تفاقمت ظاهرة العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في السودان، مع تعاظم حالات الاختطاف والاغتصاب والزواج القسري والانتهاكات المنهجية، كما تكشف الدكتورة الزهراء محمد التي تدعو إلى وقف اللامبالاة العالمية والالتفات إلى هذه المشكلة.

 التغيير ــ وكالات

بعد نحو عامين من الصراع الوحشي الدائر في السودان، أصبحت الحياة اليومية للنساء والفتيات محفوفة بالأخطار.

فالتهديد يحيط بهن أثناء قيامهن بمهام روتينية كالذهاب إلى السوق لشراء الطعام الذي هن في أمس الحاجة إليه، أو قطع أميال من الرحلات الضرورية للحصول على الرعاية الصحية، أو حتى أثناء دخول المراحيض بعد حلول الظلام. فجميع هذه الأوضاع تعرضهن لخطر متعاظم من العنف الجنسي والجندري العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وقد تصاعدت بشكل كبير خلال العامين الأخيرين عمليات استهداف النساء والفتيات بالاختطاف والاغتصاب والإكراه على الزواج والأسر الجنسي، مما شكل اتجاهاً مقلقاً للغاية.

المخيمات

في المخيمات المزدحمة حيث أعمل، نصادف فتيات بالكاد تجاوزن مرحلة الطفولة، بعضهن لا تتعدى أعمارهن الـ12، وقد تعرضن لصدمات مروعة نتيجة العنف الجنسي. إحداهن، لم تكن قد بلغت سن المراهقة بعد، وصلت إلينا وهي في المخاض وولدت توأمين، فيما كان جسدها الصغير [لم يشتد عوده بعد] غير مهيأ لتحمل ولادة طفل واحد، فكيف باثنين؟ ورغم أن الأطباء تمكنوا من إنقاذ حياتها، فقد توفي التوأمان أثناء الولادة. ولم أعلم إلا لاحقاً أن هذه الطفلة كانت من الناجيات من العنف الجنسي. إنها لحظة أليمة ستبقى محفورة في ذاكرتي وذاكرة زملائي إلى الأبد.

في إطار عملي طبيبة واختصاصية صحية مع منظمة “بلان إنترناشيونال” Plan International (مؤسسة تنموية وإنسانية مقرها المملكة المتحدة)، أتحدث يومياً مع فتيات وشابات فررن من أهوال النزاع العنيفة الدائر في السودان. وقد أسرن إلى قصصهن وتحدثن عن آمالهن ومخاوفهن وأحلامهن، وشاهدت من كثب الأثر المدمر للعنف الجندري الجنسي [القائم على النوع الاجتماعي] على أجسادهن وعقولهن [نفوسهن].

وبصفتي متحدرة أصلاً من منطقة دارفور غرب السودان، وبصفتي أماً لثلاثة أطفال، وعند رؤية معاناة هؤلاء الفتيات في المخيمات، لا أتمالك نفسي حين أتساءل عما كان يمكن أن يحدث لي أو لأطفالي لو لم ننج من براثن الحرب.
لا بد من الإشارة إلى أنه بالنسبة إلى هؤلاء الفتيات، فإن خطر العنف لا ينفصل عن [مكابدة] الجوع الذي وصل في بعض مناطق البلاد إلى مستويات المجاعة. فالحرب أدت إلى تقويض الإمدادات الغذائية وارتفاع الأسعار كثيراً. وفي أوساط معظم الأسر تدهورت الأحوال المالية، وعليه، فغالباً ما نلاحظ كثيراً من الأطفال، لا سيما منهم الفتيات الصغيرات، وهم يبحثون عن الطعام أو العمل. ولأنهن ضعيفات وبعيدات عن أسرهن، تواجه الفتيات خطراً للعنف الجنسي والجندري. ومع ذلك لا خيار أمامهن. فسوء التغذية يتفاقم في أوساط الأطفال. وأرى أطفالاً وفتيات ألم بهن النحل ويتناهى إلينا موت أولاد يومياً.

