تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

زار قداسة البابا تواضروس الثاني، مساء اليوم كلية أوروبا في ناتولين بالعاصمة البولندية وارسو، وذلك في إطار زيارته التي بدأها اليوم لبولندا في أولى جولاته الرعوية بإيبارشية وسط أوروبا، والتي تأتي ضمن أجندة الزيارات الرعوية لقداسته لعام ٢٠٢٥، وتشمل لقاءات تفقدية لأبناء الكنيسة  صلوات قداسات إلى جانب لقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى بالدول التي سيزورها.

وتعد جامعة أوروبا واحدة من أعرق المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية في القارة الأوروبية.

 

أحمد الأنصاري سفير مصر في بولندا

كان في استقبال قداسة البابا أوشنيتسكا تاميتسكا، نائب رئيس الكلية، إلى جانب عدد من الأساتذة والمتخصصين في الشأن الأوروبي وبحضور السفير أحمد الأنصاري سفير مصر في بولندا ونيافة الأنبا چيوڤاني أسقف وسط أوروبا والوفد المرافق لقداسة البابا. 
ودون قداسته كلمة في سجل كبار الزوار ثم عقد لقاءً مع نائب رئيس الكلية وأعضاء هيئة التدريس، قبل أن يلقي محاضرته أمام الطلاب والأساتذة والتي جاءت بعنوان "في العالم ولكن ليس من العالم: رسالة الكنيسة والخير العام في العصر الحديث"

 

لحظة تاريخية مميزة في سجل الكلية

وفي كلمتها التي ألقتها ترحيبًا بقداسة البابا عبرت إيفا أوشنيتسكا تاميتسكا، عن سعادتها الكبيرة باستضافة قداسة البابا تواضروس الثاني والوفد المرافق له، واعتبرت أن هذه الزيارة تمثل لحظة تاريخية مميزة في سجل الكلية. 

وأوضحت أن كلية أوروبا في ناتولين، التي تأسست في بولندا عام ١٩٩٢، ليست مجرد مؤسسة أكاديمية، بل منبر حي للحوار البناء بين الثقافات والأديان والحضارات، مشيرة إلى أنها تسعى إلى إعداد جيل من القادة المؤمنين بقيم السلام، والانفتاح، والتعددية، والتفاهم المشترك التي تعد أساس بناء مستقبل مشترك يسوده السلام والتعاون.

وأكدت أن الكلية كرست جهودها منذ نشأتها لتعزيز الوحدة الأوروبية من خلال التعليم والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى، مؤكدة أنها تستقبل سنويًا طلابًا من أكثر من خمسين دولة، ما يجعلها منصة عالمية للحوار الثقافي والإنساني، ويثري التجربة الأكاديمية ويعزز فهم الآخر وقبوله.

 

لتاريخ المصري القديم يُدرس في المناهج التعليمية البولندية

وتحدثت عن مكانة مصر المميزة في وجدان البولنديين، مبينة أن التاريخ المصري القديم يُدرس في المناهج التعليمية البولندية منذ سنوات طويلة، مما يعبر عن احترام خاص للحضارة المصرية العريقة، ويجسد عمق الروابط الثقافية بين الشعبين. وفي ختام كلمتها،  وأعربت عن تقديرها لدعوة قداسة البابا تواضروس الثاني لها لزيارة مصر.

وألقى قداسة البابا محاضرته، ودعا في بدايتها، الحضور، إلى لحظات صمت تقديرًا لروح البابا الراحل فرنسيس، بابا الڤاتيكان، مقابل ما قدمه من دور متميز في خدمة الإنسانية.

وقدم الشكر لإدارة الكلية على دعوتها، مشيرًا إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، المتجذرة في أرض مصر، تحمل تحياتها الحارة لكل الشعوب ذات النية الحسنة، مذكّرًا بأن مصر هي الأرض التي احتضنت العائلة المقدسة حين لجأت إليها من العنف، ما جعل منها أرضًا للراحة، والسكينة، والحضور الإلهي الصامت، وهو إرث متجذر في الهوية الروحية للكنيسة القبطية.

 

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية متجذرة في أرض مصر
وعن موضوع المحاضرة "في العالم، لا من العالم"، أوضح أنها دعوة حقيقية، مفادها: كيف يمكن للكنيسة وللمؤمن أن يعيش في قلب الواقع الاجتماعي، مندمجًا فيه. مدللاً على ذلك بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تعيش متجذرة في أرض مصر، وفي نفس الوقت فهي ممتدة إلى عوالم كثيرة؛ مندمجة في المجتمعّ وهذه ليست مجرد مسألة روحية بل لها تبعات اجتماعية وسياسية لافتًا إلى أن الكنيسة تساهم في بناء المجتمع، وتقديم العدالة والشفاء، دون أن تصبح أداة لأيديولوجية أو طرفًا سياسيًا.

