بعد أحداث الكحالة... هل لا يزال قائد الجيش مرشّحاً توافقيّاً؟
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
يعتبر الكثير من المراقبين أنّ ما حصل في الكحالة، من مواجهة مسلّحة بين أهالي المنطقة و"حزب الله"، وتدخّل الجيش في الوقت الحاسم لمنع التصعيد والحؤول دون انجرار البلاد إلى حربٍ أهليّة، كان إمتحاناً رئاسيّاً مهمّاً للعماد جوزاف عون، لأنّه استطاع بحكمته تجنيب اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين والشيعة صراعاً في ما بينهم، ونجحت المؤسسة العسكريّة بالحفاظ على السلم الأهلي، على الرغم من أنّ البعض اتّهمها بتغطيّة "المقاومة".
وتجدر الإشارة إلى أنّه إذا قرّرت قيادة الجيش عند انتهاء التحقيقات، تسليم "حزب الله" الأسلحة التي كانت في الشاحنة التي سقطت عند كوع الكحالة، فتكون بذلك تُطبّق البيان الوزاريّ الذي يُغطّي أعمال "المقاومة" العسكريّة. ويقول المراقبون في هذا السيّاق، إنّ الجيش يعمل وفق المتّفق عليه سياسيّاً بين الأفرقاء المشاركين في الحكومة، ولو كان البيان لا يلحظ بند "الجيش والشعب والمقاومة"، لكان احتفظ بحمولة الشاحنة، وصادرها. ويُوضح المراقبون أنّ العقبة ليست عند العماد عون، وإنّما سياسيّة، وقد سمحت لـ"الحزب" بتسهيل أعماله داخل لبنان.
كذلك، فإنّ أهالي الكحالة ونواباً من "المعارضة" قاموا بزيارة قائد الجيش، وجدّدوا تأكيدهم أنّ المؤسسة العسكريّة هي الضمانة الوحيدة للسلم الأهلي وحماية اللبنانيين، وأبدوا تعاوناً في التحقيقات، من خلال إدلاء 4 مواطنين من البلدة بإفاداتهم. ويلفت المراقبون إلى أنّ لا بديل للأحزاب المسيحيّة المعارضة سوى الجيش، لأنّها تُشكّل رأس الحربة ضدّ إستمرار وجود السلاح غير الشرعيّ، بعد انتهاء الحرب قبل أكثر من 30 عاماً.
وبالعودة إلى الملف الرئاسيّ، قد يعتبر بعض المعارضين أنّ مجرى سير التحقيق قد يصبّ لصالح "حزب الله"، بسبب ما تمّ ذكره سابقاً جراء البيان الوزاريّ، بينما البعض الآخر قد يُحمّل قيادة الجيش المسؤوليّة في تغطيّة السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، بهدف ضرب حظوظ قائد الجيش وقطع الطريق أمامه رئاسيّاً. فلا يُخفى على أحد أنّ هناك الكثير من الأطراف تتحجّج إمّا بمعضلة تعديل الدستور، وإمّا بانتخاب رئيسٍ سياسيّ، لتطيير التوافق على إسم جوزاف عون، وخصوصاً بعد التداول به بين الدول الخمس المعنيّة بلبنان.
ويُؤخذ على قائد الجيش أيضاً أنّه لا يتحدّث بالسياسة، ويهتمّ فقط بشؤون مؤسسته، لذا، هناك أفرقاءٌ يرون أنّ العماد عون لا يُريد دخول المعترك السياسيّ. وفي موازاة ذلك، من المتوقّع أنّ يطول الشغور الرئاسيّ، مع عدم رغبة المعارضة بالجلوس مع "حزب الله" للتحاور، إضافة إلى عدم حماستها في الإجابة على أسئلة الرسالة التي وجّهها الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان إلى عددٍ من النواب. في المقابل، لا يزال "الثنائيّ الشيعيّ" متمسّكاً برئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة.
