الحية لهما في البشر، ومعرفة الفارق بين قدرتيهما التدميرية، وفي الوقت ذاته تكون رسائل تهديد ارهابية للآخرين، لكي يعلموا أن أمريكا لا يردعها رادع عن تنفيذ أهدافها.
في حديثه بيّن أنه في فترة أزمة الصواريخ الكوبية ظل مناوبا في المطار في طائرته القاذفة الإستراتيجية التي تحمل قنبلة نووية، في انتظار الأمر بالإقلاع لإسقاطها فوق هدف محدد في أمريكا.
سأله محاوره لكن ألم تُدن قبل قليل من ألقى قنبلة على مدنيين يابانيين أبرياء، فكيف تفعل فعلهم!؟.
رد قائلا: “العسكري لا يفكر، فهو يتربى على طاعة الأوامر، والتنفيذ بلا تفكير، السياسي هو الذي يفكر ويقدّر، ولو كان متاحا للعسكري التفكير واتخاذ القرار، لما كان للقيادة السياسية من دور”.
مثلما تضيء لمعة البرق أمامك طريقا معتمة لثانية، فتحت عبارته هذه على فهمي آفاقا كانت غائمة، وأدركت عندها لماذا لا يُعين حاكما في بلادنا إلا من العسكر، وحتى لو وصل الحكم أمير، فقبل أن يوكل إليه الحكم، يرسل الى “ساند هيرست” البريطانية، ليحصل تدريب وتأهيل عسكري.
كما عرفت لماذا لا يوكل الحكم في الغرب الى عسكري، ولو نال أعلى الأوسمة وانتصر في حروبه وحمى وطنه، ذلك لأنه لم يتدرب على التفكير المستقل أصلا، فلا يصلح أن يكون قائدا سياسيا.
صحيح أن العسكري لا يقل وطنية أو انتماء لأمته من السياسي، لكن تدريبه وتأهيله كان ليكون نفرا مقاتلا ينفذ الأوامر بلا نقاش، ودائما ليس هو من يقرر، بل ينفذ أوامر من هو أعلى منه، وحتى لو كان قائدا لكل الجيش فهو ينفذ أوامر رئيس الدولة، سواء فهم مبتغاها ام لم يفهمها.
ذلك لأن تأهله أصلا للارتقاء من الجندي المقاتل الى الضابط القائد كان بحكم التقادم الزمني وبعض الدورات التدأهيلية، في فنون الهجوم والدفاع والتخطيط للمعارك، وليس من بينها أية مهارات إدارية أو فنية في الإدارة المدنية، لذلك فمهما كانت رتبة العسكري رفيعة، فهو يبقى خاضعا لمدني هو وزير الدفاع.
لو عدنا بالذاكرة الى كل الهزائم المتتالية التي منيت أمتنا بها طوال القرن الماضي، لوجدنا أن السبب الرئيس به هو الأخطاء في التكتيك والإستراتيجية، أي عدم قدرة العسكري على تقمص الدور القيادي السياسي، وبالتالي غياب التفكير السياسي الإستراتيجي، المبني على حسابات المصالح والمخاطر، فكل الذين قفزوا الى السلطة كانوا ضباطا مواهبهم تنفيذية، أما الذين وصلوا الحكم بغير الإنقلاب العسكري فقد كانوا أصلا موالين للغرب لا يفكرون خارج محدداته لهم.
في جميع المعارك التي جرت في تلك الفترة ابتداء من إستيلاء الجيش البريطاني على القدس عام 1917 بقيادة الجنرال “اللينبي”، والذي تم بعد أن أبيدت الحامية التركية، كان قوام القوة المهاجمة من المصريين والهنود، وانتصرت لأن العسكر كانوا تحت قيادة سياسية بريطانية، تخدم المصالح البريطانية والصليبية، وكل ما تلاها كان العسكر العرب فيها ينفذون السياسات الغربية، والقلة الذين تمردوا على المستعمرين مثل قوات يوسف العظمة وعزالدين القسام تم القضاء عليهم.
