جلسة نقدية تبحث تجليات السرد الشعبي في الأدب العُماني
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
أقامت مبادرة مجلس رواق الأدب ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب جلسة حوارية بعنوان "تجليات الحكاية الشعبية في الأدب العُماني"، والتي هدفت إلى تسليط الضوء على دور الحكاية الشعبية في تشكيل ملامح الأدب العُماني المعاصر. الجلسة التي أدارها الدكتور يونس النعماني، شارك فيها كل من الكاتب عمر النوفلي، والكاتبة فتحية الفجرية، إلى جانب الدكتورة غنية الشبيبية.
وأكدت الدكتورة غنية الشبيبية في مداخلتها أن الحكاية الشعبية تتجذر في ذاكرة المجتمع العُماني كفنٍّ سردي شفاهي موغل في القدم، يُمارَس في المجالس، ويعكس الوعي الجمعي والقيم الثقافية للناس. وأوضحت أن هذا النوع من الحكايات غالبًا ما يتأرجح بين الثبات، نتيجة تناقله بين الأجيال، والتحول، بسبب اختلاف الرواة وما يضيفونه من تفاصيل. وأشارت الشبيبية إلى أن الرواية العُمانية الحديثة استفادت من هذا الإرث الشفاهي، حيث أعادت توظيف الحكاية في بنى سردية جديدة، كما في رواية درب المسحورة التي استلهمت حكاية وردت في كتاب "تحفة الأعيان" لنور الدين السالمي، وكذلك في رواية حفلة الموت لفاطمة الشيدي، التي تغور في المخيال الشعبي المتصل بعوالم السحر والمغايبة. وتوقفت الشبيبية عند تجربة الكاتبة فتحية الفجرية، مشيدة بكتابها حدس قديم الذي ضم حكايات مستوحاة من المرويات الشفوية لنساء الساحل، واصفة إياه بأنه مخزون أنثروبولوجي وثقافي يحفظ هوية المكان والإنسان. كما تناولت حكاية سكان البيت بوصفها نموذجًا ناجحًا لتحويل الحكاية الشعبية إلى نص حديث متماسك، يوظف تقنيات القصة القصيرة، ويستدعي رموزًا ميثولوجية تعبّر عن علاقة الإنسان بالقوى الغيبية. وأشارت كذلك إلى أعمال أخرى مثل حكايات من نخل لخالد الكندي، التي تناولت حكايات محلية تحمل أبعادًا إنسانية وأخلاقية، وتوثّق العادات المجتمعية والبيئية، إضافة إلى توظيف الحكاية في الشعر، كما في قصيدة قلعة نزوى للشاعر هلال الحجري، التي استلهمت حكاية شعبية محلية ونسجت منها رمزًا للقوة والصمود في وجه التحديات.
وفي مداخلتها، تطرقت الكاتبة فتحية الفجرية إلى مفهوم "المرجعية في الأدب العُماني"، مشيرة إلى أن الحكاية الشعبية تمثل إحدى أهم المرتكزات التي يُعاد توظيفها في الكتابة السردية الحديثة. وأوضحت أن النصوص الأدبية لا تنشأ من فراغ، بل تُبنى على مرجعيات ثقافية وفكرية وتاريخية تُعيد تشكيلها ضمن بنى فنية معاصرة. وقالت إن المرجعية في النص الإبداعي هي بمثابة نصٍّ موازٍ، يسهم في بلورة الفكرة وتكوين الشخصيات ورسم الرموز والدلالات، مشيرة إلى أن الروايات مثل حدس قديم ودرب المسحورة وحفلة الموت، تمثّل نماذج واضحة لكتابات انطلقت من المرويات الشفاهية الشعبية، وخاصة تلك التي تدور حول عوالم السحر والمغيّبين، لتُعاد صياغتها بأساليب سردية حديثة تُبرز البعد الأنثروبولوجي وتستدعي الذاكرة الجمعية بوصفها مادة خامًا قابلة للتحول الأدبي.
من جانبه أشار الكاتب عمر النوفلي إلى أن الحكاية الشعبية تمثل تمثُّلًا إنسانيًا عميقًا لوعي الجماعة وثقافتها الجمعية، معتبرًا إياها نصًا إثنوغرافيًا يتكئ على اللغة والكلام في تشكّل القيم والأخلاق. وبيّن النوفلي أن الحكاية الشعبية، رغم حضورها التاريخي العريق، تُعدّ مفهومًا حديثًا في سياق الأدب المقارن والدراسات النقدية، نظراً لتداخل أجناس الحكاية القصصية، وصعوبة حصرها ضمن نسق أدبي محدد. واستعرض الفروقات المفاهيمية بين الحكاية والخرافة والأسطورة، موضحًا أن الحكاية الشعبية هي خبر أو قصة منزوعتا الزمان والمكان، تتناقلها الألسن عبر الرواية الشفوية، مما يجعلها عرضة للتحوير والانزياحات الدلالية.