الدعم النفسي

ويذكر أن منظمة “بلان إنترناشيونال”، فهي تنشط في السودان منذ نحو 45 عاماً، ونحن نبذل كل ما في وسعنا لدعم النساء والفتيات في خضم هذه الأزمة. وتعمل فرقنا المجتمعية المتنقلة بشكل مباشر مع الناجيات من العنف الجنسي، وتقدم الرعاية وخدمات أساسية تشمل الدعم النفسي الحيوي أو الحماية. ونتولى أيضاً إدارة برامج صحية ضرورية للأمهات الحوامل والمواليد الجدد، ونعمل على توفير الطعام والتغذية المنقذة للحياة والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي.

أتمنى لو كان في استطاعتنا أن نبذل المزيد. لكن مع وجود ما يزيد على 12 مليون نازح في البلاد منذ عام 2023، فإن حجم الحاجات هائل، فيما الموارد المتاحة محدودة وغير كافية على الإطلاق. ورغم أن السودان يشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم اليوم، فإن الاستجابة الدولية لا تزال تعاني نقصاً حاداً في التمويل، إلى حد أن الأمر يبدو كما لو أن العالم قد أشاح بنظره عن هذه المعاناة.

مع دخول الحرب عامها الثالث، لم يعد مقبولاً أن يلتزم المجتمع الدولي الصمت، وباتت تقع على عاتق الحكومة البريطانية وسائر الأطراف الدولية، عدم غض الطرف عن الأزمة. قبل كل شيء، نحن في أمس الحاجة إلى السلام، ولبيئة آمنة يشب فيها أطفالنا، وبناتنا على وجه الخصوص، بعيداً من الخوف، ويحظون بفرص تتيح لهم تحقيق جميع قدراتهم. كما أننا في حاجة ماسة لمضاعفة حجم الدعم الإنساني العاجل، بما يشمل تمويل خدمات الحماية الأساسية، والدعم النفسي للعدد الهائل من الناجيات من العنف الجنسي.

العيش بأمان

تستحق النساء والفتيات في السودان الحق في العيش بأمان. وتستحق ألا يصيبهن الجوع. ويحق لهن اتخاذ خياراتهن الخاصة في شأن أجسادهن وحياتهن. وينبغي لكل طفلة في الـ12 من عمرها أن ترتاد المدرسة، وتتعلم، وتبني صداقات وتحلم بمستقبل واعد، لا أن تكابد الجوع وتعاني الصدمات والخوف من العنف الجندري. وقد حان الوقت لأن يقف العالم إلى جانب فتيات السودان.

الدكتورة الزهراء محمد هي مسؤولة الصحة الجنسية والإنجابية في منظمة “بلان إنترناشيونال” Plan International، ومقرها في السودان. نشأت في منطقة دارفور غرب البلاد. وبسبب النزاع الدائر يعيش أطفالها الثلاثة الآن في مصر مع والدتها، بينما تواصل هي عملها في السودان.

                                                                                                    د.الزهراء محمد

طبيبة متخصصة في الصحة الجنسية والإنجابية

الوسومالاغتصاب الجوع الحرب العنف الجنسي النساء

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الاغتصاب الجوع الحرب العنف الجنسي النساء

إقرأ أيضاً:

رئيسة قومي الطفولة تشهد أنشطة تمكين الفتيات دوَي بحي الأسمرات

اختتم المجلس القومي للطفولة والأمومة فعاليات أنشطة المبادرة الوطنية لتمكين الفتيات "دوَي" بحي الأسمرات، حيث استمرت الفعاليات على مدار 5 أيام تم خلالها تنفيذ عدد من الأنشطة التوعوية والترفيهية للأطفال وأسرهم . 


واوضحت الدكتورة سحر السنباطي رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، أن المبادرة الوطنية لتمكين الفتيات "دوَي" حظيت برعاية كريمة من السيدة انتصار السيسي قرينة فخامة رئيس الجمهورية، وهو ما يعكس اهتمام البالغ بقضايا دعم وتمكين الفتيات، مؤكدة أن المجلس يولي أهمية خاصة بمناطق الإسكان البديل ويحرص على تنفيذ أنشطة المبادرة بالعديد من المحافظات للوصول لأكبر عدد من المستهدفين . 


