تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في لحظات نادرة من التاريخ، يمرّ بنا أشخاص لا تنتهي رسالتهم عند حدود الزمان، ولا تنحصر آثارهم في جغرافيا المكان، بل يمتد عطاؤهم ليصبح ضوءًا هاديًا يُضيء عتمات هذا العالم، ويظل حاضرًا في ضمير الإنسانية طويلًا بعد أن تخبو الأصوات وتفتر العزائم.

من بين هؤلاء الذين خلّدوا أثرهم في الضمائر والوجدان، يبرز قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان الراحل، بما حمله من روح متسامية، وعقل نيّر، وقلب يفيض رحمةً وسلامًا.

لقد عرفت في شخصه رمزًا للإنسانية بمعناها الأصيل، وقيمةً رفيعة من قيم السلام العابر للأديان والثقافات، كان رجلًا لا تشغله المناصب عن المبادئ، ولا تُغرِيه الألقاب عن القيم، بل ظل وفيًّا لرسالته، أمينًا على ضمير العالم، نقيّ الصوت في مواجهة صخب المصالح وتقلّب المواقف.

أشهد أنه كان صاحب مشروع عالمي للرحمة، يسير في دربه بخطى ثابتة، ومدّ يدًا ممدودة إلى الآخر أيًّا كانت ديانته أو ثقافته، مؤمنًا بأنّ ما يجمع الناس أعظم بكثير مما يُفرّقهم، وأنّ أبواب الخير لا تُغلق أمام القلوب الصادقة مهما تعددت الانتماءات.

وأشهد أن رسالته لم تكن حبيسة الخطابات أو المؤتمرات، بل كانت حاضرة في كل موقف يتطلب نصرة المظلوم، أو مساندة المهمّش، أو تثبيت قيمة إنسانية في عالم مضطرب، كان يرى في كل إنسان أخًا في الخلق، وشريكًا في المصير، ومهما اشتدت العواصف أو تعالت أصوات الانقسام، ظل ثابتًا على مبدأه، أن السلام حقّ للجميع، وأن الكرامة لا تُمنح لفئة دون أخرى، بل هي عطية إلهية تشمل البشر كافة.

لقد شرفت بلقاءٍ جمعني به في مقر إقامته بالفاتيكان، فوجدت فيه روحًا كبيرة، وتواضعًا كريمًا، وحكمة صافية، ودارت بيننا أحاديث وديّة عميقة حول مسارات تعزيز التفاهم والتلاقي بين أتباع الديانات، وكنت ممتنًّا لتلك الحفاوة النبيلة التي أحاطني بها، ولرفقة كريمة من المونسينيور يوأنس لحظي جيد، الذي كان شاهدًا على عمق التقدير المتبادل، وحرارة اللقاء الإنساني الصادق.

ولم يكن ذلك اللقاء إلا امتدادًا لخطٍ طويل من المواقف النبيلة التي جمعته بعدد من القيادات الدينية، وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حيث تكلّلت لقاءاتهما برسائل واضحة إلى العالم، تُعلن أن السلام ممكن، وأن الحوار ليس ترفًا فكريًّا بل ضرورة أخلاقية، وأنّ الرسالات السماوية ما جاءت إلا لتكون سندًا للضعيف، وعدلًا للمظلوم، وسلامًا للعالمين.

وسيظل التاريخ يسجل لهذا الرجل مواقفه النبيلة في وجه الحروب والنزاعات، ووقوفه الصريح مع المظلومين والمشردين، وحرصه الصادق على كرامة الإنسان، كائنًا من كان، حيث لم تكن إنسانيته طارئة ولا رد فعل، بل كانت مشروع حياةٍ آمن به، ودعا إليه، وسار فيه بثبات وإخلاص.

