الوحدة و صراع التيارات الاتحادية إلي إين؟
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
عندما كنت طالبا في كلية الإعلام جامعة بغداد، كان استاذ النقد و الأدب العالمي الدكتور محمد كمال الدين، هو شاعر و قاص درس تعليمه الجامعي و فوق الجامعي في موسكو، و عندما عرف أنني سوداني سألني من جيلي عبد الرحمن إذا كنت أعرفه قلت له اعرفه كشاعر، طلب مني أن أكتب عنه بحث نقدي على أعماله الشعرية أعتذرت بسبب نقص المصادر لإنتاج الرجل المعرفي، و بعد يومين التقيت الدكتور على باب مدخل الكلية سألني من أين جئت؟ حيث كنت أتصبب عرقا، قلت له؛ من محاضرة للأستاذ ناجي علوش، تحدث فيها عن القراءات الجديدة للفكر الماركسي.
سألت الدكتور كمال الدين عن ظاهرة التحولات السياسية وسط النخب و المفكريين الفلسطينيين و الشوام من الفكر القومي إلي الماركسي منهم جورج حبش و جورج طرابيشي و ناجي علوش و غيرهم؟ قال كمال الدين أن الأحزاب في الوطن العربي للتمييز و ليست حمولات فكرية، و الانتقال ظاهرة تفرضها التعارض بين المصالح الخاصة و المصلحة العامة، و أغلبية هؤلاء ينتمون للطبقة الوسطى، و معلوم هي طبقة متمردة، و التمرد هو الصفة الغالبة، لذلك تصبح حالة الثبات نسبية، و أنظر إلي أغلبية التغييرات التي تحدث في النظم السياسية العربية لا تعتمد على الجماهير بقدر ما تعتمد على القوى المنظمة داخل الجيوش، مما يدل على أن المصالح الخاصة هي التي وراء التغييرات، و ليس سبب أفكار يراد تطبيقها.. عندما طرق أحد باب المكتب استأذنت لمعرفتي أن مثل هذا النقاش يضر بأصحابه، و لا اريد أعرض أستاذي لمضايقات..
تذكرت حديثي مع الدكتور محمد كمال الدين، و هو كان نقاشا طويلا عن ظاهرة لتململ وسط الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية، و هي التي قادت للانقلابات العسكرية المتكررة في المنطقة... في الأسبوع الماضي، كانت هناك ظاهرة الدعوات بين التيارات الاتحادية للوحدة، و هو شعار أشواق القاعدة الاتحادية، و فكرة الوحدة يتحكم فيها الشعار المرفوع دون أن يكون لها تأسيس معرفي لمشروع يمكن الحوار حوله.. و في حوار مع محمد توفيق أحمد عن وحدة الاتحاديين قال منذ دخول الشعبوية في 1965م في الوطني الاتحادي، و بموجبها طرد أعضاء في البرلمان بدأت تتغلب على تيار الوسط الذي ترتكز عليه عملية البناء الديمقراطي، و تراجع دور النخب ذات الاستنارة.. و كان الأمين العام للجبهة المعادية للاستعمار عبد الوهاب زين العابدين قاريء جيد للواقع عندما كانت رؤيته المخالفة لفكرة عبد الخالق محجوب في الجبهة أن يشكل اليسار تيارا تنويريا داخل لاتحاديين حتى يستطيع أن ينتصر للديمقراطية.. و أيضا قد اعاد ذات الرؤية عوض عبد الرازق في بداية الخمسينات.. فاشواق الوحدة تعد دافعا و لكنها لا تستطيع أن تجرد عناصر الطبقة من المصالح الذاتية الضيقة..
عندما كنت في مصر في ديسمبر 2024م حضرت حوارا بين قيادات اتحادية تتبع لتيارات مختلفة، جاء البعض خاصة قيادات من كردفان و الجزيرة بفكرة " فدرالية التنظيم" و هي فكرة مقنعة لا تؤسس على مركزية التنظيم، فكل أقليم ينتخب قياداته من القاعدة إلي الهرم، و قيادات الأقليم المختلفة تشكل اللجنة المركزية للحزب، و هي التي تنتخب المكتب السياسي " التنفيذي" يراع فيه حضور كل الأقاليم.. هذه التنييظم يعطي القيادات مساحات واسعة على الحركة، الكل سوف يشارك في قرارات الحزب، و سوف يحجم مسألة الكارزمة و سطوتها، لكن الدعوات الأخيرة تجاوزت " فدرالية التنظيم" و عادت مرة أخرى للحوار بين قيادات المجموعات المختلفة و هي في حد ذاته سبب تعثر الوحدة، لآن كل فرد في هذه القيادات يريد أن يكون له مقعدا في القيادة..
