الرجل والمرأة في الإسلام.. بين تساؤلات الماضي والحاضر
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
تُقرع في الآونة الأخيرة أجراس خطر حقيقي في ميدان الأسرة، الذي تعدُّ أهمّ مؤسسة في البنية الاجتماعية التركية، وأقواها تقليديًا. وليست المسألة ضربا من المبالغة، فنحن نُستهدَف ونتلقى ضربة موجعة في أقوى ركائزنا التي تميّزنا عن غيرنا من المجتمعات.
فارتفاع معدلات الطلاق، وكذلك سنّ الزواج، وتحطيم أرقام قياسية في عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم، وأخيرا الانخفاض الحاد في معدلات الخصوبة وما يستتبعه من شيخوخة ديموغرافية، كلها مؤشرات تُنذر بأن مسار التحوّلات الاجتماعية في تركيا لا يسير في اتجاه إيجابي.
وفي سبيل تسليط الضوء على هذا المسار، وتعزيز الوعي العام بشأن بنية الأسرة، والتفكير الجادّ في اتخاذ تدابير وقائية، أعلنت رئاسة الجمهورية، بناءً على مقترح من وزارة الأسرة، عام 2025 عامًا للأسرة. غير أن الاعتقاد بأن الحوافز المادية لتشجيع الإنجاب كافية وحدها لمواجهة هذه الأزمة يُعد تسطيحا مفرطا للمشكلة. فالتغيير الحاصل نتاج لتحوّل سوسيولوجي أعمق بكثير.
ولا شك أن لهذا التحول علاقة وثيقة بارتفاع مستوى الرفاه المعيشي. وخلافًا للاعتقاد السائد، فإن التحديات الاقتصادية لا تؤدي إلى تراجع في معدلات الخصوبة، بل العكس، فإن الشرائح التي شهدت زيادة أكبر في مستوى الرفاهية هي التي انخفضت فيها الخصوبة. أما من يُرجعون قلة الإنجاب لدى الأثرياء إلى "الوعي" فهم ينظرون إلى الحياة من منظور مادي ضيق وسطحي للغاية. وفي المقابل، فإن ارتفاع مستوى الرفاه يُحدث تحوّلًا في العقلية والتفكير، وهذا أمر صحيح. فمع اتباع نهج أكثر أنانية ودنيوية والرغبة في الراحة، بات يُنظر إلى الطفل على أنه مجرد شيء من ملذات الحياة، ولا يُعتبر مفضلًا على غيره من الملذات أخرى.
لا يقتصر الأمر على قضايا الهوية الجنسية فحسب، بل يشمل علاقتنا العامة بالنصوص والتعاليم الدينية
وإلى جانب ارتفاع مستويات الرفاه، فإن ارتفاع معدل الالتحاق بالجامعات، وتأخر الدخول إلى سوق العمل، والأهم من ذلك كله، الابتعاد المتزايد عن الأدوار التقليدية للرجل والمرأة، كلها عوامل تلعب دورًا مؤثرًا في تشكيل ثقافة جديدة تجاه الأسرة والإنجاب. وهنا ينبغي التوقف مليًّا عند هذا التحول الأخير على وجه الخصوص. وقد خصصت مجلة تذكرة في عددها الأخير ملفًا لرصد ردود فعل الأوساط المسلمة تجاه تغيّر هذه الأدوار. وربما كرد على من يطرحون هذه القضايا تحت عنوان "النسوية الإسلامية"، فضّلت المجلة أن تجمع الملف تحت عنوان: "المسلمون والمسلمات.. بين تساؤلات الماضي والحاضر". فالتغيير لا يقتصر على المرأة وحدها، بل يشهد الرجل أيضًا تغييرًا كبيرًا في تحديد موقعه في دوره الجنسي، وبالطبع، تبعًا للتحوّلات التي طرأت على المرأة.
