عبدالرحمن مراد
تمضي “إسرائيل” اليوم ومن ورائها أمريكا وبريطانيا والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن إلى تنفيذ فكرة الشرق الجديد، وتنفيذ الخطط الاقتصادية، ومنها الخطط المتعلقة بحركة التجارة العالمية، والسيطرة على مساراتها، وهم ماضون في تحقيق الحلم القديم الذي نشأ بعد تأميم قناة السويس في عام 1956م والمتمثل في إنشاء قناة بن غوريون التي تعمل على تسهيل الحركة بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط في مسارين دون توقف أو إعاقة في حركة منسابة وسهلة لا يمكن لقناة السويس توفيرها بسبب الجغرافيا، والمشروع كبير ويدر دخلا قوميا كبيرا جدا وفق خططه ودراساته المتوفرة .
وقد برزت أهمية البحر الأحمر في منظور السياسة الأمريكية في أعقاب حرب أكتوبر 1973م حين استخدم العرب النفط كسلاح سياسي في سياق المعركة بينهم وبين “إسرائيل”، وكان للتوسع الأمريكي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م دور كبير أثناء رسم السياسات الدولية وتحديد خطوطها الرئيسية، وقد تزايد اهتمام أمريكا بالمنطقة العربية بعد تفردها بحكم العالم حيث يشكل البحر الأحمر أحد محاورها المهمة لكونه يمثل طريقا استراتيجيا لحركة المواصلات العالمية، وله علاقة بالعديد من النزاعات الإقليمية والدولية كالصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الإيراني الأمريكي، والصراع الأمريكي الصيني، وسعي العديد من القوى الدولية إلى إقامة قواعد عسكرية على سواحله الممتدة لعشرات الآلاف من الكيلومترات.
وتأتي أهمية البحر الأحمر لكونه بحراً عربياً بنسبة تفوق التسعين بالمئة من سواحله، ومن ناحية أهميته في اعتماد التجارة الدولية بين شرق وغرب الكرة الأرضية على استخدام مياهه واحتواء أغلب الدول المطلة عليه على ثروات معدنية وطبيعة خلابة وسواحل مرجانية فضلا عن احتوائه على كميات كبيرة من النفط والمعادن الأخرى.
ومن هنا كان لا بد للولايات المتحدة من مبررات ودوافع تمكنها من السيطرة على هذا الممر المائي المهم على المستويين السياسي والاقتصادي وقد “أعلنت البحرية الأمريكية تأسيس قوة مهام جديدة”، مع دول حليفة، تقوم بدوريات في البحر الأحمر، وحُددت مهمتها “تعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن”، وبشكل أدق “التصدي لتهريب الأسلحة إلى اليمن”، وهي ذرائع لمطامع استعمارية وصهيونية خطيرة.
ويمثل البحر الأحمر أهمية ذات بعد استراتيجي بسبب ارتباطه بمنطقة الخليج، فأمريكا ترى ضرورة استمرار تأمين خطوط الملاحة التي يمر بها النفط والغاز عبر البحر الأحمر وقناة السويس، سعيا منها إلى أن تكون أكثر سيطرة على طرق النفط وعلى منابع النفط حتى تحد من دول الاتحاد الأوروبي، ومن خلال تواجدها في البحر الأحمر وفرض هيمنتها عليه تسعى أمريكا إلى إعادة ترتيب المنطقة طبقا لمصالحها الحيوية والفاعلة، كما أن البحر الأحمر يمثل أهمية عسكرية في حال تهديد المصالح الأمريكية من أي قوة عسكرية محتملة تهدد مصالحها، والأهم وجود مصالح استراتيجية مشتركة بين “إسرائيل” وأمريكا إذ تلتزم أمريكا بضمان أمن “إسرائيل” في مواجهة أي احتمال عسكري أو اقتصادي يهدد وجود “إسرائيل” في المنطقة .