أن واحدة من إشكالية النخب التي تريد أن تقود بنفسها عملية الوحدة، لا تستطيع أن تتحدث عن القضايا المسكوت عنها، و هي جوهر المشكل، لآن مسألة القناعات في الأجيال الجديدة تتطلب المعرفة، و المشاركة في صناعة المشروع السياسي، و أيضا المشاركة الفاعلة في اختيار القيادات.. فالقبول بمبدأ الولاءات السالبة بدأ يضيق في المجتمع، لذلك لابد من فتح الحوار مع القاعدة بدلا من الاحتفاظ به داخل موائد شبه مغلقة.. و هناك من يخطط لإعادة الكارزمة لكي تخطط له و تقود لوحدها عملية الوحدة، هذه تتعارض تماما مع مبدأ الحرية، و في نفس الوقت العودة إلي لاحتكارية القرار... أن الوحدة التي يريد أصحابها أن تنجح أن يطرح أصحابها رؤيتهم للقاعدة للحوار و الوصول ألي توافق حوله.. كما يقول المفكر البناني علي حرب " أن القيادات السياسية العاجزة عن إنتاج معرفة جديدة و أفكار جديدة لا تستطيع المساهمة في التغيير..
أن عملية الوحدة الاتحادية يستطيع أن يقوم بها فصيل واحد دون الفصائل المتعددة المطروحة في الساحة السياسية، إذا كان لديه قيادة مؤمنة بالوحدة، و ما تفرزه عملية الاختيار من قيادات، و دون التعدى على حرية القاعدة في اختيارها، و يملك أدوات العمل و الاتصال، و القدرة المالية على قيام انتخابات عامة من القاعدة إلي القمة، دون الدخول في أية صراعات جانبية مع الفصائل الأخرى حتى لا تصرفه عن الهدف. و دون أية إقصاء مادام القاعدة وحدها لها حق اختيار القيادة.. و أن تكون القيادة مدركة للتحديات التي سوف تواجهها، و أن تكون هناك فكرة واحدة " قيام انتخابات لتنظيم اتحادي من القاعدة إلي القمة" هي الرؤية التي سوف تستقطب الأجيال الجديدة القادرة على حمل المسؤولية. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: کمال الدین
إقرأ أيضاً:
خلال النسخة الـ15 من المنتدى السعودي للأبنية الخضراء.. قيادات وطنية وعالمية يبحثون التكامل بين البيئة والإقتصاد
البلاد ــ الرياض
برعاية وزارة البلديات والإسكان، تنطلق فعاليات النسخة الخامسة عشرة من المنتدى السعودي للأبنية الخضراء خلال الفترة من 1 إلى 3 أكتوبر 2025م، وذلك في قاعة الملفى بمدينة مسك في الرياض، تحت شعار “عرض التحديات وتعزيز الحلول الخضراء والشاملة واستعراض أفضل الممارسات في ظل رؤية السعودية 2030 “.
ويُعدّ المنتدى هذا العام منصة إستراتيجية لمراجعة منتصف الطريق في توطين أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، بمشاركة نخبة من القيادات الوطنية والدولية، وممثلي كبرى المشاريع التنموية في المملكة.
ويأتي ذلك في وقتٍ تتصاعد فيه الجهود على المستويين الوطني والدولي لتعزيز مفاهيم الاقتصاد الدائري، وتطبيق مبادئ البناء المستدام في مختلف القطاعات.
وأكد الأمين العام للمنتدى السعودي للأبنية الخضراء المهندس فيصل الفضل، أن هذه النسخة تُطلق مرحلة جديدة من التمكين المؤسسي، حيث تُصبح أدوات التقييم مرجعية وطنية لتعزيز الأداء البيئي والاقتصادي في المدن والأحياء والمباني.
وأوضح أن المنتدى يعمل على ربط أصحاب المصلحة والشراكات بالتنفيذ، والتوثيق بالاعتماد، والجهود المحلية بالأسواق العالمية للكربون، داعيًا جميع المعنيين من القطاعين الحكومي والخاص، والجهات الأكاديمية والمجتمعية، إلى المشاركة الفاعلة في هذه النسخة الفارقة من مسيرة المنتدى، التي تشهد تكريم المشاريع الرائدة الحاصلة على شهادة سعف® بصفتها علامة تميز وطنية في البناء المستدام، إلى جانب تنظيم جلسات حوارية تتناول السياسات، والابتكار، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الدائري، بمشاركة جهات الاعتماد الدولية في مناقشة آليات الاعتراف والتكامل.