تونس – لم يعثر علماء الوراثة على آثار جينية مباشرة كثيرة للفينيقيين من الشرق الأوسط في التركيبة الجينية لسكان المناطق الغربية والوسطى من إمبراطورية قرطاجة المتوسطية.

قام علماء الآثار القديمة بفك شفرة الجينومات لنحو مئتي فرد من ممثلي حضارتي قرطاج وفينيقيا، فاكتشفوا أدلة أولية تشير إلى أن معظم سكان قرطاج القدماء لم يكونوا مرتبطين جينيا بسكان صيدا وغيرها من المدن الفينيقية.

هذه النتائج توحي بأن انتشار هذه الحضارة تم من خلال الاستيعاب الثقافي أكثر من الانتقال الجيني، وفق ما أفادت به الخدمة الصحفية لمعهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية.”

قال الباحث هارالد رينغباور من المعهد: “لقد اكتشفنا آثارا جينية ضئيلة للفينيقيين الشرقيين في التركيب الجيني لسكان غرب ووسط المتوسط التابعين للإمبراطورية القرطاجية. هذه النتائج تستدعي إعادة تقييم آليات انتشار الحضارة الفينيقية، والتي يبدو أنها انتشرت عبر نقل التقاليد الحضارية والاستيعاب الثقافي، وليس عبر هجرات جماعية لناقليها.”

وتوصل الباحثون إلى هذا الاستنتاج  في إطار مشروع واسع النطاق مخصص لدراسة الإرث الجيني لفينيقيا وقرطاجة والمناطق المرتبطة بهما في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط. وكان ممثلو المدن الفينيقية ومستعمراتها السابقة من بين أكثر البحارة والتجار نشاطا في العصر القديم، مما أدى إلى انتشار ممتلكاتهم ومستعمراتهم من سواحل لبنان المعاصر إلى السواحل الجنوبية لإسبانيا.

للكشف عن تاريخ انتشار هذه الحضارة، قام رينغباور وفريقه البحثي بتحليل بقايا 210 فردا من الفينيقيين والقرطاجيين القدامى، الذين دُفنوا في 14 موقعاً أثرياً موزعاً على مناطق نفوذ هذه الحضارة، تشمل بلاد الشام وشمال أفريقيا وإيبيريا وصقلية وسردينيا ومناطق ساحلية أخرى في حوض المتوسط. واستطاع العلماء استخلاص وتحليل الجينومات الكاملة لهؤلاء الأفراد الذين عاشوا بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، ثم أجروا مقارنات جينية بينها.

أظهرت المقارنة بين مجموعات من 1.2 مليون طفرة نقطية في جينومات القرطاجيين والفينيقيين القدماء أن معظمهم لم يكونوا مرتبطين ببعضهم البعض. ومن الناحية الجينية كان القرطاجيون أكثر تشابها مع القادمين من بحر إيجه والسكان المحليين الذين عاشوا في جنوب إسبانيا المعاصرة وشمال أفريقيا، مقارنة بمواطني صيدا وبيروت (بيريتوس) وأخزيب وغيرها من المدن الفينيقية في الشرق الأوسط.

ومع ذلك سجل العلماء مستوى عال من التنوع الجيني وأصولا متنوعة لسكان كل مستوطنة قرطاجية على حدة، مما يشير إلى وجود اتصالات نشطة بين مناطق قرطاجة المختلفة وهجرات متكررة لسكانها. وعلى سبيل المثال، اكتشف علماء الوراثة زوجا من الأقارب المقربين، عاش أحدهما في صقلية والآخر في شمال إفريقيا. وهذا يؤكد الدور المهم للتبادل الثقافي والبشري في تشكيل ملامح القرطاجيين القدماء وتركيبتهم الجينية.