وفي العدد الذي تولّت سعادة بايزيد تحريره، اختير عنوان يسلّط الضوء على القضايا الموروثة من التاريخ، والأسئلة الجديدة التي تطرحها هذه القضايا في العالم المعاصر، كما يعكس في الوقت ذاته مساعي العصر الحديث إلى إعادة تعريف مفاهيم الجنس والدين والثقافة. فالعالم المعاصر يمرّ بمرحلة يعاد فيها النظر جذريًا في أدوار الهوية والجنس، وهي عملية لا تزعزع القيم والتقاليد الراسخة وحسب، بل تخضع رموزنا الدينية والثقافية لقراءة جديدة.
وقد ساهم في هذا الملف عدد من الكتّاب البارزين بمقالات قيّمة. على سبيل المثال، تتناول بيرسان بانو أوكوتان في دراستها التحوّل الاقتصادي والثقافي للطبقة الوسطى المحافظة الجديدة، مقدّمة تحليلًا لافتًا لهويات الرجال المتدينين من خلال ممارساتهم الاستهلاكية. أما مصطفى شفيق، فيعالج النقاشات المستمرة حول طبيعة الجنس من خلال مقاربة تدمج بين الحتمية البيولوجية والبناء الاجتماعي.
وتتناول هاجر أياز الكيفية التي تشكّلت بها هويات الرجال المسلمين في العالم الحديث تحت تأثير القيم الأبوية والدينية والعولمة. وفي مقالة أخرى، تحلل غونول يونار شيشمان أصول التمييز القائم على النوع الاجتماعي من خلال الروايات الأسطورية، حيث تُخضع مفهومي الأنوثة والذكورة لمساءلة تاريخية، متوقفة عند سردية خلق باندورا في الأساطير اليونانية، وحكاية الطرد من الجنة في الكتاب المقدس، منتقدة المعاني السلبية التي أُلصقت بالمرأة في هاتين الروايتين.
وتدرس زهرة إيشيق تصورات الجماعتين الدينيتين "إسماعيل آغا" و"الجراحي" في إسطنبول تجاه المرأة والرجل والتحولات التي طرأت على هذه التصورات. أما حسين يلماز، فيتطرق إلى النقاشات المعاصرة حول الهوية الجنسية من منظور التقاليد والأعراف المجتمعية، محللًا تأثيرات التحولات الاجتماعية التي تؤدي إلى تآكل المعنى. وتقدّم الفيلسوفة الألمانية بيرجيت روميلسباخر مقالة بعنوان: "النسوية والهيمنة الثقافية.. مناقشات حول تحرر النساء المسلمات"، تتناول فيها مسألة تحرر المرأة المسلمة من منظور الحركات النسوية، منتقدة سعي النسوية الغربية فرض معاييرها على النساء المسلمات باسم التحرر، ومسلطةً الضوء على التناقضات الأيديولوجية النسوية لهذا النهج.
وفي أطول وأشمل مقالات الملف، يتناول نجدت سوباشي مفهومي "الذكورة" و"الأنوثة" في السياق الإسلامي، محللًا تطورهما ضمن الأطر التاريخية واللاهوتية والحداثية، ومسلطًا الضوء على تحوّلات المرجعيات الدينية التقليدية في العالم المعاصر. ويشير سوباشي إلى أن أدوار المرأة والرجل في القرآن والسنة تقوم على مبدأ التكامل، إلا أنها عبر المسار التاريخي تحوّلت تدريجيًا إلى بنية أبوية.
ويولي سوباشي اهتمامًا خاصًا بمفهوم "النسوية الإسلامية"، متناولًا الحركات التي تطالب بإعادة تأويل النصوص الدينية في سياق نضال المرأة من أجل التحرر. ويناقش في مقالته التوترات المستمرة بين المفاهيم التقليدية والحديثة، ويقدم إطارا نقديا حول كيفية إعادة تناول رسالة المساواة الدينية في السياقات الحديثة. ويؤكد على أن هذا التحوّل المفاهيمي لا يؤثر فقط في سعي الأفراد المسلمين نحو تشكيل هويتهم، بل يمتلك أيضًا القدرة على التأثير في مستقبل البنى الاجتماعية نفسها. ويرى أن قضايا الهوية الجنسية في العالم الإسلامي انتقلت من مقاربة تقليدية قائمة على مفهومي "الحكمة" و"التسليم"، إلى ساحة حوار حديثة تطغى فيها أسئلة من قبيل "لماذا؟" و"كيف؟".
