لماذا يتوجّس الأوروبيون من الحماسة الأميركية لصفقة السلام بأوكرانيا؟
تاريخ النشر: 25th, April 2025 GMT
لندن- في الوقت الذي تستعجل فيه الولايات المتحدة إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، لا يخفي الأوروبيون مخاوفهم من أي صفقة تضمن تنازلا أميركيا لصالح الروس قد يجر عليهم تنازلات أخرى، ويتوجسون من التوقيع المتسرع على اتفاق غير مكتمل التفاصيل.
وتتزايد خشية العواصم الأوروبية من تقارب روسي أميركي يمهد لتغيير الجغرافيا السياسية للقارة بالقوة، بعد تواتر التسريبات عن صحف غربية عدة بشأن مضامين المقترح الأميركي للسلام في أوكرانيا، والذي لا يُمانع الاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم مقابل تجميدٍ للصراع.
وقالت صحيفة "إندبندت" البريطانية، إن الأوروبيين فوجئوا بعد تقديم الأميركيين مسودة الإطار الأوسع لخطة السلام التي وُضعت على طاولة البحث في وقت سابق خلال اجتماع باريس، على أنها الاتفاق النهائي الذي يلزم الأوكرانيين الموافقة عليه.
وتُبرز الصحيفة اتساع الهوة بين التصور الأوروبي لمسار إنهاء الحرب في أوكرانيا الذي يحفظ سيادتها على كل أراضيها، والمقترح الأميركي الذي يقدم تنازلات للروس، ويصر على رفع العقوبات وتحجيم القدرات العسكرية للجيش الأوكراني.
وبينما توجَّه مجددا ستيفن ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين والمفاوضين الروس، تغيب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن الحضور بطاولة واحدة مع المفاوضين الأوروبيين والأوكرانيين في اجتماع لندن لبحث تفاصيل اتفاق السلام مع روسيا.
إعلان الروس أولاتقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن الخطوة الأميركية قد تؤدي لاتساع الهوة وفرض مزيد من التصدعات بين الشركاء في حلف الأطلسي، وقد تُعد هذه المرة الأولى التي يُعاد فيها ترسيم حدود أوروبية بالقوة وبموافقة أميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويرجح نايك ويتني، الباحث الأول في سياسات الدفاع الأوروبية بالمجلس الأوروبي للسياسات الخارجية في لندن، أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقفز على واقع أن تهديد روسيا للأمن القومي الأوروبي سيكون عابرا لضفتي الأطلسي، ويمثل خطرا مباشرا على الولايات المتحدة أيضا".
ويشير الخبير في السياسات الدفاعية، في حديثه للجزيرة نت، أن ترامب يستعجل بأي ثمن عقد صفقة تجارية بالأساس مع الروس في أوكرانيا على حساب سيادة الأوكرانيين، ودون أن يعبأ أيضا بتاريخ الشراكة الأطلسية مع الأوروبيين.
وفي أول نقد علني واضح من مسؤول أوروبي رفيع لخطة ترامب للسلام، قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون المعروف بقربه من الرئيس الأميركي ترامب ودعمه الشرس أيضا لأوكرانيا في حربها مع روسيا في منشور على منصة "إكس" إن الخطة الأميركية "لا تقدم شيئا للأوكرانيين" ولا تمنع تجدد "العدوان الروسي".
وبينما تتبنى بعض الحكومات الأوروبية كألمانيا مواقف أكثر تطرفا، مطالبة بانسحاب كامل للقوات الروسية من كل الأراضي الأوكرانية، تخشى أخرى من أن اختلال توازنات القوة في ميدان المعركة يحتم على الأوروبيين إبداء مرونة أكبر خلال المفاوضات.
ويرى سبيروس إيكونوميدس، أستاذ السياسات الأوروبية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية "إل إس إي" (LSE)، أن الأوروبيين غير راضين عن محاباة ترامب للروس من خلال خطة السلام المتداولة، ولكنهم غير قادرين أيضا على تغيير واقع ميدان المعركة لصالحهم أو التراجع عن مواقفهم المتشددة إزاء روسيا، مما يعني المزيد من التدهور في العلاقات الأطلسية.
إعلانويضيف الخبير الأوروبي، في حديثه للجزيرة نت، أن الرئيس الأميركي لا يهتم لموقف الأوروبيين، وراغب في إتمام الصفقة لتحقيق وعوده لقاعدته الانتخابية بجلب السلام لأوكرانيا، وتخفيف أعباء الحرب التي يصر أنها تثقل كاهل دافع الضرائب الأميركي.
عواقب غير محسوبةلكن تهديد كل من الرئيس الأميركي ونائبه بالتخلي عن مفاوضات السلام وترك أوكرانيا لمواجهة مصيرها إن لم تتجاوب مع المقترح، يُعد باعث القلق الأبرز الذي تتحسب العواصم الأوروبية منذ وصول ترامب للبيت الأبيض لعواقبه.
ولا يستبعد نايك ويتني، الذي شغل سابقا منصب رئيس الوكالة الأوروبية للدفاع في بروكسل، في حديث للجزيرة نت، أن ترامب قادر على وقف كل أشكال المساعدات العسكرية والاستخباراتية التي تقدمها واشنطن لأوكرانيا، حيث يرى أنها حصرا مهمة أوروبية، لكن في المقابل تبدي أغلب الدول الأوروبية عزما على مساعدة أوكرانيا لمواصلة القتال أملا في تحسين شروط التفاوض.
ويذكّر الوعيد الأميركي مجددا الأوروبيين والبريطانيين خاصة بضرورة تكثيف الجهود تحسبا لأي فك ارتباط عسكري مع الولايات المتحدة. وفيما استنكر القادة الأوروبيون الهجمات الروسية الأخيرة على العاصمة الأوكرانية، تتزايد المخاوف من أن أي صفقة سلام دون ضمانات أمنية ليست إلا اتفاقا هشّا غير قابل للصمود.
ويواصل المسؤولون البريطانيون والفرنسيون منذ أسابيع حشد الدعم لـ"تحالف الراغبين" العسكري، لطرحه كـ"قوة أمان" لحماية أوكرانيا من أي هجوم روسي جديد حال توقيع اتفاق سلام، دون انتزاع موافقة أميركية إلى الآن على إرسال أي قوات أوروبية قريبة من خطوط التماس في أوكرانيا.
ورغم تأكيد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مرارا أنه ليس في وارد المفاضلة بين توثيق علاقات بلاده الخاصة مع الولايات المتحدة، وشراكته مع الجيران الأوروبيين، فإن المواقف الأميركية الأخيرة تدفع البريطانيين -فيما يبدو- لحسم خياراتهم مبكرا.
إعلانوالتقى كل من رئيس الوزراء البريطاني برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في لندن، ويرتقب أن يضع كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا اللمسات الأخيرة على اتفاقية دفاع مشترك لدعم الصناعات العسكرية الأوروبية، تعد الأولى من نوعها منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في أفق عقد قمةٍ الشهر المقبل لإعادة تأهيل العلاقات بين الجانبين.
ويرى نايكو بابيسكو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، في حديثه للجزيرة نت، أن عقيدة العداء البريطاني المستحكم لروسيا وقيادتها جهود الدعم العسكري لأوكرانيا، فضلا عن التقارب بين الإدارة الأميركية والرئيس بوتين، يدفع بريطانيا شيئا فشيئا في اتجاه الكتلة الأوروبية، ويوسّع الهوة بينها وبين الولايات المتحدة حليفها التقليدي على الضفة الأخرى من الأطلسي.
ويشدد المتحدث، وهو وزير خارجية أسبق في الحكومة المالدوفية، أن إدارة ترامب قد فشلت في إقناع الأوروبيين بأن التهديد الروسي لا يشكل الخطر الداهم الأول الذي يتربص بهم، مستبعدا أن ينظر الأوروبيون لأي تعاون تحت مظلة حلف "الناتو" في معزل عن الأزمة الأوكرانية، ودون توجس من المحاولات الأميركية لإبرام صفقة مع الروس على حساب أمنهم الجماعي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الرئیس الأمیرکی فی أوکرانیا للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
ما مستقبل العلاقات الأميركية الأوروبية بعد لقاء ترامب وميلوني؟
كما طرح اللقاء تساؤلات حول مستقبل العلاقات الأميركية-الأوروبية في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وفق ما تناولته حلقة (2025/4/24) من برنامج "من واشنطن".
وأكدت جورجا ميلوني خلال لقائها مع دونالد ترامب أن هدفها هو "أن نجعل الغرب عظيما مرة أخرى"، وهو تعبير يحاكي شعار ترامب الشهير "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى".
وفي تصريحات عقب اللقاء، أعرب ترامب عن أمله في أن "تصبح أوروبا عظيمة مرة أخرى"، مضيفا أنها واجهت العديد من المشاكل وكثير منها يتعلق بالهجرة.
وأوضح أنه ليس من المعجبين بأوروبا وما فعلته بخصوص الهجرة، مؤكدا أن أوروبا تتعرض لضرر كبير بسبب ما قامت به بشأن الهجرة.
وفي هذا السياق، قال مراسل الجزيرة محمد البقالي إن ميلوني تجد في مقاربة ترامب للهجرة تصديقًا ودعمًا لمواقفها من قضايا الهجرة.
ووفق البقالي، فإن وجود شريك مثل ترامب بالتأكيد سيشجع ميلوني على المضي قدمًا في سياستها، وسيعزز أيضًا موقفها أمام المترددين تجاه سياستها.
وأشار إلى أن أقصى اليمين في أوروبا يمكن أن يواجه خصومه في قضايا الهجرة، مؤكدا أن الخطاب الشعبوي -حتى الذي يصل إلى درجة العنصرية- هو بطبعه معدٍ وسريع الانتقال.
إعلانوبشأن العلاقات الأميركية الأوروبية، أوضح شارلز كابشن، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما لـ"من واشنطن" أن ترامب وضع التحالف تحت ضغط كبير في سياق "الغزو الروسي" لأوكرانيا، مضيفا أنه يظن بأنه في نهاية إدارة ترامب، ستبقى العلاقة صامدة مع اختبار الزمن.
ملفات الشرق الأوسط
وفيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط، خاصة فلسطين وإيران، أوضح كابشن أن الأوروبيين يشعرون بتهديد وجودي قادم من "الغزو الروسي" إلى أوكرانيا ويراقبون بحذر ما الذي يقوم به ترامب، وإذا ما كان سيتخلى عن أوكرانيا أو يتبنى صفقة سلام.
وأشار كابشن إلى أن هناك اختلافًا كبيرا حول مسألة غزة، لافتا إلى أن إدارة ترامب تضع ضغوطات أقل على إسرائيل من أجل تقييد حدة عملياتها العسكرية في غزة مقارنة بإدارة سلفه جو بايدن.
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسن عبيدي للبرنامج إن الدول الأوروبية أكثر حكمة، مؤكدا أن العلاقة مع واشنطن لن تصل إلى القطيعة لأنه ليس في مصلحة الدول الأوروبية، لكنها ستحاول بهدوء تصحيح هذا العطب.
قلق أوروبي
ومن ناحيته، حذر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق خلال إدارة ترامب الأولى من أن ترامب قد وضع التحالف عبر الأطلسي تحت ضغط كبير، مشيرا إلى أن الكثير من الأصدقاء في أوروبا قلقون جدًا من ردود فعل ترامب.
وأضاف بولتون لـ"من واشنطن" أن الكثيرين في الولايات المتحدة يختلفون كثيرًا مع ما يقوم به ترامب، مؤكدا أنه بالرغم من كونه رئيسًا، فإن نظام التحالفات الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد عام 1945 قد نفع العالم كله وأفاد الولايات المتحدة بشكل خاص.
وبشأن الملف الإيراني، أكد بولتون أنه لا يظن بأن المفاوضات التي عقدت برعاية عُمان هي قريبة لأي اتفاق ما بين واشنطن وطهران، مضيفًا أن إيران ملتزمة بالحفاظ على برنامج نووي وقد عبرت عن موقفها لإدارة ترامب.
إعلان الصادق البديري25/4/2025