المصدر: تاس

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

مبادرة الحضارة العالمية: شراكة جديدة بين الحضارتين الصينية والعربية

د. غادة كمال
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

في هذا التوقيت الصعب، والعالم يتجه نحو الحروب وانتشار الفوضى من غزة ولبنان إلى اليمن، وأوكرانيا، والسودان، وتهب رياح الحرب الباردة من جديد، وتتعزز التحالفات والتكتلات في آسيا وأوروبا، ويشتد الصراع في أفريقيا، وتهتز أسس الاقتصاد العالمي، وتتسع الفجوة بين الطبقات، ويبدو وكأن العالم على حافة حرب عالمية جديدة، إن حدثت، لن يتعافى منها قبل مئات الأعوام.
وتأتي أهمية "مبادرة الحضارة العالمية" التي تهدف إلى استرداد مفاهيم التعايش السلمي، ومنع الحروب، وتخفيف التوتر الدولي الحالي. وهي نداء لتعزيز الحوار بين الشعوب، والتبادل الثقافي والفكري بين الحضارات، والتمسك بالقيم، وتفهُّم تقاليد وأنماط الحضارات المختلفة واحترامها، وتبادل المصالح، واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم تدخل دولة في شؤون دولة أخرى أو فرض هيمنتها عليها، وبناء التوافق السياسي، وتعزيز التعاون والمواءمات الاستراتيجية التي تحقق آمال الشعوب، وإرساء أسس سليمة لبناء تقدم الحضارات، وتعزيز الاستفادة المتبادلة بين مختلف الثقافات.
ولا شك أن مبادرة الحضارة العالمية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية خطوة هامة نحو تعظيم التقارب والتفاهم بين الثقافات المختلفة.

1. الصين والدول العربية

تمثل العلاقات الصينية العربية نموذجًا مهمًا في إطار العلاقات الخارجية لكل من بكين والدول العربية، حيث تتشابه الصين مع العالم العربي في انتماء كل منهما إلى أمة ذات حضارة تاريخية عريقة. وقد دعا الجانبان إلى تعزيز الحوار بين مختلف الحضارات والشعوب، ويجري التعاون بينهما في أنشطة متنوعة في مجالات التبادل الإنساني والثقافي من خلال منصات وآليات مثل منتدى التعاون الصيني-العربي ومنظمة التعاون الإسلامي، مما عزز التفاهم والصداقة بين الشعوب في العالم العربي والإسلامي والصين.
وقد شهدت العلاقات تطورًا كبيرًا خلال العقدين الأخيرين، إذ تواصل الصين والدول العربية تعزيز التعاون الاستراتيجي في كافة المجالات، حيث تدعم الدول العربية الجهود التي تبذلها الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية، وتلتزم دائمًا بمبدأ الصين الواحدة. في المقابل، تدعم الصين جهود الدول العربية لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي والحفاظ على السيادة وتسوية النزاعات بالحوار.
لذا، أصبح تعزيز التعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية والعربية أمرًا بالغ الأهمية لدفع الاستقرار والتنمية في الجنوب العالمي، وتحقيق ازدهار الحضارات. كما أن الحوار الحضاري والثقافي بين الجانبين ضرورة عصرية، ووسيلة لتحقيق المنفعة المشتركة بعيدًا عن منطق الهيمنة والمصلحة الضيقة.

2. آليات التعاون بين الحضارتين الصينية والعربية

شهدت مجالات التعاون تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة في المجالات الثقافية والتعليمية والتكنولوجية. ومنها:

• منتدى التعلم والاستفادة المتبادلة

عُقد "منتدى أعمال الحوار الحضاري لخطة التعاون 10+10 بين الجامعات الصينية والعربية" في أكتوبر 2024 بجامعة شانغهاي، كأحد مخرجات الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، وأكّد عليه الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ويُعد المنتدى قرارًا استراتيجيًا يهدف إلى تعميق التعاون الأكاديمي والثقافي والابتكار والتنمية المستدامة، لمواجهة التحديات العالمية، وتعزيز بناء مجتمع المصير المشترك.