وشهدت رئيسة المجلس عدد من الأنشطة التي تم تنفيذها كلقاء الأجيال، وأنشطة التعلم الرقمي، ودوائر الحكي بمشاركة عدد من الفتيات والفتيان والتي تناولت عدد من الموضوعات كالتعريف بخدمات خط النجدة 16000، وخطورة زواج الاطفال ، والتنمر، حقوق الطفل، كما استمعت إلى طموحات وتطلعات الأطفال، معربة عن سعادتها بمشاركة عدد كبير من الأطفال وأسرهم في هذه الأنشطة، كما تفقدت معرض الفنون والذي عكس مهارات الأطفال في مجال الرسم والمشغولات اليدوية .


ووجهت "السنباطي"، بضرورة التنسيق واتخاذ اللازم نحو تعليم الفتيات والأمهات بعض الحرف اليدوية التي تساهم في التمكين الاقتصادى للمرأة وزيادة مواردها الاقتصادية باعتبارها أنشطة مدرة للدخل والتي تساهم في تحسين المستوى المعيشي لأمهات الأطفال في مواجهة بعض الظواهر كزواج وعمل الأطفال وغيرها، مؤكدة أن الفترة القادمة سوف تشهد تعاون كبير بين المجلس وقصر ثقافة الأسمرات في تنفيذ دورات تدريبية على تلك الحرف للأمهات والفتيات.


وأشادت "السنباطى" بالتعاون المثمر بين المجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة الثقافة ، ووزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، ووزارة الشباب والرياضة، وهيئة قصور الثقافة، والذى ساهم في تحقيق هذه الفعاليات والهدف المرجو منها في نشر الوعى لدى الأمهات والأطفال بمنطقة الأسمرات والذي ساهم في رفع الوعي بحقوق الأطفال والتنشئة الصحية والنفسية لهم والتوعية بأهمية التواصل مع خط النجدة (16000) حال تعرض أي طفل لخطر أو انتهاك يمس حقوقه.


واختتمت الفعاليات بحفل غنائى فني قدمه كورال أطفال الأسمرات وشهد تقديم عدد من الأغنيات الوطنية وبعض العروض الفنية من الفرقة الاستعراضية لمدرسة تحيا مصر (1) ومسرحية تفاعليلة تحت عنوان "احنا أطفال مصر".


شارك فى الفعاليات أعضاء مجلس إدارة المجلس القومي للطفولة والأمومة (د.نور أسامة ، أ.عمر حجازى ، أ.ميراى نسيم) والسيدة ناتالى ماير نائب مدير اليونيسف للبرامج ، وأ.خضر كمال نائب مدير يونيسف للعمليات ودينا هيكل مدير قسم التواصل والتنمية المجتمعية بيونيسبف مصر والمهندس.حسن الغندور- مدير عام الدعم الفني لمناطق الإسكان البديل بمجلس الوزراء والمهندس عبد الله شينيشن رئيس حى الأسمرات ود.ابتهال العسلى مدير عام مديرية الثقافة بالقاهرة، ود.جيهان حسن المشرف العام للمشروع الثقافي لمناطق الإسكان البديل " جودة حياة " بوزارة الثقافة.

مقالات مشابهة

  • مبادرات إماراتية لدعم وإغاثة اللاجئات والنازحات في السودان
  • مصير ضحايا العنف الجنسي بعد عامين على حرب السودان
  • أزمة الجوع في السودان.. برنامج «الأغذية العالمي» يدقّ ناقوس الخطر!
  • فجوة رقمية تهدد مستقبل ملايين النساء والفتيات
  • أطفال السودان.. البراءة بين الجوع والمرض والعنف والنزوح
  • القابلية للارتزاق والابتزاز
  • رئيسة قومي الطفولة تشهد أنشطة تمكين الفتيات دوَي بحي الأسمرات
  • تحذير أممي من ارتفاع العنف الجنسي ضد النساء والأطفال بالكونغو
  • القصف لا يقتل وحده .. الجوع أيضًا يفعل