واستشهد قداسته بكلمات السيد المسيح "لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقُّ." (يو ١٧: ١٦ و ١٧) مؤكدًا أن الكنيسة القبطية منذ القرون الأولى فهمت رسالتها كشاهد لا كحاكم، وأن رسالتها عميقة في المحبة والحق والرجاء.

وأضاف: "نحن لا ننافس، بل نُكمل. لا نفرض، بل نقترح. لا ننعزل، بل ندمج. الكنيسة لا تسعى لتكون دولة داخل الدولة، بل تتحمل مسؤوليتها نحو مجتمعها كبوصلة أخلاقية، ملاذٍ آمنٍ، ووعاءٍ للنور"

 

 فكرة الرهبنة

ولفت قداسة البابا إلى ان فكرة الرهبنة التي انطلقت من الكنيسة القبطية: "الرهبنة وُلدت في مصر، في صحارى وادي النيل، على يد القديس أنطونيوس الكبير، أبونا الروحي وهو شخصية لها ثقلها في جميع التقاليد، فكل راهب وراهبة في الشرق والغرب، كاثوليكي أو أرثوذكسي، مدين لهذا الناسك المصري"

واستعرض مفهوم "الخير العام" في الفكر المسيحي، مشيرًا إلى ما قدمته الكنيسة عبر العصور من مدارس ومستشفيات ودور أيتام، وخدمة المسجونين واللاجئين، والتحدث بالحق في أزمنة الخطر.

ونوه: "نحن نعيش في زمن معقد، العلمانية تتسع، وتغريها الأيديولوجيات المتصلبة أو الانعزال، ولم يعد التطرف مقتصرًا على سوء فهم الدين، بل نشهد أيضًا أشكالاً جديدة من التطرف العلماني الذي يرفض الإيمان، ويخنق الحوار، ويضيق على الروح الإنسانية"، مشددًا على أن الكنيسة يجب أن ترفض كليهما قائلاً: "لا يمكننا أن نتخلى عن المجتمع، ولا أن نسمح بأن نُستعمل كأداة في الأجندات السياسية"

 

وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن

وعندما تتحدث الكنيسة عن قضايا مثل الهجرة أو البيئة أو حقوق الإنسان، فهي تفعل ذلك من منطلق إيمانها بأن الإنسان مخلوق على صورة الله، وله الحق في السلام والكرامة والعدالة.

واستكمل: "ربما لا توجد كنيسة تفهم هذا التوازن الدقيق مثل كنيسة مصر. على مدى ألفي عام، كنا جزءًا لا يتجزأ من الوطن، وفي الوقت ذاته، ظل الأقباط على إيمانهم رغم تعاقب الإمبراطوريات، وكان هدفهم دومًا أن يخدموا ويحبوا ويصمدوا"

وروى قداسته لحظة شخصية مؤثرة بعد سقوط نظام حكم متشدد عام 2013، حين تم الاعتداء على الكنائس والمؤسسات المسيحية، فقال: "شعرت آنذاك بمسؤولية أخلاقية لأتكلم، لأدعو للهدوء، ولأعيد التأكيد على الحياة المشتركة. قلت كلمات أكررها لكم اليوم، لا كبيان يأس، بل إعلان رجاء: (وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن).

وأضاف: "فدور الكنيسة ليس حماية الحجر، بل حفظ الروح الجماعية. يمكننا دائمًا إعادة البناء، لكننا لا نترك من دُعينا للعيش معهم وخدمتهم"

واختتم: "لا تخافوا هذا الطريق. شاركوا في مجتمعاتكم. أحبوا أوطانكم. دافعوا عن الحق. لكن احملوا معكم تواضع الخدمة، لا كبرياء السلطة، ولنسِر جميعًا معًا، كنيسة ومجتمع، مؤمنين وباحثين، رجاءً ومجروحين، نحو عالم تُصان فيه الكرامة، ويُسعى فيه إلى السلام، ويُكرم فيه البعد الإلهي في كل إنسان"

 

القادة وصناع القرار

يذكر ان كلية أوروبا بناتولين، استضافت على مدار تاريخها نخبة من القادة وصناع القرار العالميين، من بينهم: مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وفرانسوا هولاند رئيس فرنسا السابق، وأندجيه دودا رئيس بولندا الحالي، إلى جانب عدد من رؤساء الدول والحكومات والبرلمانات الأوروبية، مثل: شارل ميشيل، كاترين آشتون، هيرمان فان رومبوي، وميشيل بارنييه، بالإضافة إلى الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين.