وحضور أمريكا المباشر قد يكون مزمناً بتثبيت تواجدها وتكريس صهيونية البحر الأحمر حتى يكتمل تحالف “الناتو العربي الصهيوني” ليقوم بمهمة السيطرة على المنطقة وضمان المصالح الأمريكية، حينئذ محتمل أن تقلص الولايات المتحدة من حضورها المباشر في البحر الأحمر، أما في الظروف الراهنة فلا زالت الجزيرة العربية بالغة الأهمية لها، وخاصة مع سعي كل من روسيا والصين إلى فرض نظام متعدد الأقطاب وبالتالي إعادة رسم خارطة التوازنات العالمية ومعها الانتشار العسكري، فالولايات المتحدة منذ انتصارها على المعسكر الاشتراكي أعلنت “الشرق الأوسط” منطقتها العسكرية المركزية ونشرت فيها أساطيلها وهيمنت عبر الخونة والعملاء عليها.
خلف هذا التحرك عاملان: استراتيجي، وتكتيكي، الاستراتيجي: وهو متعلق بالسياسة الأمريكية الصهيونية في ضرورة السيطرة على المضايق البحرية وعلى البحر الأحمر بشكل خاص وعلى منابع النفط، فالبحر الأحمر وفق هذه الاعتبارات يقع في قلب الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية.
أما البعد التكتيكي، فهو متعلق بتضاعف القوة اليمنية في البحر الأحمر، واستباق احتمالات التسوية السياسية في اليمن لترسيخ الوجود الأمريكي كأمر واقع، وكذلك تفاقم الأزمة الغربية الروسية الصينية وما يرتبط بها من تحركات لهذه الدول على مستوى العالم أشبه ما يكون بتسجيل نقاط في رقعة شطرنج، في الوقت الذي تحتكر فيه روسيا الحضور العسكري في البحر الأسود حتى الآن وتزداد التصريحات الصينية بأحقية سيادتها في بحر الصين الجنوبي.
والخلاصة تريد أمريكا أن تضمن ثلاثة أهداف استراتيجية من خلال فرض هيمنتها على البحر الأحمر هي:
– ضمان عدم سيطرة القوى التي تراها معادية لمشروعها في المنطقة وخاصة محور المقاومة وجل ما تخشاه أن يحدث تحالف بين الصين ودول المنطقة أو بين الدول المطلة على البحر الأحمر وروسيا.
– الهدف الثاني: هو ضمان بقاء “إسرائيل” واستمرارها في المنطقة، فهي تفرض حمايتها لـ”إسرائيل”، فاللوبي الصهيوني الضاغط في أروقة البيت الأبيض والمتحكم في مفاصل الدولة والاقتصاد يفرض مثل هذه السياسة على أمريكا فهي مجبرة لا بطلة في الأمر.
– الهدف الثالث: هو ضمان تدفق النفط والغاز عبر البحر الأحمر وعبر المضايق دون أي قلق وهي اليوم أشد حرصا منها بالأمس بعد أن أشعل الدب الروسي فتيل المعركة في جزيرة القرم وتسبب ذلك في تأثر سوق الطاقة في أوروبا، وتركت الحرب أثرا على اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي وعلى أمريكا نفسها، لذلك تخوض حربا مع روسيا بالوكالة من خلال أوكرانيا فهي مع دول الاتحاد الأوربي يدعمون أوكرانيا لوجستيا وعسكريا ويقودون المعركة من خلف جدر أو من بروج مشيدة.
تلك الأهداف كانت وراء تعثر المفاوضات السياسية وبقاء الحال على ما هو عليه حتى تضمن لها موقع قدم في البحر الأحمر دون تهديد من أي قوة عسكرية، فهي ترى أنصار الله كقوة وطنية تحررية معادية لمشروعها لذلك تحاول أن تُفشل أي تقارب سياسي بين صنعاء ودول التحالف العربي ولعلها بعدوانها اليوم تفصح عن هذه الأهداف دون مواربة أو شك.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
أمنيات أمريكا لا تتحقق في اليمن
يمانيون../
“استئناف العدوان الأمريكي على اليمن مغامرة مفرطة في الواقع اليمني غير القابل للكسر”، في نظر الكاتب الروسي فيتالي أورلوف.