وأكد على غنى الحكاية الشعبية بالمعنى الأدبي المحتمل والمؤجل، فهي مادة قابلة للتشكّل داخل فضاءات السرد الحديث، وتُسهم في تأسيس لذة نصيّة تفتح أفق التأويل، مشيرًا إلى أثر السماع والخطاب الشفهي في ارتسام الصور الذهنية داخل المخيال الأدبي، كما تطرّق إلى دور الحكاية في بناء التصوّر الأخلاقي والاجتماعي، وتوظيفها كعلامة سيميائية ضمن السياق الثقافي العُماني.
وربط "النوفلي" بين الحكاية الشعبية والجانب البلاغي، مستندًا إلى تصورات حازم القرطاجني وابن سينا حول المعاني والصور الذهنية، مستعرضًا كذلك البعد التواصلي والتأثيري والجمالي الذي تحققه الحكاية ضمن سيرورة إنتاجها. كما استشهد بتعريف جوليا كريستيفا للنص كحقل لتفاعل نصوص سابقة ومتزامنة، مستعرضًا البعد الشكلاني في دراسات فلاديمير بروب، وعدد من الدراسات العُمانية التي اشتغلت على الحكاية الشعبية من زاوية بنيوية وسيميائية، من بينها أبحاث عائشة الدرمكية وعبدالعزيز الراشدي وآسية البوعلي، مشيدًا بجهودهم في توثيق هذا الإرث السردي المهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأدب الع مانی الحکایة فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
"الحكي الشعبي.. رؤى وتجليات" في مناقشات الندوة العلمية بملتقى فنون البادية بالعريش|صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ضمن احتفالات وزارة الثقافة بالذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء، استمرت فعاليات ملتقى سيناء الأول لفنون البادية، المقام برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، واللواء دكتور خالد مجاور محافظ شمال سيناء؛ وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، وينفذ بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة.
فنون الحكى الشعبية
واستضاف قصر ثقافة العريش ثالث لقاءات الندوة العلمية بعنوان "فنون الحكي الشعبي.. رؤى وتجليات"، وأدار الندوة د. مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، الذي تناول تصنيفات الحكاية الشعبية في ثقافة البادية، من بينها الحكاية الخرافية والسالفة، وحكايات الحيوان والأسطورة، مشيرًا إلى أهمية التمييز بين الحكايات المحلية والتصنيفات الأجنبية ومؤكدا أن التصنيف العلمي يتطلب إخضاع النص الحكائي لوظائف محددة كما ورد في ميثولوجيا الحكاية الشعبية وفقا لفلبير دروب.
السيرة الهلالية فى البادية
كما شارك الباحث مسعد بدر، المتخصص في ميثولوجيا سيناء، بورقة حول السيرة الهلالية في البادية، موضحا ارتباط أسماء بعض الأماكن في سيناء بمرور قبائل بني هلال، مثل وادي سلامة، ومشيرا إلى استمرار تأثير هذه الحكايات في الحياة اليومية حتى اليوم.
توثيق التراث السيناوي
وقد شهدت الندوة حضور عدد من الأدباء والباحثين في التراث، منهم الحاج جازي سعيد، الناقد والشاعر حاتم عبد الهادي السيد، الشاعر والباحث حسونة فتحي، ومحمود طبل رئيس نادي الأدب بأندية شمال سيناء، الناقد د. صلاح فاروق الشاعر محمد ناجي حيث قدموا توصيات بشأن أهمية جمع وتوثيق التراث السيناوي.
دلة القهوة
كما تضمنت الأمسية فقرة شعرية أحياها عدد من شعراء البادية، من بينهم الشاعر سلمي الجيمعاني الذي قدم لغزا شعبيا عن "دلة القهوة" وقصيدة تراثية، إلى جانب الشاعر عطا الله الجداوي الذي روى قصة مستوحاة من الحياة البدوية.
وكانت قد انطلقت الأحد الماضي فعاليات ملتقى سيناء الأول لفنون البادية، وتنظمه وزارة الثقافة ممثلة في هيئة قصور الثقافة احتفالا بالذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء، وتستمر فعالياته حتى 27 من أبريل الحالي، ويتضمن مجموعة من العروض الفنية لفرق البادية المصرية وورشا حرفية ويدوية وأنشطة للأطفال ومعارض للكتب والمنتجات وندوة علمية بمشاركة نخبة من الباحثين بالإضافة إلى الأمسيات الشعرية.