المهاجرون وعصابات التهريب الإجرامية
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
من غرائب ملف الهجرة غير الشرعية إلى الرحاب الأوروبية، اضطلاع معظم المهاجرين والدول التي يقصدونها، بسلوكيات وتصرفات ومواقف تستعصي على التفاسير العقلانية.
مؤخراً، لم تعد تمر بضعة أسابيع على أقصى تقدير، دون أن تصدمنا الأخبار بوقوع حادث غرق لواحد أو أكثر من قوارب الهجرة، في موقع قريب أو بعيد نسبياً من شواطئ المتوسط الجنوبية أو الشمالية، وغالباً ما يتم الإعلان عن فقدان ضحايا، يتحول من لم تسعفه منهم فرق الإنقاذ حياً أو تنتشله ميتاً إلى وجبة للأحياء البحرية.لا يمكن الادعاء بأن المهاجرين غافلون بالمطلق عن التفصيلات المؤلمة لهذا السيناريو المتكرر برتابة مملة.. ونحسب أيضاً أنهم يعلمون بأن معظم من يكتب لهم النجاة من مغامرة السفر على متن مركب متهالك، برعاية عصابات تهريب إجرامية، بقلوبهم ومعسكراتهم وسياساتهم وإجراءاتهم التي تصفها بعض المنظمات الإنسانية، مثل أطباء بلا حدود، بالغلظة والوحشية وانعدام الضمير.. ومع ذلك، فإنهم، أي المهاجرون، يتقاطرون بالمئات والآلاف من جنوب الصحراء الأفريقية وشمالها، إلى ما يتيسر لهم من منافذ يظنونها آمنة للإبحار نحو أوروبا !.
القصد، أن درايتهم بالأخطار المحيطة بهذه الرحلة البائسة، لم تردع المهاجرين ولا جعلتهم يراجعون أنفسهم ويفكرون ألف مرة قبل اتخاذ قرارهم المصيري. وعليه، يصح الزعم بأن أحلام الإفلات من براثن البطالة والفاقة والعوز الاقتصادي، المعطوفة على نوازع وتصورات أخرى مساعدة، كفرص الحياة الكريمة المتحررة من ربقة الفساد والفقر والجوع، وغياب الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المواطن الأم، تبدو وكأن لها الأرجحية والغلبة لدى المهاجر.. حتى أنها تعميه عن رؤية إشارات التشاؤم ونذر الخطر، رغم كونها منظورة ويقينية ومعاينة بالشواهد والمثلات، وتبقي على تعلقه بأبواب التفاؤل والوعود المشرقة،رغم قيامها على المأمول والمحتمل المخبوئين بظهر الغيب. أين المنطق السوي السليم في خطوة قد تكون فارقة بين الحياة والموت،يتم الإقدام عليها بناء على معادلة عوراء من هذا القبيل ؟!.
لا شك أن شيوع أخبار كوارث قوارب الموت، وما يتصل بها من مشاهد مؤلمة حول مصائر بعض المهاجرين، كان من شأنها جدلاً أن تؤدي إلى تناقص أعداد المقبلين على الهجرة.. لكن ما يحدث عملياً وواقعياً، ويثير الحفيظة ويجعل الحليم حيراناً، هو العكس تماماً، حيث تقول أحدث تقارير وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية «فرونتكس» بأن الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، شهدت زيادة في تدفق المهاجرين اللا شرعيين عبر «المتوسط»، في اتجاه دول الاتحاد الأوروبي قدرها 12 %، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وفي تقديرنا أن كثيراً من سياسات وقرارات ومواقف الدول المقصودة بالهجرة، لا تقل بدورها إثارة للدهشة والبعد عن الاتساق المنطقي.فهذه الدول تشكو، مثلاً، من تفشي الضمور العددي والشيخوخة العمرية بين سكانها، إلى درك العجز عن الوفاء بحاجات بعض دواليب العمل المجدي اقتصادياً. ويرى كثير من فقهاء الاقتصاد ورجال المال والأعمال لديها، أن أحد أهم أدوات دحر هذه النقيصة في الآجال الحالية والمنظورة، وربما الطويلة أيضاً، هو استقبال العمالة المتخصصة وغير المتخصصة من عوالم الجنوب، ولاسيما من أفريقيا ذات الخصوبة والآفاق السكانية الرحبة.
رب قائل هنا بأن هذه الإجراءات تنال فقط من المهاجرين «غير الشرعيين».. لكن المنظمات الإنسانية الناشطة في هذا الإطار، وهي شاهد عيان ميداني، تدفع بأن هذا التبرير مبالغ فيه ولا يكفي لتقبل ما يتعرض له المهاجرون، المغرر بهم، من عنف وشقاء وافتقار لأبسط أنواع الحماية الإنسانية «داخل مخيمات قذرة أو على قارعات الطرق في غير دولة أوروبية».