وأمام ما تقدّم، لا بوادر حلّ قريبة في الموضوع الرئاسيّ، وبشكل خاصّ إنّ لم يقتنع "حزب الله" بضرورة الذهاب إلى مرشّحٍ ثالثٍ وسطيّ. ويُشير المراقبون إلى أنّ تصرّف قائد الجيش في الكحالة، ومنعه من إنجرار البلاد إلى فتنة طائفيّة لا تُريدها حارة حريك، وحذّرت منها مراراً، رفع من أسهم جوزاف عون لدى "الثنائيّ الشيعيّ". ويُتابع المراقبون أنّ "الحزب" لم يُعلن صراحةً معارضته وصول عون إلى بعبدا، لكنّه يُحاول إيصال فرنجيّة لأنّه يُمثّل ضمانة أفضل من بقيّة المرشّحين لسلاحه.
إلى ذلك، لم يُبدِ العديد من المعارضين رفضهم انتخاب قائد الجيش، ولم يُغيّروا من قناعاتهم حتّى بعد الذي حصل على "كوع الكحالة"، إذ إنّ عون لا يزال يُعتبر وفق الكثيرين من أبرز الأسماء الوسطيّة التي يُمكن أنّ تحظى بالتوافق.
ويختم المراقبون قولهم، إنّ الجيش نجح في الحفاظ على السلم الأهليّ في الآونة الأخيرة، بدءاً من أحداث الطيونة، ووصولاً إلى إشكال الكحالة، وقد استطاع العماد عون في البقاء على مسافة واحدة من الجميع، مما يجعله توافقيّاً، إنّ لم ينجح النواب بانتخاب سليمان فرنجيّة أو وزير الماليّة السابق جهاد أزعور، أو أيّ مرشّح آخر. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
قائد عظيم ترك بصمةً لا تُمحى على صفحات التاريخ
معتصم محمد الماخذي
في تاريخ البشرية، شهد العالم العديد من الشخصيات التي تركت بصمة لا تُمحى من أبناء هذه الأُمَّــة، وأثر في مسارات الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي وفي كُـلّ المجالات، وهنا نتوقف قليلًا مع هؤلاء الشخصيات، إنه شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله، في هذا المقام تتراوح المشاعر بين الحزن على فقدان شخصية قيادية وبين الفخر بالإرث الذي تركه، في واقع من الحزن والألم، تُودِّعُ الأُمَّــة قائدًا قلّ نظيره.
السيد حسن نصر الله، هذا القائد الذي ترك بصمة لا تنسى على صفحات التاريخ الحديث، تمتزج مشاعر الحزن والفخر في صدور الملايين من أحرار هذا العالم في يوم تشييع هذا الرمز الذي كان يمثل صوتًا للحق ومعلماً للتحدي في وجه الكفر والظلم والعدوان، في تشييع ترى الناس وهي تلتف حول جثمان هذا القائد العظيم، وتحمل صور السيد حسن نصر الله، وتردّد الشعارات التي طالما ألهمتهم بالصمود والإصرار، الحزن يخيم على الوجوه، لكن الفخر يضيء في العيون.