إن القيم التي حملها قداسته ستظل نبراسًا لكل صاحب ضمير حي، ومصدر إلهام لمن يسعى إلى صناعة عالم أكثر عدلًا ورحمة، وأدعو الله أن يُبقي ذكراه حيّة في ضمائر الأجيال، منارةً للسلام، وعنوانًا للتسامح، وصوتًا خالدًا للعقل والحكمة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: وزير الاوقاف أسامة الأزهري البابا فرنسيس

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يُنيب وزير الأوقاف في حضور عزاء بابا الفاتيكان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أناب الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، في حضور عزاء، قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان.

وكان وزير الأوقاف، قد نعى -ببالغ الحزن والأسى- بابا الفاتيكان، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعطاء والجهود الإنسانية النبيلة، متقدمًا بخالص العزاء وصادق المواساة إلى الكنيسة الكاثوليكية، وإلى جميع أبنائها حول العالم.

وأكد الوزير، أن البابا فرنسيس كان شخصية فريدة في عطائها، ورمزًا عالميًا في الدفاع عن القيم الإنسانية، ومثالًا يُحتذى به في الإخلاص لقضايا السلام؛ مشيرًا إلى أن الفقيد الراحل سطّر صفحات مضيئة في سجل التفاهم والتقارب بين الشعوب، وسعى بكل صدق إلى بناء جسور من المحبة والتسامح بين أتباع الديانات المختلفة.

وأضاف، أن التاريخ سيذكر للبابا فرنسيس مواقفه الشجاعة في إعلاء صوت الإنسانية في وجه الحروب والنزاعات، وحرصه على الدفاع عن المظلومين والفقراء واللاجئين، مشددًا على أن تلك الرسالة السامية التي حملها طوال حياته تمثل نموذجًا راقيًا.

وأشار «الأزهري»،  إلى أنه سيظل ممنونا للقاء الذي جمعه بقداسة البابا فرنسيس في مقر إقامته بالفاتيكان، شاكرا الحفاوة التي تفضل بها البابا، حيث دار بينهما حوار ودي عميق حول سبل تعزيز التفاهم بين أتباع الديانات، وقد شارك في اللقاء المونسينيور يوأنس لحظي جيد، السكرتير الشخصي السابق لقداسة البابا ورئيس مؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية، في مشهد يعكس عمق التقدير المتبادل، ويؤكد متانة العلاقات الروحية والإنسانية التي تربط بين القيادات الدينية الكبرى في العالم.

وأضاف ، أن اللقاءات التي جمعت البابا فرنسيس بعدد من القيادات الدينية في العالم، وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كانت خطوات فارقة في مسار تعزيز الحوار بين الأديان، وتأكيد أن الرسالات السماوية جاءت جميعها لترسيخ الرحمة والسلام في الأرض.

واختتم وزير الأوقاف، بيانه بالتأكيد على أن العالم فقد برحيل البابا فرنسيس صوتًا نقيًّا من أصوات الحكمة، وعقلًا مضيئًا من عقول التسامح، وقلبًا نابضًا بحب الخير للناس جميعًا.

مقالات مشابهة

  • د. عبدالله الغذامي يكتب: المواطنة العالمية
  • الرئيس السيسي يُنيب وزير الأوقاف في حضور عزاء بابا الفاتيكان
  • الكاردينال لويس خوسيه روييدا يقيم قداسًا لوادع البابا فرنسيس
  • المطران جوفاني بيترو دال توزو يلقي عظة تأبينية للبابا فرنسيس في عمّان
  • سامح قاسم يكتب | محمود الورداني.. صائد الخسارات النبيلة
  • محمد عبدالسلام يكتب: فرنسيس الإنسان.. زعيم روحي تجاوز الحواجز وبنى جسور الأخوة والحوار
  • الكنيسة في إفريقيا تودّع البابا فرنسيس: «صوت من لا صوت لهم وصديق إفريقيا»
  • سوريا تبكي البابا فرنسيس: رحيل رمز السلام والإنسانية
  • د. محمد بشاري يكتب: البابا فرنسيس.. رحيل رجل السلام وصوت الضمير الإنساني