وقال في مقال تحليلي بعنوان “تدمير قدرات قوات صنعاء أمنيات أمريكية؟”، في صحيفة “سفبودنيا بريسا الروسية: “إن تصنيف الإعلام الغربي اليمنيين بالإرهاب يخفي فشلاً حقيقياً بعد أن باتوا يفرضون معادلات القوة على قوى التحالف الغربي، ويسيطرون على أهم بوابات التجارة العالمية في البحر الأحمر”.
وأضاف متسائلاً بلهجة ساخرة، واصفاً ترامب كمن يلهو بلعبة فيديو، لا سياسي إدارة جيو-سياسية واقعية: “كيف يمكن أن تُهزم قوة لم تتمكن تحالفات عربية وغربية من كسرها في حروب عدوانية على مدى عشر سنوات!؟ وكيف يقنع الإعلام جمهوره بأن مجرد ضربات جوية عشوائية كفيلة بإسقاط قوة مثل قوة صنعاء!؟”.
الحقيقة المؤكدة في نظر أورلوف، التي تحاول ماكنات الإعلام الغربي طمسها، هي أن اليمنيين لم يكونوا يوما وكلاء لإيران، أو أي دولة أخرى، بل واقع يمني صلب، قائم بذاته، ومقاوم بشراسة، واليمن لم يطلب الدعم من أحد، وبات اليوم يقدّم الدعم للآخرين.
والأمر المحسوم، في خلاصة كلامه بلغته الحادة: “إن من يراهن على انتهاء قدرات القوات اليمنية في صنعاء فهو يبني حساباته على أمانٍ إعلامية، لا على معطيات ميدانية”.
مؤشر الانحدار
وكان موقع “سوهو” الصيني قد أكد، يوم الأربعاء، فشل العدوان الأمريكي على اليمن في تحقيق أي نتائج ملموسة، رغم الإنفاق العسكري الضخم الذي تجاوز المليارات من الدولارات، والذي خُصص لإطلاق مئات الصواريخ.
وقال: “إن صمود اليمن أمام العدوان الأمريكي بات مؤشراً لانحدار الهيمنة الأمريكية، وتحول دورها إلى مُجَـرد مموّل وموجه عن بُعد في ساحة حرب تتطلَّب تواجدا فعليا لا قتالا بالوكالة”، في تلويح باعتزامِ واشنطن تحريكَ أدواتها في اليمن لخوض معركة برية نيابةً عنها مع قوات صنعاء.
وأضاف: “انتصارات اليمنيين في المواجهات البرية ضد تحالفات العدوان الأمريكي – السعودي – الإماراتي، ومليشيات المرتزقة المحليين، وتكبيدهم خسائر فادحة، جعل نظام الرياض أُضحوكة أمام العالم”.
.. ورثاء عصر الهيمنة
ونشرت مِنصة “باى جيا هاو” الصينية تقريرا، أكد تعرّض حاملة الطائرات الأمريكية “كارل فينسون” لهجوم صاروخي من قِبل قوات صنعاء في اليوم الأول من دخولها خط المواجهة البحرية، معتبرة الهجوم على “فينسون” بمثابة رثاء لعصر الهيمنة الأحادية القطبية.
وأشارت إلى أن الهجوم خلف أضراراً كبيرة في سطح الحاملة “كارل فينسون”.. واصفة العمليات اليمنية في البحر الأحمر بـ”حرب استخباراتية مفاجئة”، وذلك بتمكّن قوات صنعاء من الحصول على معلومات دقيقة عن تحرّكات الأساطيل الحربية الأمريكية.
وتواصل القوات المسلحة اليمنية استهداف الحاملات الأمريكية “هاري تورمان” و”كارل فينسون”، في المواجهات البحرية في البحرين الأحمر والعربي في إطار معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس” المساندة لغزة، في ظل استمرار العدوان الأمريكي على اليمن، مُنذ 15 مارس الفائت، على المحافظات الحُرة التابعة لحكومة صنعاء، الذي خلَّف حتى الآن حصيلة دموية تجاوزت 235 شهيدا و500 جريح من المدنيين، من خلال غارات جوية؛ انتقاما من موقف اليمن المساند لمقاومة غزة.
السياســـية – صادق سريع