آب سينتهي ومعه أيلول... لا رئيس للبنان
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
بعد شهرين من الآن يَطوي الشغور في سدّة الرئاسة الأولى عامه الأول. فلا مؤشرات واضحة تلوح في أفق الاتصالات الجارية على غير هديٍ، وهي تدور في حلقة مفرغة وفي مراوحة قاتلة. فلا ما يسمّى بـ "الفريق الممانع" مستعد للتنازل عن مرشحه، وكذلك يفعل الفريق المسمّى "معارضة". كل واحد منهم "يتمترس" خلف مواقف يعتبرانها، كلٌ من موقعه وتموضعه، خشبة الخلاص، وأن أي كلام آخر بالنسبة إليهما هو بمثابة مضيعة للوقت، من دون أن يحتسبا ما ينتظر اللبنانيين في نهاية أيلول، خصوصًا إذا لم يُوفق الوسيط الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في مهمته، التي يُقال إنها ستكون الأخيرة كمسعىً جدّي من قِبَل الدولة الفرنسية، التي تحاول ما استطاعت إليه سبيلًا لإحداث خرق في الجدار الرئاسي، الذي تتزايد سماكته يومًا بعد يوم.
فشهر آب يودّع أيامه الأخيرة، وكذلك سيكون حال شهر أيلول، على رغم أن بعض المراقبين لا يزالون يعتقدون أن في هذا الشهر ستُرسم الحدود الفاصلة بين الفراغ الرئاسي وبين بداية مسيرة التعافي، وهي مسيرة طويلة، وتحتاج إلى رجال دولة، وإلى من أثبتوا بالممارسة والحكمة أنهم قادرون على قيادة السفينة ومجابهة العواصف والأمواج العاتية. إلا أن نهاية أيلول ستكون ثقيلة على كثير من اللبنانيين، الذين تنتظرهم استحقاقات داهمة، وليس أقّلها الأقساط المدرسية، مع تخّوف متنامٍ عن مصير العام الدراسي حتى في المدارس الرسمية، التي تعاني أيضًا ما تعانيه المدارس الخاصة.
فالأقساط هذه السنة نار. وإذا أردنا أن نغوص قليلًا في عالم الأرقام نرى أن الوالدين، الذين لديهم ثلاثة أولاد مثلًا، مطلوب منهما تأمين ما يقارب الستة الآف دولار في السنة، يقابلها مبلغ مماثل بالليرة اللبنانية. أي أن ربّ العائلة عليه أن يؤمّن نحو ألف دولار كل شهر مقابل تحصيل أولادهم العلم، الذي أصبحت تكلفته مجبولة بالعرق والدم. وإذا أردنا أن نحصي الذين يتقاضون مرتبًا يقارب الألف دولار شهريًا قد لا نجد كثيرين قادرين على تأمين نصف هذا المبلغ، من دون أن نلحظ مدى صعوبة الحصول على "الكفاف اليومي" لدى كثيرين من أبناء الشعب، والذين كانوا يصّنفون في خانة الطبقة الوسطى، التي انضمّت إلى الطبقات الكادحة والفقيرة.
هذا الهمّ يوازي بقلقه ما عداه من هموم أخرى. ومع هذا فإن قليلًا من المسؤولين من يعير هذه المعضلة الاهتمام الكافي، مع ما يجرّه عدم التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي بجدّية، ومع غيره من الاستحقاقات، من ويلات ومصائب.
فـ "الفريق الممانع" كما "الفريق المعارض، وهما تسميتان قد لا تنطبقان على الواقع، ماضيان في سياسة المزايدات، التي لن تقدّم ولن تؤخرّ في المعادلات القائمة على أرض والواقع، وهي تُترجم بأن لا رئيس للبنان. ومع غياب هذا الرئيس يغيب دور المؤسسات الأخرى، من تشريعية وتنفيذية وقضائية وإدارية وأمنية، خصوصًا أن ما تعيشه المؤسسات الأمنية من ظروف اقتصادية مزرية ينذر بعواقب وخيمة ما لم يتم تدارك ما تعانيه مؤسسة الجيش من نقص لوجيستي قد يحول دون تمكّن عناصرها من القيام بواجباتهم الوطنية كما كانوا يفعلون على امتداد السنوات العجاف من دون تذمرّ أو تكدّر. وهذا ما يُسجل للقيادة العسكرية، التي استطاعت أن تحافظ على تماسك المؤسسة في أدق الظروف وأصعبها. وهذا ما يؤهلها لأدوار وطنية في حجم الآمال وفي حجم المسؤوليات.