عقب المحاضرة نظمت إدارة الكلية جولة لقداسة البابا داخل قصر ناتولين، حيث اصطحبه والوفد المرافق الدكتور أنيس عيسى، مدير برنامج الحوار الديني بالكلية، في جولة داخل القصر التاريخي الذي يحتضن مقر الكلية، للتعرف على تاريخه العريق ومكانته المعمارية والثقافية.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني العائلة المقدسة الکنیسة القبطیة البابا تواضروس قداسة البابا أن الکنیسة

إقرأ أيضاً:

ماذا قدّم البابا فرنسيس للكنيسة القبطية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في وقت يسوده الانقسام أحيانًا، قدّم البابا فرنسيس نموذجًا فريدًا في المحبة والاحترام المتبادل تجاه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. هذه أبرز محطات دعمه وعلاقته بالكنيسة القبطية:

اعتراف تاريخي بشهداء ليبيا الأقباط

في خطوة غير مسبوقة، اعترف البابا فرنسيس رسميًا بشهداء ليبيا من الأقباط، واصفًا إياهم بـ”الشهداء المسيحيين”. كما استشهد بإيمانهم وشجاعتهم، وطلب إدراجهم في السنكسار الكاثوليكي، وهو أمر يعكس تقديرًا عميقًا لشهادتهم.

استقبال حافل للبابا تواضروس في زيارتين تاريخيتين

استقبل البابا فرنسيس البابا تواضروس الثاني بمحبة بالغة خلال زيارتيه إلى روما عامي 2013 و2023. وفي الزيارة الأخيرة، دعا البابا فرنسيس نظيره القبطي لإلقاء كلمة في الاجتماع العام بساحة القديس بطرس، وهو أمر يحدث لأول مرة في التاريخ.

إعلان يوم الصداقة بين الكنيستين

أعلن البابا فرنسيس يوم 10 مايو من كل عام “يوم الصداقة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية”، تزامنًا مع الذكرى السنوية للقاء البابا شنودة الثالث والبابا يوحنا بولس السادس في عام 1973.

قدّاس قبطي أرثوذكسي في كنيسة لاتينية عريقة

في عهد البابا فرنسيس، أقيم لأول مرة قدّاس قبطي أرثوذكسي في كنيسة لاتينية في قلب روما كنيسة القديس يوحنا اللاتران، إحدى أقدم الكنائس في المدينة. تم ذلك بدعم وموافقة شخصية منه، في تعبير عن احترامه الكبير للكنيسة القبطية.

فتح باب الحوار اللاهوتي والتعاون المشترك

شجع البابا فرنسيس باستمرار على الحوار اللاهوتي الجاد، والتعاون المبني على الاحترام، رغم وجود اختلافات عقائدية بين الكنيستين.

صورة مشرفة للأقباط في الإعلام والمحافل الدولية

لم يذكر البابا فرنسيس الأقباط إلا بكل محبة وتقدير، ما ساهم في تحسين الصورة العالمية للكنيسة القبطية، ورسّخ مكانتها في الوجدان المسيحي العالمي.

 دعم متواصل في أوقات الأزماتلم يتردد البابا فرنسيس في دعم الأقباط إنسانيًا وسياسيًا، مؤكدًا دومًا على حقهم في العيش بسلام وأمان في وطنهم.
محبة تتخطى الكلمات

في وقت كان فيه كثيرون يهاجمون أو يقلّلون، اختار البابا فرنسيس أن يمد يده بمحبة. لا يمكن نسيان صورته وهو يصافح البابا تواضروس ببساطة ويخاطبه قائلاً: “صديقنا العزيز”.

 

مقالات مشابهة

  • الأب جون جبرائيل لـ«البوابة نيوز»: ليس هناك مشاكل عقائدية كبيرة بين الكنيسة القبطية والكاثوليكية
  • البابا تواضروس من كلية أوروبا ببولندا: مصر احتضنت العائلة المقدسة حين لجأت إليها
  • أجواء أبوية.. شاهد البابا تواضروس يشارك أبناء الكنيسة لحظات ودية في رحلة بولندا
  • قداسة البابا يصل إلى بولندا في زيارة رعوية لوسط أوروبا
  • "أجواء أبوية".. البابا تواضروس يجلس مع مجموعة من أبناء الكنيسة في الطائرة إلى بولندا
  • البابا تواضروس يبدأ زيارة رعوية لوسط أوروبا
  • البابا تواضروس يصل بولندا في زيارة رعوية لوسط أوروبا
  • البابا تواضروس الثاني يبدأ زيارة رعوية لـ "وسط أوروبا"
  • ماذا قدّم البابا فرنسيس للكنيسة القبطية؟