وعندما جاء عسكر المد القومي العربي، لم يتمكنوا من التخطيط لمعركة واحدة، لأنه لم يكن لديهم القدرة السياسية أو الإرادة السياسية للقتال، فجميع المعارك فرضت عليهم، لذلك خاضوها بلا استعداد فهزموا.
المعركة الوحيدة التي كانت بقرارهم هي عام 1973، فالنصر الأولي فيها حققته الإرادة الشعبية للجنود، لكن تحولت الى هزيمة على يد القيادة السياسية في مصر وسوريا..لأنها كانت أصلا عسكرا استولى على السلطة.
هذه هي جذور مشكلة النظام العربي، فكل القيادات من العسكر، أو تأهلت في “ساند هيرست”، فيما لا تجد ذلك في أية دولة أوروبية.

مقالات ذات صلة تحت الضوء 2025/04/26

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: في العمق هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء

لحظة فارقة في مسار الدولة السودانية
يقف السودان اليوم على مفترق التاريخ؛ فمع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية دولية وانتقالياً عبر مؤتمر لندن، لم يعد الحديث مجرّد نهاية للصراع المسلّح، بل هو اختبار جوهري لإمكانات إقامة دولة مدنية ديمقراطية تحتضن التنوع الإثني والثقافي بدلاً من الانكفاء في منطق الاستقطاب العسكري. إن التحدّي المركزي يكمن في ترجمة التزامات الورق إلى واقع ملموس نابض بالحقوق والحريات، وسط لعب إقليمي ودولي متضارب المصالح.
بناء السلطة الانتقالية: هشاشة في التوازن
تشتمل الصيغة المقترحة على مجلس رئاسي متعدد الأقطاب يجمع بين تمثيل المكوّن المدني من قوى الثورة وقوى التغيير وبقايا النظام السابق وأجنحة الحركات المسلحة الكبرى، مع آلية تصويت توافقي تتيح استخدام “الفيتو الجزئي” في القضايا الاستراتيجية لضمان التوازن وتقاسم المسؤوليات. أما الحقائب الوزارية، فستحافظ على السيادية منها لدى مدنيين مستقلين أو تكنوقراط، في حين تُسند الوزارات الأمنية لمن لهم خلفيات عسكرية تحت رقابة مدنية تُشرف عليها بعثة حفظ السلام الدولية. على صعيد الدستور الانتقالي، يتعيّن اعتماد مبادئ اللامركزية الإدارية لتوسيع صلاحيات الأقاليم المهمشة كدارفور والنيل الأزرق، مع تمثيل النساء والشباب بما لا يقل عن أربعين في المئة داخل لجنة دستورية تحت إشراف أممي، تُنهي مسودة الدستور خلال تسعة أشهر.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية: ثقة تحت الاختبار
يتطلب دمج ميليشيات الحركات المسلحة ضمن الجيش النظامي إدماج نحو ثلاثين في المئة من مقاتليها وترك الباب مفتوحاً أمام برامج DDR التي تشمل نزع السلاح وتسريح المقاتلين عبر حوافز اقتصادية كتدريب مهني وقروض صغيرة، في سبيل تقليل مخاطر تحول هؤلاء إلى عصابات مسلحة. أما على صعيد الضمانات الأمنية، فستُنشَر قوات حفظ سلام إفريقية في المناطق الساخنة مع دوريات مراقبة دولية لرصد أي خروقات لحقوق الإنسان، إلى جانب آلية تحقيق مشتركة تضم خبراء أمميين ومحليين لجمع الأدلة تمهيداً لإحالتها إلى محكمة يقررها مجلس الأمن.
الحركات المسلحة كفاعلين سياسيين: الإمكانات والمحاذير
تملك الحركة الشعبية اليسارية بقيادة ياسر عرمان رصيداً جماهيرياً في الريف والحضر، وتطرح نفسها حارساً للأجندة المدنية، إلا أن نجاح تحولها إلى حزب سياسي منظم مرهون بقدرتها على ترجمة شعارات المواطنة والعدالة الاجتماعية إلى سياسات تنموية فعلية. أما حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، فتعتمد على دعم شعبي قوي في دارفور، ولكن عليها تجاوز الانقسامات الداخلية وتبنّي خطاب تنموي يخاطب الشريحة الشبابية ويؤسس لحوكمة محلية فعّالة، إذ إن الثغرات التنظيمية والانقسامات الإثنية قد تحول دون بناء حزب متماسك قادر على المنافسة الانتخابية.