وفيما الجيش يجاهد ويكافح ويصمد نرى بعض السياسيين، الذين لا يستهويهم لا الجهاد ولا الكفاح ولا الصمود، يتصرّفون وكان البلد لا يزال قطعة من الجبنة المعدّة للتقاسم حصصًا ومغانم. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
هل يُكمل ترامب دورته الرئاسيّة؟
قد يبدو هذا السُّؤال غريبًا، وربّما ليس ملائِمًا، لكنّه في ظنّي سؤال ضروري ومناسِب لتطوّرات المرحلة، والإجابة القاطِعة تقول إنَّ الرّئيس الأميركي دونالد ترامب لو استمرَّ في قراراتِه وسياستِه التي يتَّبعها حاليًا فهو لن يكملَ فترتَه الرِّئاسيّة. هذه ليست إحدى نبوءات المُنَجِّمين وما أكثرهم وما أكثر دجلهم، لكنَّها قراءة موضوعيّة لمجرياتِ ومحدِّداتِ السياسةِ الأميركيّة والعالميّة.
بدأ دونالد ترامب فترتَه الرئاسية بصِداماتٍ متعمّدةٍ مع كلّ ثوابِت "المؤسسة - إستابلشمنت" الأميركيّة، يتصرَّف وكأنَّه يتلقّى وحيًا في المنَام، وليس قراراتٍ وسياساتٍ مدروسة تعكفُ عليها مراكز بحوث وجِهات اتّخاذ القرارات، ولهذا لم يكُن غريبًا أن تبدأَ مجموعة من محاكمِ الولايات في إصدار أحكام تمهيديّة ضدّ قراراتِه، تمهيدًا لمعارك قضائيّة تنتظرُ ترامب في كلّ ولاية.
أطلق ترامب حملته التتاريّة ضدّ مَنْ أسْماهم "مجانين الجَنْدر - Gender Insanes"، وشملَت لعناته كلّ متبنٍ للقضايا النّسوية والمساواة وغيرها ممَّن يراها ترامب ومؤيّدوه ضدّ قِيَمِ العائلة الأميركية المسيحيّة التقليديّة. ثم انقلب على المهاجرين وبدأ في تطبيقٍ عملي لسياساتِه المُعلنةِ والمُعاديةِ للمهاجرين، ودخل في معارك فعليّة مع دولِ الجوار وقادتِها في المكسيك وكولومبيا.
التفتَ لوعدٍ قديمٍ، فأوْقفَ عملَ "هيئة المعونة الأميركية"، وطلب وَقْفَ كلّ برامِجِها لثلاثة أشهرٍ للمراجعة، مع فصلِ أكثر من 60 من كبارِ موظّفيها. الحجّةُ الرئيسيّة هي أنَّ هذه الهيئة تهدرُ أموالَ دافعي الضرائب الأميركيّين على دول العالم، وهي حجَّةٌ جاذبة بدرجةٍ ما للنّاخب الأميركي، لكنّها هي أيضًا أهمّ وسيلة لبسْط النّفوذ الأميركي في العالم، إنْ كان ذلك مُهمًّا عند ترامب.
يجلسُ الرّجل في مقعدِ الرّئاسة الأميركيّة ليهدِّدَ كندا ويتوعَّد بضمِّها وبمحاربتِها بالرّسوم الجمركيّة العاليَة، وتضطرُّ كندا للرّدِّ بالمثْل، ثم ينقلِبُ على الدّنمارك ويعلِنُ أنَّه يريد ُضمَّ جزيرة غرينلاند التّابعة للدنمارك. وسبق كلّ ذلك تهديدات علنيّة لدول أوروبّا وحلفِ "النّاتو" بأنَّه غير مستعدٍ لدفع فاتورةِ تكلفةِ الدِّفاعِ عنها، وأنَّ على هذه الدّول أن تستعدَّ لمساهمةٍ أكبر في نفقاتِ الحلف.