في الواقع، لا يقتصر الأمر على قضايا الهوية الجنسية فحسب، بل يشمل علاقتنا العامة بالنصوص والتعاليم الدينية، إذ لم نعد نتلقّى النص بوصفه خطابًا يحتوي على أمر أو موعظة أو حكمة، وإنما بتوجه استهلاكي علماني تغلب عليه الأسئلة المُجرّدة والوظيفية من قبيل "لماذا؟" و"كيف؟". ومن هذا المنطلق، أعتقد أن مساهمة سوباشي يمكن أن تشكل نموذجًا صالحًا لقراءات أوسع للنصوص الدينية.
ويضم الملف أيضًا حوارًا خاصًا مع نظيفة شيشمان، حيث تدور المقابلة حول قضايا الهوية الجنسية من خلال مفاهيم الفطرة، و"أحسن تقويم"، والتقسيم الحديث للعمل الاجتماعي. كما أجرت فاطمة نايت، المحررة الرقمية لمجلة "رينوفاتيو"، مقابلة مع الأستاذة بجامعة برمنغهام هيفاء جواد، ناقشت فيها التناقضات الجوهرية التي تعاني منها النسوية الإسلامية. وفي جانب من الملف، تسهم غونجا ديدم أوغلو بتقديم عرضٍ لكتاب.
إن العدد التسعين من مجلة "تذكرة" التي يرأس تحريرها يونس باديم، لا يقتصر على عرضه ملفا عن النسوية الإسلامية، بل نجح في تقديم عمل متميز يواجه التساؤلات القديمة والجديدة حول الرجال والنساء المسلمين.
المصدر: يني شفق
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه المجتمعات تركيا الرجال النساء تركيا الرجال النساء المجتمع سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضوء على فی العالم لا یقتصر من خلال
إقرأ أيضاً:
تساؤلات
يتساءل معنيون متابعون للاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة الواسعة على لبنان، هل هي رد على كلام الشيخ نعيم قاسم حول رؤيته لموضوع السلاح، أم أنه رد إسرائيلي على تقدُّم مفاوضات الملف النووي الإيراني، وفق ما جاء في أسرار "اللواء". مواضيع ذات صلة وزيرة "تثير تساؤلات" Lebanon 24 وزيرة "تثير تساؤلات" 24/04/2025 00:58:50 24/04/2025 00:58:50 Lebanon 24 Lebanon 24 الخارجية الإيرانية: اجتماع مجلس الأمن عن نووي إيران يثير تساؤلات عن حسن نية الدول الداعية إليه Lebanon 24 الخارجية الإيرانية: اجتماع مجلس الأمن عن نووي إيران يثير تساؤلات عن حسن نية الدول الداعية إليه 24/04/2025 00:58:50 24/04/2025 00:58:50 Lebanon 24 Lebanon 24 تساؤلات في البنتاغون بسبب شقيق وزير الدفاع الأميركي.. يشغر هذا المنصب Lebanon 24 تساؤلات في البنتاغون بسبب شقيق وزير الدفاع الأميركي.. يشغر هذا المنصب 24/04/2025 00:58:50 24/04/2025 00:58:50 Lebanon 24 Lebanon 24 "الله ينتقم من كل ظالم".. فنانة لبنانية بمنشور مُبهم وتُثير تساؤلات الجمهور (صورة) Lebanon 24 "الله ينتقم من كل ظالم".. فنانة لبنانية بمنشور مُبهم وتُثير تساؤلات الجمهور (صورة) 24/04/2025 00:58:50 24/04/2025 00:58:50 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً مرقص: شابات وشباب لبنان ينتظرون منا الكثير لأنهم فعلاً يستحقون التميّز Lebanon 24 مرقص: شابات وشباب لبنان ينتظرون منا الكثير لأنهم فعلاً يستحقون التميّز 17:02 | 2025-04-23 23/04/2025 05:02:16 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الصناعة: لتجنب المواجهة بين "الحزب" والجيش Lebanon 24 وزير الصناعة: لتجنب المواجهة بين "الحزب" والجيش 16:53 | 2025-04-23 23/04/2025 04:53:02 Lebanon 24 Lebanon 24 "سر ميداني".. ما الفرق بين حرب لبنان ومعركة غزة؟ Lebanon 24 "سر ميداني".. ما الفرق بين حرب لبنان ومعركة غزة؟ 16:43 | 2025-04-23 23/04/2025 04:43:51 Lebanon 24 Lebanon 24 مسؤول إقليميّ في البنك الدوليّ يكشف: هكذا سيُصرف قرض الكهرباء Lebanon 24 مسؤول إقليميّ في البنك الدوليّ يكشف: هكذا سيُصرف قرض الكهرباء 16:41 | 2025-04-23 23/04/2025 04:41:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بُشرى عن قطاع الكهرباء في لبنان.. إليكم التفاصيل Lebanon 24 بُشرى عن قطاع الكهرباء في لبنان.. إليكم التفاصيل 16:37 | 2025-04-23 23/04/2025 04:37:17 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة مرّة جديدة... قوى الأمن تختم منتجعاً سياحيّاً بالشمع الأحمر Lebanon 24 مرّة جديدة... قوى الأمن تختم منتجعاً سياحيّاً بالشمع الأحمر 06:06 | 2025-04-23 23/04/2025 06:06:27 Lebanon 24 Lebanon 24 أصبحت نسخة عنها.. ابنة هيفا وهبي تستمتع بوقتها على البحر بإطلالة صيفية (صورة) Lebanon 24 أصبحت نسخة عنها.. ابنة هيفا وهبي تستمتع بوقتها على البحر بإطلالة صيفية (صورة) 00:35 | 2025-04-23 23/04/2025 12:35:15 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد غياب 7 سنوات.. فنانة لبنانية تعود إلى الساحة الفنية (صور) Lebanon 24 بعد غياب 7 سنوات.. فنانة لبنانية تعود إلى الساحة الفنية (صور) 04:56 | 2025-04-23 23/04/2025 04:56:19 Lebanon 24 Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! 09:30 | 2025-04-23 23/04/2025 09:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 رحيله أحزن الجميع... هذا هو سبب وفاة الإعلاميّ صبحي عطري Lebanon 24 رحيله أحزن الجميع... هذا هو سبب وفاة الإعلاميّ صبحي عطري 08:47 | 2025-04-23 23/04/2025 08:47:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 17:02 | 2025-04-23 مرقص: شابات وشباب لبنان ينتظرون منا الكثير لأنهم فعلاً يستحقون التميّز 16:53 | 2025-04-23 وزير الصناعة: لتجنب المواجهة بين "الحزب" والجيش 16:43 | 2025-04-23 "سر ميداني".. ما الفرق بين حرب لبنان ومعركة غزة؟ 16:41 | 2025-04-23 مسؤول إقليميّ في البنك الدوليّ يكشف: هكذا سيُصرف قرض الكهرباء 16:37 | 2025-04-23 بُشرى عن قطاع الكهرباء في لبنان.. إليكم التفاصيل 16:35 | 2025-04-23 مقدمات نشرات الاخبار المسائية فيديو بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم 09:23 | 2025-04-21 24/04/2025 00:58:50 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 24/04/2025 00:58:50 Lebanon 24 Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) 04:17 | 2025-04-14 24/04/2025 00:58:50 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24