لقد كان شهيد الإسلام والإنسانية رمزًا للكرامة والقوة، رجل استطاع أن يجمع الأُمَّــة حول الحق والدفاع عن الأرض والعرض، هو الرجل الوحيد في هذه الأُمَّــة الذي احتضن المقاومة الفلسطينية داخل أراضية في جنوب لبنان وأمدها بالسلاح والقدرات العسكرية، حَيثُ أغلق الجميع أبوابه وتآمر عليها، والوحيد الذي كان معها خطوة بخطوة منذ الصفر حتى وصلت إلى القوة التي امتلكتها في غزة بعد الله، استجاب لنداء الطوفان دون تردّد وخاض المعركة حتى لقي الله شهيداً كما يحب ويرضى، كان شهيد الإسلام والإنسانية رمزًا للمقاومة والصمود، وبفقدانه تفتقد الأُمَّــة العربية والإسلامية قائدًا حكيماً ثبت في وجه الظلم بشجاعة نادرة وعزم لا يلين، تاريخه الحافل بالإنجازات والبطولات جعل منه هدفًا للعدو الذي لم يتوانَ عن استخدام كُـلّ الوسائل لمحاولة النيل منه ومن حركة المقاومة التي يقودها، لكن حتى في غيابه، يستمر شهيد الإسلام والإنسانية في تشكيل كابوس يؤرق العدوّ، ويجعلهم يدركون أن رحيله لن يكون نهاية المطاف، وإنما مثل فرصة لإعادة التأكيد على المبادئ التي عاش؛ مِن أجلِها شهيد الأُمَّــة، إنه بمثابة بيان ممزوج بالدم وتصريح مفعم بالتضحية بأن المقاومة مُستمرّة وأن المشاريع الاستيطانية والعدوانية التي يروج لها الكيان الصهيوني المحتلّ لن تمر دون مواجهة.
الرسالة التي بعثها المشيعون واضحة ولا لبس فيها: المقاومة لن تتوقف، وستبقى تمثل الحصن المنيع وبوابة الدفاع الأولى عن الأُمَّــة ما دام في أجسادنا نفس وفي عروقنا دماء، وبكل فخر واعتزاز سيتذكر الجميع ما حقّقه شهيد الإنسانية من إنجازات تمتد آثارها لتصل إلى أبعد من الحدود اللبنانية، لتشمل قضايا إقليمية ودولية.
فقد كان له دور بارز في مقارعة الاحتلال وفي دعم حركات المقاومة في فلسطين، مؤكّـدًا دومًا على أهميّة الوحدة والقوة في مواجهة التحديات، في يوم تشييع شهيد الإنسانية حسن نصر الله كنداء صارخ تردّده الأُمَّــة بأسرها ضد الظلم والعدوان الذي يستهدف الأُمَّــة العربية والإسلامية دون استثناء.
إن هذا الحدث الجلل لا يعبر فقط عن الحزن والأسى لفقدان قائد كبير، بل هو رسالة قوية ومدوية يوجهها أحرار الأُمَّــة للعدو الصهيوني الجبان ولكل من يسانده مفادها أننا على العهد باقون وأن مسيرتنا الجهادية مُستمرّة، ولا يمكن للعدو الصهيوني أن يغفل عن المعاني الرمزية الكبيرة المرتبطة بهذا التشييع، الذي له مكانته الخَاصَّة في قلوب الكثيرين؛ فالحشود الجماهيرية في تشييع قائد الشهداء حسن نصر الله، ليس مُجَـرّد تعبير عن الحزن، بل هو تعبير عن وحدة الصف والتضامن بين أبناء الأُمَّــة ضد الظلم والطغيان؛ فبينما يسعى الكيان الصهيوني إلى تفريق الصفوف وبث الفرقة، يأتي مشهد هذا التشييع ليبطل هذه المحاولات البائسة ويبرهن على أن الأعداء لن يستطيعوا كسر إرادَة الأحرار.
وفي النهاية، قد يظن العدوّ أنه باغتيال القادة يمكنه كسر إرادَة الشعوب المحبة للسلام والحرية، لكنهم مخطئون؛ فالوجود القوي والحضور الكبير في يوم تشييعه كان بمثابة جرس إنذار أضيف لصوت المقاومة، ليعلن للعالم أجمع أن قضية الصمود والتحدي لا يمكن أن تندثر، وأن ذكراه ستؤجج الأمل في نفوس الأحرار دومًا، ولن ينال العدوّ الصهيوني من عزيمتنا، وسيتحول صرخة مدوية يصدح بها كُـلّ حر في وجه الصهيونية وداعميها من دول الاستكبار العالمي لتقول سنكون دائمًا هنا ندافع عن كرامتنا وحقوقنا، ومستعدين لتقديم الأرواح فداءً لما نؤمن به.