وما أنْ صفَّق النّاس له وهو يضغطُ لوقفِ القتالِ في غزَّة، حتّى دعا لإجلاء مجموعاتٍ من سكان غزّة إلى مِصر والأردن. ثم زاد الرّسوم الجمركيّة على كندا والمكسيك، وطالبَ بضمِّ قناة بنما للأراضي الأميركية. هذا طبعًا غير تصوُّراتِه لإنهاءِ الحرب الرّوسيّة - الأوكرانيّة، وتهديداتِه المعلنة والمبطّنة للصّين، الشّريك التّجاري الأكبر للولايات المتحدة.
في أسابيعَ قليلة يخوض ترامب معارك "دونكيشوتيّة" داخليّة وخارجيّة، يضرب يمينًا وشمالًا، يخرقُ ثوابتَ السّياسة الأميركية، ويطيح بتقاليد أرساها دستور متطوّر تم تسجيله عبر حِقَبٍ وتطوّراتٍ مختلفة، ويكاد يدمِّر علاقات أميركا الخارجيّة التي بَنَتْها سياسات خارجيّة عبر مواقف وحِقَب مختلفة... فكيف سيستمرُّ في حُكْمِه خلال أربع سنوات مقبلات؟.
لو كان هناك من معنًى حقيقي لمصطلحِ الدّولة العميقة، فهو بالضّرورة ينطبِق على واقع السّياسة الأميركية ومؤسَّساتها القويّة، وقد تعوَّد الأميركيون على وجود ثوابِت لا يستطيع حتّى الرّئيس الأميركي المُنتخب، بصلاحياتِه الكبيرة، أن يتجاوزَها. جاء جيمي كارتر بمثاليّاتٍ ريفيّةٍ بسيطة، فاصطدم بالمؤسَّسة، وأكمل فترة الأربع سنوات بصعوبة، ولم يستطِع الفوزَ بالفترةِ الثّانيّة. وجاء باراك أوباما محمولًا على أجنحةِ الامل بشعاراتٍ برّاقة "نعم... نستطيع" و"التغيير... الآن"، لكنه ما استطاع الخروج من قيْدِ المؤسَّسة. جاء الشابُّ الاسوَد ليعبِّر عن مرحلة جديدة، لكن في النّهاية لم يكُن فيها كثيرٌ جديدٌ غير أنَّ الملوَّنين يمكن أن يصِلوا لسدَّة الرئاسة، وأن تظهرَ صورهم العائليّة الجاذبة والمداعبة لأحلام الملايين في كلّ أرجاء العالم، هذا كلّ شيء.
بالطَّبع يذكر النَّاس مصير الرّئيس الأميركي الرّاحل جون كينيدي، الذي حاول تجاوُز قيود المؤسَّسة فدفع حياته ثمنًا لذلك. وعلى الرَّغم من تعدُّد نظريّات اغتيال جون كينيدي إلّا أنَّ الكثير من المراقبين يجزُمون أنَّ الإفراجَ عن الوثائِق، بحسب الأمر الذي وقّعه دونالد ترامب، سيكشف أنَّ عملية الاغتيال تمَّت بتدبيرٍ من داخل أجهزة الاستخبارات الأميركية.
في غضون أشهر قليلة، سيجد دونالد ترامب نفسَه وسط حقلٍ من نيران الحرائق التي أشعلها، حرائق داخليّة تحيط به من كل جانب، وحرائق خارجيّة لا تُبْقِ له صديق أو حليف أو جار، وفي النِّهاية ستتضرَّر المصالح الأميركية حول العالم. عندها ستشتدُّ الحملة ضدّه، وربّما يقف الكونغرس بديموقراطيّيه وجمهوريّيه ضدّه، وسيكون العالم في موقف المراقِب الشّامِت، حتّى حلفاؤه الأوروبيّون سيكونون من بين الشّامِتين.
سيكون الخلاصُ من ترامب مطلبًا داخليًّا وخارجيًّا عاجلًا ومُلِحًّا إنْ لم يغيِّر سياساته ومواقفه، وقد تكون الإجراءات الدّستورية هي المدخل لذلك، وإنْ تعذّرت فربّما يجد مصير كينيدي!. المؤكَّد أنه لا يمكن أن يستقرَّ ويستمرَّ بالسّياسات الحاليّة، لأنها ضدّ المنطِق والمصالِح وستنتهي بأن تكون ضدّ العالم كلّه.
https://ourouba22.com/article/4917