لا يجاهر الأوروبيون بأن نهجهم إزاء اللاجئين والمهاجرين يقوم على الفرز والانتقاء، حتى أن صدورهم لا تتسع لغير من يناسب حاجات أسواق وقطاعات العمل في مجتمعاتهم.. وإلى أن يعي المهاجرون أبعاد هذا النهج وتوابعه وتداعياته، سيقع الكثيرون منهم فريسة لأوهام الخلاص من وضعهم المعيشي المزري.. تلك الأوهام التي ربما ساقتهم إلى الموت وهم ينظرون.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
حكومة غزة تحذر الفلسطينيين من شائعات تدفعهم نحو الهجرة
حذرت حكومة غزة -الأربعاء- الفلسطينيين من شائعات تدفعهم نحو الهجرة من قطاع غزة عبر مطار رامون الإسرائيلي، معتبرةً أنها جزء من حملة خبيثة يقودها الاحتلال لزعزعة صمود شعبنا وضرب وعيه الوطني.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة -في بيان-: نتابع ما تم تداوله مؤخرا عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي من منشورات ومعلومات مُضللة تتعلق بترتيبات مزعومة للهجرة الجماعية من قطاع غزة، حيث يتولى ذلك شخصيات جدلية بالتعاون مع جهات خارجية، وتروج لسفر العائلات الفلسطينية عبر مطار رامون إلى دول مختلفة حول العالم.
وأضاف: نؤكد بشكل قاطع أن هذه المعلومات عارية تماما عن الصحة، وهي جزء من حملة خبيثة وممنهجة تهدف إلى زعزعة صمود شعبنا الفلسطيني، والنيل من وعيه الوطني، ودفعه نحو الهجرة القسرية تحت ضغط المعاناة والحرب.
وأردف المكتب أن من يقف خلف هذه المنشورات بالدرجة الأولى الاحتلال الإسرائيلي، وتروج لها حسابات وهمية أو حسابات مغرضة أو حسابات تعرضت للتضليل أو أشخاص لا يمتلكون معلومات صحيحة.
وتابع أن هؤلاء يستخدمون وثائق مزيفة ونماذج توكيل قانوني لا قيمة لها، ويروجون لوهم الاحتلال، بما يطلق عليه الهجرة الآمنة التي يتكفل الاحتلال بتمويلها، في محاولة لتجميل الوجه القبيح لمخططات التهجير الجماعي، التي فشل الاحتلال في فرضها بالقوة، ويسعى اليوم لتمريرها بأساليب ناعمة مكشوفة.
إعلانوحذر المكتب، من خطورة الانجرار خلف هذه الدعاية المسمومة التي تخدم هدفا إستراتيجيا صهيونيا واضحا يحلم به الاحتلال منذ عقود طويلة، يتمثل في تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين، وتحقيق حلم إسرائيل.
كذلك حذر من تداول أرقام هواتف ومعلومات مشبوهة تُنشر ضمن هذه الحملات.
ودعا المواطنين للحذر الشديد واليقظة التامة، فبعض هذه الأرقام تُستخدم كأدوات تجنيد وتواصل أمني، بهدف إسقاط الشباب الفلسطيني بعد فشل الاحتلال الإسرائيلي في اختراق النسيج الوطني المقاوم.
وشدد بيان المكتب الإعلامي الحكومي على أن الهجرة من الوطن في ظل الاحتلال ليست خيارا آمنا، بل هي فخ مغلف بالوعود الكاذبة، تقود إلى الاستدراج والاعتقال والتحقيق أو الإعدام والقتل المباشر، خصوصا عند التنقل عبر المناطق الحساسة أو خارج الأطر القانونية والرسمية.
كذلك أكد أن الحالات القليلة التي غادرت قطاع غزة مؤخرا، معلومة تماما، وهي من فئة المرضى والجرحى الذين أتمّوا إجراءات السفر لتلقي العلاج في الخارج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مُهاجرين، وما يُشاع خلاف ذلك هو كذب متعمد وتحريف للوقائع.
وإزاء هذه الدعاية المسمومة، دعت حكومة غزة، الفلسطينيين إلى عدم الانسياق خلف الشائعات والمعلومات الزائفة وعدم المساهمة في ترويجها.
وحثت على إبلاغ جهات الاختصاص بشكل فوري عن أي جهة مشبوهة تحاول استغلال حاجة الناس أو الإيحاء بقدرتها على ترتيب هجرة قانونية.
كما دعت إلى التواصل مع الجهات المختصة للتأكد من أي معلومات، أو لطلب مساعدة ذات علاقة.
وأكدت حكومة غزة أنه لا تهاون مع كل من يثبت تورطه في ترويج هذه الأكاذيب والشائعات، أو التواصل مع جهات معادية لشعبنا الفلسطيني، حفاظا على أمن المجتمع وسلامة نسيجه الوطني.
وختمت بالتشديد على أن فلسطين أرض مقدسة، وهي ليست للبيع، والشعب الفلسطيني العظيم لن يُقتلع من هذه الأرض، والرباط فيها شرف ومقاومة، والهجرة منها وهم قاتل.
إعلانوفي 4 مارس/آذار الماضي، اعتمدت قمة عربية طارئة بشأن فلسطين خطة لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، على أن يستغرق تنفيذها 5 سنوات، وتكلف نحو 53 مليار دولار.
لكن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا الخطة وتمسكتا بمخطط يروج له الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.
وتحاصر إسرائيل غزة للعام الـ18، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم نحو 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ودخل القطاع مرحلة المجاعة، جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.