حسين خوجلي يكتب: الوقوف على الأطلال
تاريخ النشر: 25th, April 2025 GMT
بعد تحرير الخرطوم هاتفت أحد الأخوة الأفاضل الذي كان يعمل مهندسا بقناة أمدرمان الفضائية أم يذهب لمعاينة دارنا بالطائف وصحيفة ألوان وإذاعة المساء وقناة أمدرمان الفضائية فذهب المهندس مشكورا لكل المواقع وقام بتوثيقها وتصويرها، وقد أرسل لي رسالة فيديو رافقها بالصوت وهو يتفقد الأمكنة ركنا ركنا وقد استوقفني صوته الحزين وهو يردد باستمرار “لا حولا ولا قوة إلا بالله عوضك الله يا أستاذ رضا وأجرا على كل الذي فقدته” منزلكم العامر تمت سرقته بالكامل ولا أريد أن أدخل في التفاصيل فقد سرقوا كل شئ الأجهزة بكل أنواعها والمكتبة واللوحات والتحفيات النادرة وكل الأشياء الصغيرة ببعدها المعنوي وفيض ذكرياتها.
تركوا الأبواب مشرعة وملأوا الحيطان بشعاراتهم الشيطانية، وبكل جرأة وتمهل سرقوا المولد الكهربائي الكبير وكل سيارات الأسرة وظل يردد لا حولا ولا قوة الا بالله.
أما الإذاعة فقد أحرقوها حتى صارت رماداً حرقوا كل المكتبة الصوتية وكل الأجهزة الالكترونية المعينة وحتى عطر انفاس المبدعين.
أما صحيفة ألوان فقد نهبوا كل أجهزة الطباعة والتصميم وأجهزة التصوير وسرقو الأرشيف الورقي للصحيفة وغادروها أنقاضا تمثل حجم الحقد الدفين الذي يحمله هؤلاء لكل معابر التوثيق والاعلام في بلادنا.
أما القناة الفضائية فقد تمت سرقتها ونهبها أو قل استئصالها كليا وجزئياً نهبوا ستديوهات انتاج الفيديو الثلاثة بالكاميرات وأجهزة الصوت والكنترول والاضاءة والاثاث والديكور والإكسسوارات وكل جماليات الشاشة وسرقوا ستديو الصوت بكل اجهزته وسرقوا المكتبة وجهازها الذي احتوى على اكثر من ١٠٠ الف ساعة انتاج فيديو احترافي لا يقدر بثمن وسرقوا مكتبتي الصوتية والمرئية الخاصة وسيارات القناة وسرقوا اكثر من ١٢ كاميرا احترافية و١٢ جهاز أبل ماكنتوش احترافي للتصميم وكل أجهزة الكمبيوتر للعمل الإداري ومن الأحزان الكبيرة سرقتهم لغرفة البث المتقدمة والأجهزة والمعينات الإلكترونية.
باختصار قالها ضاحكا في سخرية حزينة وموحية “فلننتظر يا أستاذ وأنت معنا بعد هذا النهب الممنهج إطلالة قناة أمدرمان الفضائية من الضعين أو بانقي أو أم جرس بتشاد” حيث يقص العميل الخائن بعقيدته وقبيلته ودينه واهله مادبو الشريط التقليدي للافتتاح المنهوب.
قال المبعوث المهندس لم أوفق في زيارة المطبعة ودار النشر نسأل الله أن تكون قد حفظت أو أعمى الله بصيرتهم عنها.
رددت عليه برسالة قصيرة شاكرا جهده المقدر واخلاصه لمؤسساته القديمة التي صارت أثرا بعد عين وطلبت منه اغلاق كل الأبواب بالحديد الغليظ ويختمها بالشمع الأحمر، فإن عدنا سنعيد إن شاء الله ما دمروه، فنحن من شعب وأمة لا تعرف المستحيل، وإن لم نعد فاجعلوها متاحف شاهدة على جرائم عائلة هولاكو الجديدة وخراب التتار بنسختهم المزيدة والمنقحة الموسومة باسم النهب السريع.
وما بين الأمل الفقيد والرجاء الجريح سنظل نردد عبارة التعازي للراحل صلاح للأسف لم يبقى في العمر ما يكفي لبدايات جديدة
كما أرجو من كل قلبي أن تقف أيها الشاهدُ وحيداً بعد إكمال المهمة وتردد بصوت مشحون بلوعة الذكريات والتأسي النبيل على هذا الوطن الذي فقدناه بمواهبنا السالبة في الغفلة والطيبة التي تماثل السذاجة والثقة في الأوغاد، الذين لا يستحقون الحوار ولا الجوار بفطرة فاسدة طبعت على قلوبهم وعلى عقولهم وعلى جوانحهم وهم كالحجارة أو أشد قسوة، فمن الحجارة ما يتفجر منها الندى ويندلق الماء.