التوازنات الإقليمية والدولية: لعبة النفوذ
تسعى القاهرة وأبوظبي أولاً إلى ضمان أمن منابع النيل واستقرار الحدود الغربية، فتدعم جهود الاستقرار شريطة عدم الإضرار بمصالحهما الاستراتيجية. وفي المقابل، تستخدم واشنطن وبروكسل ورقة المساعدات—التي تجاوزت عشرة مليارات دولار—ورفع العقوبات كحافز لتمرير الإصلاحات الاقتصادية والشفافية، مع ربط الدعم بمؤشرات عمل مؤسسي رشيد. أما موسكو وبكين فكلاهما يسعى لتأمين استثمارات نفطية وبنى تحتية عبر دعم غير مباشر للفصائل العسكرية، ما قد يعقّد مسيرة التحوّل المدني ويعيد ترتيب الأوزان داخل السلطة الجديدة.
القنبلة الاقتصادية: تحرير أم استدامة؟
لا بدّ من تعويم الجنيه السوداني لوقف انهياره، رغم مخاطره في إطلاق موجة تضخم قد تُشعل احتجاجات شعبية. وفي الوقت نفسه، يطرح تفعيل مبادرة “الهيبك” لإعادة هيكلة الديون الخارجية التي تجاوزت ثلاثين مليار دولار أملاً بتخفيف الضغط المالي، شريطة تنفيذ إصلاحات جذرية في الحوكمة والإفصاح المالي.
سيناريوهات ما بعد الاتفاق: ما بين التفاؤل والحذر
يمكن رسم خريطة مستقبلية للسودان بوقوعه بين تفاؤل متحفظ ومخاوف متعاظمة. فمن ناحية، تنضج إمكانية نجاح التحالف المدني في فرض أجندة إصلاحية حقيقية، وإجراء انتخابات نزيهة في عام 2025 تؤسس لمرحلة انتقالية توافقية. ومن ناحية أخرى، يتهيأ سيناريو عسكرة الدولة مجدداً إذا فشل دمج المليشيات، مع تجدد الاحتجاجات وتدخل إقليمي مباشر يجرّ البلاد إلى دوامة عنف جديدة. وقد يستقر الوضع هشاً في منتصف الطريق مع تأجيل الانتخابات واستمرار السلطة الانتقالية لسنوات تحت وصاية دولية، ما يقتصر دوره على إدارة احتياجات مؤقتة دون تحقيق قفزة نوعية.
رهان المصير
ترتبط فرص السودان التاريخية بثلاثية مترابطة: تحوّل رأس المال العسكري من موقع الحَكَم إلى خادِم للعملية الديمقراطية، واتحاد القوى المدنية خلف مشروع وطني يتجاوز الانقسامات الإثنية والدينية، وضغوط دولية ذكية تربط الدعم المالي بمعايير شفافة دون وصاية مفرطة تغذي النزعات الشعبوية. إذا نجحت هذه المعادلة، فسيكون السودان نموذجاً للتغيير السلمي في القرن الإفريقي، وإن أخفقت، فقد يتحول إلى مثالٍ صارخ للدولة الفاشلة مع تداعيات تتخطى حدوده إلى شبحٍ يُثقل كاهل استقرار المنطقة والعالم.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • الطالبي العلمي: “الأحرار” الحزب واعٍ بالضغوط السياسية والهجمات التي تستهدفه ويقود الحكومة بثقة
  • الدبيبة يبحث مع «اللافي» تطورات المشهد السياسي
  • الرهانات الخاطئة على فشل الإسلام السياسي
  • احذروا القوي السياسية التي تعبث بالأمن
  • شاهد | إعادة الإعمار يشكّل استحقاقًا رئيسيًا في المشهد السياسي اللبناني
  • مخرج عراقي يرهن تطور الدراما بالاستقرار السياسي والاقتصادي
  • قوات الحدود تلقي القبض على (35) متسللاً آسيويا قادمين من العمق الإيراني
  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء