موقع النيلين:
2025-04-26@02:47:28 GMT

يحدث في أرقى العائلات: لا يوجد عالم بلا جريمة

تاريخ النشر: 25th, April 2025 GMT

خلال هذا الأسبوع تناقلت وسائل الإعلام خبرًا أثار الانتباه، مفاده أن وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، تعرضت لسرقة حقيبتها الشخصية من داخل مطعم، وكانت تحتوي على بطاقة دخول حساسة ومبلغ مالي كبير. هذه الحادثة، رغم بساطتها، تفتح بابًا واسعًا للتأمل في حقيقة راسخة: لا توجد بيئة في العالم، مهما بلغت من الرقي والتنظيم وقوة مؤسسات الدولة، تخلو من الجريمة.

قد يظن البعض أن الجريمة ظاهرة ترتبط بالفقر أو الفوضى أو ضعف الدولة، لكن التاريخ والواقع والعلوم الجنائية تثبت العكس. منذ أن كانت الأرض لا يسكنها سوى سيدنا آدم و أمنا حواء وأبناؤهما، وقعت أول جريمة في التاريخ، حين قتل قابيلُ أخاه هابيل. هذا يعطينا قاعدة ثابتة: لا يوجد عالم بلا جريمة، والجريمة جزء من التجربة البشرية منذ نشأتها.

من هذا المنطلق، فإن النقاش حول الجريمة لا ينبغي أن يكون عاطفيًا أو انطباعيًا، بل علميًا وموضوعيًا. فوجود الجريمة في حد ذاته ليس فشلًا، لكن الفشل الحقيقي يكمن في طريقة فهمها، إدارتها، والتعامل معها. هنا يبرز دور الأداة الأهم في التقييم الأمني والجنائي التقرير الجنائي السنوي.

التقرير الجنائي السنوي، الذي تعده الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية، يُعَد خلاصة عام كامل من الرصد والتحليل والتوثيق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يُستفاد من هذا الجهد في صناعة القرار الأمني والعدلي؟ هل يُحوّل إلى سياسات واقعية وبرامج للتصدي للجريمة أو تعديل في القوانين الإجرائية و العقابية؟

إنّ التقرير الجنائي ليس مجرد سجل لتوثيق عام مضى، بل هو مرآة لما جرى، وبوابة لعام قادم. ويمكن تعظيم فائدته بتحويله إلى قاعدة بيانات قابلة للتحليل الذكي، واستخدام نتائجه في التخطيط الأمني والمالي والبشري، ورفعه إلى صناع القرار السياسي لإبراز التحديات الأمنية الحقيقية. صحيح أن بعض تفاصيله تتطلب درجة من السرية، حمايةً للتحقيقات أو لخصوصية الضحايا، لكن مشاركة بياناته الإحصائية العامة تعزز الشفافية، وتزيد ثقة المواطنين، وتشجع المشاركة المجتمعية في منع الجريمة.

بالتالي، فإن أي تقييم موضوعي للحالة الأمنية والجنائية وأداء الشرطة السودانية يجب أن يستند إلى ما يحويه التقرير الجنائي السنوي من معلومات وإحصائيات وأرقام، لا إلى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي أو جلسات تجاذب أطراف الحديث، حيث تسود الانطباعات وتغيب الموضوعية.

قد يرى البعض أن الحديث عن هذه القضايا الآن ضربٌ من الترف، في ظل ما تمر به البلاد من تحديات. لكن العكس هو الصحيح. فنحن في مرحلة إعادة بناء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الشرطة، ولا يمكن لهذا البناء أن يكتمل إن لم يستند إلى تحليل علمي ومعطيات دقيقة، تنطلق من تقارير موضوعية لا من اجتهادات شخصية.

نحن بحاجة إلى الانتقال من ثقافة الأرشيف إلى ثقافة التحليل، ومن الورق إلى البرمجيات، ومن السرية المفرطة إلى الشفافية الذكية. فالتقرير الجنائي السنوي يمكن أن يصبح حجر الأساس لبناء أمن مجتمعي مستدام، وسياسة جنائية فاعلة تستشرف المستقبل.
ختامًا، الجريمة، كما بدأنا، تحدث في أرقى العائلات. ولكنها ليست نهاية العالم، بل دعوة للتفكير والعمل من أجل بيئة أكثر أمنًا، ومجتمع أكثر وعيًا، ومؤسسات أكثر قدرة على التعامل مع هذا التحدي الأزلي.

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢٤ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

جريمة ابن أحمد: "البيجيدي" يدعو للتحقيق في "تهاون" السلطات في التعامل مع المشتبه فيه قبل ارتكابه الجريمة رغم الشكاوى

عبرت الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية في مدينة ابن أحمد، عن قلقها الشديد وهي تتابع التطورات التي تعرفها قضية جريمة القتل البشعة التي راح ضحيتها مواطنان إثنان على الأقل من أبناء المدينة، هذه القضية التي استأثرت بالرأي العام الوطني والمحلي، وتركت حالة من الرعب والذعر بالمدينة التي تعيش حالة من التسيب والفوضى على أكثر من صعيد.
وأضافت في بلاغ بهذا الخصوص أنه « وفي انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات التي تباشرها السلطات القضائية المختصة، فإن المعلومات المتداولة عبر مختلف المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، تفيد بأن المتهم الرئيسي في هذه الجريمة ليس سوى شخص يشتبه في كونه مختلا عقليا، كان موضوع شكايات عديدة من طرف الساكنة ».
وأكدت أن « هذه الفاجعة تعيد مرة أخرى مساءلة السلطة المحلية على مدى يقظتها لمواجهة ظاهرة الأشخاص المختلين عقليا، الذين يجوبون شوارع وأزقة المدينة مخلفين، في أكثر من حادث، حالة من الخوف والرعب بين الساكنة، علما أن هذه الظاهرة كانت موضوع نقاش داخل دورات مجلس الجماعة بالمدينة، وبحضور ممثلي السلطة المحلية، لكن هذه الأخيرة لم تعر الموضوع، على خطورته، أي اهتمام، بل لم تأخذ التنبيهات التي أثارها المستشار الجماعي الأخ يوسف بنطيبي في أكثر من دورة للمجلس على محمل الجد، كما لم تتخذ السلطة المحلية الإجراءات المناسبة، من قبيل إيداع هؤلاء الأشخاص المختلين عقليا بمؤسسات الأمراض العقلية، حفاظا على السكينة العامة كما يفرض عليها ذلك القانون، إذ تعتبر السلطة المحلية في شخص السيد باشا المدينة مسؤولة بشكل مباشر على تطبيق القانون في هذا الصدد ».

ودعا الحزب، وزارة الداخلية، لفتح تحقيق فيما قد يشكل تهاونا من السلطة المحلية بسبب إحجامها عن إيداع المشتبه فيه في ارتكاب هذه الجريمة، مؤسسة من مؤسسات الأمراض العقلية، لا سيما وأن هذا المشتبه فيه وفق ما يتم تداوله من معلومات كان مختلا عقليا، وأنه كان موضوع عدة شكايات من طرف الساكنة، وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة في مواجهة كل من ثبت في حقه هذا التهاون.
كما دعا السلطة المحلية للقيام بما يقتضيه القانون اتجاه الأشخاص المختلين عقليا الذين ما يزالون يجوبون شوارع المدينة، وذلك بإيداعهم مؤسسات الأمراض العقلية في أقرب الآجال.
كما طالب الجهات القضائية التي تتابع هذا الملف بالتواصل، كما جرت بذلك العادة في كل القضايا المماثلة، مع الرأي العام بكل الطرق التي تراها ملائمة، لإطلاعه على تطورات هذه القضية، وكذا مجريات التحقيق، وذلك لطمأنة ساكنة المدينة التي تعيش حالة من الرعب والخوف من جهة، ووضع حدٍ للإشاعات والأخبار المضللة من جهة أخرى.
من جهة أخرى، طالب المنابر الإعلامية بالمزيد من التحلي بروح المهنية والمسؤولية في تغطية هذه الفاجعة، وعدم المساهمة في نشر الإشاعات والأخبار المضللة.

مقالات مشابهة

  • جريمة ابن أحمد: "البيجيدي" يدعو للتحقيق في "تهاون" السلطات في التعامل مع المشتبه فيه قبل ارتكابه الجريمة رغم الشكاوى
  • السعودية تنشر التقرير السنوي لرؤية 2030..ماذا حققت بعد 9 سنوات؟
  • أمير منطقة الباحة يتسلم التقرير السنوي للتجمع الصحي بالمنطقة
  • شكشك يترأس اجتماعًا لاعتماد خطة رقابية شاملة ويؤكد جاهزية التقرير السنوي
  • أمير نجران يطَّلع على التقرير السنوي لإدارة السجون بالمنطقة
  • العراق وإسبانيا يوقعان إتفاقية للتعاون الأمني ومكافحة الجريمة
  • أمير الشرقية يطلع على التقرير السنوي لأعمال غرفة الشرقية لعام 2024م
  • أمير القصيم يتسلم التقرير السنوي لجهود فرع وزارة التجارة بالمنطقة لعام 2024
  • أمير الشرقية يطّلع على التقرير السنوي لأعمال غرفة المنطقة لعام 2024م