نعم قف وحيداً وردد أبيات الراحل ابراهيم ناجي
يا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى ** كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ ** وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى
كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَراً ** وَحَدِيْثاً مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
سلاح الجو النوعي الذي أرعب الحركة الإسلامية
لأول مرة يرتعب جنرالات الحركة الإسلامية سافكو دم شعبهم، بعد أن علموا بأن الله قد منّ على المستهدفين بالبراميل المتفجرة الساقطة على رؤوسهم، بسلاح نوعي يحميهم، جعل القلوب الخافقة تهدأ والنفوس الوجلة تستقر، فالرب قد استجاب لتلك المرأة المسكينة، التي رفعت كفيها بالدعاء على من أحرق زرعها وضرعها وبيتها، بأن يحرقه، وهي امرأة وحيدة وضعيفة ومسكينة على أعتاب التسعين، أبرها الله الذي وصفته بأنه (ليس ابن عم أحد)، في تضرع صادق خارج من صميم قلب مكلوم مهيض الجناح لا يلوي على شيء، هذه الحرب أدخلت مجرمي الإسلام السياسي في جحر ضب خرب، وكشفت عن بشاعة النفس التي بين جنبيهم، وأبانت كيف أن النشأة الأولى لم تكن على أساس ديني قويم، وإنّما كانت بناء على انحراف خلقي واخلاقي، وإلّا لما جاءت النتيجة بعد ثلاثين عاماً من تجربة الحكم استهدافاً قاسياً للمسلمين الفقراء الكادحين الذين لا حول لهم ولا قوة، جرمهم الوحيد أنهم يسكنون هذه الأرض، وما يزال القاتل الأكبر يتربص بهم كيف أنهم أنجبوا هؤلاء الرجال الأشداء المقاتلين من أجل الحق؟، الذي استمات الحركيون الإسلاميون في تمييعه، بين نفاق الإعلام الكذوب وإفك فقهاء الجنرال الظلوم الجهول "مدّعي الربوبية"، الذي ذُعِر أيما ذُعر وهو يتحدث عن حصول (الرجال) على السلاح النوعي، المانع لآلته المجرمة والقاتلة من أداء مهمتها الجبانة والقذرة، ألم يتلو آيات الذكر الحكيم القائلة أن الباطل لابد وأن يزهق، كيف بربك يتلوها وهو القاتل الغاصب الفاسق الرعديد؟.
من ظن أن السودانيين سيواصلون صمتهم الخجول الممتد لسبعة عقود، عن المجازر المخطط لها بعناية ودقة فائقة وممنهجة من زمان "حسن بشير نصر" و"أبو كدوك" إلى زمان المختبئين وراء المليشيات الإرهابية، يكون غائب عن الوعي وغير مدرك لحتميات حركة التاريخ، وكما في حياتنا الرعوية مقولة "قصعة الجرّة"، التي تعني اجترار الحيوان لكل ما التهمه من عشب النهار ليلاً، بدأ مجرمو مؤسسة الموت والهلاك والدمار يطرشون ما اختزنوه من خطيئة سفك دماء الأبرياء، فجميع من ترونهم من لواءات وعمداء وعقداء يسقطون من السماء على الأرض، ويرقص حول جثثهم المحترقة الأحرار في حفلات شواء ناقمة، ما هي إلّا عملية استفراغ لما ارتكبوه من جرم بشع وعمل شنيع لا يشبه فعل إبليس. على المستوى الشخصي حينما سمعت خبر مقتل العقيد وليد ابن اخت الجنرال الهارب، أيقنت أن القصاص لن يترك فرداً ولا جماعة ولغت في دم عشيرة الغبراء التي أقسمت على الله فأبرها، هذا "الوليد" هو مهندس مجازر الجنينة كما كان (خاله) وجده "اللواء الدابي"، هل تعلمون أن الملازم وليد في تسعينيات القرن المنصرم ارتكب مجزرة بحق سكان قرية بدارفور، شهودها جنود في "جيش (العشب) الواحد"؟، روى تفاصيل الجريمة النكراء "رقيب معاش" ما زال حياً، وأنا على يقين من أنه قد رفع كفيه للسماء بعد أن علم بالخبر وقال "الحمد لله"، إنّ جند الجيش "الكتشنري" سوف يتذوقون ذات طعم الحنظل الذي أذاقوه للسودانيين ما دامت الأكف مرفوعة بالدعاء.
يقول المثل "المصيبة ليست في ظلم الأشرار ولكن في صمت الأخيار"، وانا أقول "المصيبة ليست في صمت الأخيار ولكن في عدم وجود (أخيار) من الأساس"، لأن الرجل الخيّر لن يصمت عن قول الحق، ولن يتسامح مع المجرمين والمنافقين والمدلسين والمزورين والكذابين والأفّاكين، وطالما أن هنالك بيننا من يعتقد في أن الجنود السودانيين الذين يعملون تحت راية (القوات المسلحة)، والمرسلين لليمن من معسكر "سركاب" أنهم "متمردين"، ويتجاهل كونهم نائمين على أسرة (معسكر الجيش) وهم منزوعي السلاح، داخل بيت ضيافة (القوات المسلحة)، تأكد من حقيقة واحدة لا ثاني لها، هي حتمية انتصار كل من رفع البندقية في وجه هذا (الجيش)، الذي فقد الزخم المصطنع الذي عاشه السودانيون مائة عام، إذ كيف لجيش عمره قرن يورث الناس الحرب والدمار والخراب؟، لماذا لم يؤد دوره الوطني المنوط به؟، لقد أعاد "جيشنا جيش الهنا" الخرطوم للعهد الذي بدأ بدخول "كتشنر" حيث عربة "الكارو" الناقلة لماء الشرب، التي يسحبها حمار لتقوم بمهمة سقيا الناس قبل قرن وربع القرن، إنّه (فرض عين) على الشعب السوداني أن يثور ثورته الأخيرة القاضية، ليقضي على العصابة المنحرفة المتواجدة في بورتسودان، وإلّا ستشهد بورتسودان نفسها ما شهدته "نيالا" و"الفاشر"، على أهل الشرق أن يكونوا كما قال المثل " السعيد يشوف في أخوه"، إنّ شر الإخوان قد أوصل مصر لدرك سحيق خلال حقبة حكم لم تتجاوز السنة الواحدة، أما الشعب السوداني فليس في مقدوره إخراج (الأذى) إلّا بعد أن يستعين بصديق، فإن لم يفعل ولن يفعل، فليبشر بطول أمد المعركة الدائرة الآن بين حق السودانيين في الحياة الكريمة، وباطل الحركة الإسلامية (الإخوان) في استعباد السودانيين.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com