• منتدى التعاون العربي-الصيني

يُعد المنتدى إطارًا فعالًا للحوار والتعاون في مختلف المجالات (السياسية، الاقتصادية، الثقافية). ويضم 19 آلية، منها المؤتمرات الوزارية والحوارات الاستراتيجية، وأصدر 85 وثيقة لتعزيز التعاون المشترك، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، مع توقيع اتفاقيات تبادل العملات مع دول عربية.
كما يشهد الجانبان نشاطًا كبيرًا في تعليم اللغتين الصينية والعربية، مما يعزز التفاهم الثقافي المتبادل.

• مبادرة الحزام والطريق

تمتد جذور التواصل الحضاري بين العرب والصينيين منذ طريق الحرير القديم، وتواصلت عبر "مبادرة الحزام والطريق"، التي نفذ الجانبان في إطارها أكثر من 200 مشروع تعاون.
ورغم الطابع الاقتصادي للمبادرة، إلا أنها تشمل أبعادًا ثقافية واستراتيجية عميقة، تعزز الاحترام المتبادل والترابط الحضاري بين الشعوب.

3. العلاقات المصرية-الصينية "نموذجًا"

العلاقات بين مصر والصين تاريخية، تعود إلى طريق الحرير القديم، واليوم تشهد هذه العلاقات نقلة نوعية في ظل شراكة استراتيجية شاملة.
وُقعت اتفاقيات متعددة تشمل التعاون الإعلامي والثقافي والتعليمي والاقتصادي، وتم تضمين اللغة الصينية في المناهج الدراسية المصرية، بجانب تبادل الزيارات، والبرامج الثقافية، وتوقيع برامج تنفيذية مشتركة.
تجسد هذه العلاقة نموذجًا للتعاون الثقافي بين الصين والدول العربية، وشراكة تسهم في بناء مجتمع المصير المشترك.

التحديات

صعوبة التواصل اللغوي.

ضعف الدراسات الأكاديمية عن الصين.

ضعف حركة الترجمة.

قلة الباحثين المتخصصين.

ضعف التعاون الإعلامي والثقافي.

اعتماد الإعلام على مصادر غربية.

التوصيات

تشجيع الترجمة بين اللغتين.

إنشاء آلية تواصل فعالة.

تنفيذ مشروعات بحثية مشتركة.

إنشاء قاعدة بيانات للخبراء.

تفعيل المراكز الثقافية وزيادة المنح الدراسية.

تنويع وسائل الإعلام وتبادل الوثائق والرؤى.

ختامًا

تمثل "مبادرة الحضارة العالمية" والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية خطوة ضرورية لبناء عالم أكثر فهمًا وتسامحًا، وتُعد دعوة لمواجهة خطابات الكراهية، وإرساء أسس السلام. وهو ما يستدعي إيجاد صيغة ملائمة للتعاون بين جميع الشعوب لصناعة مستقبل أكثر استقرارًا وإنسانية.

مقالات مشابهة

  • أصول الدين بالمنصورة تناقش جهود الأزهر في مؤتمرها الدولي.. الأحد
  • العراق يرسل وفداً رسمياً لدمشق للتباحث بملفات بينها تصدير النفط عبر البحر المتوسط
  • "لنا 5 مطالب" العاملون في المجلس الأعلى للآثار يستغيثون برئيس الجمهورية
  • إحباط تهريب أزيد من 11 ألف مفرقعة بميناء طنجة المتوسط
  • زاهي حواس: الحضارة والمتاحف المصرية لا يوجد مثيل لها عالميا
  • مبادرة الحضارة العالمية: شراكة جديدة بين الحضارتين الصينية والعربية
  • مصرع مهاجر من أصول أفريقية.. ماذا يحدث بسجون إيطاليا؟
  • الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن عند الولادة أقل استعدادا لدخول المدرسة
  • الصين ترفض "بشدة" الاتهامات الأمريكية بشأن أصول فيروس "كوفيد-19"